• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
حكم الاحتفال بمولده  صلى الله عليه وسلم

حكم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم

 

الحمدلله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً ومحمداً صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على الحجة البيضاء والحنيفية السمحة، لا يزيغ عنها إلاّ هالك، وحذرنا من الابتداع في دين الله ما لم ينزل به سلطاناً فقال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" [متفق عليه].

وفي رواية لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم إذ العمل المقبول لله عز وجل له شرطان:

1-         الصدق.

2-         وموافقة السنة.

أي له ميزانان ميزان باطن وميزان ظاهر.

فالميزان الباطن دليله قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى" [متفق عليه]. والميزان الظاهر دليله هذا الحديث.

الابتداع في دين الله ما لم ينزل به سلطاناً ضرره عظيم، وخطره جسيم، وهو ناقض للجزء الثاني من كلمة التوحيد: "أشهد أن محمداً رسول الله." إذ مضمونها: لا أعبد الله إلاّ بما شرعه لنا على لسان رسوله.

فالمبتدع مشرع مع الله عز وجل سواء كان بلسان الحال أو المقال، وإن حسُنت نيته فقد ساء فعله، وهو غير قانع بما شرعه له رسول الله، إذ البدعة لا تقوم إلاّ على انقاض السنة.

قال مالك رحمه الله: "من أحدث في الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن الرسول خان الرسالة"[المعيار المعرب للونشريسي جـ2|474].

فالخير كل الخير في الاتباع، والشر الذي لا يدنيه شر في الابتداع.

قال حذيفة بن اليمان: (كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله، فلا تعبدوها، فإن الأول لم يدع للآخر شيئاً، فاتقوا الله يا معشر القرآء، وخذوا بطريق من كان قبلكم) [الاعتصام للشاطبي جـ2|132].

ولهذا عد العلماء موت المبتدع فتحاً في الإسلام لأن بموته يغلق باب شر على الناس ويفتح باب نفع، سيما لو كان داعياً لبدعته مجاهراً بها، وفي المقابل فإن موت العالِم ثُلْمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار.

فويل لمن مات وخلف بدعة بعده فهو موعود بوزر جارعليه بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "....ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً" [الحديث].

عجباً من حرص وتمسك البعض بالبدع والخرافات وتهاونهم بالسنة والآداب المرعية:

من العجيب الغريب حرص الناس في هذه العصور المتأخره وتمسكهم بالبدع والعادات والخرافات في مقابل تهاونهم بالسنن والشرعيات. ولو تمسكوا بالأوامر الشرعية والآداب المرعية تمسكهم بالعادات والأعراف والبدع والمنكرات لانصلحت أمورهم ولاستقامت أحوالهم.

فبينما هم محيون للبدع يميتون الكثير من السنن، وبينما لا يتحرجون من رد السنن يتهيبون مخالفة العادات والتقاليد مع مخالفتها البينة للشرع.

قال ابن عقيل الحنبلي رحمه الله [في الفنون]: (لو تمسك الناس بالشرعيات تمسكهم بالخرافات، لاستقامت أمورهم، لأنهم لا يقدمون على إدخال مسافر على مريض... ولا يتزوجون في صفر، ولعل الواحد منهم لو عوتب على ترك الجمعة أو الجماعات أو لبس الحرير لأهون بالعتبة) [الآداب الشرعية لابن مفلح جـ3/225].

يهون على الكثيرين من المسلمين التخلف عن الجماعات واقتراف كبائر الذنوب والمحرمات، ويعز على أحدهم أن يفرط في إحياء الموالد والحوليات أو الاحتفال بالإسراء والمعراج وذكرى بعض الغزوات.

الأسباب التي دعت الناس يتهاونون في السنن والواجبات ويحرصون على البدع والمحدثات:

كثيرة وخطيرة وسنشير إلى أخطرها وهي:

1.         الجهل بالشرع.

2.         تفشي الفكر الإرجائي والانتساب للطرق الصوفية.

3.         عدم قيام ولاة الأمر من العلماء والحكام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إيثاراً للسلامة ومنافقة للمجتمع.

4.         تقليد الآباء والأجداد.

5.         ضعف الوازع الديني.

6.         بعض الشبه التي يرفعها البعض في استحباب ذلك.

7.         الزلات التي تصدر من بعض أهل العلم.

8.         اعتبار أن هذه البدع من الدين.

9.         تمسك أهل البدع ببدعهم ودفاعهم عنها.

ينتج عن ذلك صعوبة وعسر مواجهة هذه البدع ومحاولة إزالتها.

إذا كان عمر بن عبدالعزيز الخليفة الراشد الخامس ومجدد القرن الأول شكا من صعوبة إماتة البدع وإحياء السنن ورد الأمة إلى الأمر الأول حيث قال: (ألا وإني أعالج أمراً لا يعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وقضى عليه الأعجمي، وهاجر إليه الأعرابي حتى حسبوه ديناً لا يرون الحق غيره) فكيف بنا نحن [الاعتصام للشاطبي جـ1/32].

ومن قبل قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (اللهم إني أشكو إليك ضعف التقي وجلد الفاجر).

ما حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم:

بعد هذه المقدمة والتمهيد الذي لا بد منه ندلف إلى حكم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم هل هو مشروع أم غير مشروع؟ وما دليل مشروعيته إن كان مشروعاً، وما دليل عدم مشروعيته إن لم يكن مشروعاً؟

لقد أمرنا ربنا جل في علاه عند التنازع في أي أمر من امور الدين صغيراً كان أم كبيراً، سيما في العبادات، لأن العبادات توقيفية لا زيادة فيها ولا نقصان ولا دخل للاستحسان العقلي فيها قائلاً: }"فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً"{ [سورة النساء: 59]. ويجب الرضا والاستسلام لحكم الله ورسوله ولا يحل الاستنكاف والرد لأمرهما، وما من مسلم غالباً إلا وهو مقر بذلك نظرياً لكن عند المحك لا يستسلم كثير من المسلمين لهذا الأمر، فمنهم من يحيد، ومنهم من يجادل، ومنهم من يقلد ويتعصب، ومنهم من يتشبث ببعض الزلات والهفوات التي صدرت من بعض أهل العلم، ومنهم من يعتبر مجرد الخلاف حجة ومنهم من يرد الصحيح الصريح ويحتج عليه بقول أهل العلم.

ومعلوم من دين الله ضرورة أن مصادر التشريع هي الكتاب والسنة والاجماع والقياس. وأن الدين تم وكمل فماذا بعد التمام والكمال إلا النقصان والخسران؟ وأن ما لم يكن في ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً وكل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي ليست عبادة.

متى بدأ الاحتفال بمولده صلى الله عليه سولم؟ ومن الذي أحدثه وأشهره؟

معلوم من دين الله ضرورة كذلك أن الاحتفال السنوي بمولد صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول من كل عام أمر محدث لم يكن معروفاً ولا معمولاً به في القرون الثلاثة الفاضلة، وأن أول من أحدثه العبيديون المسمون بالفاطميين ومكانتهم من التشيع والزندقة ونبذ الكتاب والسنة، ومحادتهم للإسلام وأهله والكيد له لا ينتطح فيه عنزان. وهذا يكفي في بطلانه والدليل على نكارته وعدم مشروعيته.

يقول الإمام السخاوي رحمه الله: (عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد).

وقال الإمام تاج الدين الفاكهاني المالكي، أحد شراح الرسالة رحمه الله: (لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين ـ كالأئمة الأربعة ونحوهم ـ المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة، أحدثها البطَّالون، وشهوة نفسٍ اعتنى بها الأكَّالون، بدليل أنَّا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً!!

 وهو ليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً؟ لأن حقيقة المندوب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشارع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون، ولا العلماء المتدينون - فيما علمت - وهذا جوابي عنه بين يدي الله تعالى إن عنه سئلت.

ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين.

(فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً، أو محرماً) [سبل الهدي والرشاد جـ1/446 ـ 447].

ونقل السيوطي عن الحافظ ابن حجر قال: (وقد سئل شيخ الإسلام الحافظ ابو الفضل أحمد بن علي بن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة) [الحاوي للسيوطي جـ1/196].

وقال ابن الحاج المالكي: (ومن جملة ما أحدثوه من البدع، مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات وأظهر الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد.

إلى أن قال: وهذه المفاسد مركبة على فعل المولد إذا عمل بالسماع فإن خلا منه ـ وأنى يخلو منه!؟ ـ وعمل طعاماً فقط ونوى به المولد، ودعا إليه الإخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره من الضرب بالطبول والرقص والتواجد والاختلاط ـ فهو بدعة بنفس نيته فقط.

إذ أن ذلك زيادة في الدين، وليس من عمل السلف الماضين.. ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع فيسعنا ما يسعهم) [المدخل لابن الحاج المالكي جـ2/3 والصفحات التي تليها].

أول من أشهر الاحتفال بالمولد وتوسع في هذه البدعة

أول من أشهر الاحتفال بالمولد وسط عامة المسلمين الملك المظفر أبو سعيد كُوكْبُري صاحب أربل أحد سلاطين المماليك المتوفى 630 هـ وقد بدأ الاحتفال به في نهاية الربع الأول من القرن السابع الهجري 625 هـ وكان ذا سيرة حسنة وكان عدلاً وقد ذكر الذهبي رحمه الله شيئاً من جهاده وعدله وكرمه [السير جـ22/334 ـ 337].

ومن ثم انتشرت هذه البدعة السيئة بين المسلمين وعمت وطمت وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً، ولو علموا جرم الابتداع في دين الله ما لم ينزل به سلطاناً ما أقدموا على ذلك.

قال أبو شامة رحمه الله في [الباعث على انكار البدع والحوادث] ص30: (إن أول من أحدث مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي بالموصل الشيخ عمر بن الملاء أحد الصالحين المشهورين، قال: به أقتدى في ذلك صاحب أربل وغيره).

من تولى كبر التأصيل للاحتفال بالمولد

تولى كبر التأصيل للاحتفال بالمولد النبوي شيخان هما:

1.             الشيخ أبو الخطاب بن دحية سامحه الله حيث ألف مجلداً في المولد النبوي، سماه: (التنوير في مولد البشير النذير، للملك أبي سعيد كُوكْبُري فأجازه على ذلك بألف دينار).

2.             وتلاه الإمام السيوطي رحمه الله حيث صنف رسالة بعنوان: (حسن المقصد في المولد) مضمنة في كتابه الحاوي للفتاوي جـ1/189 ـ 197 أودع في هذه الرسالة شبهاً داحضة وحججاً واهية لمشروعية الاحتفال بالمولد فقد ترك هذان الشيخان شراً مستطيراً ووزراً جارياً عظيماً حيث نعق بهذه الشبهة الناعقون، فويل لمن مات وخلف بدعته بعده ورحم الله علماءنا الأخيار حين قالوا: من تتبع زلات العلماء وهفواتهم تزندق أو كاد وتجمع فيه الشر كله.

الشبه التي يتشبث بها المجيزون للاحتفال بالمولد ودحضها

يتشبث المجيزون للاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام بشبه داحضة وحجج واهية مدفوعة مردودة من غير دفع ولا رد، ولولا أنا نخشى أن يغتر بها البعض لما أشرنا إليها فالنصيحة تستوجب ذكرها ودحضها، أمثل هذه الشبه:

1.             اغترار البعض بتقسيم بعض أهل العلم البدعة إلى حسنة وقبيحة: ومن ثم ادرجوا الاحتفال في القسم الحسن من البدع وهذا التقسيم مردود بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" من غير استثناء مع تفاوت البدع فمنها ما هو كفر وشرك، ومنها ما هو حرام، ومنها ما هو مكروه وحاشا ان يكون منها حسن أو مباح دعك أن يكون واجباً أو مندوباً.

2.             الخلط بين المصالح المرسلة والبدع: البعض يحسن بعض البدع كالاحتفال بالمولد، والإسراء والمعراج، وأول العام الهجري، ونحوها قياساً على بعض المصالح المرسلة نحو جمع القرآن وتدوين السنة وتدوين العلوم وهلم جراً وبينهما ما بينهما من الفروق، فالمصالح المرسلة عبارة عن وسائل ولا دخل لها بالعبادات.

3.             التقليد: لسان حال كثير من المحتفلين: }"إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ"{ [سورة الزخرف: 23] فتقليد الآباء والأجداد هو الدليل القاطع على التمسك بهذه البدع المحدثات عندهم.

4.             ظن البعض أن مجرد الاختلاف في أي مسألة من المسائل ولو كان يعوزه الدليل حجة: ومعلوم أن الخلاف منه ما هو سائغ ومنه ما هو ممنوع محرم.

ليس كل خلاف يستراح له      إلا خلافاً له حظ من النظر

5.             سكوت جل العلماء عن بيان الحق والصدع به: إن رغباً أو رهباً جعل الكثير يرد على من يعترض على هذه البدع ويبين مخالفتها للشرع حيث لسان حالهم ومقالهم: لو كان الاحتفال بالمولد مثلاً بدعة لأنكره العالم الفلاني.  بل بعض هؤلاء المنتسبين إلى العلم منهم من يشارك في هذه المواليد والحوليات دعك أن يعترضوا على البدع والمحدثات.

6.             الشبه التي أثارها بعض العلماء: كابن دحية والسيوطي لموافقتها لما تهواه أنفس البعض.

7.             تمكين ولاة الأمر من الحكام لهذه البدع: وحمايتها والاعتراف بها ومشاركتهم فيها شجع على استمرار هذه البدع والتوسع فيها.

8.             تفشي الفكر الصوفي وانتشار الطرق الصوفية والانتساب إليها: وتبني ولاة الأمر لها ودعمها بطرق مباشرة وغير مباشرة.

9.             ضعف الوعي السني والعلم الشرعي.

10.          الخلل في مفهوم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم عند كثير من المسلمين: فعلامة المحبة الأولى هي الاتباع بحكم الله عز وجل: }"قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"{ [سورة آل عمران: 31].

حسن النية وحده لا يكفي

لا نشك أبداً أن الدافع لجل المحتفلين بمولده، سواء كان أسبوعياً، في ليلتي الاثنين والجمعة أو سنوياً في ربيع الأول هو محبتهم  لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن العبادات توقيفية فلا بد لها من شرطين: صدق النية والاتباع.

فإذا تخلف أحد هذين الشرطين بطل العمل، ولهذا قال الفضيل بن عياض رحمه الله في تأويل قوله تعالى: }"لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً"{ [سورة هود: 7]. قال: أصدقه وأصوبه، قيل: ما أصدقه وأصوبه؟ قال: ان يبتغي بالعمل وجه الله وحده، وأن يكون موافقاً للسنة أو كما قال.

لو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ديناً وسنة وقربة

لأمر به الرسول المشرع الكريم ولفعله الخلفاء الراشدون والصحب الميمونون، ولدونه العلماء المقتدى بهم في كتبهم ومصنفاتهم كما دونوا غيره من الوامر والنواهي والمعاملات والآداب والسلوك.

لو كان هذا العمل خيراً وسنة والله لما غفل عنه أولئك السابقون الأخيار وانتبه إليه الخلف واستدركه عليهم الفاطميون الزائغون عن منهج الله ورسوله.

ألم يأن للمسلمين أن يعلموا أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتباع وليست بالابتداع ولا بالرقص والتواجد وضرب الطبول، ولا بالسماع الصوفي المحرم المصحوب بالآلات الموسيقية؟!

محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تتحقق بالاعتصام بالكتاب والسنة وما أجمعت عليه الأمة سيما في القرون الثلاثة.

وكما قال حذيفة كل عبادة لم يتعبدها أهل بدر فليست بعبادة. إي وربي إنها ليست عبادة وإنما بدعة منكرة تباعد بين العبد وبين ربه.

ولله در الإمام الكبير، والفقيه النحرير، والتابعي الجليل، إبراهيم النخعي حين قال فرضاً: (لو رأيت الصحابة رضي الله عنهم يتوضؤون إلى الكعبين ما توضأت إلا كذلك، وأنا أقرأها إلى المرفقين. وذلك أنهم لا يتهمون في ترك سنة، وهم أرباب العلم، وهم أحرص خلق الله على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يظن ذلك بهم أحد إلا ذو ريبه) [المدخل لابن الحاج المالكي جـ2/122].

الرقص والتواجد والعزف على الطبول هو دين الكفار وعباد العجل

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام والسلف العظام يذكرون الله وكأنما على رؤوسهم الطير من الوقار والسكينة، أما الضرب على الأديم (النوبة والطار والربابة ونحوها) فهو دين الزنادقة والكفار وعباد العجل لما اتخذ لهم السامري عجلاً جسداً له خوار فقاموا حواليه يرقصون ويتواجدون.

هذا كله من البدع المنكرة والمحدثات المنفرة عن دين الله، والمضحكة لأعداء الدين وإليك هذه الفتاوى من بعض الأئمة المقتدى بهم، مالك، والمزني، وابن عطية المفسر، وأبو بكر الطرطوشي الفقيه المالكي، وابن القيم رحمهم الله.

1.             مالك بن أنس الإمام: سئل عن جماعة يرقصون ويتواجدون على الضرب بالطبول وعند السماع الصوفي: فقال: أأطفال هم؟ قيل: لا. قال: أمجانين هم؟ قيل: لا. فضحك وقال: ما كنت أظن أن مسلماً يفعل ذلك.

2.             قال ابن الحاج في المدخل [جـ 3/100]: وقد سئل الإمام أبو إبراهيم المزني رحمه الله، وكان من كبار أصحاب الشافعي رحمه الله، فقيل له: ما تقول في الرقص على الطار والشبابة؟ فقال: هذا لا يجوز في الدين. فقال: أما جوّزه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه؟

فأنشد رحمه الله:

حاشا الإمام الشافعي النبيه         أن يبتغي غير معاني نبيه

أو يترك السنّة في نسكه        أو يبتدع في الدين ما ليس فيه

أو يبتدع طاراً وشبّابة              لناسكٍ في دينه يقتديه

الضرب بالطارات في ليلة         والرقص والتصفيق فعل السفيه

هذا ابتداع وضلال في الورى      وليس في التنـزيل ما يقتضيه

ولا حديث عن نبي الهدى        ولا صحابي ولا تابعيه

بل جاهل يلعب في دينه         قد ضيع العمر بلهو وتيه

وراح في اللهو على رسله       وليس يخشى الموت إذ يعتريه

إن ولي الله لا يرتضي             إلا بما الله له يرتضيه

بل بصيام وقيام في الدجى      وآخر الليل لمستغفريه

إياك تغتر بأفعال من    لا يعرف العلم ولا يبتغيه

قد أكلوا الدنيا بدين لهم          ولبّسوا الأمر على جاهليه

جهلُ وطيشُ فعلهم كله          وكلّ من دان به تزدريه

شبه نساء جمعوا مأتماً          فقمن بالندب على ميّتيه

والضرب في الصدر كما قد ترى      ليس لهم غير النساء من شبيه

أنكر عليهم إن تكن قادراً        فهم رجال إبليس لا شك فيه

ولا تخف في الله من لائم        وفّقك الله لما يرتضيه

ثم قال ابن الحاج: وقد تقدم أن من ثبتت عدالته لا ينسب إليه إلا ما يليق بحاله وبطريقته من الخصال الحميدة، فمن ذكر عنه غير ما يناسبه كذِّب فيما ادّعاه وأُنكِر عليه.

ألا ترى أن المزني رحمه الله لما أن باشر الشافعي رحمه الله أنكر على من نسب إليه جواز السماع بما تقدم ذكره.

وقال الشافعي رحمه الله: لقد خلقت ببغداد شيئاً أحدثه الزنادقة، يشغلون به الناس عن كتاب الله، يسمونه التغيير نحو قولهم (عبادك المغبرة صب علينا المغفرة).

3.             ابن عطية المفسر رحمه الله

وقال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى عن أصحاب الكهف: } "وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا"{ [الكهف: ١٤].... قال ابن عطية: تعلقت الصوفية في القيام بقوله: }"إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ"{ قلت: وهذا تعلق غير صحيح! هؤلاء قاموا فذكروا الله على هدايته، وشكروا لما أولاهم من نعمه ونعمته ثم هاموا على وجوههم منقطعين إلى ربهم خائفين من قومهم، وهذا سنّة الله في الرسل والأنبياء والفضلاء والأولياء.

أين هذا من ضرب الأرض بالأقدام؟ والرقص بالأكمام؟! خاصة في هذه الأزمان، عند سماع الأصوات الحسان من المردان والنسوان، هيهات بينهما والله ما بين الأرض والسماء. ثم هذا حرام عند جماعة العلماء" [الجامع لأحكام القرآن، 10/366].

4.             أبو بكر الطرطوشي رحمه الله

وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى:  } قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى * قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا "{ [طه: ٩١ – ٩٢] :

"وسئل الإمام أبو بكر الطرطوشي، [أبو بكر الطرطوشي: هو محمد بن الوليد الفهري الأندلسي الطُرطُشي الفقيه المالكي الزاهد. كان إماماً عالماً عاملاً ورعاً ديناً متواضعاً متقشفاً متقللاً من الدنيا ولد سنة 451هـ، وتوفي سنة 520هـ، بالإسكندرية ومن أشهر تلاميذه أبو بكر بن العربي المالكي، والطرطوشي نسبة إلى طرطوشة مدينة في آخر بلاد الأندلس، وفيات الأعيان، جـ 4/262] رحمه الله: ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية؟ وأُعلم _حرس الله مدته_ أنه اجتمع جماعة من الرجال، فيكثرون من ذكر الله تعالى، وذكر محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنهم يضربون بالقضيب [القضيب: العود] على شيء من الأديم [الأديم: الجلد والمراد به ما يعرف بـ(النوبة والطار) في بعض البلاد الإسلامية, وهو الطبل]، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشياً عليه ويحضرون شيئاً يأكلونه. هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا مأجورين، وهذا القول الذي يذكرونه:

5.       

يا شيخ كف عن الذنوب          قبـل التفرق والزلل

واعمل لنفسك صالحاً             ما دام يدفعك العمل

أما الشباب فقد مضى            ومشيب رأسك قد نزل

وفي مثل هذا ونحوه.

الجواب: يرحمك الله. مذهب الصوفية بطالة، وجهالة, وضلالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله. وأما الرقص والتواجد فأوّل من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار [خوار: صوت البقر.] قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون، فهو دين الكفار وعباد العجل، وأما الضرب على القضيب فأوّل من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى، وإنما كان يجلس صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار.

فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ولا يعينهم على باطلهم. هذا مذهب مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق" [الجامع لأحكام القرآن، جـ 11/237-238].

6.             ابن القيم رحمه الله وقال العلامة ابن القيم رحمه الله [إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، جـ 1/224-235]: "ومن مكايد عدو الله ومصايده التي كاد بها من قلّ نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة، الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان: فهو قرآن الشيطان. والحجاب الكثيف عن الرحمن ... فلو رأيتهم عند ذاك السماع، وقد خشعت منهم الأصوات، وهدأت منهم الحركات، وعكفت قلوبهم بكلياتهم عليه. وانصبت انصبابة واحدة عليه. فيتمايلون له ولا كتمايل النسوان، وتكسروا في حركاتهم ورقصهم، أرأيت تكسر المخانيث والنسوان؟ ويحق لهم ذلك وقد خالط خماره النفوس، ففعل فيها أعظم ما يفعله حميا الكؤوس، فلغير الله، بل للشيطان قلوب هناك تمزق، وأثواب تشقق، وأموال في غير طاعة الله تنفق، حتى إذا عمل السكر فيهم عمله وبلغ الشيطان منهم أمنيته وأمله، واستفزهم بصوته وحِيَلِه، وأجلب عليهم برجله وخيله، وخز في صدورهم وخزاً، وأزّهم إلى ضرب الأرض أزّاً، فطوراً يجعلهم كالحمير حول المدار، وتارة كالدباب ترقص وسيط الديار ... ويا شماتة أعداء الإسلام بالدين، يزعمون أنهم خواص الإسلام، قضوا حياتهم لذة وطرباً، واتخذوا دينهم لهواً ولعباً، مزامير الشيطان أحبّ إليهم من استماع سور القرآن لو سمع أحدُهم القرآن من أوّله إلى آخره لما حرك ساكناً، ولا أزعج له قاطناً ولا أثار فيه وجداً.

تُلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة            لكنه إطراق ساه لاه

وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا           والله ما رقصوا لأجل الله

دفٌّ ومزمارٌ ونغمة شادن                 فمتى رأيتَ عبادةً بملاهي؟

ثقل الكتابُ عليهِمُ لَمَّا رأوا              تقييده بأوامرٍ ونواهي

سمعوا له رعداً وبرقاً إذ حوى           زجراً وتخويفاً بفعل مناهي

ورأوه أعظم قاطع للنفس عن          شهواتها، يا ذبحها المتناهي

وأتى السماع موافقاً أغراضها           فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه

الخلاصة:                               

الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم أسبوعياً كان أم سنوياً وبأي كيفية من الكيفيات سواء كان ذلك بدراسة سيرته في البيوت، أو بعمل الصيوانات والسرادق والخيام في الميادين العامة، سواء خلا من الرقص والتواجد والضرب على الطبول والسماع الصوفي أم لم يخل منها، وسواء اقتصر فيه على الخطب والمواعظ وسرد السيرة، كل ذلك من البدع المحدثة التي ليس لها أصل في كتاب الله ولا سنة رسول الله ولا إجماع الأمة وإنما أحدث في العصور المتأخرة تقليداً للفاطميين الزنادقة وللكفار في احتفالهم بمولد عيسى عليه السلام.

ولهذا لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعمل شيئاً من ذلك، أو يعين عليه، أو يكثر سواد أهل البدع فيه. وينبغي لولاة الأمر من العلماء والحكام أن يتقوا الله في أنفسهم وفي هذا الدين وفي إخوانهم المسلمين لا أن يجاروهم وينافقوهم ويبرروا لهم هذا الباطل ويهيئوا لهم الجو ويمكنوا من إقامة هذه البدع فالتعاون في ذلك من باب التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الرسول.

لقد أضاع جل ولاة الأمر من الحكام الإسلام باستبدالهم الذي هو أدنى ـ القوانين الوضعية ـ بالذي هو خير   ـ الأحكام الربانية ـ  وأفسحوا المجال للممارسات الشركية، وهيأوا الجو لفساد الأخلاق برعايتهم للفنون والرياضة.

واهتمامهم بسفاسف الأمور وإغفال معانيها، حيث أضحى حظ المسلمين من القرآن وشرعة ولد عدنان:

التبرك بتلاوة آيات من الذكر الحكيم في المجالس التشريعية وغيرها مصحوبة بتلاوة شيء من الكتاب المقدس، ورعاية الموالد والحوليات والأعياد البدعية والمناسبات الدينية وتعطيل العمل، والانتاج من أجلها: (عطلة أول السنة الهجرية، المولد، الرجبية) ولذلك فسحوا المجال للمفسدين في الأرض الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا حيث أطلقوا أيدي العاملين في وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية بجانب ما يدور في أركان النقاش في كثير من الجامعات من الكفريات والشركيات، وكذلك فتح المجال للمنصرين وللشيعة ولغيرهم من أصحاب الحركات الهدامة وأصبح لسان حالهم: إن للدين رباً يحميه.

أما الذي يهمهم ويرعونه صباح مساء حماية كراسيهم والبقاء في الحكم أطول مدة ممكنة.

اللهم ردنا إليك جميعاً رداً جميلاً وهب المسيئين منا للمحسنين، ولا تؤاخذنا بما فعلنا، وألطف بنا يا كريم، وارفع عن سوداننا وعن سائر بلاد المسلمين الغلا والوبا والربا والزنا والزلال والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وصلى الله وسلم على إمام الهدى وسيد الورى وعلى آله وصحبه النجباء ومن تبعهم بإحسان إلى يوم اللقاء.

 

** ملف خاص ( المولد النبوي... الشبهات والأبعاد السياسية)

 


أعلى