• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الضفة الغربية... الحرب الصامتة!

ما هي خطط الكيان الصهيوني تجاه الضفة الغربية، في ظل تسليح المستوطنين والعمليات العسكرية المتسارعة تجاه الضفة وسكانها ومخيماتها، ما هو سر النشاط العسكري الأردني على الحدود، والتحذيرات الأردنية من تهجير أهالي الضفة؟


"هناك حرب دائرة أيضًا في الضفة"

هذا مع صرح به وزير الخارجية الأردنية في مجلس الأمن الدولي في أوائل هذا الشهر، وأضاف أن هناك أكثر من 300 هجوم شنها المستوطنون منذ السابع من أكتوبر.

بينما العالم منشغل بالحرب المستعرة بغزة تجري تطورات خطيرة في الضفة الغربية، أطلق عليها البعض الحرب الصامتة.

فالهجمات العسكرية الصهيونية على البلدات الفلسطينية تتوسع يوميًا، وقتل مئات الفلسطينيين بشكل غير مسبوق، كما تمت حملة اعتقالات واسعة شملت عدة آلاف من الفلسطينيين، وهو رقم ضخم عند مقارنته بعدد المعتقلين في سجون الاحتلال والذي يتراوح من خمسة آلاف إلى ستة آلاف وهم الذين تريد حماس مبادلتهم بالصهاينة المحتجزين لديها.

والملاحظ أن حكومة الحرب الصهيونية قد أدخلت لأول مرة وحدات من الجيش الإسرائيلي والمظليين والطائرات المسيرة في عملياتها الجارية في الضفة.

وجاءت تصريحات سربتها وسائل إعلام إسرائيلية لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، لتؤكد أن تلك الحرب التي يشنها الصهاينة على الفلسطينيين ليست فقط في الضفة، بل لكل ما هو فلسطيني وفق خطط ممنهجة، فقد قال: إن إسرائيل مستعدة لمحاربة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وأضاف نتنياهو أن إسرائيل جاهزة لسيناريو تقلب فيه فوهات البنادق، وتوجهها نحو قوات السلطة.

 

الضفة الغربية هي جزء من أرض فلسطين التاريخية والتي كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني منذ عشرينات القرن الماضي، حيث تشكل نحو 21% من مساحة فلسطين التاريخية، ولم يكن تسميتها بذلك الاسم حتى تم ضمها إلى الأردن في مؤتمر أريحا عام 1951

وهنا تطرح عدة أسئلة تثير الشكوك والهواجس فيما يقدم عليه الكيان الصهيوني:

لماذا قامت حكومة الحرب الصهيونية بتوزيع ٢٥٠ ألف قطعة سلاح على ما يقرب من مليون مستوطن ممن يعيشون في الضفة؟

ما السر في التصريحات المتوالية والمتكررة من الساسة الأمريكيين والتي تحذر الحكومة الصهيونية بضرورة ضبط المستوطنين في الضفة ووقف هجماتهم على الفلسطينيين؟

هل يقصد الأمريكان الهجمات الحالية، فهي لم تتوقف منذ فترة طويلة ولم ينبس مسئولو الإدارة الأمريكية ببنت شفة؟ فلماذا الآن؟ وهل يتوقعون هجمات في الأيام القادمة تكون بمثابة شروع في تهجير فلسطينيي الضفة إلى الأردن؟

هل ستجري دولة الكيان حرب إبادة مماثلة لما يحدث الآن في غزة؟

هل خطة التهجير ستكون هي الخيار الذي يتبقى للصهاينة لحل المشكلة الديموغرافية الفلسطينية نهائيًا في الضفة وغزة؟ خاصة أن دوائر عالمية وإقليمية ليس لها حديث إلا عن وضع غزة بعد استيلاء جيش الكيان عليها.

وعلى مستوى آخر، لماذا حركت الحكومة الأردنية وحدات كبيرة من قواتها المسلحة باتجاه الحدود مع دولة الاحتلال؟ هل تتوقع سيناريو تهجير مماثلا لما قد يحدث في غزة؟ وهل قرارها هو قرار أردني خالص أم جاء بطلب أمريكي؟

ولماذا أقدمت الحكومة الأردنية على إقامة مستشفى جديد شمال نابلس في الأيام القليلة الماضية؟

وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة يجب علينا معرفة أولاً الأهمية الاستراتيجية للضفة الغربية بالنسبة للكيان الصهيوني، ثم نشرع في توضيح استراتيجياته تجاه الضفة، وخاصة مع يتعلق منها بالتهجير.

الضفة والكيان الصهيوني

الضفة الغربية هي جزء من أرض فلسطين التاريخية والتي كانت واقعة تحت الانتداب البريطاني منذ عشرينات القرن الماضي، حيث تشكل نحو 21% من مساحة فلسطين التاريخية، ولم يكن تسميتها بذلك الاسم حتى تم ضمها إلى الأردن في مؤتمر أريحا عام 1951، ونظرًا لوقوعها غرب نهر الأردن فقد جرى تسميتها بالضفة الغربية بينما الضفة الشرقية للنهر هي التي يطلق عليها الأردن الآن، وبالرغم من أن الكيان الصهيوني قد احتلها عام 1967، فقد ظلت إداريًا تتبع الأردن حتى عام 1988 حين اندلعت الانتفاضة الفلسطينية، وبعدها أعلن ملك الأردن حسين بن طلال فك الارتباط بالضفة الغربية.

وتحيط بالضفة الغربية دولة الكيان الصهيوني من جميع الجهات، باستثناء الحدود الشرقية التي تفصلها عن الأردن.

وتضم الضفة الغربية 16 مدينة غير القرى، وأشهرها القدس ورام الله ونابلس والخليل.

وتم جمع الضفة الغربية عدا القدس مع غزة إلى ما يسمى بالسلطة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو عام 1993، وهي سلطة للحكم الذاتي الفلسطيني ولم تقبل دول الكيان الصهيوني تطورها إلى مستوى دولة.

وقضى اتفاق أوسلو بتقسيم الضفة الغربية بشكل مؤقت كمرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات، حيث قسمت الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق وهي المناطق: (أ)، (ب)، (ج). ولكل منطقة من هذه المناطق ترتيبات إدارية وأمنية مختلفة، فبينما تقع المنطقة (أ) تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة، فإن المنطقة (ج) تقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، مع وجود الجيش الإسرائيلي، وتشمل المنطقة (ج) المستوطنات والطرق الالتفافية والمناطق الحدودية.

كان من المفترض أن يتم نقل مناطق (ب) و (ج) من السيطرة الإسرائيلية إلى السيطرة الفلسطينية، وجعلها ضمن حدود الإدارة الفلسطينية مثل مناطق (أ)، إلا أن أي من هذا لم يحدث.

استراتيجيات صهيونية

تمحورت استراتيجيات دولة الكيان لتطبيق أهدافها حول بعدين: توسيع الاستيطان، ثم قمع الفلسطينيين وتفعيل خطط التهجير إن أمكن.

بالنسبة للاستيطان: في أعقاب حرب 1967، وضع الكيان الصهيوني خطة لضم مساحات شاسعة من الضفة الغربية، وبعدها بعشرة أعوام في عهد "مناحيم بيغن" وحزبه الليكود، تم طرح برنامج إسرائيل الكبرى الداعي إلى ضم الضفة، معارضًا التنازلات الدولية في ما أسماه بقلب المنطقة التوراتية.

 

بعد أن كانت الضفة الغربية خالية تماما من المستوطنات عام 1967، بلغ عددها مع بداية عام 2023 نحو 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية، يسكنها 726 ألفا و427 مستوطنا.و شكلت المستوطنات الإسرائيلية ما نسبته 42% من مساحة الضفة الغربية

وبعد توقيع اتفاقية أوسلو، رغم موافقة غالبية الأطياف السياسية الإسرائيلية خلالها على فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، شكليًا على الأقل. وفي العقود الثلاثة الأخيرة، واصل اليمين الإسرائيلي حمل لواء الاستيطان، فجاءت تحركات مثل التي تزعمها نفتالي بينيت وهو أحد أقطاب الصهيونية الدينية، الذي طالب فور دخوله المجال السياسي عام 2013 بالضم الكامل للمنطقة ج، بالمخالفة لاتفاقية أوسلو. ومع وصوله إلى سدة الحكم عام 2021، قاد بينيت حكومته لترسيخ حكم الاحتلال في المنطقة "ج"، ما دفع فادي الهدمي، وزير شؤون القدس الفلسطيني، للتصريح بأن العام الذي قضته حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت كان الأصعب والأخطر على مدينة القدس وسكانها، حيث تمت المصادقة الأولية على بناء 14,108 وحدات استيطانية، وهدم 270 منزلا فلسطينيّا.

تسارع تطبيق خطط الاستيطان بعد وصول وزراء الصهيونية الدينية للائتلاف الحكومي، وهم أكبر مؤيدي التوسع الاستيطاني، في البداية نجحوا في مصادرة الاحتلال لأكثر من مليون دونم من الأراضي الفلسطينية، وأعقب ذلك وبالتحديد في الثامن عشر من يونيو الماضي أي منذ ستة شهور، صادق الاحتلال على خطة أُطلق عليه (خطة إسرائيل الحاسمة) تهدف لتقصير الفترة الزمنية اللازمة لإصدار موافقات البناء في مستوطنات الضفة الغربية، وتمنح الخطة وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريش الصلاحية الكاملة للموافقة على خطط بناء المستوطنات دون الحاجة إلى انتظار موافقة رئيس الوزراء ووزير الدفاع.

تبعًا لتلك الخطة التي وضعها وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش، فقد تم وضع الفلسطينيين أمام خيارَين: إما التخلّي عن تطلّعاتهم السياسية والقبول بالعيش كمواطنين من الدرجة الثانية على أرضهم، أو الهجرة إلى الخارج. أما إذا اختار الفلسطينيون الانخراط في المقاومة المسلّحة ضدّ إسرائيل، فينبغي قتلهم.

وبعد أن كانت الضفة الغربية خالية تماما من المستوطنات عام 1967، بلغ عددها مع بداية عام 2023 نحو 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية، يسكنها 726 ألفا و427 مستوطنا.و شكلت المستوطنات الإسرائيلية ما نسبته 42% من مساحة الضفة الغربية، وتمت السيطرة على 68% من مساحة المنطقة "ج" لمصلحة المستوطنات، وهي منطقة تضم 87% من موارد الضفة الغربية الطبيعية و90% من غاباتها و49% من طرقها.

ورسخت السياسات الاستيطانية مشروع تفتيت الضفة الغربية، وعزل المواطنين الفلسطينيين في مناطق محدودة المساحة مقطعة الأوصال، وعملت على تجزئة الأسواق والمجتمعات المحلية الفلسطينية، ومنعت من تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، إضافة إلى انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، وإلغاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية.

أما بالنسبة لقمع الفلسطينيين في الضفة، فقد تضمن أشكالاً كثيرة وخاصة بعد طوفان الأقصى مثل التوغّلات العسكرية والمداهمات الليلية، والاعتقالات التعسّفية الجماعية، وعمليات القتل.

فعمليات القتل المتعمد للشباب المقاوم، وطبقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وحتى يوم الثالث عشر من الشهر الحالي، قد بلغت 282 شهيدًا من الضفة الغربية منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة، منهم 70 طفلا.

وتُضاف هذه الأرقام إلى أكثر من 200 فلسطيني قُتِلوا بين يناير وسبتمبر 2023، أي قبل طوفان الأقصى.

فأمسى العام 2023 العام الأكثر إراقةً لدماء للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ أن بدأ مكتب الأمم المتحدة في تسجيل عمليات القتل في العام 2005.

ولكن هل هناك خطط تهجير مرتقبة مثل مثيلتها في غزة؟

التهجير

أقوى المؤشرات على ذلك هو تحريك الأردن دباباتها على الحدود مع فلسطين، ثم عمليات تهريب الأسلحة للمقاومة في الضفة من خلال الحدود الأردنية والتي أعلن الكيان الصهيوني عن ضبط إحداها.

هناك عدة احتمالات لتفسير التصعيد الأردني الأخير:

الأول كثرة الحديث في الأيام الأخيرة عن رغبة أمريكية صهيونية في تبديل السلطة الفلسطينية، وهذا قد يؤدي إلى مواجهات دامية بين أطراف تلك السلطة، بين جناح "أبو مازن" وجناح دحلان في الضفة الغربية، والأردن لها مصلحة في عدم وجود انهيار أمني في الضفة.

الاحتمال الثاني، هو تسلح المستوطنين في الضفة بطريقة غير طبيعية، وتحريضهم علنًا على الفلسطينيين خاصة ضد قرى عربية مثل حوارة وغيرها، والتي بلغت تهديدها بمحوها من الخارطة تمامًا وإبادتها.

الاحتمال الثالث، هو قيام الحكومة الصهيونية بحملة عسكرية على جنين ونابلس وطولكرم ومخيماتها، وهذه الحملة ليست كالتي يقوم بها الجيش الصهيوني منذ فترة، ولكنها تختلف في أهدافها لتصل إلى تهجير أهلها من الفلسطينيين وتفريغها من سكانها في سيناريو أشبه بما يحدث في شمال غزة، وهذا الأمر سيتبعه نزوح كبير من الفلسطينيين تجاه الأردن.

يقول الإعلامي الأردني سمير الحياني: إن هذا التحرك العسكري رسالة إلى الكيان الصهيوني مفادها أن الأردن جاهز للحرب، إذا ما تمت خطة تهجير الفلسطينيين إلى الأراضي الأردنية.

 وأعلن وزير الخارجية الأردنية صراحة، أن البدء في تهجير الفلسطينيين إلى الأردن هو بمثابة إعلان حرب.

لا شك أن الأيام والأسابيع القادمة حاسمة بالنسبة لمستقبل الصراع في فلسطين، نظرًا لما يجري سواء في الضفة الغربية أو في غزة، والذي سينعكس حتمًا على المنطقة كلها.

أعلى