• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ترامب يفوز في الأرجنتين.. خافيير ميلي رئيسًا في بلاد الفضة!

أحدث فوز الأرجنتين خافيير ميلي بمنصب الرئاسة جدلا واسعا في العالم، فهو رجل غريب الأطوار، يميني متطور، آراءه مثير للجدل، ومن جهة أخرى فهو موالي لليهود وإسرائيل ويكيل لها المديح، ويبقى السؤال كيف وصل ميلي إلى الرئاسة وما الذي سيفعله في الأرجنتين؟


تعاني الأرجنتين، الدولة اللاتينية المعروفة باسم بلاد الفضة، منذ سنوات من ضغوط كبيرة نتيجة تدهور اقتصادها وارتفاع معدلات الفقر وتفشي الفساد، ونتيجة الركود الاقتصادي المتواصل وارتفاع عدد الفقراء توسّعت موجة من السخط والغضب العميق لدى المواطنين انعكست في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في العدول عن تأييد الوجوه السياسية المعتدلة والتوجه نحو تأييد خيارات شعبوية متطرفة، كان خيار الناخبين الأرجنتينيين المفضل هو المحلل التلفزيوني والاقتصادي الليبرالي المتطرف خافيير ميلي، وجه جديد على الساحة السياسية الأرجنتينية ويحمل أفكار زملائه الشعبويين اليمينيين مثل دونالد ترامب وجايير بولسونارو وبوريس جونسون، فمن هو خافيير ميلي الذي صنع اسمه باستخفاف الناس له على وسائل الإعلام وبتسريحة شعره الغريبة وأفكاره الغريبة، حتى أصبح الآن زعيمًا لليمين المتطرف في بلاده؟

سيرة ذاتية غامضة

عندما أعلن خافيير ميلي عن دخوله عالم السياسة في عام 2020م في محاولة لـ "تفجير النظام" القائم في الأرجنتين واستبداله بنمط أكثر مرونة وحداثة، توقع قليلون أنه بعد 3 سنوات فقط يمكن أن يصل الاقتصادي ذو الآراء الغريبة والمحلل التلفزيوني السابق إلى الرئاسة بهذه السرعة، تقول سيرته الذاتية إنه وُلد في بوينس آيرس في 22 أكتوبر 1970م، وعانى في طفولته المضطربة من إساءة معاملة الوالدين والتنمر في ساحة المدرسة خلال الثمانينيات، لا يُعرف الكثير عن تلك الفترة من حياته بَيْد أن هناك كتابًا يحمل اسم "إل لوكو" أو الرجل المجنون، من تأليف الصحفي خوان لويس غونزاليس، يمثل سيرة ذاتية غير مصرح بها ويتناول بعضًا من جوانب حياته الغامضة، وقد أشار غونزاليس في الكتاب إلى أن " ما يقلقني أكثر من أفكار مايلي، هي حالته العقلية واستقراره العاطفي"، وعندما سُئِلَ عن وصفه بالمجنون، قال: "الفرق بين العبقري والمجنون هو النجاح".

 

رغم أن هناك من يؤيدونه بشدة، فإن العديد ممن دعموه كانوا يعبرون فقط عن اشمئزازهم من التحالف الذي هيمن لفترة طويلة على حكم البلاد وعجزه عن وقف دورة العجز والاقتراض وطباعة الأموال والتضخم في الأرجنتين

حصل ميلي على شهادة في الاقتصاد من جامعة بلغرانو، كما حصل أيضًا على دراسات عليا في النظرية الاقتصادية في معهد التنمية الاقتصادية والاجتماعية ودرجة الدراسات العليا في الاقتصاد في جامعة توركواتو ديتيلا، من بين عدة وظائف تولاها، عمل ميلي كمستشار اقتصادي لأنطونيو بوسي، الجنرال السابق المدان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والذي شغل منصب حاكم مقاطعة توكومان بين عامي 1995م و1999م، كما عمل كخبير اقتصادي لسنوات عديدة لدى أحد أغنى رجال الأرجنتين، الملياردير إدواردو أورنيكيان، بدأ ميلي في الظهور في البرامج التلفزيونية في عام 2015م، حيث اكتسبت تصريحاته الصاخبة ضد الحكومة زخمًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يتم تشكيل حزبه "ليبرتاد أفانزا" إلا قبل انتخابات 2021 عندما أصبح مُشرّعًا عن بوينس آيرس، لطالما كانت تربطه علاقة قوية مع الديانة اليهودية، والتي تجلت في العديد من الإجراءات والتصريحات العامة وكشف مايلي أنه تواصل مع الحاخام شمعون أكسل واهنيش في أوائل عام 2021م، حيث كان يرغب في اعتناق اليهودية.

مرشح هامشي ثم رئيس!

أثناء الحملات الانتخابية التمهيدية في الأرجنتين، كان يُنظر إلى خافيير ميلي، البالغ من العمر 52 عامًا، على أنه عرض جانبي في السباق الرئاسي ولم يؤخذ على محمل الجد من قبل خصومه أو حتى وسائل الإعلام، كان ميلي يركز على وعد ثابت بأنه وحده القادر على حل المشاكل الاقتصادية العميقة في البلاد، فاجأ ميلي منظمي استطلاعات الرأي في أغسطس الماضي عندما فاز في الانتخابات التمهيدية المفتوحة في الأرجنتين بحوالي 30% من الأصوات، حيث تقدم على منافسيه الرئيسيين في استطلاعات الرأي: سيرجيو ماسا، وزير الاقتصاد الأرجنتيني المنتمي إلى يسار الوسط، وباتريشيا بولريتش، وزيرة الأمن اليمينية السابقة، ومنذ ذلك الحين تلقى ميلي تغطية إخبارية شبه شاملة، وباتت مقترحاته الاقتصادية المتطرفة أو شخصيته الغريبة محط اهتمام كبير، ومع التوجه إلى جولة الإعادة أصبح ميلي هو الأوفر حظًا للفوز في الانتخابات مباشرة.

رغم أن هناك من يؤيدونه بشدة، فإن العديد ممن دعموه كانوا يعبرون فقط عن اشمئزازهم من التحالف الذي هيمن لفترة طويلة على حكم البلاد وعجزه عن وقف دورة العجز والاقتراض وطباعة الأموال والتضخم في الأرجنتين، ففي وقتٍ نشأ فيه جيل كامل من الأرجنتينيين في ظل اقتصاد يعيش حالة شبه دائمة من الأزمة، شهد ميلي وائتلافه "ليبرتاد أفانزا" ارتفاعًا كبيرًا في الدعم والشعبية، وخاصة بين الشباب، وعندما ازدادت حدة الأوضاع الاقتصادية هذا العام مع اتجاه التضخم نحو 150% وتراجع العملة وتزايد الفقر، تزايدت بالتبعية شعبية ميلي الذي فاز في جولة الإعادة ضد ماسا، وكان موقفه القتالي بمثابة مانع لغضب الناخبين من أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ عقود، أظهرت النتائج حصول ميلي على حوالي 56% من الأصوات وماسا على 44%، وقد اعترف ماسا بالهزيمة حتى من قبل انتهاء فرز الأصوات، وقد وصف المحللون فوز ميلي بأنه "زلزال سياسي أرسل هزات في العمود الفقري الاشتراكي للأرجنتين".

أفكار غريبة وآراء متطرفة

إذا نجح في الوفاء بوعوده، فإن ميلي سيقلب سياسات الدولة التي يبلغ عدد سكانها 46 مليون نسمة، رأسًا على عقب، لا سيما وأن تعهداته تتمحور حول أفكار غريبة على الحياة السياسية والاقتصادية التقليدية في الأرجنتين، ويمكننا ملاحظة هذه الأفكار في النقاط التالية:

الأفكار الاقتصادية:

ينوي ميلي إلغاء البنك المركزي الأرجنتيني والتخلي عن البيزو الأرجنتيني والاعتماد على الدولار الأمريكي، لكن دولرة الاقتصاد الأرجنتيني ستتطلب عشرات المليارات من الدولارات وليس من الواضح حتى الآن من أين يمكن للأرجنتين أن تحصل على مثل هذه المبالغ، لا سيما وأنها تكافح من أجل سداد دين بقيمة 44 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، يُذكر أن ميلي حاصل على درجتي ماجستير في الاقتصاد، لذا فإنه يعبّر عن آرائه حول السياسة النقدية معتبرًا نفسه خبيرًا فيما يسمّيها بالرأسمالية اللاسلطوية، وقد ظهر في العشرات من فعاليات الحملة الانتخابية وهو يحمل منشارًا كرمز ضمني للتعديلات المالية التي يعتزم تطبيقها، أو يحمل ورقة نقدية عملاقة بقيمة 100 دولار تحمل صورة وجهه للترويج لاقتراحه لتحويل الاقتصاد الأرجنتيني إلى الدولرة، وتعهد بإجراء إصلاح شامل للحكومة عبر خفض عدد الوزارات الاتحادية إلى 8 وزارات بدلًا من 18، وخفض الإنفاق الفيدرالي بنسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي للأرجنتين، وليس من المستغرب أن يتوق الأرجنتينيون إلى التغيير، بعدما أدت عقود من سوء الإدارة الاقتصادية، والتي كان معظمها في أيدي الحزب البيروني الحالي الذي يتزعمه ماسا، إلى إغراق الأرجنتين في أزمة مالية كبيرة، ففي أبريل 2020 وبالتزامن مع فترة بداية وباء كورونا، كان سعر الدولار الواحد بشكل رسمي حوالي 80 بيزو، في كان السعر الحقيقي يساوي أكثر من 1000 بيزو.

 

قال ميلي إن أول قرار سيتخذه على صعيد العلاقات الخارجية هو نقل سفارة بلاده إلى القدس بدلًا من تل أبيب، وكشف عن أنه سيركّز سياسته الخارجية على ما أسماه المحور الأمريكي - الإسرائيلي

تغيير هيكل الدولة:

كثيرًا ما وصف الدولة بأنها "منظمة إجرامية تجمع الضرائب تحت تهديد السلاح"، ويرى ميلي في نفسه الشخص المُخلّص المدفوع بمهمة تقليص دور الحكومة وإزالتها من حياة الناس، وقد تعهد بخفض الضرائب وخصخصة صناعات الدولة، وتحويل التعليم العام إلى نظام قائم على القسائم، وتحويل الرعاية الصحية العامة إلى نظام قائم على التأمين، كما تعهد بتخفيف الضوابط وجعلها أكثر مرونة على بيع الأسلحة، وأعلن أن تغير المناخ ما هو إلا جزء من الأجندة الاشتراكية.

آراء اجتماعية:

من اللافت أيضًا أن مُثُل ميلي التحررية جعلته أقل تحفظًا في بعض القضايا الاجتماعية، فهو يرى أن الدولة ليست مضطرة إلى التحفظ أو منع الكثير من الأمور، فنجده يعبّر عن رغبته في دعم تقنين المخدرات، وفتح الهجرة، والسماح بزواج المثليين وبيع الأعضاء البشرية، وفي حين أن الإجهاض قانونيًا في الأرجنتين منذ عام 2020، إلا أن ميلي وصفه بأنه "جريمة قتل" ووعد بطرحه للاستفتاء.

السياسة الخارجية:

وصف الصين ـ ثاني أكبر شريك تجاري للأرجنتين ـ بأنها دولة قاتلة، وتعهد بقطع العلاقات معها ومع البرازيل أيضا وكل الأنظمة الشيوعية، وقال ميلي إن أول قرار سيتخذه على صعيد العلاقات الخارجية هو نقل سفارة بلاده إلى القدس بدلًا من تل أبيب، وكشف عن أنه سيركّز سياسته الخارجية على ما أسماه المحور الأمريكي - الإسرائيلي، لذا فإن أول زياراته الخارجية ستكون إلى الولايات المتحدة، وسيلتقي هناك عددًا من الحاخامات اليهود في نيويورك وميامي، مشيرًا إلى أن زيارته لها طابع روحاني وتندرج في سياق زيارات مماثلة قام بها في السابق، حيث كان يجتمع بالزعماء الروحيين اليهود ويتابع تعاليمهم.

كسر التقاليد:

على خلاف الآراء التي قد تبدو سائدة بشكل تقليدي في الأرجنتين، فإن ميلي كان دائم الانتقاد لبابا الفاتيكان، من أصل أرجنتيني "فرانسيس"، ووصفه بأنه "يسوعي يروج للشيوعية" و"شخصية اشتراكية وشريرة" وحتى "ممثل الشر على الأرض"، كما سخر من أيقونة لعبة كرة القدم الراحل دييغو مارادونا، رغم كونه يحظى بشعبية جارفة في البلاد، وعلى النقيض فإنه أشاد برئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، التي لا تحظى في الأرجنتين بالتقدير لدورها في حرب الفوكلاند عام 1982م، جعل شقيقته الصغرى مديرة لحملته الانتخابية وأعلن أنها ستكون "السيدة الأولى" للبلاد نظرًا لأنه غير متزوج، وسبق وأن دفع 50 ألف دولار لاستنساخ كلبه المقرّب "كونان" بعد وفاته في عام 2017م، زاعمًا ذات يوم أنه اتصل به عبر وسيط، وأنه هو من كلّفه بمهمة أن يكون رئيسًا، قائلًا أن كلبه هو من "أفضل الاستراتيجيين في العالم".

ترامب جديد في الأرجنتين

أسلوب ميلي السياسي هو الذي اجتذب مقارنات بينه وبين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إذ ادعى خلال الجولة الأولى أنه ضحية تزوير أصوات الناخبين، وشكك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة والبرازيل، وأشار إلى أن أعمال الشغب اليمينية المتطرفة التي أعقبت تلك الانتخابات كانت مؤامرات يسارية، وارتدى ميلي وأنصاره إبان الحملة الانتخابية قبعات تحمل شعار "لنجعل الأرجنتين عظيمة مرة أخرى"، وهو شعار شبيه بشعار ترامب الذي سبق وأن وصفه بأنه "أحد أفضل الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة"، يشترك ميلي في بعض أوجه التشابه المذهلة مع ترامب وقصة صعوده إلى الرئاسة الأمريكية في عام 2016، وهناك أيضا من يشبّه ميلي برئيس البرازيل السابق، جايير بولسونارو والمرشح الرئاسي التشيلي السابق خوسيه أنطونيو كاست، فهم من ممارسي سياسات اليمين المتطرف التي تتميز بالابتذال، والهجوم على مؤسسات الدولة، وتشويه سمعة وسائل الإعلام الإخبارية، ونشر عدم الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي، والتشكيك في العلم.

بنفس الطريقة التي أطلقت بها وسائل الإعلام الأمريكية على الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو لقب "ترامب المناطق الاستوائية"، سارعت العناوين الرئيسية إلى الإشارة إلى ميلي باسم "ترامب البامبا"، في إشارة إلى الأراضي العشبية المسطحة الشاسعة في الأرجنتين، التشابه بين ميلي وترامب أثار القلق على نطاق واسع في الأرجنتين وخارجها بشأن الضرر الذي يمكن أن تلحقه حكومة ميلي بثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، ناهيك عن تفشي هذا الشكل الجديد من الشعبوية المتطرفة حول العالم، ويشير منتقدو ميلي إلى افتقاره إلى الخبرة في المناصب السياسية، واصفين إياه بأنه زعيم غير مستقر لبلد غير مستقر، ويأخذون عليه مظهره الأشعث وخطبه المليئة بالألفاظ البذيئة التي استهدفت خصومه السياسيين، بالتوازي مع ذلك يشعر معظم المحللين بالحيرة بشأن ما سيفعله ميلي فعليًا خلال السنوات المقبلة، قائلين إن معظم تعهداته غير محتملة الحدوث نظرًا لافتقاره إلى السلطة في الكونغرس، حتى مع حلفائه.

مثل ترامب تماما؛ ركّز ميلي عن أهمية الصورة والاستعراض أمام الكاميرات، فهو يظهر تقريبًا في معظم صوره بنفس مظهر الحاجب المجعد والشفة المزمومة وشعر رأسه الذي لا يمكن ترويضه بسهولة، وهو ما يذكرنا بترامب في بعض صوره الأيقونية الشهيرة، يحاول دائما جذب انتباه الرأي العام من خلال التحدث بصوت عالٍ عن إخفاقات الحكومة، وقد وصفه كثيرون بالمجنون في كل شيء، ولكن من أفضل من المجنون لدفع الأرجنتين إلى الأمام؟!، هكذا يتساءل أبناء البلد الذي لم يفعل عقلاؤه شيئًا لإنقاذه من كبوته الاقتصادية الخانقة، لقد انتخبت الأرجنتين اليميني خافيير ميلي رئيسًا جديدًا لها، وراهنت على شخص غريب الأطوار صاحب آراء متطرفة لإصلاح اقتصادها المنهك.

أعلى