• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مستقبل غزة.. سيناريوهات بعد الحرب؟

لا تبدو أن ثمة حلول حتمية بادية لما يمكن أن تنتهي عليه الحرب الدائرة الآن في غزة، عدد من السيناريوهات تجري بها التحليلات السياسية، لكل منها مقدماته ومآلاته وتأثيراته المختلفة ليس على القطاع وحده بل على المنطقة بأسرها


فيما يواصل القادة الصهاينة حديثهم عن حرب طويلة الأمد على قطاع غزة، يستمر جيش الاحتلال الإسرائيلي في قصف القطاع المكتظ بالسكان بكافة أشكال أسلحته، ويخرج بين حينٍ وآخر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت للتأكيد على عزمهما على محو حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) من على وجه الأرض، لكن رغم حالة الدمار الواسعة التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة فإن غالبية المحللين والخبراء يشككون في قدرة إسرائيل على التخلص من المقاومة المسلحة في القطاع برمتها، خاصةً حركة حماس التي تتواجد بشكل راسخ منذ 16 عامًا في السلطة، والأهم أنه حتى لو نجحت إسرائيل في الإطاحة بحماس، فإن هذا من شأنه أن يخلف في أعقابها فراغًا سياسيًا وأمنيًا كبيرًا، فضلًا عن أزمة إنسانية ذات أبعاد لا يمكن تصورها، لذا فإن السؤال الأكبر الآن: ما الذي ينتظر قطاع غزة بعد انتهاء الحرب؟

معركة صعبة

أسفرت الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في عام 2006م عن انتصار مفاجئ في قطاع غزة لحركة حماس، منذ ذلك الحين تجنبت إسرائيل الدخول في مواجهة عسكرية شاملة مع حماس، معتبرة أن وجود قوة فلسطينية محصورة تسيطر على غزة أكثر أمانًا وأفضل بأي حال من غياب أي قوة على الإطلاق، ولتحقيق هذه الغاية سعت إسرائيل إلى الحد من التهديد الذي تشكله حماس من خلال ضربات دورية روتينية، لدرجة أن الإسرائيليين أطلقوا عليها مصطلح "قص العشب"، لكن الآن وفي أعقاب الهجوم الذي شنّته حماس في 7 أكتوبر الماضي وأسفر عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي بحسب آخر إحصائيات، انقلبت استراتيجية "قص العشب" رأسًا على عقب، وباتت إسرائيل تتطلع إلى محو حماس من جذورها في غزة مهما كلّفها ذلك من كُلّفة، فاستدعت أكثر من 300 ألف جندي احتياطي وحشدت قواتها على طول حدود القطاع، وبدأت غزواً بريًا طويلًا ودمويًا بالتزامن مع غارات جوية عنيفة وقصف مكثّف.

 

المؤسف أن التضامن غير المشروط مع إسرائيل الذي تعهدت به الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية يمكن تفسيره على أنه تفويض مطلق للحكومة الإسرائيلية، وتحديداً مكوناتها الدينية اليمينية.

لكن طيلة الأعوام الماضية كان أمام حماس بالتوازي فرصة سانحة لترسيخ ترسانتها العسكرية وتدشين مواقعها في مئات الأميال من الأنفاق المدفونة تحت الأرض، فبالرغم من أن إسرائيل قد فرضت حصارًا بريًا وبحريًا وجويًا على غزة بعد سيطرة حماس على القطاع، زاعمةً أن الحصار ضروري لأسباب أمنية لمنع حماس وحركات المقاومة المسلحة الأخرى مثل حركة الجهاد الإسلامي من استيراد الأسلحة التي يمكن استخدامها ضد إسرائيل، قامت المقاومة بحفر الأنفاق وتهريب المواد لصنع الأسلحة والصواريخ، وبات التحدي الذي تمثله حماس في غزة أنها فكرة أكثر من مجرد كونها جماعة مسلّحة، لقد تأسست حماس في أواخر الثمانينيات كحركة مقاومة مع الالتزام بالجهاد المسلح لاستعادة الأرض المحتلة وإبادة إسرائيل من الوجود، وهي ثاني أكبر كيان في السياسة الفلسطينية.

إسرائيل بلا خطة

لم يذكر المسؤولون الإسرائيليون سوى القليل عن خططهم لقطاع غزة وسكانه البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، كل ما فعلوه أنهم وضعوا هدفًا يتمثل في القضاء على كل أثر لحماس وسحق قدرتها العسكرية في غزة، وبصدد تنفيذ ذلك فإنهم قرروا تسوية أجزاء كبيرة من غزة بالأرض، فيما دعا جيش الاحتلال مرارًا مليون فلسطيني إلى الإخلاء من شمال غزة، لكن المشكلة أن أولئك الذين فروا إلى جنوب القطاع يتعرضون للقصف مع الغارات الجوية الإسرائيلية التي تضرب جميع أنحاء غزة يوميًا، ينصب التركيز الإسرائيلي الآن على القتال وكسب الحرب، على اعتبار أن ما سيحدث في اليوم التالي سيستغرق بعض الوقت لبلورة رؤية أو استراتيجية لما قد تبدو عليه غزة في مرحلة ما بعد حماس، بعض وسائل الإعلام العبرية أثارت مقارنات بالطريقة التي ذهبت بها الولايات المتحدة إلى العراق وأفغانستان، ثمة رغبة في الانتقام مهما كان الثمن، كما أن هناك رغبة ـ خاصةً لدى المشرعين اليمينيين ـ في ضم أجزاء من القطاع، وعلى العكس هناك من لا يرغبون في إعادة احتلال غزة في أعقاب الحرب، وبشكل عام لم تقدم الحكومة الإسرائيلية بعد خطة لليوم التالي للمواجهة العسكرية أو موقفها بشأن المستقبل المحتمل لغزة، والمؤسف أن التضامن غير المشروط مع إسرائيل الذي تعهدت به الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية يمكن تفسيره على أنه تفويض مطلق للحكومة الإسرائيلية، وتحديداً مكوناتها الدينية اليمينية.

سيناريوهات محتملة

كلما نظر المرء أبعد مع استمرار الحرب، أصبح مستقبل غزة أكثر قتامة، فالحرب تولّد الفوضى، والفوضى تولّد عواقب غير متوقعة، والسؤال الصعب الذي يُطرَح الآن هو: ماذا بعد الحرب؟، ثمة مجموعة من السيناريوهات القاتمة التي تلوح في الأفق، نوجزها في الآتي:

* فراغ في السلطة:

فراغ السلطة في القطاع قد يطلق العنان لموجة من عدم الاستقرار والفوضى التي يمكن أن يكون لها تأثير بعيد المدى، إذ يمكن لجماعات مقاومة جديدة أن تظهر وتشنّ حربًا متواصلة وغير متكافئة ضد قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة والمستوطنين في إسرائيل، فمن وجهة نظر أمنية إن الأسوأ بالنسبة لإسرائيل هو أن تصبح غزة مضطربة إلى درجة أنه سيكون من المستحيل على كيان محتل أن يسيطر عليها.

* إعادة الإعمار:

في أعقاب الحرب مباشرة، ستكون الاحتياجات الإنسانية واحتياجات إعادة إعمار القطاع هائلة، فمن المرجح أن تصل كلفة إعادة الإعمار إلى مليارات الدولارات، وتجدر الإشارة هنا إلى أن قطاع غزة على مدى العقد الماضي كان دائمًا في حالة شبه مستمرة من إعادة الإعمار، وقد تعرقلت الجهود الرامية إلى إعادة بناء المنازل والبنية التحتية التي دمرتها الحرب بسبب عدم الوفاء بتعهدات المانحين وآليات الفحص المعقدة التي تم وضعها لمنع وصول مواد البناء في يد حركة حماس، أما الآن فمن الصعب التخطيط لإعادة الإعمار عندما لا يكون حجم الدمار محددًا بعد.

* احتلال إسرائيلي:

بعض التقارير في إسرائيل ـ ومنها تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية ـ تشير إلى أن سيناريو اليوم التالي للحرب يحمل احتفاظ جيش الاحتلال الإسرائيلي بوجود قصير الأمد على الأرض لمنع أي بقايا لحركة حماس من إعادة تشكيل نفسها، وكذلك لتحقيق استقرار الوضع عبر الإشراف على الأمن والحياة المدنية في القطاع، وقد تشعر إسرائيل بالحاجة إلى البقاء في غزة لسنوات، يُذكر أنها قد حكمت القطاع من عام 1967م حتى عام 2005م، لكن العودة اليوم إلى احتلال مستدام سيتطلب وجودا مستمرًا لقوات الاحتلال مما سيجعلها عرضة للكمائن وعدم الاستقرار، ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تؤثر سلبًا أيضًا على علاقة إسرائيل مع الدول الأخرى في الشرق الأوسط التي تحاول تطبيع العلاقات معها، كما أنها ستواجه معارضة من حلفائها الغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة أيضا، ومن غير المفاجئ أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد حذّرَ إسرائيل بالفعل من إعادة احتلال القطاع.

* تحالف عربي:

على المدى الأطول قليلاً، قد يكون هناك تحالف محتمل من الدول العربية ـ خاصةً تلك الموقعة على اتفاقيات أبراهام والتي تشعر إسرائيل أنها تستطيع العمل معها ـ والتي يمكن أن تكون بمثابة قوة مؤقتة لملء الفراغ الأمني في غزة بدعم من إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لكن كلما كانت الحملة الإسرائيلية في غزة أطول وأكثر دموية، كلما أصبح تأمين تعاون الدول العربية أكثر صعوبة، وإن كانت هناك بعض الحكومات العربية التي لن تنظر إلى هزيمة حماس بشكل سلبي.

* وصاية دولية:

يطرح بعض الأمريكيين والإسرائيليين فكرة الوصاية الدولية التي تحكم قطاع غزة على أساس مؤقت، سيكون هذا السيناريو أكثر شمولًا من مجرد وجود تحالف عربي حاكم للقطاع، سيكون هذا السيناريو نوعًا من العودة إلى نظام الانتداب الذي سبق إنشاء إسرائيل، وقد تكون الأمم المتحدة بمثابة المشرف الرئيسي على قوات حفظ السلام الحاكمة للقطاع، لكن هذا السيناريو غير مرجح حاليًا بسبب انخفاض الحماس الدولي لبعثات حفظ السلام بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وحتى لو أمكن التوصل إلى اتفاق دولي فإن إسرائيل ستظل مصرّة على تدابيرها الأمنية والمناطق العازلة وهو ما قد يعيق عمل قوة حفظ السلام الدولية.

 

السيناريو الأكثر قتامة هو الطرد الدائم لمئات الآلاف أو حتى الملايين من سكان قطاع غزة، فالدعوة التي أطلقتها إسرائيل في 13 أكتوبر لإخلاء شمال غزة دون حد زمني أو ضمان للعودة أعاد إلى الأذهان تهجير الفلسطينيين

*عودة السلطة الفلسطينية:

إذا تمّ القضاء على حماس التي تحكم القطاع منذ عام 2006م، فإن المرشح الأكثر وضوحًا لملء الفراغ هي السلطة الفلسطينية التي تدير الضفة الغربية، تم إنشاء السلطة الفلسطينية في أعقاب عملية أوسلو للسلام في منتصف التسعينيات، على أمل إرساء الأساس للدولة الفلسطينية المستقبلية، قد يكون هذا هو السيناريو الأفضل بالنسبة للقوى الغربية والإقليمية، لكنه ليس كذلك بالنسبة لجزء كبير من الفلسطينيين، فالسلطة الفلسطينية لم تعقد أي انتخابات رئاسية منذ عام 2005م عندما تم انتخاب محمود عباس البالغ من العمر 87 عامًا لأول مرة، وترى الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين أن السلطة الفلسطينية فاسدة وغير فعّالة، كما يُنظر إلى تعاونها الأمني مع إسرائيل في الضفة الغربية بعين الشك العميق مع استمرار المستوطنين الإسرائيليين في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، كما أن بقاء السلطة الفلسطينية بهيئتها الحالية أصبح موضع تساؤل في السنوات الأخيرة، وعودتها إلى غزة على ظهور الدبابات الإسرائيلية سيؤدي إلى تأجيج الغضب والاستياء ضدها، ناهيك عن قدرتها على استيعاب مليوني من سكان غزة تحت جناحها في أعقاب الحرب الحالية.

* الإدارة المدنية الفلسطينية:

من الممكن أن تكون هناك سلطة مدنية فلسطينية مختلطة، ويمكن لسلطة كهذه أن تتألف من ممثلين عن المجتمع الفلسطيني، ومن المرجح أيضًا أن تكون لها علاقات وثيقة مع السلطة الفلسطينية وتحظى بنوع من التنسيق مع الكيان الصهيوني، ومن المحتمل أن يحظى نموذج القيادة المدنية هذا بدعم مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة، وبرغم أن هذا السيناريو هو الأفضل، إلا أنه يظل الأكثر صعوبة، ولن يكون مستقرًا لفترة طويلة وسيواجه الكثير من التحديات التي تجعله أقرب إلى الحل النظري بعيد الحدوث.

* عودة حماس:

لو افترضنا جدلًا أن الحرب انتهت بهزيمة حماس، فإن هناك احتمالا كبيرًا بأن تعود الحركة إلى حكم القطاع مجددًا بمجرد انسحاب الدبابات الإسرائيلية، فبغض النظر عن نتيجة الحرب الإسرائيلية الدائرة الآن، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان سكان غزة على استعداد للتخلي عن حماس، التي هي أكثر من مجرد حزب سياسي أو جناح عسكري، بل حركة اجتماعية جذّابة، وإذا تم تدمير كل بنيتها التحتية المادية، فإنه من الصعب للغاية تدمير فكرتها.

* نكبة جديدة:

السيناريو الأكثر قتامة هو الطرد الدائم لمئات الآلاف أو حتى الملايين من سكان قطاع غزة، فالدعوة التي أطلقتها إسرائيل في 13 أكتوبر لإخلاء شمال غزة دون حد زمني أو ضمان للعودة أعاد إلى الأذهان تهجير الفلسطينيين إبان إنشاء ما يُعرف بـ "إسرائيل" في عام 1948م، وتتغذى المخاوف أيضًا على المطالب من قادة اليمين الإسرائيلي الذين يستحضرون النكبة صراحة، لكن في المقابل فإن الدول العربية أوضحت أنها غير مستعدة لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين لأن ذلك قد يؤدي مرة أخرى إلى تهجيرهم الدائم، لكن تدهور الوضع الإنساني في غزة يمكن أن يؤدي إلى اندفاع جماعي إلى معبر رفح الحدودي مع مصر، وقد تواجه القاهرة صعوبة في احتوائه حتى من خلال القوة، ومن ثم ستظهر مخيمات اللاجئين في سيناء.

كابوس ما بعد الحرب

إن المناقشة حول ما سيأتي بعد الحرب يعيد إلى الأذهان ذكريات سيئة، فعشرات المقترحات وُضِعَت لسوريا، لكنها فشلت في التوصل إلى أي حل سياسي أو حتى أمني خلال 12 عامًا من الحرب الأهلية، وحتى الآن لا تزال إسرائيل تركز على عمليتها العسكرية في محاولة لتحقيق مبدأ الانتقام واستعادة صورتها التي اهتزت وتضررت كثيرًا بعد هجوم حماس، كما يعرف نتنياهو أن مصيره مُعلّق على نتيجة هذه الحرب، ومهما كانت السيناريوهات فإن كابوس ما بعد الحرب سيتمثل في سعي إسرائيل إلى تعزيز سيطرتها العسكرية والاستخباراتية على الأرض والبحر والجو وإغلاق جميع المعابر الحدودية المؤدية إلى غزة بشكل دائم، وهذا يعني عدم وجود واردات وصادرات إلى القطاع مع قطع الكهرباء ومياه الشرب بشكل متواتر، مما يجبر سكان غزة على تأمين جميع هذه الإمدادات الضرورية عبر مصر، وقد أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي "إيلي كوهين" أنه "في نهاية هذه الحرب، لن يقتصر الأمر على عدم وجود حماس في غزة، بل ستنخفض مساحة غزة أيضًا"، وخير دليل على ذلك أن عمليات القصف المكثفة الحالية في شمال وشرق القطاع تشير إلى أن الأمر يتعلق في المقام الأول بتوسيع كبير في المناطق على طول السياج الحدودي بين القطاع ومستوطنات غلاف غزة، ومن الممكن أن يظل جزء أكبر من شمال قطاع غزة، بما في ذلك عاصمته التاريخية مدينة غزة، مدمرًا وغير صالح للسكن، مع توقف جميع أشكال الحياة الاقتصادية والأنشطة الزراعية، فيما سيظل جزء كبير من الفلسطينيين مشردين داخليا بشكل دائم، وستحاول إسرائيل فصل غزة بشكل دائم عن الضفة الغربية؛ وهو ما سيجعل حل الدولتين أمرًا مستحيلًا.

 

أعلى