• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ما وراء الإصرار الأمريكي على تبرئة إيران من حرب غزة؟

لماذا هذا الإصرار الأمريكي وحليفها الصهيوني على نفي علاقة إيران بحرب غزة؟ هل هو لتحييد إيران وأذرعها عن المشاركة مع المقاومة الفلسطينية في صد الهجوم الصهيوني على غزة؟ أم هو رغبة في عدم توسيع دائرة الأعداء لحين الانتهاء من العدو الأقرب وهي حماس؟


في اليوم التالي من قيام حماس بطوفان الأقصى، وفي مقابلة مع شبكة سي.إن.إن الأمريكية، وفقا لرويترز، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أنه "لم ير بعد دليلاً على أن إيران وجهت هذا الهجوم بالتحديد أو كانت وراءه".

وبعدها بعدة أيام وفي حوار مع برنامج "60 دقيقة" عبر شبكة CBS التليفزيونية الأمريكية، وردًا على سؤال مقدم البرنامج سكوت بيلي للرئيس الأمريكي جو بايدن "هل تقف إيران وراء حرب غزة؟"، أجاب بايدن قائلا: "لا أريد الخوض في معلومات سرية.. لكن لكي أكون صريحا معك، لا يوجد دليل واضح على ذلك".

ولا تقتصر التبرئة على الولايات المتحدة فقط، فالكيان الصهيوني يبرئ أيضا إيران من المشاركة.

فعندما نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريرا ادعت فيه، أنه وفقاً لأعضاء كبار في "حماس

وحزب الله"، فإن ضباط من الحرس الثوري الإيراني "عملوا مع حماس منذ أغسطس لتخطيط التوغلات الجوية

والبرية والبحرية" التي حدثت في الهجوم، وأن مسئولي الأمن الإيرانيين "أعطوا الضوء الأخضر للهجوم

باجتماع في بيروت، قبل طوفان الأقصى بخمسة أيام.

 

ففي أفغانستان قام الإيرانيون بتوفير طائرات تنقل أنصار التحالف الشمالي ضد طالبان إلى خطوط الجبهة الأمامية، وفي العراق قام الأمريكان بغزوه من الجنوب والتي يتواجد فيها كثرة من الشيعة بعد أن سبقت الحرب جلسات ولقاءات سرية عقدت في عدة عواصم أوروبية

وفور نشر هذا التقرير سارع مسؤولو الدفاع الإسرائيليون إلى رفض الادعاءات التي قالت إن إيران ساعدت في التخطيط للعملية، وسلطوا الضوء على عدم وجود أدلة تؤكد أي دور لها فيما حصل، رغم تسليمهم بحقائق تقديمها مساعدات مالية وعسكرية ولوجستية وتدريبية لفصائل فلسطينية.

وهنا السؤال الذي يدور في الأذهان لماذا هذا الإصرار الأمريكي وحليفها الصهيوني على نفي علاقة إيران بالأمر؟

هل هو لتحييد إيران وأذرعها عن المشاركة مع المقاومة الفلسطينية في صد الهجوم الصهيوني على غزة؟

أم هو رغبة في عدم توسيع دائرة الأعداء لحين الانتهاء من العدو الأقرب وهي حماس؟

أم أن تقارير مخابراتها عن عدم المشاركة الإيرانية في التخطيط لعملية طوفان الأقصى هي صادقة، ولا داعي لمعاقبتها على فعل لم تقم به إيران؟

للإجابة على هذه الأسئلة يلزمنا معرفة طبيعة العلاقات الإيرانية الأمريكية، والعوامل التي تتحكم فيها وموقع الكيان الصهيوني والفصائل الفلسطينية في تلك العلاقة.

 

حلف المصالح المشتركة

هكذا أطلق الكاتب السويدي من أصل إيراني تريتا بارزي هذا التعبير على عنوان دراسته الضخمة، والذي يشرح فيها التعاملات السرية بين إيران والولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

كذلك لا يمكن فهم العلاقات الإيرانية الأمريكية في العقود الأخيرة إلا بقراءة كتاب رهينة خميني، الذي ألفه روبرت كارمن درايفوس وهو باحث فرنسي متخصص في الشؤون الاستخبارية شغل في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات مدير قسم الشرق الأوسط في مجلة أنتلجنس ريفيو، هذا الكتاب الذي تم تأليفه وطبعه في عام 1980م، ونسخه المتداولة قليلة جداً، ولا ندري لماذا لم يطبع مرة أخرى بعد ترجمته في أوائل الثمانينيات؟

ويجيب هذا الكتاب عن السر وراء تعاون الثورة الخمينية مع الولايات المتحدة، وبعد استعراض الأدلة الكثيرة، يخلص الكتاب إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر قد قامت بتعمد هادئ وتدبير مسبق خبيث على حد وصف المؤلف لمساعدة جماعة الخميني التي نظمت الإطاحة بشاه إيران، واشتركت إدارة كارتر في كل خطوة ابتداءً من الاستعدادات الدعائية إلى تجهيز الأسلحة والذخيرة، ومن الصفقات التي تمت خلف الكواليس مع الخونة في جيش الشاه، ثم وجهت أمريكا الإنذار النهائي الذي أعطي للزعيم المهزوم في يناير 1979م لمغادرة إيران، ويمثل هذا فصلاً آخر من الفصول السرية التي مارستها الدوائر الحاكمة في التاريخ السياسي للولايات المتحدة.

ولكن كانت أهم فصول التعاون بينهما ما جرى عندما قامت أمريكا باحتلال العراق وأفغانستان في أعقاب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

ففي أفغانستان قام الإيرانيون بتوفير طائرات تنقل أنصار التحالف الشمالي ضد طالبان إلى خطوط الجبهة الأمامية، وفي العراق قام الأمريكان بغزوه من الجنوب والتي يتواجد فيها كثرة من الشيعة بعد أن سبقت الحرب جلسات ولقاءات سرية عقدت في عدة عواصم أوروبية، بين ضباط إيرانيين ونظرائهم الأمريكيين كذلك عبر الضغط على حلفاء إيران من الشيعة العراقيين للتنسيق مع الولايات المتحدة.

هذا التعاون دفع نائب الرئيس الإيراني وقتها علي أبطحي إلى التفاخر أنه لولا طهران ما سقطت بغداد ولا كابول.

 

إيران تريد أن تسترجع أحلام الإمبراطورية الفارسية القديمة، والتي كانت تحكم شطرًا كبيرًا من العالم، وهذا يتعارض بلا شك مع استراتيجيات الولايات المتحدة القائمة على بسط النفوذ والهيمنة على العالم كله، فأمريكا تنظر إلى إيران كقوة إقليمية معترف بها لا المهيمنة على المنطقة

أما بالنسبة للولايات المتحدة فقد لخص دوافعها ما كتبه جورج فريدمان مدير مؤسسة ستراتفور الخاصة للاستخبارات العالمية فكتب: "بالنسبة للولايات المتحدة فإن لها سياسة معروفة تستخدم فيها خطوط الصدع بين أعداء محتملين لإحداث انقسام بينهم، فتتحالف مع الأضعف ضد الأقوى، إن خط الصدع في العالم الإسلامي هو بين السنة والشيعة، السنة مجموعة أضخم بكثير عددياً من الشيعة، وانتهاجاً للاستراتيجية الكبرى الأمريكية، يذهب المنطق إلى أن حل المشكلة هو بالدخول في تحالف من نوع ما مع الشيعة، ومفتاح الدخول إلى الشيعة هو الدولة الشيعية الكبرى إيران".

ويبقى السؤال الأهم كيف نفسر ما جرى بعد ذلك من توترات بين الطرفين وصلت في بعض مراحلها الى التهديدات بحرب، إلى درجة اغتيال أمريكا لقاسم سليماني زعيم الحرس الثوري الإيراني وثاني أقوى رجل في النظام بعد المرشد؟

للإجابة على هذا السؤال، يلزمنا الرجوع إلى التمدد الإيراني في المنطقة، وإلى استخدام أذرعها ليصل نفوذها للتحكم في القرار السياسي لأربعة عواصم عربية كبرى، بدء من بغداد ودمشق ومرورا ببيروت حتى صنعاء، هنا تحول التحالف بين الطرفين إلى تنافس على اقتسام المنطقة بأكملها.

فإيران تريد أن تسترجع أحلام الإمبراطورية الفارسية القديمة، والتي كانت تحكم شطرًا كبيرًا من العالم، وهذا يتعارض بلا شك مع استراتيجيات الولايات المتحدة القائمة على بسط النفوذ والهيمنة على العالم كله، فأمريكا تنظر إلى إيران كقوة إقليمية معترف بها لا المهيمنة على المنطقة، فالأهداف الإيرانية في النظرة الأمريكية يجب أن تكون تابعة للأهداف الأمريكية وليست خاضعة لها أو على قدر متساو معها.

كما يوجد بعد آخر في العلاقات الإيرانية الأمريكية، يتعلق بنوعية الإدارة الأمريكية في البيت الأبيض.

فالإدارات التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي يغلب عليها تقديم استراتيجية التوافق والمعاهدات للجم الطموحات الإيرانية، بعكس الإدارات الجمهورية والتي ترفع منطق العصا لكبح جماح التمدد الإيراني.       

لذلك توترت العلاقات الإيرانية الأمريكية كثيرا في إدارة ترامب السابقة، وهي التي اغتالت قاسم سليماني، لتجيء بعدها إدارة بايدن لتجري معها جولات من المفاوضات حول برنامج إيران النووي، لتتكلل باتفاق بينهما منذ شهرين في أغسطس الماضي، حيث تم الإعلان عن تفاصيل اتفاق معقد وافق عليه الرئيس الأمريكي جو بايدن، والذي سُمح بموجبه لـخمسة أمريكيين اعتقلتهم طهران بمغادرة البلاد مقابل تحويل 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية التي تم تجميدها في كوريا الجنوبية، وفي ذات الوقت، سُمح لـخمسة إيرانيين محتجزين في الولايات المتحدة بالمغادرة.

لم يتم تسليم الأموال لإيران مباشرة، بحسب رويترز، ولكنها تحت إشراف البنك المركزي القطري ولا تزال في الدوحة، فيما أشار مسئولون أمريكيون، وفقا لرويترز، إلى أنه وبموجب شروط الصفقة مع إيران، لا يمكن استخدام الأموال إلا للأغراض الإنسانية، كشراء المواد الغذائية واستيراد السلع الأخرى من خارج إيران.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إنه بسبب مقتضيات الحرص الواجبة المتعلقة بالمبادلة، "سوف يستغرق الأمر عدة أشهر حتى تنفق إيران هذه الأموال، وكما قلنا مرات عديدة، لا يمكن استخدامها إلا لشراء المواد الغذائية والأدوية والأجهزة الطبية والمنتجات الزراعية للشعب الإيراني".

إيران وطوفان الأقصى

تمثل رد الفعل الإيراني في أعقاب طوفان الأقصى على نوعين من ردود الأفعال: الأول التصريحات المتناقضة مثل التي أطلقها وزير الخارجية الايراني أمير عبداللهيان، الذي لوح بكل الاحتمالات رداً على ما يتعرض له قطاع غزة من قصف إسرائيلي عنيف منذ أسبوعين، وأكد أن كل الاحتمالات يمكن أن تقع إذا لم توقف أميركا وإسرائيل الإبادة الجماعية في غزة، كذلك وصف المنطقة ببرميل البارود، مشيراً إلى أن أية حسابات خاطئة ستكون لها تبعات خطيرة، وفق ما نقلت وسائل إعلام رسمية محلية.

وبعد أسبوع من انطلاق طوفان الأقصى نفى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، ضلوع إيران في هذه العملية في كلمة ألقاها أمام كلية عسكرية ونقلها التليفزيون الايراني، وتابع: إن أنصار النظام الصهيوني وآخرين نشروا شائعات في اليومين أو الأيام الثلاثة الماضية، بما في ذلك أن إيران تقف وراء هذه العملية. وأكد...إنهم على خطأ.

أما رد الفعل الإيراني الثاني فكان المناوشات المحدودة، كتلك التي حدثت في العراق ونفذتها ميليشيات محسوبة على إيران واستهدفت قواعد تضم جنوداً أمريكيين، كان آخرها استهداف قاعدة عين الأسد، أو تلك التي تدور على حدود جنوب لبنان، بين حزب الله وإسرائيل ضمن قواعد الاشتباك وفي إطار الهجمات المحدودة والفعل ورد الفعل، أو اعتراض البحرية الأمريكية لصواريخ ومسيرات تطلقها ميليشيات الحوثي في اليمن على اسرائيل عبر البحر الأحمر.

ووفق تحليل دورية فورين بوليسي الأمريكية فإن الإدارة الأميركية تتواصل مع إيران عبر قنوات خلفية، لتجنب سوء التقدير ومنع أي تصعيد غير مرغوب فيه.

وقد أكد هذا التنسيق القيادي السابق في الحرس الثوري الجنرال حسين كنعاني في حديث لموقع الجزيرة نت حيث قال إن بلاده قد فعّلت قنواتها لإيصال رسائل واضحة إلى الجهات الغربية بشأن مجريات الأحداث هناك، وفي سياق نفيه للمساعدة الإيرانية لحماس قال قيادي الحرس الثوري لو افترضنا أنه كان بالإمكان نقل السلاح إلى غزة فكان الأجدر بنا أن نزودهم بصواريخ باليستية وأسلحة متطورة جدا مما في حوزتنا بدلا من الصواريخ البدائية التي تطلقها المقاومة نحو الأراضي المحتلة.

ثم جاء ليؤكد تلك الاتصالات وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان مساء الاثنين، في تصريح نشرته وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، والذي جاء فيه أن "الولايات المتحدة الأمريكية أرسلت رسالتين إلى إيران تؤكد فيهما أنها لا تنوي توسيع دائرة الحرب، وليست معنية بتوسيع رقعة الأزمة في المنطقة".

وقال عبد اللهيان، إن "الولايات المتحدة طالبت إيران بضبط النفس، ودعوة الأطراف الأخرى في المنطقة أيضًا إلى الهدوء"، ولا ينسى عبد اللهيان بالطبع استذكار الديماغوجية الإيرانية محذرا من أنه "في حال ارتكبت إسرائيل خطأ شن هجوم بري على غزة ستتورط في مستنقع لا يمكنها التخلص منه.

ومما يؤكد على الموقف الإيراني الضعيف والذي يجري بالتوافق مع الأمريكان، هو الانتقادات الناعمة التي وجهها قادة حماس للموقف الإيراني، أو على الأقل عدم إبراز الدور الايراني:

فالقيادي في الحركة وعضو المكتب السياسي موسى أبو مرزوق يصرح لقناة تي آر تي التركية: هناك اتصالات مع إيران لكننا كنا نتوقع أن يكون التفاعل مع الحدث أكثر بكثير مما جرى اليوم، بينما ركز خالد مشعل قائد حماس بالخارج في حواره مع قناة العربية، على أن الدعم الإيراني مثله مثل الدعم السعودي والمصري، وشدد على أن قرار حملة طوفان الأقصى كان بيد حماس وليس لأي دولة دخل فيه.

 

 

أعلى