• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الاستقلال الثاني.. فرنسا تفقد قبضتها على إفريقيا

توالت الانقلابات العسكرية في الدول الإفريقية، وباتت فرنسا تفقد كل يوم جزءا من نفوذها القديم في القارة السمراء، الأمر الذي يدفع للتساؤل ما الذي دفع تلك الدول لأخذ هكذا موقف من فرنسا، وهل ستتمكن من تحقيق نهضة حقيقية لشعوبها بعيدا عن فرنسا؟


ظلت فرنسا منذ زمنٍ طويل لاعبًا رئيسيًا في إفريقيا، فلها تاريخ من الاحتلال الذي جعل القارة تابعة بشدة للدولة الفرنسية، فقديمًا أرسلت قواتها لتستعمر وتحكم البلدان الإفريقية وتنهب خيراتها، وحديثًا ظلَّ نفوذها متواصلًا وبقيت تدير المشهد من خلال حكومات تابعة لها، فيما استمر نهب خيرات تلك البلدان والاستحواذ على قرارها، بيْدَ أن رياح السنوات الأخيرة قد حملت لفرنسا ما لا تشتهيه، لقد بدأت باريس تفقد قبضتها على إفريقيا في ظل الانقلابات العسكرية التي تجتاح القارة الإفريقية وفي ظل تنامي حالة الكراهية بين شعوب تلك البلدان ضد مستعمرها القديم، ما هي أسباب فقدان النفوذ الفرنسي بهذه السرعة؟، وإلى أي مدى يمكن أن تصل الأمور؟

استياء متزايد

بعد فصلٍ طويلٍ من الحكم الاستعماري الفرنسي، أنشأ الفرنسيون اتحادًا لغرب إفريقيا في عام 1895م يضم 8 دول حديثة؛ هي السنغال وموريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وساحل العاج وبنين وغينيا، لقد كان في الواقع مستعمرة عملاقة، وبعد حصول هذه الدول على استقلالها في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي، ظل هذا الاتحاد وتوسع وأخذ شكلًا من أشكال الرقابة الأبوية الفرنسية، أُرسِلَت القوات الفرنسية لتتمركز في المستعمرات السابقة بحجة مكافحة الإرهاب، فيما ظل الزعماء المدعومين من باريس في السلطة لسنوات طويلة دون اكتراث لما تسوّقه فرنسا من تفاني ظاهري في دعم قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد في إفريقيا، ففي الواقع كانت فرنسا تحافظ على الحكومات المستبدة لتمرير الاتفاقيات الثنائية معها، والتي كانت سرية في كثير من الأحيان، وتمنح الشركات الفرنسية الأولوية في استغلال الموارد الطبيعية لبلدانها، وتواصلت الوصاية الأبوية مع إنشاء فرنسا لعملة غرب إفريقيا، الفرنك (CFA)، وهي العملة الموروثة من الحقبة الاستعمارية وتستخدم حاليًا في 14 دولة في القارة ويدعمها البنك المركزي الفرنسي الذي يحتفظ بنصف احتياطيات هذه العملة لديه.

 

 اشتعلت موجة من الانقلابات في إفريقيا مدفوعة جزئيًا بتصاعد المشاعر المعادية لفرنسا، ناهيك عن الإحباط إزاء الفساد والإهمال الذي تسببت فيه الأنظمة التي طالما تحالفت مع باريس

ثمة شعور مستمر لدى فرنسا بأحقيتها في أفريقيا، هذا الشعور لم ينتهِ رغم استقلال المستعمرات الفرنسية عن قصر الإليزيه، بل حاولت باريس أن تفرض نفسها وصية على الجانب الأمني والاقتصادي والمصير السياسي لتلك البلدان التي استعمرتها قديمًا، وفي حين كان من المفترض أن تؤدي عملية عسكرية تقودها فرنسا مثل عملية برخان إلى حفظ الأمن واستعادة الهيبة والنفوذ في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، حدث العكس حيث غرقت القوات الفرنسية في مستنقع شاسع من الرمال، وكان من المشين للفرنسين أن تقوم محكمة الحسابات الفرنسية، وهي لجنة التدقيق الوطنية هناك، بانتقاد الاستراتيجية الفرنسية في عملية برخان لأن كلفتها السنوية ارتفعت إلى 1.8 مليار دولار بينما انخفضت الأموال المخصصة للمساعدات والتنمية على مدى 8 سنوات إلى 495 مليون دولار سنويًا.

ظهر هذا الاستياء واضحًا عندما قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بجولة في 4 دول عبر أفريقيا ناطقة بالفرنسية في أبريل الماضي، كان هدفه من هذه الزيارات محاولة حشد الدول الإفريقية للوقوف بجانب الغرب والحد من نفوذ روسيا المتنامي بسرعة في إفريقيا، كان من اللافت ظهور احتجاجات بشكل غير مألوف خارج السفارات الفرنسية في العواصم الإفريقية التي زارها، لدرجة أنه تعرض لانتقادات على الهواء مباشرة من قبل فيليكس تشيسيكيدي، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، خلال مؤتمر صحفي مشترك، إذ قال تشيسيكيدي: "هذا الوضع يجب أن يتغير، تلك النبرة الأبوية التي تعاملنا بها أوروبا وفرنسا، يجب أن تبدأوا في احترامنا ورؤية إفريقيا بطريقة مختلفة، تتحدثون كما لو كنتم على حق تمامًا ونحن لم نكن كذلك". لقد كان من اللافت عندما تولى ماكرون منصبه أنه تعهد بالتغيير وإعادة ضبط العلاقات مع المستعمرات السابقة في أفريقيا، لقد جاء التغيير ولكن ليس بشروطه، إذ بدأت الأنظمة التي تدعمها فرنسا تتساقط كالذباب.

انقلابات متتالية

دولةٌ تلو أخرى، اشتعلت موجة من الانقلابات في إفريقيا مدفوعة جزئيًا بتصاعد المشاعر المعادية لفرنسا، ناهيك عن الإحباط إزاء الفساد والإهمال الذي تسببت فيه الأنظمة التي طالما تحالفت مع باريس، كان من الملاحظ أن الدول التي وقعت فيها الانقلابات تحظى بموارد وثروات هائلة ولكنها في نفس الوقت تعاني من الفقر الشديد، لقد كانت فرنسا الفاعل الاقتصادي الأكبر في هذه الموارد طيلة العقود الماضية، يمكننا إلقاء نظرة سريعة على سلسلة الانقلابات الأخيرة التي وقعت في إفريقيا:

* انقلاب بوركينا فاسو:

وقع انقلابان في 8 أشهر في بوركينا فاسو، ففي 24 يناير 2022، أطاح الجيش بالرئيس روك مارك كريستيان كابوري من السلطة، وتم تنصيب المقدم بول هنري سانداوجو داميبا رئيسًا في فبراير، وفي 30 سبتمبر، تم فصل داميبا بدوره من منصبه من قبل الجيش، وتم تعيين إبراهيم تراوري كرئيس انتقالي حتى الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في يوليو 2024.

* انقلاب غينيا:

في 5 سبتمبر 2021، تمت الإطاحة بالرئيس ألفا كوندي في انقلاب عسكري، وفي الأول من أكتوبر أصبح العقيد مامادي دومبويا رئيسًا، ووعد بإعادة الجيش إلى ثكناته وإعادة السلطة إلى المدنيين بحلول نهاية عام 2024، قبل أن يتراجع عن هذه التصريحات مشيرًا إلى أن هذه الخطوة ربما تستغرق أكثر من 3 سنوات كما أعلن سابقًا.

* انقلاب مالي:

وقع انقلابان في مالي خلال 9 أشهر، ففي 18 أغسطس 2020، أطاح الجيش بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وتم تشكيل حكومة انتقالية في أكتوبر، لكن في 24 مايو 2021، اعتقل الجيش الرئيس ورئيس الوزراء، وتم تنصيب العقيد عاصمي غويتا في يونيو رئيسًا انتقاليًا، وتعهد المجلس العسكري بإعادة الحكم للمدنيين بعد الانتخابات المقرر إجراؤها في فبراير 2024، ويعدّ الانقلاب الأخير هو الثالث في البلاد خلال الـ 10 سنوات الماضية.

* انقلاب تشاد:

في 20 أبريل 2021، قُتِلَ الرئيس التشادي إدريس ديبي بعد هجوم عسكري أطلقته جبهة التغيير والوفاق المتمردة وقع في شمال تشاد، مما أنهى حكمه الذي بدأه عبر انقلاب عسكري ودام 30 عامًا، فأصبح ابنه، محمد إدريس ديبي، الذي كان حينها جنرالًا شابًا، رئيسًا بالنيابة حيث كان من المتوقع إجراء انتخابات رئاسية في عام 2022، لكن هذا لم يحدث، ورغم وعده بتسليم السلطة للمدنيين من خلال انتخابات حرة وديمقراطية، لكنه نكث بتعهداته في أكتوبر وتم تمديد حكمه لمدة عامين.

* انقلاب النيجر:

تصاعدت التوترات بين باريس ونيامي بمجرد حدوث الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم وأتى بالجنرال عبد الرحمن تياني قائد الحرس الرئاسي في النيجر وقائد الانقلاب، تصاعدت الأحداث بعد أن تخلى المجلس العسكري الجديد عن جميع الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا وطالب السفير الفرنسي بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة، وعندما رفض ذلك بحجة أن باريس لا تعترف بسلطة المجلس العسكري في قطع العلاقات الدبلوماسية، حاصر الانقلابيون السفارة وقطعوا إمدادات الغذاء والماء، وتستخدم فرنسا حاليا كافة أدواتها الدبلوماسية لمحاولة الإطاحة بالمجلس العسكري في نيامي، ولكن دون نجاح يذكر.

* انقلاب الغابون:

لم تسلم الغابون ـ التي كانت في السابق جوهرة التاج الاستعماري الفرنسي ـ من حمى الانقلابات، حيث تمت الإطاحة بالرئيس علي بونغو واستبداله بالجنرال بريس أوليغي أنيغما، الرئيس السابق للحرس الرئاسي، انقلاب الغابون يمثل خسارة أخرى لفرنسا في المواد الخام، بالإضافة إلى نفطها الوفير تعدّ ثاني أكبر منتج للمنغنيز في العالم، وتلعب دوراً حاسماً في إنتاج الصلب العالمي وغيره من الموارد المعدنية الحيوية.

* انتكاسة أخرى:

ثمة انتكاسة أخرى أصابت الفرنسيين خلال السنوات الأخيرة، عندما انضمت دولتان كانتا ضمن منظمة الفرنكوفونية التي ترعاها فرنسا، وهما الغابون وتوجو، إلى الكومنولث البريطاني، كانت الانتكاسة أن تنضم مستعمرة فرنسية سابقة ليس لها أي علاقات قديمة مع بريطانيا إلى الكومنولث الذي يضم 56 دولة ناطقة باللغة الإنجليزية، وتمثل المستعمرات البريطانية السابقة قوامه الأساسي، وقد فسر البعض ذلك على أنه انتكاسة لباريس خاصةً بعد قبول دول أخرى ليس لها تاريخ استعماري بريطاني، مثل موزمبيق في عام 1995 ورواندا في عام 2009، وكان انضمام رواندا إلى الكومنولث متزامن مع ذروة التوترات بشأن دور فرنسا في الإبادة الجماعية في رواندا، ومنذ ذلك الحين حوّلت رواندا نفسها إلى دولة ناطقة باللغة الإنجليزية عن طريق استبدال الفرنسية بالإنجليزية في المدارس وتوجيه نفسها بشكل عام نحو بريطانيا، هناك تكهنات تشير إلى أن البلدان الناطقة بالفرنسية لاحظت أن أغلب الاقتصادات الأفريقية الأفضل أداءً هي اقتصادات إنجليزية وليست فرنكوفونية.

 

روسيا هي واحدة من الدول القليلة التي لم يكن لديها أي مستعمرات في أفريقيا، بل إنها في الواقع قد دعمت قديمًا العديد من حركات الاستقلال خلال الحرب الباردة

أسباب التراجع الفرنسي

تتنوع العوامل والأسباب التي أدت إلى تراجع نفوذ فرنسا في القارة الإفريقية، نذكر بعضها فيما يلي:

1ـ الغضب من الإرث الاستعماري: يتساءل الأفارقة دائما عن إرث الاستعمار الفرنسي وعدم وجود علاقات منصفة لعقود، ناهيك عن التنمر الغربي إلى جانب اللامبالاة بمصير الأفارقة، لذا يسعى الأفارقة الآن إلى خيارات استراتيجية تخدم دولهم كبديل للعلاقة التي فرضها التاريخ مع فرنسا.

2ـ تزايد شعبية الوحدة الأفريقية: ثمة اعتقاد متزايد بأن الأفارقة يجب أن يتحدوا كشعب واحد، وقد اكتسب هذا التوجه زخما كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، وقد أدى هذا إلى تزايد الرغبة الإفريقية في رسم مسار هذه الدول بشكل خاص، بدلا من أن تكون مدينة بالفضل للقوى الاستعمارية السابقة مثل فرنسا.

3ـ جائحة كورونا: لعبت الجائحة دورًا في تراجع نفوذ فرنسا في أفريقيا، حيث كشف الوباء عن هشاشة العلاقة الفرنسية الإفريقية، بعدما تباطأت فرنسا في تقديم المساعدة للدول الإفريقية التي ظلت تزعم أنها حليفة مقرّبة منها، وهو ما أدى إلى شعور متزايد بالاستياء بين الأفارقة الذين أيقنوا أن فرنسا لم تعد شريكًا يمكن الاعتماد عليه.

4ـ قوة اقتصادية متنامية: مع نمو الاقتصادات الإفريقية أصبحت أقل اعتمادًا على فرنسا في التجارة والاستثمار، وباتت أمامها فرص أخرى يمكنها أن تقتنصها وتحقق من ورائها أرباحًا أكبر مما تحصل عليه من الفرنسيين، خاصةً وأن فرنسا وحدها هي التي تفوز دائما بينما تخرج إفريقيا خالية الوفاض.

5ـ تزايد عدم الاستقرار: في ظل تزايد صعود الجماعات المسلحة والاضطرابات السياسية، سعت فرنسا إلى الحفاظ على نفوذها من خلال إرسال قواتها وتسخير القوى الأمنية والعسكرية المحلية لتحقيق الأمن حفاظًا على مصالحها الاقتصادية، لقد سأم الأفارقة من هذا الوضع وباتت لديهم حاجة لإعادة تعريف هذا "ألتعاون" الذي يميل بشدة للجانب الفرنسي.

6ـ ظهور قادة أفارقة جدد: فالقادة الجدد لا يترددون في رفض الصفقات مع فرنسا علنًا في الآونة الأخيرة، هؤلاء القادة لم يشهدوا الاستعمار ولا فترة الاستقلال، لذلك ليس لديهم أي تعقيدات، وهم يطالبون بالتعامل على قدم المساواة مع المستعمر السابق.

7ـ فرص اقتصادية أفضل: في ظل المشاعر المعادية لفرنسا في القارة الإفريقية، يبحث الأفارقة عن فرص اقتصادية جديدة، وباتت لديهم رغبة جامحة في تنويع علاقاتهم الدولية والتحرر من الهيمنة المالية للغرب وإقامة شراكات أكثر توازنًا مع دول من قارات أخرى.

مـآلات وانحـيازات

إن فقدان قبضة فرنسا على أفريقيا يشكل تطورًا جديدًا وستكون له آثاره بعيدة المدى، فمن الواضح أن القارة لم تعد تحت السيطرة الفرنسية، ويبقى أن نرى كيف ستتكيف فرنسا مع هذا الواقع الجديد، في ظل هذا الوضع يمكننا التنبؤ بالمآلات المحتملة:

1ـ روسيا تملأ الفراغ:

لقد أدى الصراع بين الشرق والغرب إلى تحفيز توترات طويلة الأمد اضطرت خلالها البلدان على نحو متزايد إلى اختيار أحد الجانبين، بالنسبة لمعظم البلدان الأفريقية فإن الاختيار سهل، روسيا هي واحدة من الدول القليلة التي لم يكن لديها أي مستعمرات في أفريقيا، بل إنها في الواقع قد دعمت قديمًا العديد من حركات الاستقلال خلال الحرب الباردة، وبالتالي فإن روسيا جاهزة لملء أي فراغ ستتركه فرنسا في إفريقيا، خاصةً بعدما فشلت محاولات الغرب للحد من نفوذ موسكو، خاصةً مع نجاح القمة الروسية الأفريقية الثانية في سان بطرسبرغ في يوليو الماضي، فبالرغم من الضغوط الغربية لمنع رؤساء الدول الإفريقية من الحضور شارك 17 رئيسًا في النهاية، فيما بلغ عدد الدول شاركت عبر رؤساء وزرائها أو وزراء خارجيتها 49 دولة من إجمالي 54 دولة في إفريقيا، وهذا أكثر بـ 3 دول من الدول التي حضرت النسخة الأولى للقمة في سوتشي في عام 2019. يبدي الأفارقة اهتمامًا كبيرًا للتعاون مع روسيا، التي تعتبر مصدرًا رئيسيًا للحبوب والسلع والأسمدة والتكنولوجيا النووية والأسلحة، وفي ظل وفرة الهدايا التي تقدمها موسكو للأفارقة لا يمكن لمعظمهم تجاهل هذا العرض الجذاب، خاصةً وأن موسكو تعرض بيع خدماتها الأمنية مثل مرتزقة فاغنر وكذلك أسلحتها للحكومات الإفريقية دون مساءلة أو رقابة. من الضروري التنويه إلى أن روسيا لن تكون أفضل من فرنسا عندما تحلّ محلها، ولكنها على الأقل نجحت في تصوير نفسها لدى الأفارقة على أنها قوة محررة ومناهضة للاستعمار ضد الإمبريالية الغربية.

2ـ الاستعمار الاقتصادي الصيني:

فطنت الصين مبكرًا إلى أن الاستعمار الاقتصادي أقوى تأثيرًا من الاستعمار العسكري، فبدأت الصين على الفور في إيجاد أرضية مشتركة مع الزعماء الأفارقة واللعب على موقف إفريقيا ضد الهيمنة الغربية والاستعمار القديم، كانت بكين مستعدة لتقديم قروض ضخمة لمشاريع الصناعة والبنية التحتية مما فتح الأبواب أمامها في إفريقيا، خاصةً وأن الصينيين على عكس المقرضين الغربيين، لم يطرحوا الكثير من الأسئلة حول الحكم الرشيد وكيفية إنفاق القروض، وكانت النتيجة هي أن الصين اعتبارًا من عام 2019 لديها إجمالي 165 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة في إفريقيا، وخلال السنوات الخمس التي سبقت جائحة كورونا استثمرت الصين ما يقرب من ضعف ما استثمرته الولايات المتحدة وفرنسا معًا في إفريقيا، وقد جعل هذا من الصين شريكًا أكثر جاذبية للعديد من البلدان الأفريقية، التي لم تعد تعتمد على فرنسا في الحصول على المساعدة المالية والفنية.

بعيدًا عن الدول التي أصابتها حمى الانقلابات العسكرية مؤخرًا، نلاحظ أن نفوذ فرنسا يقلّ وصورتها تتضاءل إلى ما هو أبعد من منطقة الساحل، لا سيما في دول حليفة لها مثل السنغال وكوت ديفوار، حيث العلاقات الرسمية جيدة، ولكن وجهات النظر المناهضة لفرنسا في الشوارع شائعة، مما لا شك فيه أن الفرنسيين يشعرون اليوم بالصدمة بعدما أدرك الأفارقة بمدى قوتهم واستفاقوا من غفوة تبعيتهم لمستعمرهم القديم، إفريقيا ترفض نهب مواردها والسيطرة على اقتصادها ومصيرها، فلا يوجد سبب مقنع يجعلها تمتلك كل هذه الموارد الطبيعية الهائلة، وفي نفس الوقت تكون هي القارة الأقل نموا في العالم.

 

أعلى