لماذا تم الكشف عن لقاء وزير الخارجية الإسرائيلي بوزيرة الخارجية الليبية بالرغم من تأكد الجانب الصهيوني بأن هذا الكشف سيحرج الدبيبة، وربما يؤدي إلى إسقاط حكومته؟ هل تراجع الجانب الصهيوني عن التحالف مع الدبيبة وفضل بقاء علاقاته الوطيدة مع الجانب الليبي ا
"هرول كوهين ليخبر الأصدقاء ودمر عقودًا من العمل الدبلوماسي"
هكذا كتب يوسي ميلمان في صحيفة هآرتس وهو السياسي الصهيوني المخضرم السابق، وأحد
مهندسي اتفاقيات أوسلو، معلقًا على ما نشره وزير الخارجية الصهيوني ايلي كوهين من
لقائه بوزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش.
فيوم الأحد الماضي، أصدرت الخارجية الصهيونية بيانًا ذكرت فيه أن اجتماعًا قد تم
عقده بين وزير خارجية الكيان الصهيوني ووزيرة الخارجية الليبية في روما قبل أسبوع،
ووصف الوزير الصهيوني الاجتماع بالتاريخي، واعتبره الخطوة الأولى في الاتصالات بين
إسرائيل وليبيا.
وقال كوهين وفقًا للخارجية الإسرائيلية: لقد تحدثت مع وزيرة الخارجية حول الإمكانات
الهائلة التي توفرها العلاقات بين البلدين، فضلاً عن أهمية الحفاظ على التراث
اليهودي الليبي، بما في ذلك تجديد المعابد اليهودية والمقابر اليهودية في البلاد.
وبعد ساعات من صدور هذا التصريح عن اللقاء السري في العاصمة الإيطالية روما بين
كوهين والمنقوش، جاءت ردود الفعل الغاضبة في ليبيا، فقد اندلعت احتجاجات شعبية
بمدينة الزاوية وبعض شوارع العاصمة وضواحيها بعيد انتشار الخبر رفضا للتطبيع مع
إسرائيل، وامتدت الاحتجاجات إلى مدن أخرى حيث أغلق محتجون بعض الطرق وأحرقوا إطارات
السيارات ملوحين بالعلم الفلسطيني.
وسارعت وزارة الخارجية الليبية إلى إصدار بيان تؤكد فيه أن اللقاء في روما كان لقاء
عارضاً غير رسمي.
بينما بادر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، بإصدار قرار
يقضي بوقف الوزيرة عن العمل احتياطياً وأحالها للتحقيق على خلفية اللقاء، كما كلف
وزير الشباب، فتح الله الزني، مؤقتاً بتسيير العمل في وزارة الخارجية الليبية.
|
نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤولين بوزارة الخارجية الإسرائيلية قولهم
إن تسريب اجتماع وزير الخارجية الإسرائيلي مع نظيرته الليبية يعد انتهاكًا
للقواعد الدبلوماسية الأساسية ولقد تضررت مصداقيتا بشكل خطير |
ولكن مسؤولاً صهيونيًا لم يكشف لوكالة رويترز عن هويته، شكك في رواية أن الدبيبة لم
يكن يعرف باللقاء، وقال إن الاجتماع تم تنسيقه على أعلى المستويات في ليبيا.
وتضاربت الأنباء حول مغادرة المنقوش البلاد متوجهة إلى تركيا.
فموقع الجزيرة نت نقل عن مصدر أمني من مطار معيتيقة نفيه الخبر، في الوقت الذي نفى
فيه جهاز الأمن الداخلي السماح للمنقوش بالسفر، مؤكداً عبر حسابه على فيسبوك إدراج
اسم الوزيرة في قائمة الممنوعين من السفر إلى حين امتثالها للتحقيقات.
ولكن صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية في تقرير لها، ذكرت أن المنقوش غادرت ليبيا،
على متن طائرة حكومية إلى تركيا، موضحة أن طائرة فالكون تعود ملكيتها للحكومة
الليبية، أقلعت في ساعات الليل على نحو غير معتاد، وهبطت فجراً في إسطنبول.
وفي السياق ذاته، نقلت بوابة الوسط الليبية القريبة من حفتر عن مصدر أمني، تأكيده
أن المنقوش غادرت مطار معيتيقة الدولي متجهة إلى تركيا، بمساعدة جهاز الأمن الداخلي
التابع للحكومة، حسب قوله.
ويبقى السؤال المحير في خضم تلك الأحداث:
هل سرب كوهين خبر اللقاء متعمدًا، أم جاء التسريب عفويًا؟ وما دوافع هذا التسريب
إذا كان حقًا مقصودًا؟
هناك عدة احتمالات لهذا التسريب:
·
الاحتمال الأول هو مكايدة صهيونية داخلية.
·
الاحتمال الثاني رغبة صهيونية في الاحتفاظ بحفتر وربما تلاقت مع رغبة من طرف إقليمي
متحالف مع الرجل.
وسنحاول تحليل مكونات كل احتمال للترجيح بينهما.
صراع داخل الكيان الصهيوني
عقب كشف وزير الخارجية الصهيوني عن اللقاء مع المنقوش، اندلع سجال بين أجهزة الدولة
الصهيونية المختلفة وسط تبادل الاتهامات.
فقد تنصل وزير الخارجية إيلي كوهين من تسريب لقائه بنظيرته الليبية، مدافعًا عن
وزارته ضد معارضين اتهموها بعدم الاحترافية.
وقال كوهين في تغريدة على حسابه بمنصة "تويتر" إكس: تعمل وزارة الخارجية بانتظام من
خلال القنوات العلنية والسرية، وبطرق سرية متنوعة، على تعزيز علاقات إسرائيل في
العالم، وتابع: من المؤسف أن المعارضين السياسيين الذين لم يدفعوا نحو أي إنجاز
يذكر، يندفعون إلى الرد دون أن يعرفوا التفاصيل ويتهموننا بتسريب لم يحدث، وختم
كوهين بالتأكيد على أن هذه الهجمات لن تمنع وزارة الخارجية الإسرائيلية من إقامة
وتعزيز العلاقات مع أصدقائنا الكثيرين في العالم، وفي العالم العربي على وجه
الخصوص.
وقبله تنصلت الخارجية الإسرائيلية من المسؤولية عن تسريب اللقاء المثير للجدل، حيث
أوردت تفاصيل أكثر عما حدث.
|
هذا التسريب يعكس التوترات بين جهاز المخابرات (الموساد) والخارجية، مشيرًا
إلى أنه منذ تولي نتنياهو الحكم قبل 8 أشهر وتنصيب كوهين في الخارجية، ظهرت
ملامح التوتر بين الأخير والأجهزة الأمنية |
وقالت الوزارة في بيان: خلافًا للتقارير، فإن التسريب بشأن اللقاء مع وزيرة
الخارجية الليبية لم يأت من الوزارة أو مكتب الوزير، دون توضيح الجهة التي سربته.
ونقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤولين بوزارة الخارجية الإسرائيلية قولهم إن
تسريب اجتماع وزير الخارجية الإسرائيلي مع نظيرته الليبية يعد انتهاكًا للقواعد
الدبلوماسية الأساسية ولقد تضررت مصداقيتا بشكل خطير،
وعلّقت: هذا الأمر سيناريو يعيدنا إلى الوراء بشكل كبير.
وبينت المصادر ذاتها أن الخارجية الإسرائيلية قررت الإعلان عن مقابلة وزير الخارجية
الإسرائيلي بنظيرته الليبية لأن صحفييْن إسرائيلييْن وصلا إلى المعلومة، لافتة إلى
أن أحدهما كانت لديه معلومات محددة للغاية، أم الآخر فكانت له معلومات أقل واقعية
عن اللقاء.
وأشارت إلى أن الخارجية الإسرائيلية أرسلت الإعلان إلى الجانب الليبي قبل نشره، لأن
الصحفيين على علم بالاجتماع.
من جانبهم، قال مسؤولون حكوميون إسرائيليون إن ما قام به كوهين من تسريب للاجتماع
تسبب في أضرار سياسية خطيرة لإسرائيل من شأنها أن تمنع القادة في العالم العربي من
الاقتراب منها.
واعتبر المسؤولون أن تسريب كوهين للاجتماع سلوك غير مسؤول وهاو لسياسي يسعى للشهرة
ومستعد للتضحية بمصلحة البلاد من أجل مصلحته السياسية الخاصة"، لافتين إلى أنه ألحق
أيضًا ضررًا شخصيًا هائلا للوزيرة الليبية.
بينما اعتبر رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد أن تسريب عقد الاجتماع مع وزيرة
الخارجية الليبية عمل غير احترافي، وغير مسؤول، وفشل خطير في الحكم.
وتابع لابيد في تغريدة على منصة إكس: إنه صباح العار الوطني والمخاطرة بحياة
الإنسان، من أجل عنوان رئيسي.
يقول المسئول الصهيوني السابق يوسي ميلمان في مقاله في صحيفة هآرتس: مع الكلام
الفارغ وانبعاث لوحة المفاتيح لوزير الخارجية كوهين، والمدير العام لمكتبه رونان
ليفي، بهذا التسريب، فإن كل هذا الاستثمار الكبير يمكن أن يذهب هباء الرياح.
وأوضح أن
هذا التسريب يعكس التوترات بين جهاز المخابرات (الموساد) والخارجية، مشيرًا إلى أنه
منذ تولي نتنياهو الحكم قبل 8 أشهر وتنصيب كوهين في الخارجية، ظهرت ملامح التوتر
بين الأخير والأجهزة الأمنية
في كل ما يتعلق بكواليس الاتصالات مع دول عربية وإسلامية.
وأضاف الباحث الإسرائيلي أن هذه التوتر انعكس بإقدام كوهين على إدارة سير الاتصالات
الدبلوماسية والسياسية مع الدول العربية والإسلامية، بعيدا عن دور الموساد وسير
الاتصالات الاستخباراتية والأمنية الإسرائيلية، وهو التوجه الذي لم يعجب رئيس
الموساد دافيد برنياع.
وفي مكتب وزير الخارجية -يقول ميلمان- إنه تم وضع قائمة بأسماء الدول العربية
والإسلامية ودول في آسيا وأفريقيا كان من المفترض أن تكون هدفا لسياسة كوهين، بما
في ذلك السودان والصومال والنيجر ومالي وجزر القمر وجزر المالديف وليبيا. وحتى
الآن، لم تقم أي منها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
تكشف تصريحات الصهاينة تلك عن أن حكومة نتنياهو وفي خضم التحديات والأزمات داخلية
التي تواجهها قامت بتوظيف هذا اللقاء، وكل حديث عن إمكانية التطبيع مع دول عربية
وإسلامية، كطوق نجاه لتحقيق مكاسب توظف بالحملات الانتخابية والخطاب السياسي
الإسرائيلي العام، حتى وإن لم يكن لمثل هذه اللقاءات أو الاتصالات أي أثر إيجابي
لمسار التطبيع في المستقبل.
حفتر والدبيبة والصراع الإقليمي
تورط الدبيبة في هذا اللقاء غير خاف، فموقع صحيفة يديعوت أحرنوت الصهيونية كشف أن
كوهين توجه خصيصاً إلى روما من أجل لقاء الوزيرة الليبية في دار ضيافة رسمية تابع
لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ولم يكن لقاءً بالصدفة، وأن الوزيرة لم تفعل شيئاً
دون علم رئيس الحكومة الليبي.
ولا شك أن كشف اللقاء أحرج الرجل فسارع إلى وقف الوزيرة عن العمل، ولكنه لم يقيلها
حتى الآن، ولم يخرج تصريحًا بنفي علمه باللقاء لأن وسائل الاعلام الصهيونية
والعالمية باتت تتحدث عنه بشكل واضح.
ويبقى الاحتمال لماذا كشف الكيان عن اللقاء بالرغم من تأكد الجانب الصهيوني بأن هذا
الكشف سيحرج الدبيبة، وربما يؤدي إلى إسقاط حكومته؟
هل تراجع الجانب الصهيوني عن التحالف مع الدبيبة وفضل بقاء علاقاته الوطيدة مع
الجانب الليبي المضاد وهو حكومة حفتر في الشرق الليبي؟
هل ضغطت على حكومة نتانياهو قوة إقليمية متحالفة مع حفتر وترى في بقائه وازدياد
سطوته دعمًا لتمدد نفوذ القوة الإقليمية تلك في المنطقة؟
هل هناك ترتيبات كانت تحاول الولايات المتحدة صياغتها في ليبيا، بالضغط على الكيان
والدبيبة لعمل تحالف يتم فيه استبعاد حفتر والمكروه أمريكيا بعد أن استعان بقوات
فاغنر الروسية والتي باتت تسيطر على حقول النفط الليبية الكبرى في الجنوب الليبي،
وهذا بالطبع يحبط الخطط الأمريكية في حصار روسيا في إطار الصراع والحرب الجارية في
أوكرانيا؟
ومما يعزز هذا الاحتمال مسارعة أذناب حفتر في الشرق الليبي إلى التنديد بما فعله
الدبيبة، وشنوا حملة إعلامية كبرى، وطالبوا بحل حكومة الوحدة الوطنية بزعامة
الدبيبة.
يبدو هذا الاحتمال هو الأقرب للحدوث.