• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أنـور الحـق كاكار.. رئيس الحكومة الانتقالية في باكستان

لماذا تم اختيار أنور كاكار رئيًسا لوزراء باكستان رغم عدم انتمائه للأحزاب السياسية الكبرى في البلاد؟ ما هي خلفية الرجل وخبراته وعلاقاته السياسية؟ هل يستطيع العبور بباكستان خلال هذه الأزمة التي تشهدها البلاد؟


بعد أيام من حل الجمعية الوطنية الباكستانية (البرلمان)، جرى الإعلان عن تعيين أنور الحق كاكار، رئيسًا لحكومة تصريف الأعمال في البلاد والتي ستُشرف على الانتخابات المقبلة، تم التوافق على اسم كاكار بين رئيس الوزراء المنتهية ولايته شهباز شريف وزعيم المعارضة رجاء رياض أحمد، كما وافق الرئيس الباكستاني عارف علوي على تعيينه، فمن هو أنور الحق كاكار، السياسي غير المعروف والذي بات رئيسًا مؤقتًا للوزراء في فترة دقيقة من تاريخ باكستان؟

سـياسي غير مشهور

سياسي باكستاني غير معروف لكنه من إقليم مهم، إنه إقليم بلوشستان، الذي يعدّ من أكثر المناطق فقرًا في باكستان رغم كونه أقلها اكتظاظًا بالسكان، لطالما شكى سكان هذا الإقليم من التهميش والفقر بالرغم من أنه غني بالموارد الطبيعية، وكان زعيم المعارضة رجاء رياض قد صرّح سابقًا بأن كل الأطراف السياسية قد اتفقت على أنه "أيًا كان من يجب أن يكون رئيسًا للوزراء، يجب أن يكون من مقاطعة أصغر، حتى يمكنه معالجة شكاوى المقاطعات الأصغر خلال الفترة الانتقالية على الأقل"، ولعل هذا ما قاد في النهاية إلى التوافق على اسم أنور الحق كاكار.

 

يتمتع كاكار بنظرة ثاقبة حول القضايا التي تواجهها باكستان، ولا سيما مقاطعة بلوشستان، كثيرًا ما شارك وجهة نظره في المنابر الأكاديمية وصنع السياسات على الصعيدين الوطني والدولي

أنور الحق كاكار، البالغ من العمر 52 عامًا، ينحدر من عرقية البشتون حيث وُلِدَ بمنطقة قلعة سيف الله في بلوشستان، درس كاكار في مدينة كويتا وحصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية وعلم الاجتماع من جامعة بلوشستان، ثم سافر لاحقًا إلى لندن لإكمال تعليمه، وعاد إلى باكستان في عام 2005، وهو أيضًا من خريجي جامعة الدفاع الوطني المرموقة في باكستان، شغل منصب المتحدث باسم حكومة بلوشستان في عام 2015، وعلى الرغم من إدراجه كنائب مستقل في مجلس الشيوخ منذ مارس 2018 إلا أنه ينتمي إلى حزب بلوشستان عوامي الذي يعتبر على نطاق واسع مقربًا من الجيش والذي يعدّ هو المؤسسة الأقوى في البلاد، تولى كاكار دور زعيم الكتلة البرلمانية عن حزب بلوشستان عوامي داخل المجلس، وكان رئيسًا للجنة الدائمة لمجلس الشيوخ المعنية بالباكستانيين في الخارج وتنمية الموارد البشرية، وعضوًا في 4 لجان أخرى هي اللجنة الاستشارية للأعمال، والشؤون المالية والإيرادات، والشؤون الخارجية ولجان العلوم والتكنولوجيا، ويتمتع كاكار بعلاقات جيدة مع الأحزاب السياسية الرئيسية بما في ذلك حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية وحزب الشعب الباكستاني.

يتمتع كاكار بنظرة ثاقبة حول القضايا التي تواجهها باكستان، ولا سيما مقاطعة بلوشستان، كثيرًا ما شارك وجهة نظره في المنابر الأكاديمية وصنع السياسات على الصعيدين الوطني والدولي، لكن خبرته السياسية لا توازي خبرته الأكاديمية، فخبرته السياسية محدودة، لكن هذا قد يصب في مصلحته، فقد تكون تلك ميزة بالنسبة له لأنه ليس لديه ارتباط قوي بالأحزاب السياسية الرئيسية، فقد يجد صعوبة في التعامل مع المشكلات التي سيواجهها دون دعم نشط من الأحزاب الكبرى أو المؤسسة العسكرية. وحتى تكتمل صفة الحيادية؛ استقال كاكار من مجلس الشيوخ كما استقال أيضًا من حزب بلوشستان عوامي الذي شارك في تأسيسه، وبأدائه اليمين الدستورية خلال حفل أقيم في قصر الرئاسة في إسلام أباد، أصبح كاكار ثامن رئيس وزراء مؤقت لباكستان، وسيقودها بتكوين سياسي محايد إلى أن تتولى الحكومة المقبلة زمام الأمور بعد الانتخابات.

خلفيات المشهد السياسي

تم حل الجمعية الوطنية الباكستانية (البرلمان) في 9 أغسطس، قبل 3 أيام فقط من انتهاء الهيئة التشريعية من ولايتها البالغة 5 سنوات، وهو ما مهّد الطريق لإجراء انتخابات عامة لن يتمكن رئيس الوزراء السابق عمران خان ـ السياسي الباكستاني الأكثر شعبية ـ من المشاركة فيها، وذلك بعدما تم القبض عليه وإدانته بتهم فساد والحكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات، وهو الآن ممنوع من خوض الانتخابات، لم يكن مصطلح الحكومة المؤقتة معروفًا في باكستان قبل دستور 1973، وقد أحياه مجددًا الجنرال ضياء الحق في عام 1985، ففي السابق كان الدستور الباكستاني ينص على أنه أثناء حل الجمعية الوطنية، يستمر رئيس الحكومة ومجلس الوزراء في شغل مناصبهم حتى انتخاب الحكومة الجديدة، لقد تطورت هذه البنية في باكستان لمنع تزوير الانتخابات، وبالتالي بمجرد قيام الرئيس بحل الجمعية الوطنية، يجب تعيين حكومة انتقالية حتى يتم انتخاب رئيس وزراء جديد، وقد تم تعزيز هذا النص في عام 2010 من خلال التعديل الثامن عشر للدستور، والذي نصَّ على أن يتم اختيار رئيس الوزراء المؤقت من قبل الرئيس بالتشاور مع رئيس الوزراء المنتهية ولايته وزعيم المعارضة في الجمعية الوطنية، لا يجوز لأفراد عائلة رئيس الوزراء المؤقت خوض الانتخابات المقبلة.

 

رغم أن كاكار يترأس حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال إلا أنها ستكون مسؤولة عن الإشراف على الشؤون اليومية والحفاظ على القانون والنظام واستمرار الحكم في البلاد مع ضمان انتقال سلس للسلطة

من المقرر إجراء الانتخابات الباكستانية في وقت لاحق من هذا العام ولكن فقط بعد ترسيم الحدود الإدارية بين الأقاليم، فقد تمت الموافقة على نتائج التعداد السكاني الجديدة من قبل الحكومة المنتهية ولايتها، ينص القانون الباكستاني على أنه يجب ترسيم الدوائر الانتخابية بناءً على التغييرات في عدد السكان قبل الانتخابات المقبلة، وستستغرق هذه العملية رسميًا 120 يومًا مما قد يؤدي إلى تأخير محتمل في الانتخابات، ستكون حكومة كاكار المؤقتة مسؤولة عن ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وبموجب الدستور الباكستاني يجب إجراؤها في غضون 90 يومًا من حل البرلمان، وهذا يعني أنه من الأفضل إجراء الانتخابات في أوائل شهر نوفمبر، لكن في الغالب قد لا يتحقق ذلك بسهولة، وقد يستعمل كاكار سلطته كرئيس وزراء لتأجيلها لمدة 6 أشهر بسبب عملية ترسيم الحدود.

جـدول أعمـال مـزدحـم

رغم أن كاكار يترأس حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال إلا أنها ستكون مسؤولة عن الإشراف على الشؤون اليومية والحفاظ على القانون والنظام واستمرار الحكم في البلاد مع ضمان انتقال سلس للسلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة، وما يتبعها من انتقال سلس للسلطة، وقد يؤدي تأخير الانتخابات ببساطة إلى إثارة غضب الجمهور بشكل أكبر وتحفيز المعارضة التي عانت بالفعل خلال شهور من الحملات القمعية. من المفترض أن ولاية الحكومة المؤقتة محدودة من 60 إلى 90 يومًا، لكن منذ الأول من يوليو الماضي، تم إدخال سلسلة من التغييرات التشريعية التي ستتيح الآن للحكومة المؤقتة اتخاذ قرارات بعيدة المدى تتجاوز الشؤون اليومية بدلًا من مجرد لعب دور رمزي، فخلال الشهر الماضي سارع البرلمان إلى إصدار تشريع يمنح حكومة تصريف الأعمال مزيدًا من السلطة للتفاوض مع الهيئات العالمية مثل صندوق النقد الدولي، وهو دليل آخر على أن حكومة كاكار قد تتجاوز كونها مجرد حكومة تصريف أعمال.

هناك أيضًا تكهنات بأن كاكار كرئيس وزراء مدعوم من الجيش الباكستاني، سيتمكن الجيش من إجراء بعض التغييرات في التكوين السياسي والاقتصادي للبلاد، على الرغم من أن الجيش الباكستاني الذي يعدّ سادس أكبر جيوش العالم دائما ما ينفي أداء أي دور سياسي، لكنه طالما شكّل الدعم الذي يقدمه حجر زاوية لاستقرار أي حكومة باكستانية، كما أن الجيش يكمن خلف أي انتخابات في باكستان وسبق وأن قام على الأقل بثلاثة انقلابات ناجحة منذ أن تشكلت البلاد من تقسيم الهند في عام 1947، ولعل أبرز الأدلة على قوة تأثير الجيش في السياسة الباكستانية هو الدعم الحقيقي واسع النطاق الذي حظي به عمران خان عندما تولى السلطة في عام 2018، وقد أشار المحللون إلى أنه لم يكن ليحدث ذلك إلا بمباركة الجنرالات الأقوياء في البلاد، الذين ورد أنه اختلف معهم في الأشهر التي سبقت الإطاحة به.

تـحـديـات وصـعوبـات

رغم أن حكومته مؤقتة، إلا أن عليها تحمل الكثير من التحديات والتعامل مع الكثير من الصعوبات التي تعاني منها باكستان في الوقت الراهن، من بينها:

* الاقتصاد: تعاني باكستان من اقتصاد ضعيف، كما تعاني من معدلات عالية من البطالة والفقر، ناهيك عن الديون المتراكمة، مما يحد من قدرتها على الاستثمار في قطاعات مثل الصحة والتعليم، سيكون على حكومة كاكار التعامل بحكمة مع صندوق النقد الدولي لحل مشاكل الديون، وفي نفس الوقت الحفاظ على توازن سعر الصرف وخفض أسعار الفائدة وترويض التضخم المرتفع.

* إجراء الانتخابات: أي تأخير في إجراء الانتخابات أو تشكيك في نزاهتها قد يوسع الهوة بين المواطنين والدولة، فالبلد مستقطب سياسيًا وهناك انعدام للثقة بين الأحزاب السياسية المختلفة، وللمؤسسة العسكرية تأثير قوي على الحكومة، وسيتعين على كاكار أن يخطو بحذر لتجنب استعدائها، ومن المتوقع أن تكون الانتخابات العامة المقبلة موضع تنافس كبير، وسيحتاج كاكار إلى ضمان أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة، وألا ستدخل البلاد في دوامة من العنف والترهيب.

* التنمية الاجتماعية والبيئية: تعاني باكستان من العديد من التحديات الاجتماعية، مثل عدم المساواة والعنف ومعدلات عالية من الأمية، مما يحد من فرص الحصول على التعليم للكثير من الناس، كما تعاني البلاد من العديد من التحديات البيئية، مثل التصحر وتلوث الهواء والماء، ناهيك عن نتائج الفيضانات واسعة النطاق التي لا تزال تعاني منها باكستان، وهذه التحديات تؤثر سلبًا على الصحة والبيئة والاقتصاد.

* حل نزاع بلوشستان: إقليم بلوشستان هو موطن لتمرد انفصالي طويل الأمد بدأ في أواخر الأربعينيات بعد أن اندمجت المقاطعة مع باكستان، لطالما شعر البلوش، الذين يشكلون غالبية السكان في بلوشستان، أنهم تعرضوا للتهميش من قبل الحكومة المركزية في إسلام أباد، لا يوجد حل سهل لنزاع بلوشستان، لكن كاكار سيحتاج إلى العمل على وضع حل ـ ولو مؤقت ـ لهذا الصراع من أجل ضمان السلام والاستقرار في تلك المنطقة حتى تنتهي ولايته دون مشكلات.

* الأمن: تعاني باكستان من صراعات أمنية طويلة الأمد، مثل الصراع في إقليم بلوشستان، والصراع مع طالبان، هذه الصراعات تؤدي إلى خسائر في الأرواح، وتضر بالاقتصاد وتمنع الاستثمار الأجنبي، وتقيّد التنمية الاجتماعية، سيحتاج كاكار إلى العمل لضمان أمن وسلامة البلاد لا سيما فترة الانتخابات، وقد يساعده الجيش في هذا الجانب.

هذه ليست سوى بعض التحديات والصعوبات التي تواجه باكستان في الوقت الراهن، والتي تجعل من الصعب على البلاد تحقيق التنمية المستدامة بسببها، وقد أعرب أنور الحق كاكار عن ثقته في قدرته على التغلب على هذه التحديات وضمان انتقال سلس إلى حكومة جديدة، صحيح أن كاكار ووزراء حكومته لن يكونوا قادرين على وضع حلول جذرية لتلك التحديات، لكن على الأقل سيكونون مطالبين بالتعامل معها وتهدئة وطأتها.


أعلى