مناسبة تعيين السمح بن مالك الخولاني، واليًا على الأندلس، التي كانت أخطر منطقة من مناطق المسلمين، آنذاك، وذلك من قبل الخليفة عمر بن عبد العزيز (99 – 101هـ). فكيف جاءت عملية تعيينه يا ترى؟ وماهي أهم أعماله في الأندلس؟ وكيف كانت نهايته؟
يصادف رأس السنة الهجرية العديد من الأحداث والمناسبات الهامة والخالدة في التاريخ
الإسلامي، ومنها مناسبة
تعيين السمح بن مالك الخولاني، واليًا على الأندلس، التي كانت أخطر منطقة من مناطق
المسلمين، آنذاك، وذلك من قبل الخليفة عمر بن عبد العزيز (99 – 101هـ). فكيف جاءت
عملية تعيينه يا ترى؟ وماهي أهم أعماله في الأندلس؟ وكيف كانت نهايته؟
ففي يوم الجمعة لعشرٍ بقين من صفر سنة 99هـ، مات الخليفة سليمان بن عبد الملك،
وتولى الخلافة من بعده ابن عمه عمر بن عبد العزيز، بعهدٍ منه، وبمشورة التابعي
الجليل، رجاء بن حيوة الكندي، وقد باشر عمر بن عبد العزيز، عهده في الخلافة، بإحياء
سنة الخلفاء الراشدين، في ولاية أمور المسلمين، وفي علاقة الحاكم بالمحكوم، وكان من
ذلك، إعادة النظر في أمراء الأمصار، عزلاً وتولية،
واختيار الرجل المناسب للواجب المناسب.
ولم تكن الأندلس، بمنأى عن اهتمام هذا الخليفة العادل، فقد شهدت هذه الولاية، في
خلافته، عهدًا جديدًا لا سابقة لها به، شأنها في ذلك شأن ولاية أفريقية، والعديد من
ولايات الدولة الإسلامية الأخرى. وقد ذكرت المصادر أن هذا لخليفة: لم يكن في
البداية متحمسًا لبقاء المسلمين، بالأندلس، لدرجة أنه، فكّر، في إقفالهم منها،
وإخلائها منهم قاطبة، وذلك " لانقطاعهم وراء البحر عن المسلمين، وبعدهم عنهم،
واتصالهم بأعداء الله الكفار"، بيد أن عقلاء المسلمين راجعوه وقالوا له: (إن الناس
قد كثروا بها، وانتشروا في أقطارها، فأضرب عن ذلك).
|
هو رائد الفتوحات الإسلامية في بلاد الفرنجة (فرنسا حاليًا)، وفاتح الشطر
الأعظم من جنوبي فرنسة، وفي مقدمته مدينة أربونة الحصينة، وذات الموقع
الاستراتيجي على ساحل البحر الأبيض المتوسط |
ومن هنا، فقد قرر عمر بن عبد العزيز أن يختار لولايتها، رجلا صالحًا، فاضلاً،
ورعًا، كفؤاً، كعادته في اختيار الولاة، فوقع اختياره على رجل من خيرة أصحابه، ومن
الموثوقين بهم عنده، ألا وهو السمح بن مالك الخولاني، وقد اختاره لولاية الأندلس،
بعد استعراض سيرته السابقة، وبعد اختبار عملي له من قبله، ثبت فيه صلاحه وفضله،
ونزاهته، وصدق إيمانه، وكفايته، وبعد طول نظرٍ وتمحيص، وأوصاه أن يحمل الناس على
طريق الحق، ولا يعدل بهم عن منهج الرفق. جاء ذلك، يعد أن عزل عنها الحر بن عبد
الرحمن الثقفي، لأن بقاءه في الحكم، لم يكن يتمشى مع سياسته الإصلاحية الجديدة،
التي تنحو إلى نشر الإسلام وإدخال رعيته كلهم فيه. وكان تاريخ تعيين السمح بن مالك
الخولاني واليًا على الأندلس، على رأس المائة من الهجرة، أي في بداية سنة 100هـ.
وعن أسباب اختيار عمر بن عبد العزيز لهذه الشخصية، لولاية الأندلس، تقول المراجع:
واستعمل السمح بن مالك الخولاني على الأندلس، وكان قد رأى منه ومن إسماعيل بن عبيد
الله بن أبي المهاجر، أمانة وديانة عند الخليفة سليمان بن عبد الملك فأعجبه ذلك
منهما، ثم ضمهما إلى نفسه، فاختبر منهما صلاحًا وفضلاً ودينًا وخيرًا. فلما ولي
الخلافة ولى إسماعيل بن عبيد الله إفريقية، وولى السمح بن مالك الأندلس. وأطمأن على
أن يكون حكم المسلمين في هاتين الولايتين، في أيد أمينه.
وقام السمح خلال فترة ولايته على الأندلس والتي لم تتعد السنتين وأربعة أشهر،
بالعديد من الأعمال والإصلاحات في مجالات الإدارة والمال والضرائب والعمران، وقام
بترميم وتجديد سور قرطبة وتحصينها وأعاد بناء قنطرتها على نهر الوادي الكبير، وكانت
سياسته الإصلاحية في الإدارة والاقتصاد والعمران نقطة تحول في تاريخ الأندلس، بحيث
أعطتها تلك الشخصية العربية الإسلامية المتميزة. وكان له بصمة واضحة، في ذلك الصرح
الحضاري الشامخ، الذي أقامه المسلمون، في هذا القطر، والذي لم يعرف التاريخ له
مثيلاً.
وهو رائد الفتوحات
الإسلامية في بلاد الفرنجة (فرنسا حاليًا)، وفاتح الشطر الأعظم من جنوبي فرنسة، وفي
مقدمته مدينة أربونة الحصينة، وذات الموقع الاستراتيجي على ساحل البحر الأبيض
المتوسط.
وهو، على الأرجح، أول ولاة الأندلس، وأول قائد مسلم كبير، يعبر على رأس جيشه ممرات
جبال البرت الضيقة، وتطأ قدماه أراضي جنوبي فرنسا، وهو الذي ركز راية الإسلام،
لترفرف عالية خفاقة، فوق أسوار مدن وقلاع هذا الجزء الهام من فرنسا، لمدة تجاوزت
أربعة عقود، بل لا يزال صداه، يتردد حتى اليوم. وأخيرًا، وليس آخرًا، هو أول قائد
عربي مسلم، من ولاة الأندلس، يسقط شهيدًا في هذه البلاد، ويضرّج دمه الزكي الطاهر،
ودماء كثير من جنوده، ثرى هذه الأرض، وكان ذلك في يوم عرفة سنة 102هـ، وعلى خطاه
سار بقية القادة الفاتحين الاستشهاديين في فرنسا: عنبسة بن سحيم الكلبي، وعبد
الرحمن الغافقي، وعقبة بن الحجاج السلولي.
***