قبل أيام، عُقِدَت ورشة عمل أولية بين رئيس الأركان الصهيوني هيرتسي هليفي، وأعضاء هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال وضباط كبار آخرون، ناقشوا أبرز ملامح الخطة الخمسية المقبلة للجيش، تمهيدًا لوضعها موضع التنفيذ
تعد الخطط الخمسية لبعض
الجيوش من أهم الأدوات المستخدمة في تحديد المسار الاستراتيجي للقوات وتحديد
أهدافها وخططها المستقبلية، ويتم تحديث هذه الخطط بشكل دوري لتأخذ بعين الاعتبار
التطورات الجديدة في السياسة والتكنولوجيا والأمن القومي، كان من اللافت قبل أيام
قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بالإعلان عن خطته الخمسية الجديدة للجيش للفترة
2023-2028، والتي تضمنت عددًا من الملامح الهامة الخاصة التي تظهر تطورًا خطيرًا في
عقلية وتفكير المحتل، حيث تسعى القيادة الصهيونية إلى تحديث الهيكل التنظيمي للجيش
وتحسين كفاءته وفعاليته في العمليات العسكرية وتعزيز قدرته على التكيّف مع ما
تعتبره تحديات متغيرة في المنطقة.
أهداف محددة
يرى القادة الصهاينة أن
الخطة الخمسية الجديدة لجيش الاحتلال الإسرائيلي خطوة مهمة في تحسين قدراته
القيادية والتدريبية للضباط والجنود والوقوف على مستوى استعداد عالٍ لمواجهة
الأخطار التي تحدق بالكيان العبري، وفي حين أن نجاح الخطة ليس مضمونًا، وأن تنفيذها
لن يكون سهلًا، وسيتطلب موارد كبيرة واستثمارات ضخمة، إلا أن الهياكل الإدارية
والتشريعية الموجودة الآن لن تقف في وجه تسهيل هذه الخطة، وستسعى لاتخاذ القرارات
التي من شأنها تحقيق الأهداف المحددة، وبشكل عام تعتبر الخطط الخمسية لجيش الاحتلال
أداة حيوية لتحقيق الأهداف العسكرية والاستراتيجية للكيان الصهيوني، وتحديد المسار
الذي يجب أن يسلكه لمواجهة التهديد الإيراني والتهديدات الأخرى التي على الحدود مع
الجانبين اللبناني والسوري، إلى جانب مواجهة التحديات التي تشكلها حركات المقاومة
الفلسطينية.
|
تتعرض إسرائيل لتهديدات الصواريخ التي تطلقها فصائل المقاومة من قطاع غزة،
أو يطلقها حزب الله من جنوب لبنان، وقد تطورات قدرات المقاومة بشكل كبير
خلال الفترات الماضية كشفت عنها المواجهات الأخيرة |
قبل أيام، عُقِدَت ورشة عمل أولية بين رئيس الأركان الصهيوني هيرتسي هليفي، وأعضاء
هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال وضباط كبار آخرون، ناقشوا أبرز ملامح الخطة
الخمسية المقبلة للجيش، تمهيدًا لوضعها موضع التنفيذ، كانت أبرز ملامحها بحسب
تقارير كالتالي:
أولًا:
يتضمن الهدف الرئيسي للخطة الخمسية الجديدة تعزيز القدرات الدفاعية لجيش الاحتلال
وتحسين جاهزيته القتالية، ويعتبر هذا الهدف أحد الأهداف الرئيسية لأي خطة خمسية
للجيش الإسرائيلي، حيث يتم تحقيقه من خلال تطوير القدرات التكنولوجية والتدريبية
للجنود وتحسين التجهيزات العسكرية والأسلحة، وتسعى الخطة الجديدة لتعزيز القدرات
الدفاعية للجيش بشكل شامل، بما في ذلك تحسين القدرات الجوية والبرية والبحرية،
وزيادة دمج المزيد من الأنظمة والوسائل القتالية الجديدة لخدمة القوات البرية بحلول
نهاية العام الجاري.
ثانيًا:
تهدف الخطة الجديدة لتعزيز قدرات الاستخبارات والتجسس للجيش، وذلك بهدف تحسين
القدرة على جمع المعلومات والبيانات الاستخباراتية وتحليلها بشكل سريع وفعال،
ويعتبر ذلك من الأهداف الحيوية في عقيدة جيش الاحتلال لتحقيق الأمن القومي في
الكيان بشكل عام، حيث يساعد تحسين قدرات الاستخبارات والتجسس في الكشف عن المخاطر
المحتملة والتهديدات الأمنية المحتملة، وتحديد الخطط الاستراتيجية المناسبة
لمواجهتها.
ثالثًا:
تهدف الخطة الجديدة لتعزيز قدرات جيش الاحتلال في المجال السيبراني، وذلك لتحسين
القدرة على مواجهة المخاطر السيبرانية والهجمات الإلكترونية المتزايدة، ويشمل هذا
الجانب تطوير القدرات التكنولوجية والتدريبية للجنود في المجال السيبراني وأمن
المعلومات، وتحسين الأنظمة الأمنية والتشفير لحماية الأنظمة الإلكترونية والبنية
التحتية الحيوية.
رابعًا:
تهدف الخطة الجديدة لتحسين القدرات اللوجستية للجيش الصهيوني، وذلك لضمان توفير
الإمدادات والخدمات والمعدات اللازمة للجنود في الميدان، ويشمل هذا الجانب تطوير
النظم اللوجستية وتحسين عمليات النقل والإمدادات والصيانة والإصلاح، وتعزيز التعاون
مع الجهات الحكومية والمنظمات المعنية باللوجستيات.
خامسًا:
تهدف الخطة الجديدة لتعزيز العلاقات الدولية للجيش الصهيوني، وذلك من خلال تعزيز
التعاون الأمني والعسكري مع الدول الصديقة والحلفاء، وتحسين العلاقات الدبلوماسية
بين إسرائيل ودول العالم عبر تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة ودول
أوروبا وبعض دول المنطقة العربية، وتحسين العلاقات مع بعض الدول الأفريقية
والآسيوية المؤثرة.
تحديات وتأثيرات
لا شك أن نجاح الخطة
سيعتمد على قدرة الجيش الإسرائيلي على التكيف مع الظروف المتغيرة وفعالية برامج
التدريب وتعزيز علاقته مع المجتمع المضطرب حاليًا بسبب الأحداث السياسية المتسارعة،
والتي تثير المخاوف بشأن تأثيرها على الجيش وقدراته على مواجهة المخاطر الأمنية.
ووفقًا لرئيس الأركان، هيرتسي هليفي، فإن التركيز الأساسي يجب أن يكون على ترتيب
صفوف الجيش وتعزيز سبل التعامل مع أفراده بسبب ما يشهده المجتمع الإسرائيلي خلال
الفترة الراهنة، إلى جانب تحسين المهارات الهجومية للقتال في عدة ساحات في الوقت
نفسه وكذلك في العمق، مع تطوير القدرات للعمل في آن واحد في عدة جبهات بطريقة
متغيرة، ومن المتوقع ـ وفقًا لتقارير عديدة ـ أن تحدث خلال الفترة المقبلة تغييرات
جوهرية في سياسة الدفاع الوطني الإسرائيلية عبر زيادة الاستثمار في القدرات
السيبرانية والتكنولوجية، وتحسين استخدام الذكاء الاصطناعي لجمع المعلومات
وتحليلها، وتطوير قدرات القوات الخاصة وتشكيلات القوات الجوية والبحرية.
|
تشكل
حكومة اليمين المتطرف الموجودة الآن على رأس السلطة في إسرائيل تحديا كبيرا
للقيادات العسكرية التي تعاني من تملل وسط القيادات الدنيا والمتوسطة
والتهديد بعدم إطاعة الأوامر وهذا يمثل خطرا كبيرا إذا انتشرت عدواه في
الجيش |
يواجه الجيش الإسرائيلي
العديد من التحديات الأمنية والمخاطر التي تشكل تحديًا كبيرًا على قدراته، من بين
هذه التحديات:
1- التهديدات الإيرانية:
تشكل إيران تهديدًا كبيرًا لإسرائيل، بسبب تطور برنامجها النووي ودعمها للجماعات
المسلحة في المنطقة.
2- صواريخ المقاومة
الفلسطينية:
تتعرض إسرائيل لتهديدات الصواريخ التي تطلقها فصائل المقاومة من قطاع غزة، أو
يطلقها حزب الله من جنوب لبنان، وقد تطورات قدرات المقاومة بشكل كبير خلال الفترات
الماضية كشفت عنها المواجهات الأخيرة.
3- التحديات السيبرانية:
تشكل التحديات السيبرانية تهديدًا كبيرًا للأمن القومي الإسرائيلي، حيث يمكن أن
تتعرض البنية التحتية الحيوية لهجمات سيبرانية تؤدي إلى تعطيل الخدمات والأنظمة
الحيوية.
4- التحديات الداخلية:
تشهد إسرائيل تحديات داخلية حاليًا بسبب الصراع السياسي على السلطة، وما ينتج عنه
من انعكاسات اجتماعية واقتصادية، وهو ما يؤثر بدوره على الاستقرار الأمني في الكيان
الصهيوني.
وتشكل حكومة اليمين المتطرف الموجودة الآن على رأس السلطة في إسرائيل تحديا كبيرا
للقيادات العسكرية التي تعاني من تملل وسط القيادات الدنيا والمتوسطة والتهديد بعدم
إطاعة الأوامر وهذا يمثل خطرا كبيرا إذا انتشرت عدواه في الجيش
التحدي الأكبر
أفادت مصادر إسرائيلية بأن
الخطة الخمسية الجديدة للجيش ستركز على تعزيز الآليات وخطط القيادة ووسائل السيطرة
وتنظيم الصفوف الداخلية من أجل الاستعداد لمواجهة إيران في المقام الأول، إذ تشكل
مواجهة التحدي النووي الإيراني إحدى أكبر التحديات الأمنية التي تواجه إسرائيل،
وترى إسرائيل أن برنامج إيران النووي يشكل تهديدًا خطيرًا لأمنها، لذا فإنها تحاول
بشتى الطرق والوسائل تقليل هذا التهديد، حيث ترى أن إيران تهدف إلى تطوير سلاح نووي
لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية، بما في ذلك تعزيز نفوذها في المنطقة وتحقيق
الهيمنة على الشرق الأوسط، لذا فإن إسرائيل تستخدم كافة الوسائل لمنع إيران من
الحصول على القدرة النووية العسكرية، إذ تمارس ضغوطًا دبلوماسية على الدول الكبرى
لمنعها من الدخول في اتفاقات نووية مع إيران، وتدعو المجتمع الدولي على الدوام إلى
تبني إجراءات أكثر صرامة ضد إيران، كما تلوّح أيضًا بالخيارات العسكرية لمنع إيران
من الحصول على السلاح النووي.
تعتبر المواجهة العسكرية
بين إسرائيل وإيران واحدة من أكثر سيناريوهات الحرب المحتملة في المنطقة، ولكن من
الصعب تحديد احتمالات حدوثها بشكل دقيق، ومع ذلك فإن هناك بعض العوامل التي يمكن أن
تزيد من احتمالية وقوع المواجهة العسكرية بينهما، بسبب توتر العلاقات على خلفية
النووي الإيراني وتهديدات إيران الدائمة لإسرائيل في المنطقة، ودعم وتمويل طهران
للجماعات المسلحة في المنطقة؛ مثل حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية في العراق
وسوريا، إلى جانب التوتر الدائم بسبب الضربات الإسرائيلية على مواقع إيرانية في
سوريا والعراق، المثير هو أنه في حال وقوع المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران،
فإن النتائج المتوقعة يمكن أن تكون وخيمة على الجانبين وعلى المنطقة بشكل عام، إذ
ستزداد حدة التوتر في المنطقة مع زيادة احتمالية تورط دول أخرى في الصراع، وما
سيتبع ذلك من تأثير سلبي على الأمن الدولي والاقتصاد العالمي، وزيادة احتمالية نشوب
صراعات أخرى في المنطقة.
غرور القوة
لا يمكن لأي جيش في العالم
أن يخوض حربًا أو يدخل صراعًا ولديه يقين بشأن النتيجة التي ستصل إليها الأمور،
وهذا ينطبق أيضا على الجيش الإسرائيلي، فالانتصار في الحروب يعتمد على العديد من
العوامل الداخلية والخارجية؛ مثل الأهداف العسكرية والسياسية، والقدرات العسكرية
والتكنولوجية والاستخباراتية، والمناخ الداخلي والخارجي، وغيرها من العوامل التي
يجب مراعاتها، وعلى الرغم من قوة الجيش الصهيوني التي لا يمكن إنكارها بسبب تحديث
استراتيجياته وتطوير قدراته بشكل مستمر، إلا أنه أيضًا يواجه تحديات أمنية ليست
باليسيرة، بل إن بعضها يشكل تحديًا حقيقيًا يفوق قدراته الدفاعية، ويمكن أن تؤدي
إلى هزيمة الجيش الصهيوني، أو على الأقل إحراجه في بعض الأحيان،
وقد نجحت
فصائل المقاومة الفلسطينية بالفعل ـ ومن قبلها حزب الله اللبناني ـ في تحقيق بعض
الانتصارات العسكرية، وخاصةً خلال الحروب الأخيرة في قطاع غزة، وقد تمكنت من إلحاق
خسائر بالجيش الإسرائيلي وإحراجه، مما يعد إنجازًا مهمًا لها في مواجهة غرور القوة
الإسرائيلي، فإلى أي مدى ستنجح الخطة الخمسية الجديدة للجيش الصهيوني في تحقيق
أهدافها؟ .. هذا ما سيكشفه قادم الأيام.