• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
عمران خان.. الرياضي الذي أشعل السياسة في باكستان

تعيش باكستان مؤخرًا على وقع الصراع السياسي، وقد تسبب اعتقال عمران خان قبل أسابيع ثم الإفراج عنه في حالة واسعة من الجدل والعنف سادت مدنًا كبرى في البلاد ومنها العاصمة إسلام آباد


هو واحدٌ من أشهر الشخصيات الباكستانية المعروفة في السنوات الأخيرة، سواء كنجمٍ بارزٍ في مجال رياضة الكريكت التي تعدّ هي الأكثر شعبية في باكستان والتي تجذب ملايين المشجعين من جميع الأعمار والطبقات الاجتماعية، أو لكونه نجمًا لامعًا في مجال السياسة حيث يتمتع بشعبية واسعة ويحظى بدعم كبير من مختلف طبقات الشعب الباكستاني، وهو ما أوصله إلى رئاسة الوزراء ذات يوم، لكنه سرعان ما اصطدم بصخرة الجيش ودخل في عداء مع الولايات المتحدة، وبعد موجات متلاحقة من النجاح والفشل تمت الإطاحة به بعد تصويت بحجب الثقة عنه في البرلمان، إنه رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق عمران خان، الذي لا تزال باكستان تعيش حتى اللحظة على وقع الأحداث التي هو بطلها.

 

 يعتبره أنصاره الصوت الصامد للشعب، لكن في المقابل يرى معارضوه أنه شعبوي ومستغل لمشاعر الجماهير وأنه أحد عوامل الفوضى أكثر من كونه قوة تدفع بالبلاد نحو التغيير

من الرياضة إلى السياسية

وُلِدَ عمران إكرام الله خان في 5 أكتوبر 1952، درس في مدارس النخب الباكستانية ثم انتقل إلى جامعة أوكسفورد لدراسة الفلسفة والسياسة والاقتصاد، بدأ حياته كلاعب كريكت وقاد المنتخب الباكستاني إلى الفوز بكأس العالم للكريكت بعد انتصاره على إنجلترا في عام 1992، نال نصيبًا كبيرًا من الشهرة في باكستان بفضل مسيرته الرياضية وظهر في العديد من الإعلانات التلفزيونية التجارية، وبعد اعتزاله اللعبة لم يبتعد عن الأضواء حيث تحوّل إلى السياسة، فصار نجمًا فيها أيضا، أسس حزب "حركة العدل باكستانية" في عام 1996، في البداية لم يحظ حزبه الناشئ بمساندة واسعة واستمر ضعفه حتى انتخابات العام 2022 التي حصل فيها على مقعدٍ واحدٍ فقط في البرلمان، لكن بعد حوالي 10 سنوات، قاد خان احتجاجات واسعة في مناطق قبلية على طول الحدود الباكستانية ضد الغارات الأمريكية التي كانت تُنَفذ بطائرات مسيرة، وهو ما زاد من مكانته بين صفوف الشعب الباكستاني الذي كان لا يزال يتلمس وجود خان في معترك الحياة السياسية، في عام 2000 أيّد خان قائد الجيش الأسبق الجنرال برويز مشرّف وأعلن عن دعمه له في استفتاء شعبي لتقلده منصب رئاسة الجمهورية، لكنه سرعان ما عاد وانتقده بشدة لتبعيته للإدارة الأمريكية ورئيسها آنذاك جورج بوش الابن، كما شارك في الحراك السياسي الذي أنهى حكم مشرّف في عام 2008، وقد عاني خان في بسبب ذلك من الإقامة الجبرية في فترات لاحقة.

مع تنامي شعبيته فاز حزبه بالانتخابات المحلية في إقليم خيبر عام 2013، حيث حصل الحزب على 35 مقعدًا وبات الحزب الثالث في البلاد، وفي العام التالي تصادم مع حكومة نواز شريف بعدما انسحب من المفاوضات السياسية معها لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، في عام 2018 تحالف حزبه مع عدة أحزاب ومستقلين مما أهّلهم لتشكيل أغلبية في البرلمان ومن ثمَّ أصبح خان رئيسًا لوزراء باكستان في 18 أغسطس من نفس العام، يجمع خان بين كونه ليبراليًا يؤيد الديمقراطية بصورتها الغربية وفي نفس الوقت فإنه معروف بتعاطفه مع الأحزاب الإسلامية المحافظة في باكستان، ورغم أنه ينحدر من أسرة ثرية من لاهور ويعيش حياة رغدة، إلا أنه غالبًا ما يصف نفسه بأنه ابن الشعب المقرّب من رجل الشارع، يعتبره أنصاره الصوت الصامد للشعب، لكن في المقابل يرى معارضوه أنه شعبوي ومستغل لمشاعر الجماهير وأنه أحد عوامل الفوضى أكثر من كونه قوة تدفع بالبلاد نحو التغيير.

حقبة مختلفة

منذ عودة الحياة الحزبية السياسية إلى باكستان بعد مقتل الرئيس السادس الجنرال محمد ضياء الحق في عام 1988، ظلت السلطة التنفيذية متداولة حصرًا بين حزبين كبيرين، هما حزب الشعب بقيادة عائلة بوتو التي تنتمي إلى الطبقة الإقطاعية في مقاطعة السند، وحزب الرابطة الإسلامية بقيادة عائلة شريف التي تنتسب إلى منطقة البنجاب الثرية، ولم يتغير الأمر سوى عام 2018 عندما فاز حزب عمران خان لأول مرة في تاريخ باكستان، تلمّس حينها الناخب الباكستاني الذي يعدّ تقليديًا في ولائه السياسي للأحزاب التي تسيطر عليها العائلات، أنه يمكن تذهب السلطة التنفيذية لحزب يخلو من البعد العائلي، بصفته رئيس الوزراء الـ 22 لباكستان؛ كانت ملامح حقبة عمران خان مختلفة بعض الشيء عن أسلافه، كانت أبرز ملامحها:

* تنفيذ إصلاحات شاملة في الحكومة والمجتمع والاقتصاد، وتحسين الأمن وتعزيز العلاقات الخارجية لباكستان، مع انتهاج سياسة الحزم والقوة في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية وتحسين الخدمات العامة وتعزيز الاستثمار الأجنبي في باكستان.

* أظهرت حكومته اهتمامًا خاصًا بالصحة والتعليم وتحسين النظام القضائي وتوفير الحماية لحقوق الصحافة والإعلام وتحسين البنية التحتية في البلاد.

* ركزت حكومته على التنمية الريفية من خلال تطوير القطاع الزراعي والريفي في البلاد وأطلقت مشاريع مختلفة لتحسين البنية التحتية الريفية وتطوير الزراعة.

* أعطى خان اهتمامًا خاصًا لمسألة الأمن وإصلاح نظام الشرطة، وأطلق عمليات أمنية واسعة النطاق ضد الجريمة المنظمة مما أدى إلى تحسين الوضع الأمني في البلاد ومن ثمَّ تزايد فرص الاستثمار الأجنبي.

 

لم يكن خان ليصل إلى قمة الساحة السياسية الباكستانية لولا رضا المؤسسة العسكرية عنه، فالجيش الباكستاني يلعب دورًا هامًا في الشؤون السياسية والأمنية في البلاد، حيث نفّذ 3 انقلابات على الأقل وحكم البلاد لأكثر من 3 عقود

* في السياسة الخارجية؛ عمد خان إلى تحسين علاقات إسلام أباد الخارجية، وخاصةً مع دول الخليج العربي والصين وروسيا وتركيا، حاول التقرب من إيران من خلال زيارة طهران وإجراء محادثات مع الرئيس الإيراني آنذاك حسن روحاني بهدف تحسين العلاقات، كما تمكنت حكومته من تحقيق بعض التقدم في مجالات السلام والأمن، خاصة فيما يخص العلاقات مع الجارة النووية الهند، طالب بحل سياسي للنزاع في أفغانستان وحث على التوصل إلى اتفاق سلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، حيث كان يرى أن إعادة الإعمار والتنمية في أفغانستان هي الحل الاستراتيجي الأمثل للقضايا الأمنية الباكستانية، لم تكن علاقته بالولايات المتحدة هي الأفضل، ورغم انتقاداته لها في السابق إلا أنه أعلن حينذاك عن رغبته في تعزيز العلاقات معها، وفيما يخص القضية الفلسطينية فقد سبق وأن قال إن إسلام باد لن تعترف بـ"إسرائيل" أبدًا حتى يتم إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وهو تصريح يتماشى مع رؤية مؤسس باكستان محمد علي جناح.

* في المجال الاقتصادي؛ ورث خان ميزان مدفوعات مثقل بالديون مع عجز كبير في الموازنة العامة لبلاده، سعت حكومته بحذر للإنقاذ من صندوق النقد الدولي، لكنها سلكت بشكل واسع مسار سياسات التقشف الحكومية وهو ما ساعد في إبطاء معدل تراكم الديون بشكل كبير، لكن ديون باكستان ظلت مرتفعة بسبب الاقتراض المرتفع للحكومات السابقة.

كانت رؤية خان حول باكستان تتلخص في جعلها دولة ديمقراطية غير عسكرية، وكان يأمل في جعلها دولة رفاهية وخالية من البيروقراطية، كان لذلك كله ثماره التي حصدها خان، إذ زادت شعبيته بصورة مطردة، لا سيّما بين الشباب والفئات الفقيرة في البلاد، ورغم مجهوداته الداخلية والخارجية، لم يسلم خان وحكومته من تحديات عديدة، من بينها التضخم والبطالة والديون الخارجية المتفاقمة، كما واجه تحديًا أمنيًا مستمرًا في بعض المناطق الحدودية لباكستان، وخاصة في إقليم بلوشستان ووادي سوات في إقليم خيبر باختونخوا، وواجه احتجاجات وانتقادات واسعة لتعاطفه مع طالبان، مما جعل معارضيه يصفونه بـ "طالبان خان"، وقد تفاقمت الانتقادات ضده في عام 2020 بعدما وصف زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن بالشهيد.

نقطـة تحـول

لم يكمل أي رئيس وزراء في تاريخ باكستان ولايته منذ استقلال البلاد في عام 1947، لكن عمران خان يعدّ أول رئيس وزراء يعزل من منصبه بحجب الثقة، وهو ما حدث في 9 أبريل 2022، حين صوّت 174 نائبًا في البرلمان من أصل 342، لصالح حجب الثقة عن حكومة خان، وذلك بعد جلسة طويلة استمرت لـ 14 ساعة، قام خان بعدها بحل البرلمان ودعا إلى انتخابات مبكرة في محاولة للحفاظ على منصبه، لكن المحكمة العليا أصدرت حكمًا باعتبار قرارات خان باطلة لكونها تخالف الدستور الباكستاني، لكن حجب الثقة عنه كانت القشة الأخيرة التي قسمت ظهر منصبه الرسمي، وقد سبقتها محطات متباينة من الصدامات مع أطراف عديدة:

* العداء مع الولايات المتحدة:

دب الخلاف بين حكومته وبين الإدارة الامريكية حول طريقتها للتصدي للإرهاب، وكانت واشنطن دائما ما تتهم باكستان باستمرار بأنها "ملاذًا آمنًا للمجموعات الإرهابية المتمركزة في المنطقة"، فيما كان خان دائم الانتقاد لسياساتها واحتفل بخروجها من أفغانستان واصفًا إياه بـ "كسر قيود العبودية"، كما أنه حاول نقل باكستان من الجانب الأمريكي إلى الجانب الروسي والصيني، لكن أدوات الانتقال العسكرية ممثلة بالجيش كانت العقبة الأكبر أمامه، يُضاف إلى ذلك أن خان لا يزال يروّج لحدث الإطاحة به بأنه "مؤامرة أمريكية"، ودائما ما يطلق على الحكومة الحالية وصف "حكومة مستوردة من أمريكا".

* الخلاف مع الجيش الباكستاني:

لم يكن خان ليصل إلى قمة الساحة السياسية الباكستانية لولا رضا المؤسسة العسكرية عنه، فالجيش الباكستاني يلعب دورًا هامًا في الشؤون السياسية والأمنية في البلاد، حيث نفّذ 3 انقلابات على الأقل وحكم البلاد لأكثر من 3 عقود، ويحظى جنرالاته بنفوذ واسع في السياسة الداخلية والخارجية، وقد أدرك خان منذ اللحظة الأولى أن العلاقات الجيدة مع الجيش ضرورية لنجاح حكومته، مع مرور الوقت كانت هناك بعض الخلافات السياسية بين حكومة خان والجيش الباكستاني في بعض المسائل الحيوية، منها على سبيل المثال الخلاف حول كيفية التعامل مع التمرد في إقليم بلوشستان، وحول مستويات الإنفاق العسكري، وقد تدهورت العلاقة بينهما بشكل كبير في 2021 عندما فشل مرشحه لمنصب قائد الجيش في تأمين هذا المنصب.

* الخلاف مع الحكومة الحالية:

استغل خان شعبيته الكبيرة لتنظيم مظاهرات ضخمة في إسلام آباد وعدد من المدن الرئيسية لانتقاد حكومة شهباز شريف الحالية، والضغط عليها للتنحي وتنظيم انتخابات مبكرة في أكتوبر المقبل، تسبب ذلك في حالة عداء متنامية بين الحكومة الحالية وكاثرت الشائعات حول سعيها للتخلص من خان وإبعاده عن المشهد السياسي، وقد تسببت هذه الحالة في اشتعال الأوضاع في باكستان بأكملها ودخولها في أزمة سياسية خانقة، في 3 نوفمبر 2022، تعرض خان لمحاولة اغتيال في وزير آباد بإقليم البنجاب، حيث أُطلِقَ عليه الرصاص أثناء مسيرة احتجاج طويلة ضد الحكومة، وقد اتهم خان ضابط استخبارات كبير بالتورط في محاولة اغتياله وهو ما أثار حفيظة الجيش الذي سارع لنفي التهمة.

* الملاحقات القضائية:

تعرض عمران خان للعديد من الملاحقات القضائية خلال فترة ولايته كرئيس لوزراء باكستان وما بعدها، ومن بينها قضية تحديد مصادر تمويل الحملة الانتخابية في عامي 2013 و2018، ومزاعم فساد في بعض المشاريع مثل مشروع بناء سد ديامر باشا ومشروع تطوير ميناء جوادر، وقضية تسريب الأخبار الحساسة من اجتماعات حكومية ونشرها في وسائل الإعلام، بالإضافة إلى قضايا أخرى يصفها خان وأنصاره بأنها مكائد سياسية لمنعه من العودة للسلطة، إلى جانب قضية "القادر ترست" التي يُتّهم بموجبها خان بالفساد وغسيل الأموال.

مستقبل مجهول

تعيش باكستان مؤخرًا على وقع الصراع السياسي، وقد تسبب اعتقال عمران خان قبل أسابيع ثم الإفراج عنه في حالة واسعة من الجدل والعنف سادت مدنًا كبرى في البلاد ومنها العاصمة إسلام آباد، المحكمة العليا أعلنت عن عدم قانونية اعتقال خان، فيما تترصده الحكومة لإعادة اعتقاله مجددًا حيث لا تزال الملاحقات القانونية ضد خان مستمرة، أما الجيش الباكستاني فلا يزال ظاهريًا بمنأى عن هذا الصراع، يخشى الجيش أن تسقط هيبته إذا انغمس في الصراع القائم حاليًا بين الحكومة بقيادة شهباز شريف والمعارضة بقيادة عمران خان، قد يكون الجيش مؤيدًا في الخفاء للحكومة انطلاقًا من عداءه مع خان، لكن في أي سيناريو محتمل حتى الآن من المتوقع أن يحافظ الجيش على إبعاد نفسه عن هذا الصراع ـ ولو ظاهريًا ـ من أجل تعديل صورته في الحياة السياسية.

قبل أيام، نأى خان بنفسه في خطاب ألقاه من أمام منزله عن التخريب الذي طال منشآت عسكرية، نافيًا أن يكون أنصاره ضالعين فيه، ودعا إلى تحقيق مستقل في أعمال العنف، لكن بشكل عام لا يزال من المتوقع أن تستمر المظاهرات والاحتجاجات في باكستان خلال الأيام المقبلة، وقد تأخذ منحى جديدًا في ظل تطورات الأحداث، ومعها يظل المستقبل السياسي لخان غير مؤكد، ويعتمد على مدى نجاحه في تجاوز التحديات الحالية التي يواجهها.

أعلى