• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
من سيفوز بانتخابات تركيا؟

لا شك أن نتائج الانتخابات التركية، أياً كانت، لن تنعكس على تركيا وحدها، بل سوف يكون لها تأثير مباشر على صياغة الحسابات الجيوسياسية لدى القوى العالمية، إضافة إلى عواصم في أوروبا والشرق الأوسط ووسط آسيا وإفريقيا


في الرابع عشر من مايو القادم أي بعد ما يقرب من أسبوعين سيقرر الأتراك من يحكمهم في الأربع سنوات القادمة سواء على مستوى رئاسة الجمهورية أو على صعيد الانتخابات البرلمانية، مع العلم بأن الأتراك المقيمين في الخارج قد بدأوا بالفعل في التصويت، خلال الفترة الممتدة من 27 أبريل حتى 9 مايو القادم.

وعلى الرغم من شراسة الانتخابات هذه المرة واشتداد المنافسة بصورة تجعل من الصعب الجزم بنتيجتها، سواء على منصب الرئيس أو لاختيار البرلمان الذي سيشكل الحكومة، فإن النقطة الوحيدة التي عليها إجماع هي الأهمية التي تحظى بها، فمجلة الإيكونمست البريطانية الشهيرة تعد الانتخابات التركية أنها الأهم منذ مائة عام.

وإذا نظرنا إلى الخريطة الانتخابية، نجد أنه يتنافس في الانتخابات الرئاسية أربعة مرشحين هم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، وزعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، ومرشح حزب البلد محرم إنجه، ومرشح تحالف الأجداد "أتا" سنان أوجان، بينما تتقدم قوائم تحالف الشعب وتحالف الأمة وتحالف العمل والحرية القوائم البرلمانية، ولكن أكثر المرشحين جدية في الانتخابات القادمة، هما: الرئيس الحالي رئيس حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان، ومرشح المعارضة التركية زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو.

وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر تقدم أوغلو بنسبة طفيفة، إلا أنه وفقًا لتلك الاستطلاعات فإن نسبة المصوتين الذين لم يحسموا أمرهم بعد (الناخبين المتأرجحين) مرتفعة وتزيد على 13%.

 

أما على صعيد الإنجازات، فإن أردوغان يمتلك خبرة العشرين عامًا في الحكم والذي تمكن فيها من نقل تركيا من كونها مربع الجسر أو رأس حربة للغرب في مواجهة النفوذ الروسي المتصاعد، إلى قوة مستقلة تريد وتأمل أن تزاحم القوى الكبرى في النظام الدولي.

فهل سيُترجم تقدم كليتشدار أوغلو في الاستطلاعات إلى واقع على الأرض، ويفوز في الانتخابات القادمة؟ أم ستتجه الأمور لصالح أردوغان كما حدث في الانتخابات السابقة؟ حيث كانت استطلاعات الرأي تظهر تراجعه عن منافسه ليتقدم أردوغان ويحقق الفوز.

فاستطلاعات الرأي في تركيا تشوبها كثير من الثغرات، تتعلق بالتوجهات الأيديولوجية للمراكز التي تقوم بها، كذلك فإن من تُستطلع آراءهم عادة يجيبون بما يريد من يسأله وليس بما سيصوت له بالفعل، وهذا ما يدفع كثير من الجهات العلمية إلى النظر لنتائج تلك الاستطلاعات كفكرة يتم الاستئناس بها أكثر من الوثوق بنتائجها التفصيلية، وقد أظهرت كل المنافسات الانتخابية السابقة صحة هذا التقدير. وعليه، تصبح دراسة العوامل المؤثرة في تصويت الناخبين ذات أهمية كبيرة في سياق التقدير والتوقعات فقط.

ولكي نستطيع الإجابة على التساؤل المتعلق بمن سيفوز، وحتى لا يكون كلامنا أشبه بالأماني، ونظرًا لتقارب فرص كل من المرشحيْن للفوز، ينبغي البحث في العوامل التي يمكن ترجح فوز أي من المرشحين وعوامل الفشل.

ولا شك أن هناك معايير يتم على أساسها تقويم مسيرة كل من المرشحين، منها ما يتعلق بشخصية المرشح وقدراته الذاتية، ومنها ما يتعلق بالبيئة الداخلية والخارجية والظروف المحيطة، وقد يحدث ظرف طارئ ومفاجئ في أي لحظة قد يقلب الموازين وللتوقعات، ولكن بحثنا سينصب على الظروف الموجودة الحالية خاصة ما يتعلق منها بأوضاع تركيا الاقتصادية والسياسية.

أردوغان وكليتشدار أوغلو...عوامل النجاح والفشل

يمكن تلخيص الأسباب التي يمكن أن نعتبرها عوامل تفوق لأردوغان على كليتشدار أوغلو في عاملين: شخصيته، الإنجازات.

عادة توصف الصفات القيادية في شخص ما بالكاريزما، وهذا المصطلح ذو الأصل الإغريقي يعني الهدية أو الهبة الإلهية، لذلك فإن المتخصصين في العلوم الاجتماعية والسلوكية يعتبرون الكاريزما من بين تلك الصفات الغامضة والنادرة، التي تتمثل في قدرة بعض الشخصيات القيادية على جذب الآخرين والتأثير فيهم، والتي تظهر في حضور الشخص وقدرته على شد الأنظار وتغيير الأفكار.

وتظهر تلك القدرة في عدة أشكال: فتارة نراها في حماسة ذلك القائد وبهجته أثناء حديثه وقدرته على إلهام السامعين وإدخالهم في جو من الشعور الإيجابي والتعاطف، وقد تظهر تارة أخرى عكس ذلك تمامًا في شخص قليل الكلام مقتصد الحركة ونادر الابتسام.

فصاحب الشخصية القيادية الجاذبة، يتمتع بعدة صفات أهمها: القدرة على كسب الناس المختلفين حوله، ومدى تعمق فكرته التي يدعو إليها وتجسدها في حياته ومواقفه.

ولكن الكثير من الأبحاث المعاصرة ترى أن تلك الجاذبية القيادية للأشخاص يمكن صقلها بل اكتسابها، أو على الأقل في جانب منها وكمكمل لها، فالأصل في الشخصية الكارزمية أن لها مواهب فطرية تؤهلها لتكون بتلك الصفات، ثم تأتي بعد ذلك المهارات التي يمكن تعلمها لإظهار تلك الكارزمية.

وقد أثبتت دراسات في علم الاجتماع أن لغة الجسد تساهم بإيصال الأفكار للآخرين بنسبة (55%)، ونبرة الصوت بنسبة (38%) اما الكلمات فدورها لا يتعدى نسبة (7%) فقط0

يتحدث أحد الباحثين المتخصصين في الشأن التركي، أنه في بدايات أردوغان في منصب رئيس الوزراء، أنه كان يجلس ليسجل حديثًا متلفزًا، ثم يعيده ويطلب من المصور أن يعدل بعض زوايا التصوير، كذلك يغير ويعدل من نبراته الصوتية لتكون ملائمة وموافقة لطبيعة ما يتحدث عنه. 

 

من العوامل القوية والتي تصب في خانة كليتشدار أوغلو والمعارضة ملف اللاجئين وبالذات اللاجئين السوريين، حيث تستغل المعارضة وجود هؤلاء في الأراضي التركية لتوغر صدور الأتراك

فأردوغان فضلاً عن مواهبه القيادية الفطرية، لم يجد غضاضة في صقل موهبته تلك وتنميتها لكي يتمتع بتأثير أكبر بين الجمهور والشعب التركي.

ولعل زعيم المعارضة والمنافس الأكبر لأردوغان وهو كمال كليتشدار أوغلو يحاول اكتساب تلك القدرة على التفاعل مع الجماهير، بمهارات لغة الجسد، ولكن يظل أردوغان أقرب جماهيريًا بفطرته القيادية.

أما على صعيد الإنجازات، فإن أردوغان يمتلك خبرة العشرين عامًا في الحكم والذي تمكن فيها من نقل تركيا من كونها مربع الجسر أو رأس حربة للغرب في مواجهة النفوذ الروسي المتصاعد، إلى قوة مستقلة تريد وتأمل أن تزاحم القوى الكبرى في النظام الدولي.

كذلك استطاع أردوغان أن يتقدم بالاقتصاد التركي ليكون من أقوى عشرين اقتصاد في العالم، وهذا ما تم ترجمته لتنضم تركيا إلى مجموعة العشرين، وهي الدول الأكبر اقتصاديًا والتي تعقد مؤتمرًا سنويًا لها.

ولكن في السنوات الأخيرة شهد الاقتصاد التركي تراجعًا حادًا ليشكل عاملاً سلبيًا في حملة أردوغان الانتخابية الأخيرة، وفي نفس الوقت الذي أصبح عاملاً إيجابيًا يصب في زيادة فرص مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو.

وقد انعكس التراجع الاقتصادي على حياة المواطن التركي اليومية من حيث التضخم وغلاء الأسعار.

لذلك حاولت حكومة حزب العدالة والتنمية في الشهور الماضية اللجوء إلى ما يسمى اقتصاد الانتخابات، أي زيادة الإنفاق الحكومي وتقليل الجباية، ورفع الحد الأدنى للأجور ورواتب الموظفين والمتقاعدين، وتسهيل القروض وجدولة الديون ودعم بعض الشرائح وغيرها من الإجراءات التي تحاول تخفيف الضغوط على المواطنين وخفض تأثير الاقتصاد على التصويت.

وفي نفس الوقت فإن المعارضة التركية عاجزة حتى الآن عن طرح البرامج الاقتصادية البديلة، والتي ستتمكن بها من الخروج من التراجع الاقتصادي.

ومن العوامل القوية والتي تصب في خانة كليتشدار أوغلو والمعارضة ملف اللاجئين وبالذات اللاجئين السوريين، حيث تستغل المعارضة وجود هؤلاء في الأراضي التركية لتوغر صدور الأتراك ضدهم بدعوى أن هؤلاء يزاحمون أهل البلد في أرزاقهم، فضلا عن كونهم إرهابيين محتملين.

وحاولت الحكومة التخفيف من تبعات ذلك الملف على مسارها الانتخابي، فعمدت إلى تقنين وتحديد وجود الأجانب على أراضيها، ولا سيما في المدن الكبرى وبعض أحيائها، مما قلل من ثقل الملف في أجندة الانتخابات قليلًا وتراجعه في التداول الإعلامي.

العامل الخارجي في الانتخابات

هناك معسكران متنافسان على الساحة العالمية في محاولة لتغيير شكل النظام الدولي، بين من يريد الحفاظ على الهيمنة الغربية بزعامة الولايات المتحدة، وبين من يريد إنهاء عصر التفرد الأمريكي والتحول إلى نظام متعدد الأقطاب.

ولم يكن لهذا الصراع ليؤثر على الانتخابات التركية لولا مزاحمة أردوغان تلك القوى ومحاولته أن يجد بين الأقطاب المتنافسة فراغًا ينفذ منه في الولوج لنادي القوى الكبرى.

وقد أدت سياساته تلك إلى غضب أمريكي، فقد أدلى الرئيس الأمريكي جو بايدن بتصريحات أثناء حملته الانتخابية وقبل وصوله إلى البيت الأبيض، حيث وصف أردوغان صراحة بالمستبد، وانتقد تصرفاته تجاه الأكراد وقال إن الرئيس التركي عليه أن يدفع الثمن. كما اقترح أن تدعم الولايات المتحدة قادة المعارضة الأتراك حتى يتمكنوا من ‏مواجهة أردوغان وهزيمته. ليس عن طريق الانقلاب، ولكن بالعملية الانتخابية.

وعلى النقيض من ذلك فإن فلادمير بوتين يرى في أردوغان الخيار المفضل، بالرغم من الخلافات التركية الروسية في ملفات سوريا وليبيا وأذربيجان وغيرها، حتى أنه منذ عدة أيام وأثناء الاحتفال بتدشين محطة نووية بنتها روسيا في تركيا، لم يتردد في وصف أردوغان قائلاً أنت تعرف كيف تضع أهدافًا طموحة وتسعى إلى تحقيقها بثقة، فيما فسره المراقبون بأنه دعم لأردوغان في حملته الانتخابية، بل أن بوتين صرح يأن تركيا قد دخلت نادي القوى النووية بذلك المشروع.

لا شك أن نتائج الانتخابات التركية، أياً كانت، لن تنعكس على تركيا وحدها، بل سوف يكون لها تأثير مباشر على صياغة الحسابات الجيوسياسية لدى القوى العالمية، إضافة إلى عواصم في أوروبا والشرق الأوسط ووسط آسيا وإفريقيا.

وبحسب مجلة الإيكونوميست البريطانية والتي تتوقع فوز أردوغان، فإن "تلك الانتخابات فرصة تاريخية لهزيمة الرئيس، لكنها تظل فرصة ضئيلة للغاية".

أعلى