• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
شعيرة العيد وشعائره

العيد شعيرة عظيمة من شعائر الله تعالى؛ ولذا فإنه لا بد أن يعظم يوم العيد في قلوب المؤمنين؛ لأن الله تعالى اختاره لهم عيدا، وأن يُحتفى بما فيه من العبادات والشعائر، وأن يكون يوم شكر لله تعالى، فتجتنب فيه المعاصي


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهـد أن محمداً عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 أيها الناس: حُفِظ الإسلام بحفظ الله تعالى له، ومن الأسباب في حفظه شعائرُه، وهي أعلامه الظاهرة المعلنة، فيتوارثها الناس جيلا بعد جيل؛ فالأذان للصلاة شعيرة وهو معلن، والصلاة منها الجهرية وهذا إعلان بالقرآن فيها، وشهر الصوم يعلن عن دخوله وخروجه برؤية هلاله، والعيد معلن وظاهر، فهو من أعظم الشعائر، والله تعالى يقول ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]. وشعار العيد التكبير في ليلته وصبحه قبل الصلاة؛ لأنه مجمع كبير للمسلمين، والتكبير يشرع في المجامع الكبيرة. قال الله تعالى ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى: 14- 15]، جاء عن أبي سعيد الخدري وابن عمر وجمع من التابعين، أن التزكي هنا هو زكاة الفطر، وأن الصلاة في الآية هي صلاة العيد، وكلها من شعائر العيد.

ومن شعائر العيد: افتتاح صلاة العيد بسبع تكبيرات، والركعة الثانية بخمس؛ لحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، سَبْعًا فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا، وَلَا بَعْدَهَا» رواه أحمد.

ومن شعائر العيد: خطبة العيد بعد الصلاة؛ لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: «قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الفِطْرِ فَصَلَّى، فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ خَطَبَ...» رواه الشيخان. وحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «شَهِدْتُ صَلَاةَ الْفِطْرِ مَعَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ يَخْطُبُ» رواه مسلم.

ومن شعائر العيد: الفرح والسرور به، وسمي عيدا لأنه يعود بفرح جديد؛ لحديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ» رواه أبو داود وفي رواية النسائي قَالَ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى». والفرح بالعيد إنما هو بطاعة الله عز وجل؛ ففي الفطر بإتمام صوم رمضان، وفي الأضحى بصوم يوم عرفة والتقرب إلى الله تعالى بالأضاحي. وللحجاج بالوقوف بعرفة وأداء أركان الحج. فالحديث يدل على الرخصة في اللعب المباح في الأعياد، وأن هذه الرخصة من شعائر العيد. ويدل عليه صراحة حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ، حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ» رواه الشيخان واللفظ لمسلم. وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «بَيْنَمَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِرَابِهِمْ إِذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَهْوَى إِلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ بِهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُمْ يَا عُمَرُ» رواه الشيخان.

ويرخص للنساء فقط ضرب الدف في العيد، والغناء بما لا فحش فيه، وهذه الرخصة من شعائر العيد؛ لإظهار الفرح والسرور؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى، تُغَنِّيَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَجًّى بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، وَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ» رواه الشيخان.

نسأل الله تعالى أن يقبل منا ومن المسلمين. إنه سميع مجيب.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية

  الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 أما بعد: فاتقوا الله وأطيعوه، واشكروه على ما أنعم به عليكم من إدراك رمضان، وإتمام الصيام والقيام؛ فإن النعم الدينية أعظم من النعم الدنيوية؛ لدوام جزائها في الآخرة ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185].

أيها المسلمون: العيد شعيرة عظيمة من شعائر الله تعالى؛ ولذا فإنه لا بد أن يعظم يوم العيد في قلوب المؤمنين؛ لأن الله تعالى اختاره لهم عيدا، وأن يُحتفى بما فيه من العبادات والشعائر، وأن يكون يوم شكر لله تعالى، فتجتنب فيه المعاصي، ويحذر فيه من ترك الطاعات، وإلا لما كان يوم شكر عند من يخل بذلك.

كما أن تخصيص أيام معينة بالعيد الشرعي، وهما عيد الفطر والأضحى يدل على أنه لا أعياد في الإسلام إلا هذين العيدين. ومن أجل حفظ العيدين الشرعيين من التهاون بهما، أو إبدال غيرهما بهما؛ عبر النبي صلى الله عليه وسلم في شرع الأعياد بالإبدال، أي: أبدل الله تعالى الأمة المسلمة بالأعياد الجاهلية ما هو خير منهما وهما عيدا رمضان والحج «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ». فلا أعياد في الإسلام إلا الفطر والأضحى.

ومن تمام شكر الله تعالى على رمضان والعيد إتباع رمضان بصيام ستة أيام من شوال؛ لحديث أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رواه مسلم. والإدامة على العمل الصالح بعد رمضان مما يحبه الله تعالى من العبد؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا، وَإِنْ قَلَّ» رواه الشيخان.

وصلوا وسلموا على نبيكم...

  

 

أعلى