: لماذا قرر نتنياهو إرجاء التشريعات القضائية، وإلى متى، وأين تقف الولايات المتحدة الأمريكية من الائتلاف الحاكم وتطورات الساحة السياسية في الكيان؟
بعد أسابيع من موجة الاحتجاجات التي ضربت دولة الكيان الصهيوني، ووصلت إلى حد تعطيل
الحياة في مدن رئيسية ومرافق حيوية، وبلغت من الخطوة مبلغها بوقوع صدامات بين أنصار
معسكر المعارضة المناوئ للائتلاف الحاكم وتشريعاته القضائية، وفي الجهة المقابلة
أنصار اليمين المتطرف المؤيد لهذه التشريعات التي تقوي من موقف هذا الائتلاف
وأطيافه والذي يعتبر الأكثر تشدداً منذ نشأة دولة الكيان في العام 1948، وكذلك تمنح
الحصانة لرئيسه نتنياهو الذي يواجه على مدار السنوات الأربع الماضية اتهامات جادة
بالفساد وسوء استغلال المنصب والنفوذ، وهي اتهامات من شأنها أن تضع حداً لحياته
السياسية التي تحولت إلى إدانة من المحكمة تقوده إلى السجن.
توجه نتنياهو وائتلافه الحاكم للانقلاب على الجهاز القضائي لم يثر حفيظة معسكر
المعارضة وحسب، بل جر معه قطاعات حيوية في مناحي الحياة كافة، وصلت حد التمرد في
أوساط الجيش والمنظومتين الأمنية والعسكرية، حتى كانت التحرك الأبرز بإعلان أمين
عام الهستدروت ويمثل نقابات العمال في الكيان في 27 مارس 2023 في اجتماع في مقر
الهستدروت بمشاركة أرباب العمل ورؤساء البنوك وأصحاب شركات التكنولوجيا عن بدء
إضراب شامل في جميع المرافق إلى أن تتوقف التشريعات، وهو ما كان فعلاً.
|
كان واضحاً أن عودة نتنياهو إلى سدة الحكم في الكيان على رأس ائتلاف
من الصهيونية الدينية المتطرفة لم يرق للولايات المتحدة، وقد عزز ذلك
تصرفات حمقاء ومتشددة من وزراء بارزين في هذا الائتلاف |
نتنياهو لم يحتمل هذه الخطوة من الهستدروت التي من شأنها أن تضرب العصب الاقتصادي
للكيان، وحينها لن يقوى ائتلافه على الصمود في وجه العاصفة، وسيتعرض للتفكك
والانهيار، وستمتد الاحتجاجات إلى اليهود المقيمين في الخارج، خاصة في الولايات
المتحدة الأميركية، والذين تربطهم مصالح اقتصادية كبيرة بدولة الكيان، فضلاً عن
تأثيرهم على القرار السياسي لواشنطن تجاه الكيان، وهو ما دفع إدارة الرئيس الأمريكي
جو بايدن إلى التعبير عن قلقها مراراً إزاء تطورات ما يحدث في الشارع الصهيوني،
ومخاطره على مستقبل الكيان.
واشنطن وحلفاء دولة الكيان الذين ظلوا لعقود السياج الحامي، الذي يقيها ويحول دون
تعرضها للمساءلة القانونية، ولا سيما من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، على
خلفية جرائمها ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ 1967، واستفاد مجرمون كثر من
هذه الحماية، بما فيهم نتنياهو نفسه، وهو ما يجعله غير قادر على المجازفة بالمساس
بها، والانحناء أمام عاصفة الاحتجاجات الداخلية والخارجية، كي يحافظ على هذه
الحماية، التي منعت على مدار عقود ملاحقة ومحاكمة مجرمي الحرب من الصهيانة، وكذلك
وقفت أمام أي إدانة للكيان في المحافل الدولية.
ومباشرة، بعد إعلان نتنياهو تعليق التشريعات، ألمحت الوزيرة السابقة ليمور ليفنات
وهي عضو في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، إلى هذه الحماية التي تقودها الولايات
المتحدة، وقالت: "يتساءل كثيرون من قادة الولايات المتحدة والدول الغربية الذين
نحمل وإياهم قيما مشتركة: لماذا يحاول نتنياهو تدمير الجهاز القضائي الذي بفضل
السمعة الدولية التي يحظى بها لم يتم تقديم الطيارين والضباط والمقاتلين
الإسرائيليين الذين خاضوا ويخوضون المعارك خلف خطوط العدو إلى المحاكمة في لاهاي".
ينطوي تلميح هذه الوزيرة الليكودية بشكل جلي على ما يشير إلى اختباء الولايات
المتحدة والدول الغربية الأخرى المساندة للكيان وراء ذريعة "القيم المشتركة" لتسويغ
العلاقة الخاصة لهذه الدول مع دولة الكيان، والتي يمكن اعتبارها إلى حد كبير علاقة
استثنائية، والتعامل المتسامح مع ما ترتكبه من آثام وجرائم والتغطية عليها.
كان واضحاً أن عودة نتنياهو إلى سدة الحكم في الكيان على رأس ائتلاف من الصهيونية
الدينية المتطرفة لم يرق للولايات المتحدة، وقد عزز ذلك تصرفات حمقاء ومتشددة من
وزراء بارزين في هذا الائتلاف
من أمثال بن غفير وسموتريتش، اللذين وضعا واشنطن وحلفاء الكيان في وضع حرج للغاية
بسياساتهما وتصريحاتهما العنصرية تجاه الأسرى والمسجد الأقصى المبارك، وصلت إلى حد
إنكار وجود الشعب الفلسطيني، والدعوة الصريحة إلى إبادة بلدة حوارة في مدينة نابلس
بالضفة الغربية المحتلة.
|
من المرات النادرة جداً ظهرت أصوات من معسكر الائتلاف الحاكم في الكيان
تتهم الولايات المتحدة الأميركية بدعم موجة الاحتجاجات، وهو ما فسره
مراقبون أنه بدافع الحرص على مستقبل دولة الكيان |
لا يبدو أن إعلان نتنياهو عن إرجاء التعديلات القضائية قد أنهى الأزمة بشكل جذري،
وإنما إجراء الهدف منه الحد من التصاعد المتنامي للاحتجاجات، ومن المرجح أن تعود
الأوضاع إلى نقطة الصفر من جديد، على اعتبار أن خطة الانقلاب القضائي باقية،
والتأكيدات الصادرة عن أطراف الائتلاف الحكومي تؤكد، في معظمها، أنها ستطرح من جديد
في الدورة الجديدة للكنيست (البرلمان) بعد انتهاء الأعياد في الكيان في غضون شهر.
وينطلق المناوئين لهذه التعديلات من أن إحباط الانقلاب على القضاء من شأنه أن يرفع
مما يصفوه "الرصيد الأخلاقي" لدولة الكيان في العالم، بغض النظر عن ما ترتكبه من
جرائم بحق الفلسطينيين، قتلاً وتعذيباً واستيلاء على الأراضي والممتلكات لأغراض
التوسع الاستيطاني.
ومن المرات النادرة جداً ظهرت أصوات من معسكر الائتلاف الحاكم في الكيان تتهم
الولايات المتحدة الأميركية بدعم موجة الاحتجاجات، وهو ما فسره مراقبون أنه بدافع
الحرص على مستقبل دولة الكيان،
التي يجرها نتنياهو نحو الديكتاتورية، الأمر الذي سيكون له انعكاسات خطيرة على ما
تتمتع به من حماية وإسناد في المحافل الدولية، والحصانة التي يتمتع بها مسؤولون
سياسيون وعسكريون وأمنيون، رغم أن أياديهم ملطخة بدماء الفلسطينيين.
ليس الانقلاب على القضاء وحده هو ما أغضب إدارة بايدن من ائتلاف نتنياهو، فهذه
الإدارة التي لا تزال تعلن إيمانها بحل الدولتين لإنهاء الصراع في الأراضي
الفلسطينية المحتلة، شعرت بالقلق إزاء إلغاء قانون عام 2005، والذي يقضي بالعودة
إلى 4 مستوطنات في الضفة الغربية، وهو إجراء تعتبره تحريضياً ويزيد من تعقيد
الأمور، ويهدد الهدوء والاستقرار في المنطقة.
ورغم الغضب الواضح من إدارة بايدن تجاه سياسات الائتلاف الحاكم في الكيان، إلا أن
أوساطاً أمريكية ترى أن لدى الرئيس بايدن تاريخ طويل من دعم الكيان خلال رئاسته
لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ وخلال عمله نائبا للرئيس باراك أوباما على
مدار 8 سنوات، وبناء عليه فإن واشنطن ستواصل الدفاع عن أمن الكيان، ولن تلجأ بأي
حال إلى التلويح بقطع المساعدات عنها، أو رفع الحماية التي تمنحها لها في المحافل
الدولية.