• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
زلزال تركيا...بين الحقائق والمؤامرة

ما من حدث يقع على الناس إلا وتخرج العديد من النظريات تشير إلى قوى مستترة تدير الأمور من وراء ستار تتحكم في الأحداث وتسيرها لصالحها كما تشاء، وما من شك أن تدبر الأمور بالوحي والعلم تقي الوقوع في براثن الجهل والتسطيح


منذ وقوع الزلزال المدمر الشهر الماضي في سوريا وتركيا، والذي كان ضحيته في تركيا وحدها أكثر من خمسين ألف قتيل وتشرد مئات الآلاف، تضج صفحات التواصل الاجتماعي سواء في الفيس بوك أو تويتر وغيرها من وسائل الإعلام بنظريات كثيرة والتي تحاول تفسير أبعاد هذه الكارثة وأسبابها.

تتمحور بعض هذه النظريات حول أن الزلزال بفعل فاعل، وأن وراءه دولة أو دول تريد الضرر بالنظام التركي لحسابات خاصة بهذه الدولة أو الدول، والبعض الآخر ربطه بظواهر كونية وأنها مقدمة لنهاية العالم.

وقد يظن البعض أن انتشار تلك النظريات خاصة بالمجتمعات العربية والإسلامية، ولكنها تمتد أيضًا إلى المجتمعات الغربية.

فما حقيقة تلك النظريات؟

وهل لها نصيب من الصحة أو الواقع؟

وكيف نستطيع ميزانها بالمنطق العلمي، والقوانين وسنن الرحمن في الكون وعلى أرض البشر؟

في البداية لابد من استعراض فحوى تلك النظريات والجهات التي تقف وراءها.

نظريات الخيال والمؤامرة

أولى تلك النظريات تتعلق بظواهر غريبة رصدها البعض قبل الزلزال وعند وقوعه، فربط البعض بين تلك الظواهر وبين الزلزال، مثل الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تتحدث عن وجود صواعق في أجواء تركيا قبل الزلزال بثوانٍ، بينما يشير البعض إلى ظاهرة دوران حيوانات وماشية في دوائر ضخمة حول نقطة محددة قبل وقوع الزلزال بفترة وجيزة.

كما تحدث آخرون عن تكوينات غريبة للسحب وسماع أصوات أو رؤية أضواء فيما نشر آخرون فيديوهات توثق ما حدث.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا مقطع فيديو لظاهرة غريبة رُصدت على مقربة من نهر العاصي بعد الزلزال. ووفق الفيديو الذي صُوّر في إحدى الأراضي الواقعة بقرية تلول قرب سلقين شمال غرب إدلب، فقد ظهرت فوهات تشبه كثيراً تلك الخاصة بالبراكين بحسب ما نشر موقع العربية.

كما ظهر على الصفحات الشخصية والمجموعات على الفيس بوك وتويتر في عدد من الدول العربية عقب الزلزال مباشرة، صور ومقاطع فيديو تظهر تراجع مياه البحر، وتحدثوا عن احتمالات أن يتبع ذلك موجات مد زلزالية مدمرة أو ما يعرف بتسونامي.

 

يتداول رواد تويتر والفيس بخصوص مشروع هارب، بأن المشروع منح السلطات الأمريكية القدرة على تعديل الطقس والتلاعب بالأمطار والتسبب في الجفاف والعواصف والصواعق بطريقة تؤدي لحدوث زلازل.

وعلى سبيل المثال في مصر، سادت حالة من الرعب بعد تداول نشطاء منشورات وصورًا تتحدث عن "تراجع ملحوظ في شاطئ البحر المتوسط قبالة شاطئ مدينة العريش، وعدد من الشواطئ الأخرى، بمنطقة الرواق في مدينة بئر العبد بشمال سيناء.

أما ثاني تلك النظريات، ما يتعلق منها بالمؤامرة على تركيا.

وتقول تلك النظرية ومفادها: إن الزلزال مصطنع كعملية انتقامية من تركيا لأسباب مختلفة، منها موقفها من انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، ومنها الخلاف السياسي الحاد مع الإدارة الأمريكية في عدة ملفات.

واستندت تلك التعليقات إلى تحركات لسفن تابعة لقيادة القوات الأمريكية في أوروبا، وعمل مناورات عسكرية مع قبرص واليونان، إضافة إلى توصية بعض الدول الغربية لرعاياها في تركيا بأخذ الحذر وإغلاق سفارات غربية في أنقرة وقنصليات في إسطنبول.

وهنا يتكاثر الحديث عن برنامج أبحاث الشفق القطبي النشط عالي التردد والذي يعرف باللغة الإنجليزية (High-frequency Active Auroral Research project)، التابع لسلاح الجو الأمريكي، أو ما يعرف اختصاراً باسم مشروع هارب (HAARP) وهو مشروع قائم في منشأة أبحاث عسكرية أمريكية في ولاية ألاسكا.

ويتداول رواد تويتر والفيس بخصوص مشروع هارب، بأن المشروع منح السلطات الأمريكية القدرة على تعديل الطقس والتلاعب بالأمطار والتسبب في الجفاف والعواصف والصواعق بطريقة تؤدي لحدوث زلازل.

ولا يقتصر حديث المؤامرات عن مشروع هارب فقط، بل يتحدث آخرون عن أسلحة تقوم بإطلاق نبضات كهرومغناطيسية عالية الكثافة وأشار غيرهم إلى قنابل نووية ذات تأثير موضعي.

وتأكيدًا لنظرية المؤامرة وأن الزلزال حدث بفعل فاعل، لجأ كثير من المغردين إلى تداول مقطع فيديو قديم لمدير وكالة الفضاء التركية سردار حسين، يتحدث فيه عن قدرة بعض الأسلحة التي تُجرى عليها الأبحاث على إحداث زلازل بقوة كبيرة.

العلم يدحض الخيال والمؤامرة

الزلازل ظاهرة قديمة، وعكف العلماء على مر العصور على سبر أغوارها، حتى جاء عام 1911، عندما اكتشفت نظرية الانجراف القاري، حين اكتشف ألفريد فيغنر العالم والفلكي الألماني الذي اهتم بدراسة فيزياء الأرض أن قارات العالم كانت كتلة واحدة، ثم حدث ما يمكن تصوره من انجراف على مدى ملايين السنين أدى إلى فصل القارات عن بعضها.

وفي عام 1946، ظهرت نظرية جديدة عرفت بنظرية توسع قاع المحيط لهاري هيس، مفادها أن قاع المحيط يتسع سنويًا بمعدل بضعة سنتيمترات، وفي ظهر المحيط تتحول الطاقة الحرارية المخزونة في باطن الأرض إلى طاقة ميكانيكية حركية هائلة تدفع القارات.

وفي عام 1967، قرر مجتمع علم الجيولوجيا دمج نظرية الانجراف القاري لفيغنر مع نظرية توسع قاع المحيط لهاري هيس، والخروج بنظرية واحدة أطلق عليها اسم نظرية الصفائح التكتونية، والتي تعد أعظم وأضخم وأكبر إنجازات علم الجيولوجيا والتي لها القابلية والمقدرة على حل كل الألغاز المستعصية التي عجز عنها العلم لسنوات طويلة.

 

الصدوع الزلزالية تعتبر دائمًا مناطق خطر كبير ومناطق احتباس للطاقة، وقد تمكن علماء الجيولوجيا من تشخيص عدد كبير من هذه الصدوع التي تمتد لمسافة مئات أو ألوف الكيلومترات

ملخص تلك النظرية يقول: إن القشرة الأرضية التي نعرفها وتتراوح سماكتها ما بين (5-35كم) ليست سطحًا كرويًا واحدًا متماسكًا، فهي ليست مثل مجرد قشرة بيضة ملساء سليمة خالية من الكسور، إنها تشبه تلك القشرة التي تهشمها بالملعقة عندما ترغب في تقشير البيضة المسلوقة، إنها قشرة مهشمة إلى شظايا ضخمة بعدد هائل من القطع أكبرها هي 8 قطع ضخمة تسمى كل منها باسم صفيحة صخرية ومن الأمثلة عليها: صفيحة المحيط الهادي – صفيحة الأناضول – صفيحة أمريكيا الشمالية – صفيحة إفريقيا...الخ، هذه الصفائح تطفو على صخور مائعة في أسفلها داخل الأرض، وبما أن ظهر المحيط يقوم بدفع القشرة المحيطية، فمعنى ذلك أن هذه الصفائح الصخرية سوف تعاني من حركة دائمة ومستمرة وغير منتظمة، وقد سميت (تكتونية) والتي تعني أنها جزء من بنيوية الأرض الديناميكية.

هذه الصفيحة الصخرية العملاقة تحاول أن تنزلق بفعل القوى المسلطة عليها، ولكنها تتعثر بخشونة حواف صفيحة أخرى، حيث تبدأ عملية تخزين الطاقة المرعبة المقدار عبر عشرات او مئات السنين، حتى تصل الطاقة المخزنة إلى حدود لا يمكن لصلابة الصخر أن تتحملها فينكسر الصخر محررًا كل الطاقة التي حصدها خلال تلك المدة على امتداد كامل الصدع. منطقة الكسر الطولية هذه هي ما يعرف باسم بؤرة الزلزال، وقد تكون سطحية أو عميقة، والطاقة المفرغة المنتشرة عبر الصخور على شكل اهتزازات عنيفة هي ما يعرف باسم الزلزال.

وكل صفيحة صخرية تمتلك حوافًا صدعية ولكن ليس كلها تمتلك النشاط الزلزالي، الحواف التصادمية الانزلاقية التي تجمع بين صفيحتين صخريتين هي المؤهلة لذلك، ويطلق عليها الصدع الزلزالي.

والصدوع الزلزالية تعتبر دائمًا مناطق خطر كبير ومناطق احتباس للطاقة، وقد تمكن علماء الجيولوجيا من تشخيص عدد كبير من هذه الصدوع التي تمتد لمسافة مئات أو ألوف الكيلومترات، منها صدع سان أندرياس في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وصدع البحر الميت. وتركيا لديها ثلاثة صدوع رئيسة تقع على الصفيحة الصخرية الأناضولية: وهي صدع شمال وشرق وغرب صفيحة الأناضول، وتمثل هذه بؤر تخزين للطاقة الميكانيكية المنتجة من النشاط الناري الواقع تحت الصفائح الأرضية، والصدع الذي ولد زلزال تركيا هو الصدع الشرقي لصفيحة الأناضول.

فتركيا معرضة للزلازل لأنها تقع عند تقاطع ثلاث من الصفائح الصخرية: وهي صفائح الأناضول والعربية والإفريقية، فتتجه الصفيحة العربية شمالاً نحو أوروبا مما يتسبب في دفع صفيحة الأناضول غربًا.

هذا هو التفسير العلمي الدقيق لزلزال تركيا.

أما ما ردده البعض فهي مجرد خزعبلات، فظاهرة دوران حيوانات وماشية في دوائر ضخمة حول نقطة محددة قبل وقوع الزلزال بفترة، فقد فسرها العلماء بوجود أحد الأمراض التي تصيب حيواناً واحداً في المخ فيفقد الإحساس بالاتجاهات، ونظراً لسلوك القطيع الذي تتبعه هذه الحيوانات فإنها تقوم بتقليد ما يفعله هذا الحيوان دون وعي، مع العلم أن أغلب هذه الفيديوهات تم تصويرها في أماكن بعيدة للغاية عن تركيا وسوريا.

وظاهرة انحسار مياه البحر المتوسط، فقد كشف الدكتور جاد القاضي رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، عن أن هذه ترتبط بظاهرة موجات المد والجزر، والمسئول عن ذلك علاقة القمر في أطواره المختلفة مع الأرض، لكن ليس للزلازل علاقة بهذا الأمر كما يردد البعض.

أما في لبنان، فقد أصدر المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان بياناً توضيحياً حول ظاهرة انحسار مياه البحر الأبيض المتوسط بمحاذاة الخط الساحلي اللبناني، وكرر ما ذكرته المصادر المصرية أن انحسار مياه البحر مرتبط علمياً بحركة المد والجزر، ولكنه أضاف جزئية تتعلق بنفيه ما يردده البعض عن وصول أمواج تسونامي، وقال لم تسجل أي هزة أرضية في البحر المتوسط يمكن أن تسبب هكذا أمواج.

وبالنسبة لمشروع هارب، فقد أكد علماء أمريكيون وحول العالم مراراً أن المشروع متصل بالأساس بدراسة طبقات الغلاف الجوي وتأثيراتها على عمليات الاتصالات، خاصة بالأقمار الاصطناعية، إلى جانب دراسة تأثيرات الانفجارات الشمسية على إشارات الراديو والموجات المختلفة. وأكد العلماء أنه لا يوجد دليل علمي واحد يربط بين التلاعب بالطقس وطبقات الجو بحدوث زلازل على الأرض.

أما تحذيرات السفارات من السفر إلى تركيا قبل الزلزال فلم تكن بسببه، بل ربط المراقبون بين تلك التحذيرات، والمظاهرات الغاضبة التي نظمها أتراك أمام السفارة السويدية احتجاجًا على حرق المصحف الشريف في السويد.

وبالنسبة للفيديو المتداول لمدير وكالة الفضاء التركية الذي تحدث فيه عن قدرة بعض الأسلحة التي تُجرى عليها الأبحاث على إحداث زلازل بقوة كبيرة، عندما رأى هذا المسئول أن هذا المقطع يتداول بكثرة على سبيل تأكيد وجود مؤامرة في حدوث الزلزال، لم يقف صامتًا فغرد قائلاً "هذا المقطع القصير مقتطع من مؤتمر علمي عُقد في معهد استراتيجي منذ مدة طويلة.. النظام الذي تكلمت عنه ليس لديه قدرة على خلق صدوع أو زلازل تكتونية. وعليه، ليس له علاقة بكارثة الزلزال التي هي زلزال تكتوني وقع في خط صدعي معروف".

وصدق قوله تعالى في سورة النساء، "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم"

منهجية تقبل الخرافات أو التفكير التآمري، تقل مع كثرة التدبر في آيات القرآن، وإمعان التفكير في سنن الله في الأرض.

وما من شيء يتحرك في هذا الكون إلا بإذن من الله وأمره وهي آيات جعلها الله لخلقه دليلاً على مطلق قدرته وحكمته سبحانه.

 

أعلى