• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
برويز مشرف.. ديكتاتور باكستان الذي أحبّه الغرب!

في مذكراته التي تحمل عنوان "على خط النار"، اقتبس الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف الكثير من أقوال نابليون بونابرت وريتشارد نيكسون، إذ كان يعتبرهما مثليه الأعليين في القيادة وممارسة السلطة، بيد أن الرجلين المعروفين بعنادهما قد تسببت غطرستهما وغرور القوة


ولعل هذا ما حدث مع مشرف بالضبط، بعدما أصابه غرور السلطة وأغراه طموحه السياسي بإحكام قبضته عليها، فحاول الاستفراد بها عبر التضييق على معارضيه وإقالة قضاة المحكمة العليا وفرض حالة الطوارئ، فتوالت خسائره إلى أن تمت إقالته، وانتهى به المطاف منفيًا بين دبي ولندن، ليتوفى قبل أيام قليلة بعد صراعٍ طويلٍ مع المرض.

سوداوية الانقلاب الأبيض

وُلِدَ برويز مشرف في 11 أغسطس 1943م في دلهي قبل 4 أعوام من تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتي الهند وباكستان، وانتقلت عائلته إلى كراتشي بعد عام 1947م الهجرة الجماعية التي قام بها المسلمون إلى دولة باكستان حديثة النشأة، وهناك أكمل تعليمه المبكر في مدرسة القديس باتريك الثانوية، ثم تابع تعليمه العالي في كلية فورمان كريستيان في لاهور، وفاز مشرف بمكان في أكاديمية النخبة العسكرية الباكستانية في كاكول، قبل أن ينضم إلى الجيش وهو في سن الثامنة عشر حيث ارتقى في صفوفه وتولى قيادة وحدة خاصة من الكوماندوز، لكنه صعد إلى الصدارة بعد أن قام رئيس الوزراء آنذاك نواز شريف بترقيته إلى رتبة جنرال في عام 1998م وجعله قائدًا للقوات المسلحة الباكستانية، كان من الواضح أن شريف تصوّر أن مشرف سيكون قائدًا ضعيفًا للجيش يمكنه السيطرة عليه، وقد كانت هذه الحيلة مألوفة للقادة المدنيين الباكستانيين، فقد سبقه إليها ذو الفقار علي بوتو الذي طبّق نفس المنطق عند تعيين محمد ضياء الحق قائدًا للجيش في عام 1976م، لكن ضياء قام على الفور بإزاحة بوتو في انقلاب وشنقه وحكم باكستان حتى عام 1988م، وهو سيناريو سيتكرر لاحقًا بين شريف ومشرف أيضا.

 

في عام 2001م، عيّن مشرف نفسه رسميًا رئيسًا للبلاد، لتبدأ بذلك حقبته الديكتاتورية التي استمرت لتسع سنوات، أشرف خلالها على العديد من التغييرات في الدستور الباكستاني، وصولًا إلى أبريل 2002م حيث فاز في استفتاء مثير للجدل

خاض مشرف حروب باكستان الثلاث مع الهند، وقاد تسلل كارجيل الذي أشعل فتيل حرب بين الهند وباكستان في عام 1999م، وفي أكتوبر من نفس العام قاد مشرف انقلابًا وُصِفَ بـ "الأبيض"،  لكونه قد تمَّ دون إراقة دماء، ضد حكومة نواز شريف المدنية، تم استنكار الانقلاب في الخارج وتم الترحيب به في الداخل الباكستاني بين أنصار مشرف الذين توسّموا في الجنرال المنقلب أن ينتشلهم من أوضاعهم السيئة إلى ما هو أفضل، كان يُنظر إلى شريف على نطاق واسع أنه فاسد، وكان الشعب معتادًا منذ فترة طويلة على تدخلات الجيش في الحياة السياسية، لكن بياض الانقلاب لم يدم طويلًا بعدما ظهرت سوداويته الكاحلة، فبعد استيلاء مشرف على السلطة قام بتعليق الدستور وأعلن حالة الطوارئ كما عيّن نفسه حاكمًا تنفيذيًا لباكستان مع احتفاظه بقيادة الجيش في نفس الوقت، وفي ظل الحكم العسكري الجديد حوكم نواز شريف بتهمة الخيانة وأُجبِرَ على النفي إلى المملكة العربية السعودية.

في عام 2001م، عيّن مشرف نفسه رسميًا رئيسًا للبلاد، لتبدأ بذلك حقبته الديكتاتورية التي استمرت لتسع سنوات، أشرف خلالها على العديد من التغييرات في الدستور الباكستاني، وصولًا إلى أبريل 2002م حيث فاز في استفتاء مثير للجدل، وعلى مدار السنوات التالية تآكلت المؤسسات المدنية والديمقراطية في البلاد بينما كانت سيطرة الجيش على السياسة تزداد شيئًا فشيئًا وتصبح أكثر ترسخًا، كان مشرف يكره نخبوية السياسة المدنية التي أسماها "الديمقراطية الزائفة"، بالرغم من ذلك فقد استسلم لطموحه السياسي واستخدم أساليبه الاستبدادية لإطالة أمد حكمه، وفشلت شخصيته التي تبدو هادئة في إخفاء ضبابية الانقسام بين الدولة والجيش، حينها أيقن الباكستانيون أن الجنرال المنقلب على نواز شريف الفاسد ما هو إلا مشروع حاكم أكثر فسادًا من سابقه.

الجنرال الديكتاتور

في بحثه التطبيقي عن ظاهرة الحكام الديكتاتوريين، يقول عالم النفس الأمريكي والأستاذ في كلية كولومبيا للأعمال "آدم جالنسكي" إن "حكامًا (مثل مشرف) لا يستوعبون مسبقًا ثمن وصولهم الى سدة الحكم وثمن المحافظة عليها، وعادةً ما تكون الخطوة الأولى أسهل من الثانية، فهو مثل أي قائد عسكري يستولي على الحكم بالقوة، يريد في البداية أن يكون ديكتاتورًا عادلًا، لكنه سرعان ما يتحول إلى وحش عندما يحاول غيره معارضته أو عزله"، يعدّ مشرف واحدًا من أكثر القادة الباكستانيين إثارة للجدل، لقد تبخرت وعوده الوردية للباكستانيين بسرعة وتاهت أجندته الإصلاحية الشاملة التي وعدهم بها، خلال سنواته الأولى في الحكم نال استحسانًا دوليًا لجهوده في تنفيذ الأجندة الغربية، لا سيّما من خلال بعض التشريعات التي تم إقرارها لحماية حقوق المرأة والسماح للقنوات الإخبارية الخاصة بالعمل لأول مرة، لكن سرعان ما ساد القمع وتوسعت انتهاكات حقوق الإنسان وهو ما أدى إلى إضعاف الديمقراطية وغيابها تماما في سنوات حكمه اللاحقة.

حاول الجنرال ـ الذي وصفته بعض التقارير بأنه مُحبّ للويسكي ـ إدخال بعض القيم الاجتماعية الليبرالية في الدولة الإسلامية المحافظة، كانت خطواته تلك تلاقي استهجانًا صامتًا من شريحة واسعة من المجتمع المسلم، وبمرور الوقت اتخذ مشرف العديد من الإجراءات لتعزيز قبضته على السلطة، وزعم طوال الوقت أنه يفعل ذلك من أجل تحقيق مصالح الأمة، وأكد مرارًا على أن سياساته القمعية بأنها "ليست الأحكام العرفية، إنها مجرد طريق آخر للديمقراطية"، عن تلك الفترة المعقدة من تاريخ باكستان يقول الكاتب الكندي ـ الباكستاني الأصل "عبد الله جان"، ومؤلف كتاب "مشرف: يقود باكستان نحو كارثة لا مفر منها": إن "باكستان قد تأسست منذ 60 عامًا من أجل تحقيق هدفين؛ أولهما أن تكون وطنًا لمسلمي الهند، وثانيهما أن تكون قلعة للإسلام في تلك المنطقة، ولكن تحت قيادة حكام فاسدين ـ من بينهم مشرف ـ صار الهدفان بعيدي المنال"، يرى جان أن "مشرف جعل تطبيق الشريعة الإسلامية شيئا يُستَهزئ به، وجعل الجيش الباكستاني أداة ظلم وقمع واضطهاد، وجعل بعض وحداته مرتزقة لخدمة المصالح الأمريكية".

حليف مخلص لواشنطن

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أصبح مشرف معروفًا بالتحالف الوثيق مع الولايات المتحدة في حربها الطويلة التي زعمت أنها تواجه من خلالها الإرهاب، كتب مشرف في سيرته الذاتية عن تلك اللحظات: "كانت أمريكا متأكدة من أنها سترد بعنف مثل الدب الجريح، لا سيّما بعدما تبين أن الجاني هي القاعدة، لذلك فإن الدب الجريح كان سيأتي متجهًا نحونا مباشرة"، سمح مشرف باستخدام أراضي باكستان كممرات لقوات الناتو والولايات المتحدة إلى أفغانستان، كما تسامح مع الهجمات التي شنتها القوات الأمريكية في بعض المناطق الحدودية الباكستانية الوعرة، لم يكترث كثيرًا لسقوط ضحايا من مواطنيه المدنيين خلال تلك الهجمات، هذا الدور المخلص الذي لعبه مشرف دفع الرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش إلى وصفه ذات مرة بأنه "زعيم شجاع وصديق للولايات المتحدة"، ومع ذلك فإن سياساته بدعم الغزو الأمريكي لأفغانستان المجاورة للإطاحة بحركة طالبان، ومحاربة قادة الحركة على الأراضي الباكستانية، قد أثبتت لاحقًا أنها لا تحظى بشعبية كبيرة، لا سيما بعد أن أدت إلى خسائر فادحة في صفوف المدنيين وتركت إرثًا دائمًا من المشاعر المعادية للغرب في البلاد.

كانت باكستان بقيادة مشرف تساعد واشنطن بولاء وإخلاص في حربها، لكنها كانت تتطلع أيضا إلى مستقبل تغادر فيه الولايات المتحدة تلك المنطقة، لم تقطع إسلام أباد علاقاتها الودية تماما مع طالبان، بل حافظ جهاز المخابرات الباكستاني عبر بعض قادته على علاقات سرية مع مسلحي الحركة في الشمال الغربي، كان هذا التحوط ناجحًا إلى حد كبير من قبل هؤلاء القادة الذين أثبتوا حنكة سياسية وعسكرية أكبر من مشرف المرتمي في أحضان الأمريكيين، إذ تم استغلال العلاقة بشكل استراتيجي لضبط بعض الأوضاع الأمنية  بين البلدين، لا سيما بعد انسحاب الأمريكيين مؤخرًا، وأيضا كحاجز ضد الجارة النووية والمنافسِة القوية "الهند".

 

حاول الجنرال ـ الذي وصفته بعض التقارير بأنه مُحبّ للويسكي ـ إدخال بعض القيم الاجتماعية الليبرالية في الدولة الإسلامية المحافظة، كانت خطواته تلك تلاقي استهجانًا صامتًا من شريحة واسعة من المجتمع المسلم، وبمرور الوقت اتخذ مشرف العديد من الإجراءات لتعزيز قبضته على السلطة

طوّر مشرف علاقات قوية مع العديد من كبار الشخصيات العسكرية الأمريكية في أعقاب 11 سبتمبر، وقد برر تحالفه الوثيق مع واشنطن بأن الضرورة هي التي فرضته عليه، وزعم لاحقًا أن إدارة بوش قد هددت بـ "إعادة باكستان إلى العصر الحجري إذا لم تتعاون مع حربها على أفغانستان"، ادعى مشرف أن هذه السياسة التي اتبعها قد نجحت في الضغط على بوش لضخ الأموال في الجيش الباكستاني من أجل تحديثه وتقوية ترسانته الحربية، وهو ما تؤكده حقيقة أن باكستان تلقت بين سبتمبر 2001 و2008 ما يقرب من 10 مليارات دولار من المساعدات الأمريكية، ذهب معظمها إلى الجيش، لكن مشرف الذي كان يظّن أنه يُحسن صنعًا بتعاونه مع الأمريكيين كان يُقابل برفض واستهجان شعبي لهذا الانصياع اللافت للغرب، وكانت 4 محاولات اغتيال على الأقل ـ نجا منها مشرف ـ كفيلة بالتعبير عن حالة المزاج العام الكاره للجنرال، كانت أبرزها في عام 2003م عندما تم استهداف موكبه بقنبلة زُرِعَت على جسر، وفي مرة أخرى تم استهداف موكبه بسيارات مفخخة، فيما شهد هجوم ثالث انقلاب السيارة التي تقلّه في الهواء بسبب الانفجار قبل أن ترتطم بالأرض مجددًا.

فشل وجدل وفضائح

بحلول نهاية عام 2004م، نكث مشرف بوعده بالتنحي عن منصب قائد الجيش، فبدأت الأصوات المنتقدة له تعلو أكثر فأكثر، وصولًا إلى العام 2006م، حيث أمرَ بتنفيذ عمل عسكري أسفر عن مقتل زعيم قبلي من إقليم بلوشستان، فكان بمثابة الشرارة التي أشعلت تمردًا مسلحًا ما زال محتدمًا حتى يومنا هذا، ووصلت متاعب مشرف إلى ذروتها في عام 2007م، عندما تصاعد الغضب ضده بعدما أمر بشن غارة على المسجد الأحمر في وسط إسلام أباد، حيث أصبح المسجد ملاذاً للمعارضين لدعم باكستان للحرب على أفغانستان، تسببت العملية التي استمرت أسبوعًا في مقتل أكثر من 100 شخص، وقد أضرت الحادثة بشدة بسمعة مشرف بين جموع الشعب الباكستاني.

كان مشرف شخصية مثيرة للجدل في الداخل والخارج، حيث كان يتمتع بسمعة طيبة لدى الغرب بسبب إخلاصه للتحالفات السياسة معهم، وهو ما مكّنه من الحفاظ على بقائه في السلطة لعدة سنوات، بالرغم من كونه حاكمًا براغماتيًا صارمًا أدخل بلاده في واحدة من أكثر الفترات دراماتيكية في تاريخها المضطرب، على المستوى الشعبي لم يلق قبولًا واسعًا وباءت العديد من أهدافه بالفشل أو قوبلت بمقاومة اجتماعية أو دينية قوية، فيما ضحى هو بالكثير من المبادئ الثابتة من أجل المنفعة السياسية، منها أنه حاول تحقيق السلام مع الهنود عبر اتفاق معيب من وجهة نظر باكستانية بشأن إقليم كشمير المتنازع عليه بين البلدين، كزعيم يتوق إلى صنع التاريخ من خلال كسر الجمود المستمر منذ عقود مع الهند التقى في عام 2001م برئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي، ولكن بمجرد اقترابهما من الاتفاق، سرعان ما انهارت المفاوضات وعاد مشرف الذي قدم تنازلات غير مسبوقة إلى وطنه مهزومًا بمرارة، وظل طيلة السنوات اللاحقة في السلطة متوجسًا من الهند وظلت حالة انعدام الثقة العميقة بينهما موجودة، بالرغم من التهدئة التي حلّت على حدودهما.

شهد عهد مشرف سلسلة من الفضائح الشهيرة، لعل أبرزها فضيحة الكشف عن قيام العالم النووي الباكستاني الشهير عبدالقدير خان، والذي يعدّ صانع القنبلة النووية الباكستانية، ببيع تصاميم أجهزة طرد مركزي وأسرار أخرى لدول من بينها إيران وليبيا وكوريا الشمالية، حيث ساعدت هذه التصميمات بيونغ يانغ على تسليح نفسها بسلاح نووي، بينما لا تزال أجهزة الطرد المركزي من تصميمات خان متداولة في إيران، يُضاف إلى ذلك فضيحة تسليمه عددًا من المواطنين الباكستانيين إلى قوات التحالف الدولي، الذي تم اقتيادهم إلى معتقل غوانتنامو سيء السمعة، كان هذا التصرف المشين سببًا في زيادة السخط على مشرف، وتراجع أسهمه بين الأوساط الشعبية والحقوقية، ناهيك عن إصداره أمرًا بهدم عدد من مساجد العاصمة، من بينها المسجد الأحمر، بدعوى بنائها بطريقة غير قانونية على أراضٍ مملوكة للدولة.

من القصر إلى المنفى

عندما بدأ مشرف في فقدان الدعم في عام 2007م، أصبح حكمه أكثر قسوة، حيث علّق الدستور مرة أخرى وفرض الأحكام العرفية ليمنح نفسه سلطات كاسحة لإقالة رئيس الوزراء والبرلمان، وأقال بالفعل قضاة المحكمة العليا، واعتقل الكثير من النشطاء والمحامين، وهو ما أثار احتجاجات حاشدة ضده، فتلاشت شعبيته وتعثرت أجندته، وبعد اغتيال زعيمة المعارضة بينظير بوتو، التي عادت إلى باكستان لمنافسة مشرف في الانتخابات، توتر المزاج الوطني أكثر وبدأت الدعوات تتزايد من أجل عزله لا سيما بعد أن كثرت الشبهات حول وجود يد لمشرف في مقتل بوتو، وفي عام 2008م أُجريت أول انتخابات ديمقراطية في البلاد إلا أن حزب مشرف خسرها، مما عرضه لإجراءات عزله من منصبه من قبل البرلمان، فاستقال من الرئاسة وفرَّ إلى لندن، ثم عاد مجددًا إلى بلاده في عام 2013م في محاولة بائسة للعودة إلى السلطة، لكنه استُبعد مدى الحياة من الترشح وواجه مذكرة توقيف لتورطه المزعوم في اغتيال بوتو، وبالرغم من التهم الموجهة إليه وخضوعه للمحاكمة إلا المؤسسة العسكرية القوية في البلاد سمحت له بمغادرة البلاد في عام 2016 لأسباب طبية.

ظلَّ مشرف يتنقل في منفاه بين المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة، وذلك بعد أن سُمِحَ له بمغادرة باكستان لتلقي العلاج الطبي في الخارج، وفي عام 2019م وجدت محكمة خاصة أن مشرف مذنب بالخيانة العظمى عندما كان رئيسًا للبلاد، وحكمت عليه المحكمة بالإعدام ولكن تم إلغاء هذا الحكم لاحقًا، وأعرب مشرف مرارًا عن رغبته في العودة إلى باكستان لقضاء ما تبقى من حياته في وطنه، لكن تلك الرغبة دائما ما قوبلت بالرفض من السلطات، وبالانتقاد والاستهجان من قبل السياسيين المعارضين له ومعظم فئات الشعب.

نهاية وإرث مثير للجدل

في بيان مقتضب، قال الجيش الباكستاني إن الرئيس العاشر بعد الاستقلال برويز مشرف توفي يوم الأحد 5 فبراير 2023م، في المستشفى الأمريكي بدبي، عن عمرٍ ناهز الـ 79 عامًا، حيث كان مشرف يخضع للعلاج من مضاعفات الحالة الطبية التي يعاني منها والتي تسمى الداء النشواني، وهو مرض نادر يؤدي إلى ترسب غير طبيعي لبعض أشكال البروتينات في أنسجة الجسم المختلفة مما يؤدي إلى تلف الأعضاء، أضاف الجيش في بيانه أن كبار القادة يعربون عن تعازيهم في وفاة الجنرال مشرف، غير أن الرد الشعبي في باكستان على وفاته في مجمله قد تراوح ما بين الصمت أو التذكير بإرثه المثير للجدل، فهو المذموم شعبيًا والمُثنى عليه غربيًا بنفس القدر في آنٍ واحد، ترى الغالبية العظمى من الباكستانيين أنه كان أحد الديكتاتوريين العسكريين الذين لا يرحمون، وقد كبح طموحات بلاده وأرهقها بحروبه، بعدما فرض الأحكام العسكرية وأوقف العمل بالدستور وانتهك استقلالية القضاء وزاد من حدة الكبت السياسي وقيّد الحريات، وفاقم حالة الاحتقان والتوتر الداخلي بتحالفه المهين مع الغرب.

بعد تنفيذ انقلابه على نواز شريف، ظهر مشرف على شاشة التلفزيون الرسمي ووجه خطابًا طويلًا للشعب الباكستاني تعهد خلاله بإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي وضمان أمنها وقوتها، غير أن واقع السنوات اللاحقة أثبت خلاف ذلك تمامًا، لقد أضاف مشرف إلى التدهور الاقتصادي أزمات سياسية كانت هي الأشد في تاريخ باكستان، قال مشرف آنذاك "لا يمكن أن أسمح بانتحار هذا البلد"، وزعم بأنه يقدم أفضل ما لديه من أجل استعادة باكستان لمكانتها، بيد أن المنقذ المزعوم لباكستان من الانتحار قد أهلكها بيديه وعن عمد!

أعلى