ثمن التقاعس.. اغتصاب الأطفال
كتب
فيليب كولينز في صحيفة "ذي
تايمز" البريطانية يوم الجمعة مقالة قيم فيها الأحداث في سوريا وفقا للنظرية
الديمقراطية التي تقودها الولايات المتحدة، واستذكر ما جري في ليبيا وتونس ومصر
وأفغانستان والعراق ... قائلاً "التدخل
في سوريا سيؤدي إلى فوضى دامية، لكن هذه موجودة أمامنا بالفعل، وكبشر علينا أن نستجيب.
كان
أكثر كتاب أسيء فهمه في الزمن المعاصر قد ضاع معناه بسبب التلاعب بالكلمات. حين أسمى
فرانسيس فوكوياما كتابه "نهاية التاريخ"، لم يكن يدعي أن التاريخ، كما قال
كتاب "1066 وكل ذلك"، قد وصل إلى مرحلة التوقف التام. كان يقول انه لن يأتي
مجتمع أفضل من ذلك القائم على الليبرالية الديمقراطية.
وبينما
يتكشف التاريخ من حولنا، فإن هذه لحظة ملائمة للإشارة إلى أن فوكوياما كان محقاً. الشعب
السوري، مثل شعوب تونس، ومصر وليبيا، لا يريد دفع الحرية كثمن للأمن. ومع الوقت، سينضم
الشرق الأوسط إلى الأمم المتحضرة، كما فعلت أميركا اللاتينية منذ سبعينات القرن الماضي.
لا يمكن أن تستمر الحكومة الهشة في الجزائر. والإصلاحات المحدودة التي يدعمها الملكان
في المغرب والأردن ستشتري القليل من الوقت. لكن في نهاية الأمر فإن الشعوب هناك وفي
إيران ستريد بعضاً مما نملكه، أي أن تكون شعوباً مثلنا.
لفترة
طويلة كان هذا الجدل قد دفن في العراق. فكرة التدخل الدولي بقيادة الولايات
المتحدة الذي نجح في كوسوفو وفي سيراليون وليبيا، وفشل في أفغانستان، وانهار في العراق.
هناك دوما حالة تحث، كما في العراق، على فصل الطاغية عن سلطته. هناك حالات أيضا تدعم
تركهم وشأنهم. لكن سوريا تظهر أن ذلك، عاجلاً أم آجلاً، كان سيحدث. قتل الأبرياء في
سوريا هو البرهان الذي يناقض الحالة العراقية.
هناك
الكثير مما يمكن أن يسبب العار للبشر، لكن ليس مفاجئاً ما يقوم به "شبيحة"
بشار الأسد. فقد تبدو أفعالهم غريبة، لكن الأسد استقبل في صيف عام 2000 كبداية للإصلاحات
التي سميّت (بتفاؤل يبدو الآن رهيباً) ربيع دمشق. في خريف عام 2001، زج بالمثقفين في
السجن، ومنذ ذلك الحين، مارس نظامه المجموعة الكاملة من الاعتقال والتعذيب واخفاء المواطنين
عن وجه الأرض.
ومع
ذلك، فإن الوقوف وعدم فعل أي شيء في سوريا يكاد يكون مقنعاً. الجيش السوري أكبر ثماني
مرات من الجيش الليبي، ولا تسيطر المعارضة الضعيفة المنقسمة على أي مناطق. ليس هناك
كيان ثوري واضح ليرث السلطة. حتى لو كانت النهاية وشيكة، فقد يكون الأسد مستعداً، مثل
شمشون الجبار، ليهدم المعبد على رؤوس الجميع. الروس والصينيون لن يمنحوا الأمم المتحدة
الوصاية للتصرف وهناك خطر، في جميع الأحوال، من أن تقوم حرب شاملة تقف فيها روسيا وإيران
مع سوريا وحزب الله ضد الغرب في إعادة مرعبة لتكتلات القوى في الحرب العالمية.
بكلمات
أخرى، فإن التدخل سيعني الفوضى. لكن هناك فوضى بالفعل. علينا أن نقارن تلك الأخطار
بالحتمية التالية. ستة آلاف شخص قتلوا، ونتيجة الوقوف جانباً هي اغتصاب جماعي لصبي
صغير. عاقبة التقاعس هي القتل. والسذاجة البلاغية في هذا النداء متعمدة. حين ترى الأطفال
يقتلون من قبل وحوش تابعين للدولة، ليس هناك من حرج في أن يقتصر الأمر على شعار مبتذل.
لا يمكن السماح بحدوث ذلك. ليس باسمي. لا بد من القيام بشيء.
الاشمئزاز
عميق إلى حد أنه لا يمكن التقليل منه بالكتابة بشكل غير ناضج أو غير واقعي. وبالنسبة
إلى أولئك غير المتدينين بيننا، فإن معاناة البشر الآخرين هي أعمق العلامات في التراث
البشري المشترك. لذا فإن من الضروري أن نضيف وزناً إلى الدافع الأخلاقي بدلاً من اعتباره
ساذجاً وغبياً. أين يلتقي الرفض والاشمئزاز مع الواقع العملي؟ هذا هو السؤال المركزي.
أول
الأولويات هي وقف القتل. هذا يتطلب إقامة منطقة آمنة في سوريا، تكون مماثلة لبنغازي،
لتوفير الملاذ الذي يمكن أن تتجمع فيه المعارضة.
لا
يمكن أن يبقى الأسد في السلطة، هذا واضح. لو كان مستعداً للقيام بمطلب الجامعة العربية
بتسليم السلطة إلى نائبه، فإن ذلك قد يوفر مجالاً أخلاقياً، وفقا للمادة السابعة من
قرار الأمم المتحدة الذي تم نقضه بالفيتو، حيث يمكن أن تبدأ المحادثات بين دمشق وتيارات
المعارضة السورية.
ليس
هناك دافع للأسد كي يتعاون، على الرغم من ذلك، إلا إذا كان متأكداً من أن الوقت قصير
أمامه. العقوبات تعمل ويجب مضاعفتها. منع السفر وتجميد أصول الأموال تؤثر والعملة تفقد
قيمتها بسرعة. من الجدير تذكره أن الربيع العربي كان اقتصاديا بقدر ما كان ثورة فلسفية.
لكن
قد يتطلب الأمر أكثر من ذلك. الجيش السوري الحر هو جيش بالاسم فقط. هو مؤلف في الواقع
من مجموعة من المواطنين تم قمع حقهم في الاحتجاج. ليس من المرجح أن يكون الجيش السوري
الحر أو المجلس الوطني السوري مكونا من الملائكة، لكنهم يقاتلون نظاما استبداديا ويحتاجون
إلى حمل أسلحة مناسبة. وبالتالي، فإذا تمكنوا من السيطرة على مناطق، فان من الواجب
حماية تلك الأراضي من جانب حلف شمال الاطلسي (ناتو)، على افتراض أن الأمم المتحدة ستبقى
عاجزة بسبب رفض أعضائها الكئيبين.
وستحتاج
المعارضة أيضاً إلى أموال ووسائل اتصالات متقدمة. ويمكننا أن نعمل المزيد لتخريب قوات
الأسد وإعاقة رسائلها ومرورها بأمان في أنحاء البلاد. ويجب أن يعلم جنرالات الأسد أيضا
أن الرجال المذنبين لن يكون بوسعهم قط أن يسافروا بحرية.
عندما
تسلم الرئيس أوباما منصبه فعل ذلك بناء على وعد صريح بعدم الإقدام على مزيد من المغامرات
الدولية. وهو، من حسن الحظ، ليس الرئيس الذي اعتقد أوربيون كثيرون أنهم يريدونه. وقد
حدد الشروط لمشاركة الولايات المتحدة (في أي عمل دولي خارجي) في خطاب ألقاه في جامعة
الدفاع الوطني في (مارس) 2011 كان صدىً واعياً لخطاب توني بلير عن التدخل في شيكاغو
عام 1999 والذي كان بدوره صدى لتقليد الحرب العادلة الذي يعود إلى عهدي توما الاكويني
وشيشرون.
لقد
جاء وليام هيغ وديفيد كاميرون إلى السلطة عازمين على أن يكونا ميركانتاليين (ذوي نزعة
تجارية) في السياسة الخارجية. وكان ذلك تهرباً من السؤال الكبير في عصرنا، سؤال فوكوياما.
ولكن مما يعود بالفضل على الرجلين إنهما تصرفا بصورة حاسمة عندما جاء الامتحان. فهناك
في ليبيا اليوم أناس أحياء كانوا سينضمون إلى عداد الأموات لولا بريطانيا. وبوسع هيغ
وكاميرون أن يعلقا شارة الشرف تلك على صدريهما حتى لو لم ينجزا أي شيء آخر في المجال
السياسي.
إن
الحجج العملية ضد التدخل العسكري في سوريا حجج ساحقة. ولكن هناك الكثير مما يمكن عمله
من دون الزحف للتدخل. أن نجاح تدخلنا في ليبيا وغياب التدخل في سوريا يعيد الاعتبار
إلى الحجة التي فقدت في العراق.
والدرس
سهل. إذا واجهت فاشياً فستحصل فوضى. وإذا لم تواجه فاشياً فستحصل فوضى. وهذه هي طبيعة
الأمر ونحن ننسى أحياناً أن الوحش هو الفاشي وليس نحن. نحن أفضل من ذلك وسنظهر ذلك
بأعمالنا".
ترجمة صحيفة القدس