روسيا .. نموذج لعبة الكبار
ما
يظهر في الأفق خلال الأيام القليلة القادمة أن النظام السوري الذي يراقب الخطى
الحثيثة للدبلوماسية الدولية اتجاه الحراك الشعبي السوري يتجه إلى التصعيد واستغلال
الوقت الذي يمتلكه لسحق الثورة بالقوة العسكرية وتكرار تجربة مدينة حماة التي أباد
سكانها في الثمانينات.
وتشير
الأنباء الواردة من مدينة حمص أن قصف عنيف متواصل منذ أيام يستهدف المنازل
والمستشفيات الميدانية التي أقامها الثوار، وقتل على أثره أكثر من 50 مدنيا خلال
يوم أمس.
وتذكر
وكالة رويترز للأنباء أن تحركات دولية باتجاه وضع إستراتيجية جديدة للتعامل مع
الملف السوري بعد دعوة الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" إلى تشكيل
مجموعة اتصال من أجل سوريا على غرار ما حدث في ليبيا، لاسيما بعد الفيتو الصيني
الروسي الذي منع مجلس الأمن من المصادقة على قرار يجبر النظام السوري على إجراء
تغييرات في السلطة وفقاً للخطة العربية.
وأغلقت
الولايات المتحدة سفارتها في دمشق، وقالت إن جميع موظفي السفارة غادروا البلاد
بسبب تدهور الوضع الأمني. وقالت بريطانيا إنها سحبت سفيرها من سوريا وستسعى لفرض
عقوبات إضافية على دمشق من الاتحاد الأوروبي.
وقال
وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" الذي من المقرر أن يزور دمشق يوم
الثلاثاء إن الإدانات الموجهة للفيتو الروسي اقتربت من الهيستيريا.
وقال
الرئيس الامريكي "باراك اوباما" إن الدول الغربية ليست لديها النية
لاستخدام القوة للإطاحة بالأسد مثلما فعلت مع "معمر القذافي" في ليبيا
العام الماضي.
وقال
لمحطة NBC "من المهم جداً أن نحاول حل هذا الأمر بدون اللجوء إلى تدخل
عسكري خارجي وأنا أعتقد أن ذلك ممكن."
وقال
"العربي" في مقابلة انه تحدث مع "لافروف" يوم الاثنين وان
وزير الخارجية الروسي سيقدم مبادرة لدمشق في زيارة هناك يوم الثلاثاء. ولم يقدم
تفاصيل وعندما سئل عما إذا كان يعتقد إنها يمكن أن تنهي الأزمة قال "هم
يعتقدون ذلك."
وقال ناشط من سوريا على
اتصال بسكان حمص "هذا أعنف قصف منذ عدة أيام." وقال ناشط آخر إن قوات الأسد
استخدمت في الهجوم قاذفات صواريخ.
وقال
"حسين نادر" وهو من سكان بابا عمرو في اتصال هاتفي "يريدون إخراج
الجيش السوري الحر" من حمص منذ شهور. وأضاف "الصواريخ تتساقط على نفس
الهدف لا يفصل بينها سوى ثوان."
وقال
ساكن آخر اسمه "عمر شاكر" إن ثوار حصلوا على معلومات بأن القصف سيتواصل
حتى يوم الخميس حيث من المتوقع أن تدخل القوات حمص. وتابع "ليس لنا سوى
الله..الجميع تخلوا عنا."
وأعلن
منشقون عن الجيش السوري تشكيل "المجلس العسكري
الثوري الأعلى" ليحل محل الجيش السوري الحر. وقال المجلس في بيان إن
قائده هو العميد الركن مصطفى"أحمد الشيخ" وهو أكبر ضابط ينشق عن الجيش
وقد فر إلى تركيا.
وحذر
جناح محلي للجيش السوري الحر في الزبداني من أنه سيبدأ مهاجمة أهداف حساسة وإستراتيجية
للنظام ما لم ينسحب الجيش من البلدة بحلول صباح الثلاثاء.
وقال
أيهم كامل من مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر "اتخذ النظام قبل عشرة أيام
قرارا بمواجهة الثوار بطريقة مختلفة... الآن
هم ينطلقون لمزيد من المواجهات المباشرة مع الجيش السوري الحر و الثوار ."
ووصفت
وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" استخدام الفيتو بأنه
"مهزلة" وأدان هذه الخطوة العديد من الدول الغربية والعربية. وقال
مسؤولون أوروبيون وأمريكيون إن روسيا والصين ستتحملان المسؤولية عن إراقة المزيد
من الدماء في المستقبل.
وفي
مقال في صحيفة حكومية نشرت يوم الاثنين قال رئيس الوزراء الروسي السابق "يفجيني
بريماكوف" إن واشنطن تسعى للإطاحة بالأسد حليف إيران في إطار إستراتيجية
لزيادة نفوذها في العالم العربي وعزل طهران.
وكتب
"بريمكاوف" الخبير في شؤون الشرق الأوسط والذي كان وزيراً للخارجية
ورئيساً للمخابرات يقول "الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف الأطلسي يريدون استغلال
الوضع الذي تبدى في ربيع 2011 في العالم العربي بهدف التخلص من الأنظمة العربية
التي لا تروق لهم."
وقالت
صحيفة الشعب الصينية "الوضع في سوريا حالياً معقد للغاية. وبشكل مبسط قد يبدو
دعم جانب واحد وقمع الأخر وسيلة مفيدة لتغيير الأوضاع لكنه سيبذر في حقيقة الأمر
بذورا جديدة لكارثة."
وأوضح
مسؤولون أمريكيون أنهم يدرسون الآن إمكانية تشكيل مجموعة من البلدان المتقاربة في
التوجه لتنسيق المساندة للمعارضة السياسية في سوريا وهي خطوة قد تتخطى المعارضة
الروسية والصينية للإجراءات المناهضة للأسد.
وشدد
"جاي كارني" المتحدث باسم البيت
الأبيض على أن "الأسد" "تتناقص موارده المالية" وقال إن
الولايات المتحدة سوف تنسق الجهود مع الحلفاء "للتأكد من انه عاجز عن تمويل
حملته المتواصلة."
وفي
سياق متصل نشرت صحيفة "ذي تايمز" البريطانية تحليلاً لمحررها الدبلوماسي
"روجر بويز" تناول فيه الأسباب الكامنة وراء استخدام روسيا حق النقض (الفيتو)
في مجلس الأمن ضد المشروع العربي من أجل إنهاء الأزمة في سوريا:
سيكون
من الأسهل الحديث مع الصين لتغيير موقفها، حسب قول محللين غربيين، إذ أنها تعتمد على
النفط العربي وليس لها أي مطامح للوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط. أما روسيا فإنها
مدفوعة بسياسة القوة وبما تعتبره تهديداً لمصالحها. وسيكون تحييد الكرملين في الشرق
الأوسط احد التحديات الدبلوماسية الرئيسة خلال الأشهر المقبلة.
ويرى
الكاتب أن ثلاثة عوامل تدفع في هذا الاتجاه وهي أن سوريا كانت دولة متعاونة مع
الروس منذ الإتحاد السوفيتي، وتعتبر سوق سلاح كبير للروس، فقد باعت موسكو لها
أسلحة وصواريخ ومقاتلات بما يقارب 20 مليار دولار من بينها محطة لمعالجة الغاز
الطبيعي موجودة شرق حمص.
وكذلك القاعدة البحرية
الروسية في طرطوس والتي لم تكتمل في بناءها بعد وهي نقطة تمركز للبحرية الروسية في
المتوسط. وكل هذا يجعل من حظر الاتحاد الأوروبي على واردات
الأسلحة حظراً لا جدوى منه، كما يبين أن الجيش الروسي له صوت حاسم في ما يتعلق بصنع
سياسة موسكو في الشرق الأوسط.
والثاني ان روسيا هي أكبر
منتج للنفط في العالم، ولا تعتمد على صادرات الطاقة من الدول العربية
السنية ولا على موافقتها السياسية. فهي تقوم بدورها الخاص بعيدا عن الجامعة العربية.
والثالث هو أن الكرملين
يريد أن يبعث بإشارة إلى الإسلاميين في داغستان والشيشان وانغوشيا.
فمن وجهة النظر الروسية لا يمكن أن يكون هناك أي دعم لسياسات تؤيد الثوار المسلحين.
وعندما
يقوم "لافروف" بزيارة دمشق غداً سيصحب معه رئيس الاستخبارات الروسي
"المستعرب" "ميخائيل فراكوف". وتلك هي طريقة عمل موسكو التقليدية.
وسيسعى الروس إلى تقوية النظام وحرمان جيش سوريا الحر من السلاح باعتبار أن ذلك هو
أفضل الأساليب التكتيكية لمنع انتشار النفوذ التركي، وهذه سياسة المصالح التي
تتابعها روسيا في المنطقة العربية، لقد شعرت بالندم كثيرا حينما سقط نظام معمر
القذافي أحد حلفاءها، ولا تريد أن تخسر المزيد.