هل هناك تحالف استراتيجي بين روسيا وإيران؟ أم هو تقاطع مؤقت في عدة ملفات ولكن الاختلاف في الأهداف الاستراتيجية أعمق مما يبدو على السطح؟
"تعميق روسيا لتحالفها مع إيران من أجل قتل الأوكرانيين، أمر ينبغي للعالم بأسره
النظر إليه كتهديد حقيقي"
هذا ما صرح به مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في أعقاب زيارة الرئيس
الروسي فلادمير بوتين إلى طهران في شهر أغسطس الماضي، ولقائه بمرشد ما يطلق عليه
بالثورة الإسلامية الإيرانية علي خامنئي.
وأضاف سوليفان: بأن الولايات المتحدة تلقت معلومات تشير إلى أن إيران تخطط لتزويد
روسيا بمئات الطائرات من دون طيار لمساعدتها في حربها في أوكرانيا.
|
ففي فترة ضعف الدولة المركزية الإيرانية عقب سقوط الصفويين، خسرت إيران
شمالاً مساحات واسعة قامت روسا بضمها في أواخر القرن التاسع عشر، وفي العهد
القاجاري الذي شهد تدخلاً روسيا في الشؤون الإيرانية، لعب الروس القياصرة
دورًا بارزًا في السياسة الإيرانية الداخلية |
ويبدو أن تصريحات سوليفان كانت صحيحة، فبعد القمة، تداولت معلومات صحافية عن قيام
وفود روسية بزيارة إلى مطار كاشان جنوب طهران مرتين خلال الشهر التالي لزيارة بوتين
لطهران، للاطلاع على طائرات إيرانية من دون طيار من طراز شاهد، التي يمكن تجهيزها
بصواريخ دقيقة التوجيه.
وفي خلال أيام من زيارة الوفود الروسية العسكرية لطهران، بدأت القوات الأوكرانية في
الإعلان أنها تشعر بالتهديد بسبب الطائرات المسيرة، التي تقول كييف إن موسكو بدأت
في استخدامها في ساحة المعركة في سبتمبر الماضي.
ووصف المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية، في تصريحات بثها التلفزيون الرسمي
الأوكراني حجم الطائرة المسيرة الإيرانية بأنها مثل قذيفة مدفعية، وفي أكتوبر
الماضي أي منذ شهرين، قدَّرت أوكرانيا نسبة المُسيَّرات "شاهد" التي استطاعت
تدميرها بحوالي 70% أو أكثر، لكن المُسيَّرات التي لم تُرصد كانت كافية لإضعاف شبكة
الكهرباء الوطنية في أوكرانيا.
وهنا تثار أسئلة:
هل كان اشتراك المسيرات الإيرانية في قصف مدينة كييف عاصمة أوكرانيا هو الثمرة
الوحيدة للتعاون الإيراني الروسي؟
أم هناك مجالات أخرى عسكرية واقتصادية وغيرها جرى فيها التعاون بينهما؟
ولكن السؤال الأهم هل هناك تحالف استراتيجي بين البلدين؟ أم هو تقاطع مؤقت في عدة
ملفات ولكن الاختلاف في الأهداف الاستراتيجية أعمق مما يبدو على السطح؟
وتتعدد نمط وأنواع علاقات التعاون بين الدول، منها ما هو أيديولوجي، ومنها ما هو
جيواستراتيجي، ومنها أيضًا المصلحي، بل قد يكون العامل التاريخي مؤثرا في العلاقات
الحالية بين الدول.
ولكن ما مدى تأثير تلك العوامل الأربعة على العلاقات الإيرانية الروسية؟
العلاقات الروسية الإيرانية بين الأيديولوجية والتاريخ
كان من المفترض أن تؤثر الصبغة الشيعية للنظام الإيراني على علاقاته الخارجية مع
دول العالم، وخاصة أن النظام يتبنى نشر المذهب الشيعي منذ قيام الثورة الايرانية في
طهران، ولكن تلك الصبغة الطائفية ساهمت تاريخيًا في قيام تحالف بين روسيا القيصرية
والدول الشيعية المتوالية في القرنين الثامن والتاسع عشر، والتي حاولت تلك الدول
الرافضية تشييع القبائل والجماعات العرقية والتي تنتمي إلى أهل السنة في منطقة آسيا
الوسطى والقوقاز وبلاد فارس، فاصطدمت بالدولة السنية القوية في تلك الأوقات وهي
الدولة العثمانية، والتي حاولت وقف الإجبار الشيعي والمذابح وتخيير الناس بين القتل
والسلب أو التخلي عن هويتهم، فلجأ ملوك الدول الشيعية المختلفة مثل الصفويين
والقاجاريين إلى التحالف مع روسيا القيصرية، ودارت معارك بين الجيش العثماني وجيوش
التحالف الروسي الشيعي، ولكن نجحت الدولة العثمانية في الانتصار في معظم تلك
المعارك.
ولكن في النهاية ومع ضعف العثمانيين، ما لبث أن عاد الشيعة مرة أخرى وبمعاونة الروس
ونجحوا في احتلال أراضي المسلمين، وعندما شعر الروس بأنهم الطرف الأقوى في التحالف
استداروا على تلك الدول الشيعية.
|
تتمثل
المصالــح الاستراتيجية الجيوسياســية الروســية بالنسبة إلى إيران، في كون
ذلك البلد يطل على منطقة القوقاز من جهة، وعلى منطقة الخليج العربي من جهة
أخرى، وعلى آسيا الوسطى من جهة ثالثة |
ففي فترة ضعف الدولة المركزية الإيرانية عقب سقوط الصفويين، خسرت إيران شمالاً
مساحات واسعة قامت روسا بضمها في أواخر القرن التاسع عشر، وفي العهد القاجاري الذي
شهد تدخلاً روسيا في الشؤون الإيرانية، لعب الروس القياصرة دورًا بارزًا في السياسة
الإيرانية الداخلية،
وأخذ هذا الدور شكلاً مسلحًا حيث دخلت القوات الروسية لمحاربة الثوار الذين ثاروا
على الأسرة الحاكمة، لدرجة استهداف الجيش الروسي لمجلس الشورى الإيراني بالمدفعية،
وخلال الحرب العالمية الثانية تعاون الاتحاد السوفيتي مع بريطانيا لاحتلال إيران
بحجة منع ألمانيا النازية من السيطرة على حقول النفط الإيرانية.
لذلك ظل الهاجس التاريخي يلقي بظلاله على العلاقات الإيرانية الروسية، خاصة من
الجانب الإيراني الذي لا يزال ينظر بشك دائم إلى روسيا وأطماعها، حتى ولو التقت
المصالح في بعض الأحيان ولكنها لن ترقى العلاقات إلى استراتيجية أو دائمة إذا
استخدمنا تلك المقاربة التاريخية.
ولكن ما هو تأثير العوامل الأخرى على تلك العلاقة؟
إيران في الاستراتيجية الروسية
تتمثل المصالــح الاستراتيجية الجيوسياســية الروســية بالنسبة إلى إيران، في كون
ذلك البلد يطل على منطقة القوقاز من جهة، وعلى منطقة الخليج العربي من جهة أخرى،
وعلى آسيا الوسطى من جهة ثالثة.
وهذه المناطق الثلاثة تمثل مناطق حيوية لروسيا وخاصة منطقة جنوب القوقاز.. كيف؟
يمثل الموقع الجيوستراتيجى الذي تحظى به منطقة القوقاز أهمية كبرى، حيث تتوسط كل من
إيران وتركيا والاتحاد الأوروبي، فروسيا دولة تصنف جغرافيا بأنها دولة حبيسة يوفر
لها القوقاز نقطة عبور نحو مياه المحيط الهندي من جهة، والبحر الأبيض المتوسط من
جهة أخرى، كما تقع منطقة القوقاز بين خزاني الثروة النفطية سواء في بحر قزوين
والبحر الأسود مما يجعل منها محل تنافس يثير أطماع القوى الدولية الساعية لتحقيق
الهيمنة العالمية على منابع الطاقة.
ويمثل الصراع بين أذربيجان وأرمينيا اللذين يقعان في جنوب القوقاز قمة جبل الجليد
بين روسيا وإيران.
فبالرغم من انتماء غالبية الشعب الآذري للمذهب الشيعي، إلا أنهم يرون مساندة إيران
لعدوتهم التاريخية أرمينيا في نزاعهما حول إقليم ناكورنو كارباخ استفزازًا لهم،
بينما تحاول روسيا إيجاد طريق الوسيط بينهما.
المصالح المشتركة بين الدولتين
هناك ثلاثة مصالح بين روسيا وإيران تتراوح بين سياسية واقتصادية وعسكرية:
فعلى سبيل المثال، إحدى أكبر المصالح السياسية تدخلهما العسكري في سوريا.
حيث تتواجد القوتان العسكريتان الروسية والإيرانية وبالرغم من اتفاقهما على بقاء
نظام الأسد، إلا أن هناك خلافات على الأهداف الاستراتيجية لكل من البلدين في
تواجدهما العسكري فيه، فالوجود الإيراني يرتبط بتحقيق مد للنفوذ الشيعي في المنطقة
العربية السنية وتغيير التركيبة الديموغرافية في معقل أهل السنة في الشام وقلبه
لصالح الشيعة.
أما التواجد العسكري الروسي فهدفه الاستراتيجي إيجاد منفذ لروسيا على البحر
المتوسط، وكسر الحصار البري عليها من قبل الناتو، خاصة بعد تمدد الحلف في دول
السياج والتي كانت خاضعة لنفوذ الاتحاد السوفيتي السابق وواقي له من التهديد
الأمريكي.
ولذلك تركت روسيا في البداية الإيرانيين يتدخلون لإنقاذ نظام الأسد من المد الثوري
العسكري السني فلما عجزوا، تدخلت القوات الروسية لتكون بمثابة المنقذ وتؤول إليها
قيادة سوريا، وتكون إيران وميليشياتها بمثابة تابع للأوامر الروسية وخاضعًا لها.
وعندما يتمدد النفوذ الإيراني في سوريا ويحاول أن تكون له كلمته، تعطي روسيا الضوء
الأخضر للكيان الصهيوني في توجيه ضربات جوية لتحجيم القوات الإيرانية وميليشياتها.
وعلى العموم فإن المصلحة الأساسية والتي تربط بين البلدين الآن هو الضغط الأمريكي
على كل من البلدين، فكلما زاد الضغط الأمريكي فإن ذلك يسهم بشكل غير مباشر في دفع
روسيا وإيران لتطوير التعاون بينهما أكثر فأكثر.
وبعد الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا ازدادت مساحة المصالح الروسية الإيرانية خاصة
في المجال الاقتصادي والعسكري.
فالدولتان تحتاج إحداهما إلى الأخرى على الصعيدين العسكري والأمني والاقتصادي، فحدة
اللهجة الأمريكية ضد روسيا بسبب أوكرانيا، وضد إيران بسبب مشروعها النووي ضاعفت من
ارتباط النظامين في كل من طهران وموسكو.
ولكن العقدة الروسية تتمثل في تحقيق التوازن بين علاقتها بطهران، وعلاقتها بدول
الخليج العربي خاصة بعد سعي دول الخليج إلى انتهاز الفرصة وتحقيق نوع من
الاستقلالية عن الهيمنة الأمريكية.
لذلك يحاول الروس إقناع الطرفين بأن العلاقة مع أحدهما ليست موجهة ضد الطرف الآخر.
ولكن يبقى السؤال هل تتمكن روسيا من إقامة هذا التوازن في العلاقات؟