• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الانقلاب الألماني!

تقول تقارير ألمانية نشرها موقع البي بي سي، إن من بين هؤلاء المعتقلين الذين يبلغ عددهم 25 معتقلا مجموعة من الشخصيات العسكرية السابقة.


أن يتحدث الاعلام عن انقلاب وقع في دول افريقية أو شرق أوسطية أو في أمريكا الجنوبية، فهذا أمر يكاد يكون طبيعيا ويحدث تكرارا وبصفة دورية.

ولكن أن تضج وسائل الاعلام بالأخبار والتحليلات عن احباط محاولة انقلاب في قلب أوروبا الغربية، بل في داخل دولة يتم وصفها بأنها إحدى دولتين تقودان الاتحاد الأوروبي.

ومن هو الاتحاد الأوروبي؟

هو القطب الثاني في الغرب، والذي يتم تقديمه للناس أنه قمة الحضارة، وخلاصة ما وصلت اليه البشرية في نظم الحكم والارتقاء بالشعوب والأمم.

ولكن أن يجري انقلاب على هذا النموذج من داخله وليس من خارجه، فهذا هو الشيء الذي لا يمكن تصور حدوثه... ولكنه في النهاية كاد أن يقع بالفعل.

وهنا نتحدث عن اكتشاف محاول انقلاب على النظام السياسي في ألمانيا، ألمانيا الدولة المتفوقة صناعيا وتقنيا وعسكريا واقتصاديا، فضلا عن متانة البناء الديمقراطي فيها، حيث تداول السلطة والتناوب عليها بالانتخابات السلمية، في أجواء من حرياتٍ عامة وفردية.

فما الذي جرى بالضبط؟ ومن الذي يقف خلفه؟ وهل يمكن أن نطلق ما جرى انقلابا بالفعل؟ أم الأمر أعقد بالفعل من مجرد مؤامرة مسلحة؟ أم هو تمرد على النموذج الغربي وما يقدمه للبشر من ادعاء بالمساواة والعدل بين الأجناس بصرف النظر عن اللون والعرق والدين؟

والأهم ما تبعات ما حدث وأثره على مستقبل أوروبا وهل يمكن تكراره؟

هل هي بالفعل محاولة انقلاب؟

في صباح يوم الأربعاء السابع من ديسمبر أي هذا الشهر، استفاقت ألمانيا على أنباء لم تألفها منذ سنوات بعيدة، حيث أعلنت السلطات الألمانية إطاحتها بمجموعة يمينية متطرفة خططت لاقتحام مبنى البرلمان الألماني الرايخستاغ، والاستيلاء على السلطة؛ حيث شنت السلطات حملات مداهمات واسعة واعتقلت عشرات الأشخاص، كما جرى تفتيش 150 عقاراً ومقراً في 11 ولاية في وقت متزامن، وقد شارك أكثر من ثلاثة آلاف ضابط في تنفيذ 130 مداهمة في معظم أنحاء البلاد وتم اعتقال شخصين في النمسا وإيطاليا أيضا.

وبحسب السلطات ينتمي المشتبه بهم إلى منظمة متطرفة تأسست في نوفمبر عام 2021، وتشير إليها بعض المصادر باسم الاتحاد الوطني، ولها دائرة داخلية ضيقة (حكومة ظل) تُعرف باسم المجلس، بينما قالت متحدثة باسم مكتب المدعي العام الفيدرالي: ليس لدينا اسم لهذه المجموعة حتى الآن.

وتقول تقارير ألمانية نشرها موقع البي بي سي، إن من بين هؤلاء المعتقلين الذين يبلغ عددهم 25 معتقلا مجموعة من الشخصيات العسكرية السابقة.

ويُزعم أن رجلا ألمانيا من أسرة نبيلة يوصف بـ "الأمير" ويُدعى هاينريش الثالث عشر، يبلغ من العمر 71 عاما، كان له دور محوري في خططهم.

ووفقا للمدعين الفيدراليين، فإن هاينريش هو واحد من اثنين من زعماء العصابة المزعومين الذين اعتقلوا في حملة المداهمات.

وأشار مكتب المدعي الفيدرالي إلى أن المتآمرين وضعوا بالفعل خططا لحكم ألمانيا، شملت تعيين إدارات في مجالات الصحة والعدل والشؤون الخارجية، وإنهم أدركوا أنهم لا يستطيعون تحقيق أهدافهم إلا من خلال الوسائل العسكرية والعنف ضد ممثلي الدولة وهذا يشمل تنفيذ عمليات قتل.

ويُعتقد أن المحققين حصلوا على معلومات عن هذه المجموعة، عندما اكتشفوا مؤامرة لمحاولة خطف في أبريل الماضي تشمل عصابة أطلقت على نفسها اسم يونايتد باتريوتس.

كما يُعتقد أيضا أنهم خططوا لاختطاف وزير الصحة الألماني، كارل لوترباخ، بينما حاولوا أيضا خلق ظروف حرب أهلية لإنهاء الديمقراطية في ألمانيا.

وتقول بعض المصادر الإخبارية أن قيادة الذراع العسكرية أسُندت إلى زعيم عصابة آخر يُعرف باسم روديغر فون بي وهو مظلي سابق في الجيش ويبلغ من العمر 69 عاما، الذي حاول تجنيد ضباط شرطة في شمال ألمانيا ومراقبة ثكنات الجيش أيضا. وقال مسؤولون إنه تم تفتيش وفحص القواعد العسكرية في ولايات هيس وبادن فورتمبيرغ وبافاريا لاحتمال استخدامها بعد الإطاحة بالحكومة.

ومن بين من يخضعون للتحقيق عضو في قوات الكوماندوز الخاصة، فتشت الشرطة منزله وغرفته في قاعدة غراف زيبلين العسكرية في كالو، جنوب غرب شتوتغارت.

كما تم التعرف على مشتبه بها أُخرى هي فيتاليا بي، وهي امرأة روسية طُلب منها الاتصال بموسكو نيابة عن هاينريش، حيث تؤكد وكالة الاستخبارات الألمانية أن التعاطف مع روسيا ملحوظ بقوة داخل تلك الحركة.

ولكن محاولة الانقلاب المزعومة تلك لم تقتصر على هذه المجموعة، بل تقول السلطات الألمانية أنها تعتقد أن مشتبه بهم آخرون من حركة كيو أي نون ممن يعتقدون أن بلادهم في أيدي دولة عميقة.

وتقول البي بي سي أن مجموعة المتآمرين الأخيرة تضمنت عضوة يمينية متطرفة سابقة من حزب البديل اليميني المتطرف في مجلس النواب الألماني، البوندستاغ، وكان يجري إعدادها لتكون وزيرة للعدل في المجموعة، التي يتزعمها الأمير هاينريش.

ولكن ما هي الأفكار التي تتبناها تلك الحركات؟

يبدو أن تلك الحركات لها جذورا شعبية في ألمانيا، تتعلق بالبعد العنصري داخل الجنس الألماني والذي يرى في هذا الجنس أنه متفوقا على باقي الاجناس.

ولا يعترف أتباع هذه الحركات بالجمهورية الألمانية الحديثة، والتي تأسست بعد انهيار النازية عقب الحرب العالمية الثانية سنة 1945، حيث يرغبون في استعادة الحكم الملكي في ألمانيا، ويعتقدون أن الإطاحة بالقيصر فيلهلم الثاني في نهاية الحرب العالمية الأولى كانت غير شرعية.

ويتهم هؤلاء الأتباع جمهورية ألمانيا الاتحادية التي تأسست عام 1949 بأنها أسست بصورة غير قانونية، ولذلك لا تعد دولة ذات سيادة. ويعترف أغلب المنتسبين لهذه الحركة بحدود ألمانيا عام 1937، أي قبل الحرب العالمية الثانية، والتي تضم أجزاء من بولندا وفرنسا حالياً.

مستقبل تلك الحركات

قد لا تمتلك تلك الحركات حاليا استراتيجيات واقعية لتنزيل أفكارهم على أرض الواقع، ولكن نظرة تاريخية الى الوراء قليلا تظهر لنا أن هذه الحركات يمكن أن تشكل خطورة في المستقبل، بل تغييرا في ألمانيا مماثلا لما فعله هتلر وحزبه النازي.

ففي عام 1923، وقبل وصول هتلر للحكم بعد عقد تقريبا من هذا التاريخ، نظم النازيون انقلابا فاشلا على الحكم الألماني في ذلك الوقت، وعرف تاريخيا انقلاب بفاريا أو انقلاب بير هول.

وتعد هذه العملية محاولة من أدولف هتلر والذي كان يقود الحزب النازي للسيطرة على الحكم في اقليم بفاريا الألماني، حيث لم يكن هتلر وحزبه سعداء بشروط معاهدة فرساي، والتي أدت الى التسوية السلمية التي أنهت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وتطلبت كثير من التنازلات والتعويضات من قبل ألمانيا.

وقد شارك في هذا الانقلاب ضباط كان لهم دور بطولي في الحرب العالمية الأولى، وانتهى الانقلاب بتدخل الجيش وبفشل ذريع وهروب العديد من القادة النازيين الى النمسا، وحوكم هتلر لاحقا وتم اقرار حكم السجن 5 سنوات ضده مع التمتع بإطلاق سراح شرطي في غضون 7 أشهر، وفي احدى روايات هذا الانقلاب أنه كان مدبرا بادئ الأمر من قبل قادة اقليم بفاريا، حيث قاموا بإقناع هتلر بضرورة الانقلاب في بفاريا قبل أن يتراجعوا هم عن الانقلاب، ويوقعوا بالحزب النازي في الفخ بغية التخلص من شخصية أدولف هتلر التي برزت في ألمانيا.

 لكن حدث عكس ما كانوا يتمنون، فقد أدى الانقلاب ومحاكمة هتلر اللاحقة إلى تحوله إلى شخصية وطنية بعد السجن، فخرج منه وعمل على إعادة بناء الحزب النازي واكتساب السلطة من خلال الأساليب السياسية القانونية.

الغرب يعاني من مشكلة خطيرة تتعلق بالأساس الفكري الذي أقام عليه حضارته، وهو معاداة الدين الحق ومنهج رب العالمين وصراطه المستقيم، ولاتزال تلك العداوة تنخر في جذوره الممتدة حتى أصبحت شجرته هزيلة ينخر فيها السوس، وتنتظر الصالحون ليسقطوها ويقيموا خير أمة أخرجت للناس.

 

أعلى