• - الموافق2024/11/05م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
في ذكرى انطلاقتها هل نجحت في المزاوجة بين الحكم والمقاومة؟

35 عاماً على انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والتي تزامنت مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987، مرت خلالها الحركة بالكثير من المحطات والمنعطفات، التي لعبت دوراً مهماً في تطور فكرها السياسي وطريقة تعاطيها مع المتغيرات الداخلية والخار


في 14 ديسمبر سنوياً، تحيي حماس ذكرى تأسيسها، بمهرجانات شعبية تستعرض فيها قوتها الجماهيرية، خاصة في قطاع غزة، الذي تتحكم بمقاليد الحكم والأوضاع فيه منذ سيطرتها عليه، عقب جولات من المواجهة المسلحة مع السلطة الفلسطينية وغريمتها حركة فتح في العام 2007، لتغيب بعدها كل مظاهر وآليات التداول السلمي للسلطة، وحل مكانها ما يصطلح على تسميته فلسطينياً بـ "الانقسام".. حماس في غزة، وفتح في الضفة الغربية.

حماس التي انطلقت كحركة بمرجعية إسلامية، رافعة شعار المقاومة كسبيل وحيد لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، لم تعد هي ذاتها تلك الحركة التي مركزها الرئيسي في قطاع غزة الصغير، حيث يقطن مؤسسوها الأوائل، فقد جرت في النهر مياه كثيرة منذ الانطلاقة الأولى للحركة، ومرت بها أحداث وتحديات كثيرة، لعبت دوراً كبيراً في تطور فكر الحركة، خاصة في الجانب السياسي.

 

 لم يكن أمام حماس سوى خوض مواجهات سواء صغرى أو كبرى وصلت حد حروب دامية مع دولة الكيان، بهدف كسر هذا الحصار، يبدو من صورة الواقع أنها لم تحقق أهدافها، فالحصار لا يزال قائماً منذ 15 عاماً

أحد أبرز ملامح هذا التطور كان قرار حماس بالمشاركة في الانتخابات البلدية عام 2005، ومن ثم القرار المفصلي بالمشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2006، والتي حازت فيها الحركة على أغلبية ساحقة من مقاعد المجلس التشريعي، وهو أحد إفرازات اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الكيان في العام 1993، وكانت حماس أبرز معارضيه، ورفضت بشكل قاطع المشاركة في أول انتخابات تشريعية في العام 1996، وأفرزت أول مجلس تشريعي، سيطرت عليه في حينه غريمتها حركة فتح.

منذ هذه المشاركة التي أدت إلى تشكيل حماس الحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية، وكانت حكومة خالصة بلون حزبي واحد، بعد فشل مباحثات الحركة مع فصائل وتكتلات وشخصيات وطنية رفضت جميعها المشاركة في هذه الحكومة، وجدت حماس نفسها أمام تحدي تطبيق الشعار الذي رفعته في الانتخابات: "يد تبني ويد تقاوم"، و"شعار "التغيير والإصلاح"، فلربما غاب عنها أن الطريق لن تكون سهلة معبدة أمامها، مع وجود دولة الكيان، وقوى دولية وإقليمية، لن تسمح لتجربة حكم إسلامية بالنجاح، فكانت أول هذه العقبات والتحديات "شروط اللجنة الرباعية الدولية"، التي رفضتها الحركة ولا تزال، والمتعلقة بالاعتراف بدولة الكيان، والقبول بالشرعية الدولية كأساس للحل السياسي للقضية الفلسطينية.

 

من الجانب الآخر هي الحركة الحاكم لغزة بكل أعباء الحكم، التي تفرض عليها تنازلات في جوانب تدفعها إلى قبول الاتصال غير المباشر مع دولة الكيان، لتحقيق مكاسب حياتية تخفف عن كاهل السكان، كما جرى قبل بضعة شهور في ملف العمال من غزة داخل الكيان

اصطدمت حماس منذ البداية، بعرقلة تمكينها من الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبمؤسسات ووزارات وأجهزة أمنية تسيطر عليها غريمتها حركة فتح، فقاد الخلاف إلى صدام مسلح بين الحركتين، أفضى إلى بسط حماس سيطرتها على القطاع الساحلي الصغير منذ منتصف العام 2007، وهي خطوة يبدو أن الحركة الإسلامية الناشئة في السياسة آنذاك لم تحسب حساباتها وأبعادها جيداً، فكان الحصار الإسرائيلي المشدد، الذي تسبب في تدهور الأوضاع المعيشية والإنسانية لنحو مليوني فلسطيني في القطاع، من دون إمكانيات لدى حماس لمعالجة قضايا الفقر والبطالة وغيرها من استحقاقات الحكم.

وبين الحين والآخر، لم يكن أمام حماس سوى خوض مواجهات سواء صغرى أو كبرى وصلت حد حروب دامية مع دولة الكيان، بهدف كسر هذا الحصار، يبدو من صورة الواقع أنها لم تحقق أهدافها، فالحصار لا يزال قائماً منذ 15 عاماً، وإن كانت الحركة حققت اختراقات محدودة في عدة ملفات مرتبطة بالحصار، عبر مفاوضات غير مباشرة مع دولة الكيان، برعاية دول عربية وغربية، انطلاقاً مما ذكرناه سابقاً بتطور فكرها السياسي في التعاطي مع مسائل الحكم وإدارة غزة.

ربما ينظر البعض إلى بعض ممارسات حماس على أنها تناقضات، فمن جانب فإن الحركة بجناحها العسكري المعروف باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام هي الفصيل المقاوم الأكبر والأكثر عدة وعتاداً، ومن الجانب الآخر هي الحركة الحاكم لغزة بكل أعباء الحكم، التي تفرض عليها تنازلات في جوانب تدفعها إلى قبول الاتصال غير المباشر مع دولة الكيان، لتحقيق مكاسب حياتية تخفف عن كاهل السكان، كما جرى قبل بضعة شهور في ملف العمال من غزة داخل الكيان، ومثلما آلت إليه مسيرات العودة باتفاق غير معلن، توقفت بموجبه المسيرات في مقابل تسهيلات مالية وإقتصادية.

 

الآن غرة لا تزال تئن تحت وطأة الحصار، ولا يزال الانقسام يعصف بالحالة الفلسطينية، وفشلت محاولات كثيرة للمصالحة الوطنية، ربما كان آخرها الاتفاق الذي رعته الجزائر، من دون أن تظهر له أي نتائج إيجابية على أرض الواقع.

وتأصيلاً لما عليه واقع حماس اليوم، فإن الأصل يعود إلى قرارها بالمشاركة السياسية، عندما اعتقدت الحركة أنه بإمكانها المزاوجة بين الحكم والمقاومة في آن، غير أن واقع الحال -وبنظرة مجردة وحيادية- يعكس أنها حققت نجاحاً لافتاً بعد بسط سيطرتها على غزة، إذ توفرت للمقاومة وسائل كثيرة كونها تدحرجت إلى النسق السياسي سهلت من تطورها العسكري، فخاضت أربع حروب كبيرة مع دولة الكيان، إضافة إلى جولات متكررة من التصعيد، وكانت هي رأس حربة المقاومة في هذه المواجهات، لكنها في المقابل، أخفقت في الجانب المتعلق بالحكم والبناء وتلبية احتياجات السكان، والسبب مزيج بين سوء الإدارة وما تتعرض له من تضييق وحصار.

وإزاء هذا الواقع، اجتهدت حماس في مواءمة سياساتها مع التحولات وموازيين القوى، حتى اندلعت انتفاضات الربيع العربي، واستفادت منها، فقد تم  وقتها الاتفاق على المصالحة والذي كان الأشمل من بين كل اتفاقات المصالحة السابقة، حيث نصّ على تشكيل إطار قيادي مؤقت لمنظمة التحرير بصلاحيات واسعة محددة، وبمشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، لكن مع  تراجع الأمور تم تجاهل هذا الاتفاق ورجعت الأمور إلى المربع الأول.

والآن غرة لا تزال تئن تحت وطأة الحصار، ولا يزال الانقسام يعصف بالحالة الفلسطينية، وفشلت محاولات كثيرة للمصالحة الوطنية، ربما كان آخرها الاتفاق الذي رعته الجزائر، من دون أن تظهر له أي نتائج إيجابية على أرض الواقع.

وإضافة إلى ذلك، فشلت الدعوة للانتخابات والاحتكام لصناديق الاقتراع من جديد، كسبيل لانهاء الانقسام، بعدما لجأ الرئيس محمود عباس إلى إرجائها لأجل غير مسمى، والسبب المعلن من طرفه رفض دولة الكيان تسهيل إجرائها في القدس المحتلة، وهو سبب كان محل ولا يزال محل جدل وخلاف بين حماس وأطراف كثيرة من جهة لم تقبله، وفي الجهة المقابلة حركة فتح وأطراف أخرى تدافع عنه.

المحصلة أن غزة واقعة حالياً بين احتمالين، وذلك على ضوء ما تحدث به رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة يحيى السنوار خلال مهرجان انطلاقتها، فإما مواجهة عسكرية بمعنى حرب خامسة مع الكيان، أو اتفاق تهدئة قد يمتد لسنوات، ويشمل صفقة تبادل للأسرى، ويضمن كسراً للحصار وانتعاشة للسكان في الجانب الإنساني والمعيشي، وبالتالي استمرار الانقسام الداخلي إلى حين.. أي الاحتمالين أقرب؟، هذا ما سيتضح مع ما يحمله العام الجديد من تطورات.

 

 

أعلى