• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
موقف مصري جديد في صراع شرق المتوسط

أعلنت مصر ترسيم حدودها البحرية المطلة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. فما تفسير هذا الموقف المفاجئ؟ هل له علاقة بملف المصالحة بين مصر وتركيا؟ ما انعكاس هذا الموقف على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين مصر وقبرص واليونان؟ وهل يتعارض معها؟


منذ أيام قليلة أعلنت مصر ترسيم حدودها البحرية المطلة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط في مرسوم جمهوري.

ونصت المادة الأولى من القرار الصادر عن رئاسة الجمهورية في مصر، على تحديد نقاط محددة موقعة على الخريطة في البحر المتوسط، سواء شرقًا بالقرب من الحدود الليبية، أو شمالاً باتجاه اليونان وقبرص وتركيا، أو غربًا باتجاه فلسطين.

فيما نصت المادة الثانية من القرار أن تعلن قوائم الإحداثيات الواردة بالمادة الأولى من هذا القرار وفقًا للقواعد المعمول بها في هذا الصدد، على أن يخطر بها الأمين العام للأمم المتحدة.

والملاحظ على الإعلان المصري المفاجئ أنه صادر عن طرف واحد أي بشكل أحادي، ولم يصدر بترتيبات مع الدول المجاورة لها شاطئيا، كما في اتفاقية الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، أو حتى بين مصر نفسها مع كل من اليونان وقبرص.

فما تفسير هذا الموقف المصري المفاجئ؟

هل له علاقة بملف المصالحة بين مصر وتركيا؟

ما انعكاس هذا الموقف على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين مصر وقبرص واليونان؟ وهل يتعارض معها؟

ما انعكاسات الخطوة الأحادية المصرية على علاقتها مع كل من طرفي الصراع في ليبيا؟ سواء حفتر في طبرق أو حكومة الدبيبة في طرابلس؟

هل القرار المصري له علاقة بما أعلنته شركة شيفرون الأمريكية منذ أيام قليلة عن اكتشاف حقل غاز جديد في البحر المتوسط أمام العريش، وتبلغ احتياطاته 3.5 تريليون قدم مكعب من الغاز؟

 

مصر تاريخيًا تنظر إلى ليبيا كامتداد جغرافي يؤثر على أمنها القومي، وبالذات في المنطقة الشرقية الليبية بدء من برقة وحتى بنغازي وخاصة أن الحدود بينهما طويلة، يبلغ طولها نحو ألف و50 كيلو مترًا من الشمال عند البحر المتوسط وحتى الحدود المصرية السودانية

مصر وتركيا والمصالحة البطيئة

منذ التغيير الذي حدث في مصر في منتصف يونيو 2013، وتتعقد العلاقات المصرية التركية، حيث اتهمت مصر تركيا بتقديم الدعم لمعارضي النظام، بينما وجهت تركيا انتقادات لاذعة الى طريقة الإطاحة بالنظام المصري السابق، ونتج عن ذلك أن أقدمت مصر في نوفمبر 2013 على طرد السفير التركي في القاهرة وخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع أنقرة، ما دفع الحكومة التركية إلى الرد بالمثل.

ومنذ ذلك التاريخ ما لبثت أن تدخل وسطاء كثيرون لتحسين العلاقة، أو الحيلولة على الأقل دون تدهور أكثر. والملاحظ أن محادثات المصالحة بين الطرفين، غالبًا ما يتدخل فيها أطراف وسيطة، سواء كانت دول أو مجموعات مصالح مثل رجال أعمال يرون في التبادل الاقتصادي بين البلدين يحقق مصالح كبيرة للدولتين ويجب عدم تدخل السياسة في الاقتصاد.

وقد لقى هذا المطلب ترحيبًا من حكومتي البلدين حيث ان كل من الاقتصاد المصري والتركي يعانيان من مشاكل مزمنة ولا ينقصه مقاطعات متبادلة.

ولكن السياسة لا تزال تؤثر في الاقتصاد فبعد حديث المصالح ازداد حجم التبادل التجاري، وبحسب بيانات مجلس المصدرين الأتراك، فإن الصادرات التركية إلى مصر وصلت إلى مستوى قياسي، ببلوغها 2.8 مليار دولار، خلال الأشهر الـ 8 الأولى من العام الجاري، وخلال الفترة المذكورة، حققت الصادرات التركية إلى مصر نمواً بنسبة 17%، مقارنة بالأشهر الـ 8 الأولى من العام الفائت، وبهذا ارتفعت حصة مصر في المبيعات الخارجية التركية إلى 1.7% من إجمالي الصادرات التركية.

أما الكفة الأخرى من الميزان التجاري، فقد أشارت بيانات التجارة الخارجية المصرية للعام الماضي حسب الجهاز المركزي للإحصاء إلى احتلال تركيا المركز الأول، بين دول العالم التي توجهت إليها الصادرات المصرية، وذلك للمرة الأولى في تاريخ العلاقات التجارية بين البلدين، بعد أن ظلت تركيا تحتل المركز الثالث خلال العامين السابقين، كما شغلت المركز الثاني عام 2018.

وبصفة عامة يمكن تلخيص العناصر التي سببت الصراع المصري التركي في ثلاثة عناصر رئيسة:

صراع المحاور في ليبيا – النزاع على مناطق الغاز في شرق المتوسط –انعدام الثقة بين النظامين في أنقرة والقاهرة.

ليبيا والصراع التركي المصري

مصر تاريخيًا تنظر إلى ليبيا كامتداد جغرافي يؤثر على أمنها القومي، وبالذات في المنطقة الشرقية الليبية بدء من برقة وحتى بنغازي وخاصة أن الحدود بينهما طويلة، يبلغ طولها نحو ألف و50 كيلو مترًا من الشمال عند البحر المتوسط وحتى الحدود المصرية السودانية، حيث يحتوي الجزء الساحلي الشمالي فقط من الحدود على مراكز سكانية كبيرة، مع مرور الغالبية العظمى من الحدود عبر المناطق النائية من الصحراء الكبرى، بما في ذلك بحر الرمال الأعظم والصحراء الليبية.

لذلك من مصلحة الأمن القومي المصري أن لا يناصب نظامها العداء، وتلك معضلة صاحبت الوضع الليبي بعد ثورة فبراير، ثم تطور الأمر مع الانقسام السياسي والذي نتج عنه، انقسام جغرافي بين طبرق التي يسيطر عليه الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وغرب ليبي يهيمن عليه حكومة وطنية معترف بها دوليًا بزعامة عبد الحميد الدبيبة.

ولقد أدى استعانة الدبيبة بتركيا عسكريًا أن توترت العلاقة بينه وبين مصر، فتأرجح الموقف المصري بين الاعتراف بها وبين رفضها.

ولكن في الآونة الأخيرة وبعد أجواء المصالحة مع التركية بدا الموقف الرسمي المصري مع حكومة الدبيبة أكثر انفتاحًا، خاصة أن الجانب المصري لطالما ينظر إلى حفتر بشكوك دائمة نتيجة ارتباطاته الخارجية التي يستقوى بها ويجعله غير منسجم في أحيان كثيرة مع السياسات المصرية.

 

سارعت الحكومة التركية إلى تقرير الأمر الواقع بعقد اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينها وبين ليبيا، بينما في المقابل تحركت اليونان تجاه مصر، فتم التوقيع على اتفاقية ثلاثية بين اليونان ومصر وقبرص، لترسيم الحدود البحرية بينهم وإهمال المطالب التركية.

النزاع على غاز شرق المتوسط

بدت قضية الغاز هي أكثر القضايا المتفجرة بين مصر وتركيا، تختلف نظرة كل دولة لحدودها البحرية.

وفي العشرين سنة الأخيرة، سارعت كل دولة مطلة على شرق المتوسط لتحديد حدودها البحرية والتي تستطيع استغلال ما داخل هذه الحدود من تلك الثروات المكتشفة، ولكن هناك قانون دولي للبحار يحدد القواعد التي يتم على أساسها رسم تلك الحدود ومن المفترض أن تتبعه الدول، وهنا تكمن مشكلة دولة مثل تركيا التي ترفض هذا القانون وتعتبر تلك القواعد مجحفة لها، وبالتالي رفضت التوقيع والموافقة على هذا القانون. 

ومنبع الخلاف على الحدود البحرية بين تركيا واليونان، هو الجرف القاري، فعندما يكون هذا الجرف التابع للدولة أكبر من حدودها البحرية والتي حددها القانون ب 200 ميل بحري، عندها فإن القانون البحار الدولي الثالث الصادر في عام 1982، يحدد مسافة الجرف القاري في هذه الحالة ب 350 ميلا بحريا.

وهذا ما ظهر في بحر إيجة الفاصل بين اليونان وتركيا، فقد رفضت تركيا التوقيع على قانون البحار الثالث بسبب جزر بحر إيجة الاثنا عشر، لأن هذه الجزر وفق هذا القانون ستعتبر امتدادا للجرف القاري اليوناني، ولهذا لا يحق لتركيا البحث عن الغاز فيه الا بموافقة يونانية، وبما أن تطبيق قانون البحار ينص على احترام كل الدول الموقعة لكل مواده، فلما كانت تركيا ليست موقعة، فلا يمكن تطبيق هذا القانون عليها، وهذا ما يقوله الحقوقيون الأتراك.

وعندما بدأت السفن التركية في التنقيب عن الغاز داخل هذه المياه، اعتبرتها اليونان تعديًا على مياهها وبالتالي سيادتها، بينما تقول تركيا وعلى لسان وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو إن الجزر البعيدة عن البر والقريبة من تركيا ليس لها جرف قاري، وصعدت أكثر من لهجتها على لسان نائب الرئيس التركي حين قال إن أنقرة ستمزق الخرائط التي رُسمت لسجننا داخل البر.

وسارعت الحكومة التركية إلى تقرير الأمر الواقع بعقد اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينها وبين ليبيا، بينما في المقابل تحركت اليونان تجاه مصر، فتم التوقيع على اتفاقية ثلاثية بين اليونان ومصر وقبرص، لترسيم الحدود البحرية بينهم وإهمال المطالب التركية.

ولكن الأمر لا يتعلق فقط بالتنافس على الغاز القابع في البحر، ولكن أيضًا بخطوط الإمداد.

ففي عام 2019، اتفقت حكومات أوروبية مع الكيان الصهيوني على المضي قدمًا في المشروع المعروف باسم (إيست-ميد) أو مشروع شرق المتوسط الذي تبلغ تكلفته نحو ستة مليارات دولار، ويمتد الخط من إسرائيل عبر المياه الإقليمية القبرصية مرورًا بجزيرة كريت اليونانية إلى البر اليوناني الرئيسي وصولاً لشبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا، ووقع وزراء الطاقة من الدول الثلاث على الاتفاق في أثينا بعدها بعام أي في سنة2020.

وقد جرت مشاورات بين الدول الثلاث وبين الحكومة المصرية، على أن يصبح غاز حقل ظُهر المصري -في نهاية المطاف- جزء من هذا الخط.

وبعدها دأبت الحكومة اليونانية على وصف مشروع (إيست-ميد) باستمرار على أنه حصن ضد استفزازات تركيا، حيث كان من المقرر أن يتم مد الأنبوب (إيست-ميد) عبر المنطقة البحرية شرقي كريت والتي ترى الاتفاقية الموقعة بين ليبيا وتركيا أنها تقع تحت السيطرة التركية.

ولكن جاءت الضربة الأمريكية للمشروع عندما أعلنت إدارة بايدن عن وقف دعهما للمشروع في بداية هذا العام، وقالت وسائل إعلام يونانية إن أمريكا ترى أن مشروع (إيست-ميد) مصدر رئيسي للتوتر ويزعزع استقرار المنطقة من خلال وضع تركيا ودول المنطقة في خلافات.

ومع توقف الحديث عن خط (إيست-ميد)، ظهر مشروع في الأفق يتحدث عن أنبوب ينقل الغاز الإسرائيلي والقبرصي واحتمال المصري عبر تركيا إلى أوروبا، ويرى تقرير صادر سنة 2021 عن لجنة من المتخصصين الإسرائيليين شكلتها حكومة الكيان الصهيوني تحت مظلة ثماني وزارات مَعنية بشأن الطاقة والغاز والاقتصاد، يرى أن مد أنبوب للغاز من إسرائيل إلى ميناء جيهان في مرسين جنوب تركيا لنقله بعد ذلك إلى أوروبا هو الاقتراح الأسهل والأقل كلفة، إذ إن كلفته تقدر بنحو 2.5 مليار دولار فقط.

كلمة السر .. أمريكا

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبحت الأولوية وعلى رأس أجندة إدارة بايدن هي انتهاز الفرصة لتحجيم الدور الروسي العالمي المتنامي.

جاء التحرك الأمريكي في شرق المتوسط على مستويين:

الأول إرضاء تركيا بإعلان تخلي الولايات المتحدة عن خط غاز (إيست-ميد) وسحب الدعم المالي والسياسي له، فالإدارة الأمريكية بحاجة ماسة إلى الأتراك الذين لهم دور مؤثر في الحرب الأوكرانية وجذبهم بعيدا عن الروس، وخاصة أن أردوغان يجيد اللعبة المزدوجة ليقتنص مكاسب من طرفي الصراع. 

أما المحور الثاني للاستراتيجية الأمريكية فهي دمج دول المنطقة جميعها، في مشروع خط الغاز الذي سينقل غاز المنطقة الى أوروبا عبر تركيا، لتعويض نقص إمداد الغاز الروسي إلى أوروبا.

ولعل زيارة الرئيس الأمريكي بايدن لشرم الشيخ ولقائه بالمصريين للضغط في هذا الاتجاه.

كما تحرك الخليج لدعم هذا التقارب، فتم إرسال مليار دولار وديعة لمصر، وخمسة مليارات أخرى لتركيا في أعقاب لقاء الرئيس التركي بنظيره المصري في الدوحة على هامش الاحتفال بافتتاح كأس العالم.

هذا اللقاء أزال العقبة الرئيسة في العلاقات المصرية والتركية، والتي كان أهمها لقاء الرئيسين الذي كان يرفضه الرئيس التركي وصرح به علانية منذ عام 2013، بعد أن تم منع المعارضين المصريين المتواجدين في تركيا من تناول أو نقد شخص الرئيس المصري.

ولكن السياسة المصرية حاولت أن تمسك العصا من منتصفها في جميع قضايا المنطقة بما يخدم أولويات استقرار نظامها السياسي وبقائه في الحكم.

ولذلك فإنه ينظر إلى القرار المصري بإصدار قرار ترسيم الحدود الأحادي، بأنه رغبة في أخذ موقف لا يبدو منحازًا إلى جانب اليونان التي تساندها بعض القوى الأوروبية، وفي نفس الوقت لا يثير حفيظتها بانحياز تام إلى الموقف التركي فهو لم يعقد معه اتفاقية مماثلة لما عقده الليبيون، وفي نفس الوقت يلبي بعض المطالب التركية فيما يتعلق بالغاز، حيث يبقي على مشاركة مصرية في خط الغاز الصهيوني التركي.

 

أعلى