• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
من

فجأة ومن دون مقدمات، أعلنت الشرطة الألمانية عن اعتقال أعضاء في منظمة "إرهابية يمينية"، وآخرون قدموا الدعم لهذه المنطقة التي تسمى "حركة مواطني الرايخ"؟، ما هي هذه المنظمة؟، وما هي أهدافها ومخططاتها؟، وهل تشكل خطراً حقيقياً على ألمانيا ودول أوروبية أخرى؟، و


تشير التحقيقات الأولية للادعاء العام الألماني إلى أن المنظمة كانت تخطط للاستيلاء على مبانٍ رسمية، من بينها البرلمان الألماني المعروف باسم "البوندستاغ"، وباستخدام العنف، وهو ما تم وصفه على المستوى الرسمي الألماني بـ "المخطط الانقلابي"، دبرته مجموعة من الشخصيات اليمينية المتطرفة ومن ضباط سابقين في الجيش الألماني.

والخطير في هذه المنظمة -وبحسب الاستخبارات الداخلية الألمانية- أن لدى أفرادها المهارات المناسبة المكتسبة من الوحدات العسكرية الألمانية، وبعضهم خدم في الجيش الألماني، وهم مغرمون بالأسلحة ولديهم ترسانة أسلحة قانونية وغير قانونية.

هذه المنظمة لا تعترف بالنظام السياسي الألماني القائم، ولا بالدولة الألمانية في صورتها الحالية، فيما تؤمن بالمقابل بالإمبراطورية الألمانية التي انهارت في الحرب العالمية الأولى، وتنظر باحترام إلى النازية التي انتهت في الحرب العالمية الثانية، وكان مخططها الانقلابي -بحسب التحقيقات الجارية حالياً- يقوم على شن هجمات تسعى لإحداث فوضى في عموم ألمانيا بهدف الاستيلاء على السلطة.

هذا المخطط الكبير، يطرح سؤالاً حول هوية حركة مواطني الرايخ وتاريخها وأفكارها:

حركة مواطن الرايخ أو كما يطلق عليها بالألمانية "رايخسبرغر" هي منظمة يمينية متطرفة، تعتبر نفسها امتداداً للدولة الألمانية عام 1871 وحتى انتهاء الحقبة النازية، ولا تؤمن بحدود الدولة الألمانية بشكلها الحالي، أو بحدود العام 1949، وإنما تؤمن بأن حدود ألمانيا هي تلك الحدود التي كانت قائمة في العام 1937 وتضم أجزاء من فرنسا وبولندا.

وتنظر هذه المنظمة المتشددة للدولة الألمانية بصورتها الحالية على أنها غير قانونية، ولا تعترف بمؤسساتها، ولذلك فأعضاء حركة مواطني الرايخ لا يحملون وثائق رسمية ألمانية، ولا يعترفون بالمحاكم الألمانية ولا يدفعون ضرائب أو غرامات، ولا يستجيبون للدعوات الموجهة لهم من قبل السلطات الألمانية.

 

في ظل حديث عن أن أعضاء من هذه المنظمة يقيمون في دول أوروبية أخرى، وليسوا جميعاً على الأراضي الألمانية، يجعل مخاطرها تتعدى الحدود الألمانية وتهدد دولاً أوروبية أخرى

وتشير بيانات صادرة عن جهات ألمانية مختلفة إلى أن أعداد منتسبي هذه المنظمة في تزايد مستمر، وفيما تشير بعض المصادر إلى أن العدد لا يزيد عن 20 ألفاً تؤكد مصادر أخرى أنها تتجاوز 100 ألف، وتشكل ولاية بافاريا في جنوب ألمانيا أكبر تجمعات هذه المنظمة ومن بعدها بادن فيتمبيرغ، ثم تأتي في المرتبة الثالثة ولاية شمال الراين.

مشكلة أعضاء هذه المنظمة ليس في العدد، وإنما في إيمانهم بضرورة التغيير بالقوة والعنف وباستخدام السلاح، انطلاقاً من عدم اعترافهم بالدولة الألمانية أو قوانينها، وهو ما يفسره إعلان الادعاء الألماني بأن المعتقلين من أعضاء حركة مواطني الرايخ أسسوا ذراعاً عسكرية تهدف إلى القضاء على ما وصفها بـ "دولة القانون الديمقراطية".

وتعود بدايات حركة مواطني الرايخ إلى العام 1980، ولكنها ظهرت بقوة في العام 2010، وبعد ثلاثة أعوام من هذا الظهور في العام 2013 نفذت أول أعمالها الإرهابية، وهدفها الرئيسي بناء دولة وفق رؤية خاصة، وهذه الأيديولوجيا تجد من يعتنقها ويؤمن بها، لا سيما أن طروحات هذه المنظمة تستهدف شرائح شبابية تحاول زرع مفهوم في أذهانهم أن ألمانيا الحالية نتاج هزيمة الحرب العالمية الثانية، ولذلك لا بد من استعادة الدولة الألمانية التي تأسست عام 1871.

وفضلاً عن إيمان هذه المنظمة بالتغيير عن طريق العنف واستخدام السلاح، فإن مخاطرها تزيد مع تخوفات بأن من بين أعضائها عسكريين، وهو ما أعلن عنه المتحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية أرني كولاتس بأن من بين المشتبه فيهم ثلاثة جنود على الأقل، أحدهم من قيادة القوات الخاصة، فضلاً عن شكوك قوية بدعم مسؤولين رسميين لتوجهات هذه المنظمة والإيمان بأفكارها وأهدافها.

وفي ظل حديث عن أن أعضاء من هذه المنظمة يقيمون في دول أوروبية أخرى، وليسوا جميعاً على الأراضي الألمانية، يجعل مخاطرها تتعدى الحدود الألمانية وتهدد دولاً أوروبية أخرى، كون هذه المنظمة ومن يرتبط بها تشكل تهديداً حقيقياً للدولة الحديثة في أوروبا، وتسقط مفهوم الدساتير الوطنية.

وفي ضوء هذه التطورات، هل تدفع ألمانيا ثمن إنشغالها بقضايا منافية للأخلاق والمعتقدات؟

رغم تجريم الدستور الألماني للنازية، إلا أن الحركات المتشددة كحركة مواطني الرايخ تجد لنفسها مظلة للنمو تحت ما يسمى الأحزاب اليمينية والأحزاب الشعبوية واليمين المتطرف، التي كانت الصيدلانية المصرية المسلمة مروة الشربيني أحد ضحاياه في العام 2009، عندما أقدم يميني متطرف على قتلها طعناً وبكل وحشية في قاعة المحكمة بمدينة دريسدن شرق ألمانيا، التي تنشط فيها حركة بيغيدا المعادية للإسلام.

في ذلك اليوم توجهت مروة إلى المحكمة للإدلاء بشهادتها عن دعوى رفعتها ضد شخص وصمها بإرهابية ومتطرفة إسلامية، فما كان منه إلا أن أقدم على طعن هذه المرأة المسلمة والمحجبة، والحامل، أمام زوجها وطفلها الصغير، لقد كان قتلاً بدوافع الكراهية للعرب والمسلمين، بحسب شهادة القاتل.

ما يربط هذه القصة بحركة مواطني الرايخ، أن القاتل ليس مجرد فرد، وإنما أفكار يؤمن بها غيره وتشكل خطراً حقيقياً على آخرين من أمثال مروة، ذنبها أنها مسلمة ومحجبة، وهو ما كان مع آخرين، بعضهم مسؤولون ألمان في مواقع مهمة فقدوا حياتهم لإيمانهم بحق التعايش واحترام الغير والمهاجرين، وقد فقدوا حياتهم جراء اعتداءات عليهم من أعضاء مرتبطين بحركة النازيين الجدد أو ما تعرف بـ "كومبات 18" التي تأسست في العام 2013.

 

حركة مواطن الرايخ أو كما يطلق عليها بالألمانية "رايخسبرغر" هي منظمة يمينية متطرفة، تعتبر نفسها امتداداً للدولة الألمانية عام 1871 وحتى انتهاء الحقبة النازية، ولا تؤمن بحدود الدولة الألمانية بشكلها الحالي

وما تشهده ألمانيا على مدار السنوات الماضية يشير بوضوح إلى تنامي صعود اليمين المتطرف، الأمر الذي دفع بوزير الداخلية الأسبق هورست زيهوفر إلى القول إن اليمين المتطرف أصبح خطراً حقيقياً بنفس درجة خطر مواطني الرايخ، وبحسب تقرير لهيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية في ألمانيا) صدر قبل ثلاثة أعوام، فإنه يوجد في ألمانيا 24100 يميني متطرف، تصفهم لديهم الاستعداد للقيام بأعمال عنف ضد اللاجئين والمسلمين في ألمانيا.

وقد تجسد هذا التطرف والميل نحو العنف في المجتمع الألماني بالتقدم الذي حققه حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي خلال الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2017، وخلال الانتخابات الأوروبية.

من جريمة إعدام مروة الشربيني الذي توصف بـ "شهيدة الحجاب"، مروراً بجرائم قتل واعتداءات كثيرة، وحتى مخطط حركة مواطني الرايخ، أحداث كثيرة تشي بمخاطر جمة تستدعي من الدولة الألمانية الانتباه لها ومجابهتها، وليس الانشغال بفتح جبهات عداء لا مبرر لها كما فعلت خلال مشاركة منتخبها لكرة القدم في بطولة كأس العالم المقامة حالياً في قطر، وبدلاً انتهاك وزيرة الداخلية نانسي فيزر للقوانين في دولة لها سيادتها، ينبغي عليها الالتفات لمسؤولياتها وحفظ أمن كل من يقيم على الأراضي الألمانية، ومحاربة التطرف والكراهية.

 

 

أعلى