• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الصين والهند.. وجه آخر لتصارع الأقطاب

نحن لا نتحدث عن مجرد نزاع حدودي بل عن تهديد قومي للهند سيكون له انعكاس كبير على نموها الاقتصادي وميزانيتها الدفاعية التي تنفق الصين أربعة أضعافها


في قمة مجموعة العشرين التي عُقدت مؤخراً في بالي بإندونيسيا، نهض رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ليصافح نظيره الصيني شي جين بينغ ويجري معه محادثة قصيرة هي الأولى منذ ثلاث سنوات، ورغم أن النقاش كان قصيراً وغلب عليه البرود من كلا الجانبين إلا أن مجلة فورين بوليسي تقول بأنه أيقظ أملاً بشأن تحقيق اختراق في ملف أزمة الحدود بين البلدين.

فقدت خسر كلا البلدين عشرات الجنود في مواجهات تجري بين فينة وأخرى في "لداخ"[1] منذ عام 2020، لكن التغييرات الهائلة التي يجريها جيش التحرير الشعبي الصيني على الحدود والتي من بينها دفع عشرات الآلاف من الجنود على الحدود مع الهند في تضاريس جبلية وعرة شمال جبال الهيمالايا تؤكد أن كلا الجانبين أبعد بكثير عن إيجاد مساحة للاتفاق.

 

تستثمر الصين بوجود عسكري طويل الأمد على الحدود بين البلدين من خلال إنشاء قواعد عسكرية ومد جسور وطرق تسرع الانتشار لوحداتها العسكرية وهو أمر زاد الخناق على الهند

فقد صرح قائد الجيش الهندي الجنرال، مانوج باندي مؤخراً أن الصين تعزز بنيتها التحتية العسكرية في المنطقة على طول الحدود. جرت بين الجانبين 16 جولة من المحادثات الحدودية بين كبار القادة العسكريين لكن لم يحدث أي تقدم خلالها بل إن الهند أصبحت أكثر قلقاً من فقدان قدرتها على المواجهة في حدودها مع الصين لا سيما مع اتساع الفجوة مع جارتها عسكرياً وتكنولوجياً واقتصاديا ودبلوماسياً، ويقوض تأثيرها في الحوار الرباعي الذي يشارك فيه الولايات المتحدة واليابان وأستراليا بالإضافة إلى استراتيجية العداء التي تتبناها تجاه باكستان أحد أهم الحلفاء بالنسبة للصين.

خلال الاجتماع الأخير الذي عقده الحزب الشيوعي الصيني تم التمديد للرئيس الصيني لفترة ثالثة في سابقة هي الأولى من نوعها، وقبل صعوده على المسرح لإلقاء كلمته، بث مقطع فيديو عن الاشتباكات التي قتل فيها أكثر من 20 جندياً هندياً خلال مواجهات مع الجيش الصيني في يونيو 2020ـ، كانت الرسالة من نشر هذا الفيديو هي التأكيد على الخطاب القومي الذي يتبناه الحزب في المواجهة مع الصين وإظهار شراسة الحزب في الدفاع عن الأراضي الصينية.

تستثمر الصين بوجود عسكري طويل الأمد على الحدود بين البلدين من خلال إنشاء قواعد عسكرية ومد جسور وطرق تسرع الانتشار لوحداتها العسكرية وهو أمر زاد الخناق على الهند، واضطرها لسحب الكثير من قواتها على الحدود مع باكستان ونقلها إلى لاداغ على الحدود مع الصين. وفقاً لما نقلته مجلة فورين بوليسي عن ضباط كبار في الجيش الهندي فإن الإمدادات الرئيسية على طول الحدود مع الصين التي تصل إلى 2500 كيلومتر تشكل مصدر قلق بالنسبة للهند. تفيد التقارير بأن أكثر من ثلاثة ألوية من الجيش الصيني تمت إضافتها للقوات المنتشرة على الحدود عقب اجتماع الحزب الشيوعي، فالصين تقول إن ولاية اروناتشال براديش بأكملها حيث ولد الدالاي لاما السادس كانت تاريخياً جزء من التبت، وهذا الأمر يعكس إلى أي مدى يمكن أن تتمسك الصين بموقفها العسكري اتجاه أزمتها مع الصين فقضية التبت أزمة دبلوماسية لا طالما استغلتها الكتلة الغربية ضد الصين.

 

لتجنب المزيد من الصدام امتنعت الهند عن التصويت ضد بكين بشأن قضية تركستان الشرقية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي

في عام 2017 جرت محادثات دبلوماسية بين نيودلهي وبكين بهدف حل المواجهة التي جرت بين قوات من البلدين في "بوتان" التي تقول الصين إنها أراضيها، لكن الصينيين تراجعوا مئات الأمتار وقاموا بإنشاء بنية تحتية عسكرية ضخمة في محيط المكان بما في ذلك مهابط للطائرات العمودية.

نحن لا نتحدث عن مجرد نزاع حدودي بل عن تهديد قومي للهند سيكون له انعكاس كبير على نموها الاقتصادي وميزانيتها الدفاعية التي تنفق الصين أربعة أضعافها، وسيؤثر سلباً على دورها مع شركائها الأربع في منطقة المحيط الهندي.

أظهرت الهند عجزاً كبيراً أمام الصين ولم تجرؤ على القيام بعمليات عسكرية للرد على الهجمات الصينية، فهي على يقين بحجم الفجوة بين الطرفين فقد وصلت التجارة الثنائية بين البلدين إلى مستويات قياسية حيث تعد الصين أكبر شريك تجاري للهند، وهذا الأمر انعكس جلياً على العلاقات الهندية الأمريكية التي تعتبر الهند بديلاً أكثر فاعلية من باكستان لذلك في تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية حذرت واشنطن بكين من التدخل في العلاقات مع نيودلهي.

ولتجنب المزيد من الصدام امتنعت الهند عن التصويت ضد بكين بشأن قضية تركستان الشرقية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي، وكان خطابها السياسي أكثر حذراً بشأن ملفي تايوان وهونغ كونج، ولا تزال الوفود الصينية تزور نيودلهي بانتظام وشاركت كتيبة من الجيش الهندي في مناورات عسكرية مشتركة مع الجيش الصيني في روسيا.

في حال استمر العجز الهندي أمام التوسع الصيني فإن نيودلهي تواجه خيارات جيوساسية صعبة تتعلق بعلاقتها العسكرية مع شركائها في الرباعية لا سيما وأن الجيش الهندي يعتمد بصورة كبيرة على المعدات العسكرية والذخيرة الروسية، وهذا الأمر يضيق الخيارات في المواجهة مع باكستان وهو تكتيك مفيد لرئيس الوزراء الهندوسي المتطرف نارندرا مودي وسياسة حزبه القائمة على تعزيز الخطاب الهندوسي الديني ضد المسلمين ووضع الهند ضمن دائرة القوى العظمى بدعم أمريكي واضح لتقليل مكاسب الصعود الصيني.  


 


[1]  "لداخ" هي ولاية هندية في إقليم جامو وكشمير على هضبة التبت القريبة من الصين.

أعلى