الأزمة الأوروبية وأثرها على (إسرائيل)
تمر مجموعة اليورو بأزمة اقتصادية حادة يزيد
من عمقها الديون المتراكمة على الدول الأعضاء فيها مثل اليونان وأخرى تتأرجح
باتجاه نفس المنحدر، يدور نقاش ساخن في (إسرائيل) حول الموضوع، وحول مواضيع أخرى
مثل " الربيع العربي" و الأزمة في سوريا.
ويطرح الجيش الإسرائيلي أيضاً مطالب للحكومة
بزيادة الميزانية، الأمر الذي تعارضه وزارة المالية الإسرائيلية، وفي مقالة نشرها
الخبير الإقتصادي الإسرائيلي آفي تال بيهب، يتساءل قائلاً، ما حجم العجز في دول
أوروبا وما هي المخاطر؟
ويتابع قائلاً: إن طور أزمة الديون في أوروبا
يضع الاقتصاد الإسرائيلي في وضع حساس، تأثيرات الأزمة على الاقتصاد الإسرائيلي
يمكن الشعور بها من خلال الانخفاض في حجم الصادرات، والعجز الأخذ في الازدياد في
واردات (إسرائيل) من الضرائب.
ويستكمل أيضا، أن الاحتجاجات الاجتماعية في
(إسرائيل) والتي تطالب بزيادة في ميزانية
التعليم والصحة والإسكان والمواصلات بمليارات الشواكل (الدولار يعادل 3.70 شيكل)،
والحكومة الإسرائيلية اتخذت قراراً برفع الضرائب، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه من
غير الواضح إذا ما كانت الأموال المطلوبة لتنفيذ نتائج لجنة ترختنبرغ متوفرة لها
أم لا، في ظل الأزمة العالمية والتباطؤ في الاقتصاد.
ويضيف الكاتب حصة الحكومة من كعكة مدخولات
الاقتصاد صحيح أنها ستزيد في السنوات القريبة، ولكن كل التوقعات تدل على أن الكعكة
نفسها صغيرة، إذا لم يكن كل ذلك كافياً، فإن التطورات الأخيرة في الدول العربية
وفي إيران يثيرون جدلاً ساخناً حول المسألة، هل هذا الوقت بالذات هو الوقت الصحيح
لخفض ميزانية الجيش بـ 3 مليار شيكل سنوياً، وفي وزارة الجيش، وفي الجيش
الإسرائيلي يبذلون جهوداً كبيرةً لإقناع الجمهور الإسرائيلي، ورئيس الحكومة
الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بضرورة زيادة 7 مليار شيكل لميزانية الجيش، وإلغاء
التقليصات المزمعة في إطار استنتاجات لجنة ترختنبرغ.
وكجزء من هذه الجهود اقترح وزير الجيش
الإسرائيلي إيهود باراك زيادة ميزانية "الدولة" بـ 8 مليار شيكل سنوياً لمدة
الخمس سنوات القادمة، باراك يعتقد أن خطوة كهذه سترفع العجز في الميزانية بنسبة من
(4 – 4.5 %)، ولكن برغم من أن الحديث يدور حول قرار موزون وصحيح، نظراً للتحديات
التي تواجهها "الدولة" في السنوات القادمة في المجال الأمني والاجتماعي،
وبحسب رؤية وزير الجيش أن المستثمرين يعاقبون الدول بشأن التصرفات المترددة وغير
الواقعية لحكوماتها وليس بشأن دين الناتج المرتفعة.
ويشير الكاتب إلى أن وزارة المالية تحاول
تصفية حسابات مع وزارة الجيش، وتريد التقليص من ميزانية وزارة الجيش، وفرض شفافية
على شعبة الميزانيات في وزارة الجيش، لذلك قرروا وضع الإدعاء بشأن قدرة الحكومة
الإسرائيلية على زيادة عجز الميزانيات، كموقف ضد ترتيبات موقف وزارة المالية.
جهودهم لم تكن عبثاً، حتى أنهم نجحوا في
التأثير على رأي بعض زعماء الاحتجاجات الاجتماعية الذين اختاروا إجراء المهرجان
الأخير تحت يافطة عملاقة "زيادة الميزانية"، ولكن موقف وزارة الجيش غير
مقبول على كل الجهات التي تتماشى مع الاحتجاج الاجتماعي، البروفسور "آفيا
سفيبك" الذي كان نائباً لمحافظ بنك "إسرائيل"، يعتقد أن الحل الذي
عرضه وزير الجيش للحاجات المالية الجديدة "لإسرائيل" ليس الحل الموصى به.
سفيباك يضيف:"إدعاء باراك الذي يقضي بأن
الحكومة يجب أن تحكم وأن تجد المال للأغراض الاجتماعية" هو إدعاء صحيح، وهو
أيضاً على حق بادعائه أن قوتنا هي القوة الوطنية، وأن هذه القوة مرتبطة أيضاً
بالتعليم وبالتضامن الاجتماعي، يجب حل جميع هذه المشاكل، ومن الواضح وجود مشاكل،
وإلا لما شاهدنا مئات الألوف من الناس في الشوارع، والسؤال هنا ما هو المصدر
المفضل للمال.
ويرى الكاتب أن المصدر المفضل لدى الحكومة
الإسرائيلية لجمع المال هو اللجوء لرفع قيمة الضرائب، في السنوات السابقة كانت
نسبة تخفيض الضرائب كبير في "إسرائيل"، ويمكن رفعها كمصدر لمتطلبات
الميزانية، زيادة العجز هي ليست حلاً ناجحاً، لأن العجز الأكبر هو حل مؤقت في حين
أن الإنفاق الحكومي يجب أن يرتفع بشكل دائم ومنتظم.
في الأسبوع الماضي مثُل وزير المالية
"يوفال شطانيتس" أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، وزعم
أن" الربيع العربي هو في الواقع سبب وجيه جداً لتقليص ميزانية الجيش"،
"كل الدول العربية التي حولتا قد ضعفت"، قال شطانيتس في النقاش الذي دار
حول ميزانية الجيش للسنة المقبلة.
وزير المالية أيضاً على حق، فمن المشكوك ما
إذا مقنعاً أن انهيار الحكم في مصر، والتي
كانت نعتبر أحد الأنظمة المستقرة في العالم العربي خلط الأوراق، ويكاد لا يوجد حتى
سيناريو واحد، بما في ذلك تحول أقوى وأكبر جارةٍ لنا إلى جمهورية إسلامية على
النمط الإيراني، لم ينظر إليها بجدية، وفي مثل هذه الأمور لا شك أن معظم صناع
القرارات فضلاً عن الجمهور في "إسرائيل" يعتقدون بأن التهديد على
"إسرائيل" ازداد في الأشهر الأخيرة.
بينما يرى أخرين في الحكومة الإسرائيلية أنه
يجب على الحكومة أن تحافظ على الانضباط المالي عندها حتى تتمكن من كسره عند الحاجة
الحقيقة، "ميخائيل شراك" يرى أن الوضع الأمني الفريد لـ"إسرائيل"
بالذات يلزمها بالحفاظ عادة -في الأوقات العادية- على علاقة بين "الدين
والناتج" بشكل صحي، حتى تسمح لها بالمرونة المطلوبة للتعاطي مع حالات الطوارئ
مثل الحرب، الأدبيات الاقتصادية تقول أنه إذا كان لديك مشكلة مؤقتة مثل الحرب أو
نفقات كبيرة مثل فك الارتباط أو الانخفاض الحاد في الدخل الذي تعتقد أنت والأسواق
أنها مؤقتة، عندها من الأفضل زيادة العجز، حتى لا يمول السكان كل النفقات.
وأضاف "شراك":"لكن اليوم ليس
هو الحال، ما تحدث عنه أيضاً وزير الجيش هو الخمس سنوات وليس لسنة واحدة، كذلك
المتطلبات الاجتماعية هي ليست لسنة معينة، وإنما تغيير في حجم الحكومة، وفي
الخدمات التي تقدمها، من الواضح أنهم يتكلمون هنا عن شيء دائم، أعتقد أن الأسواق
أيضاً تنظر إلى هذا الأمر من هذا القبيل".
وتابع قائلاً:"من غير الصحيح مقارنة (إسرائيل)
مع دول مثل أسبانيا وفرنسا اللتان تعانيان من أزمة ثقة مع المستثمرين، على الرغم
من أن وضع ديونهم مشابهة للوضع في إسرائيل، من المهم للغاية من أين ستبدأ، إذا كنت
تبدأ من عجز صفر مثلما كان لنا في العام 2000، أو في العام 2007 عندها يمكن زيادة
1% أو 2% حتى لخمس سنوات، المشكلة هي أننا لا تبدأ من عجز صفر، هناك من يقولون 3%،
وهناك من يقولون أكثر، أعتقد أن العجز في العام 2011 سيكون 3.5%، وفي العام 2012
سنبدأ بـ 4% وهذا ليس في ركود صعب بل حاد بل في نمو، في حالة كهذه لا تكون لنا
المرونة المطلوبة لزيادة العجز، لأن الأسواق تستجيب بسرعة كبيرة جداً" .
إيطاليا ربما هي الدولة التي شهدت وعانت أكثر
من دولة أخرى من قسوة المستثمرين، قبل 3 شهور بالضبط كان العائد على سندات الدين
في إيطاليا في العشر سنوات 5.15%، خلال شهرين ازدادت بـ 1% كاملاً، وبلغت في 1
نوفمبر 6.19%، وعندها خلال تسعة أيام قفزت إلى المستوى المقلق 7.24% ،والتي نتج
فيها قلق من الاستقرار الاقتصادي لإحدى الدول الأكثر تصنيفاً في العالم.
أصابع الاتهام موجهة على وجه الخصوص نحو
الحكومات التي تصرفت بعدم مسئولة، ووسعت عجزها حتى وصلت إلى النقطة التي فقدت فيها
ثقة المستثمرون بقدرة الحكومات على الوفاء بالتزاماتها، أحد الأبطال المأساويين
لأزمة الديون كان رئيس حكومة اليونان المستقيل جورج باباندريو.
في مقابلة مع المجلة الألمانية
"سبيجل" قال هذا الأسبوع باباندريو أن دولته بالفعل انهارت بسبب عدم
الانضباط المالي، ولكن السرعة التي يعاقب بها المستثمرون الدول التي تزيد من عجزها
لا تسمح لهذه الدول بتنفيذ سياسة طويلة الأجل المطلوبة لتشجيع النمو.
"أنا أوافق أن حقيقة العولمة بالفعل تؤدي
إلى رد فعل سريع جداً لكن لهذا أيضاً أفضلية " يقول ميخائيل شراك، "قدرة
الحكومة اليوم للرد هي محدودة حقيقة، ولكن هذا أيضاً يمارس عليها انضباط، وبالتالي
يكون من الصعب عليها أن تخطئ".
ويضيف:"بعد حرب يوم الغفران عندما تكشف
الوضع الغير المستقر للجيش الإسرائيلي، استخدمت الحكومة الإسرائيلية سياسة زياد
الإنفاق العسكري لضمان عدم وقوع كارثة من هذا القبيل مرة أخرى.. ، الأزمة
الاقتصادية العميقة التي غرقت بها (إسرائيل) في منتصف سنوات الثمانينات بسبب زيادة
الإنفاق على الأمن، خلق عجزاً عميقاً في الميزانية وديناً خارجي ضخماً، لم يكن ذلك
عشر سنوات، بل سنة واحدة لأن الأسواق كانت تتفاعل وتجبر الحكومة على تغيير الاتجاه
في وقت مبكر".
ويتابع قائلاً: "الأسواق تمنع الحكومات
من ارتكاب أخطاء مع مرور الوقت، والدليل على ذلك هو أن الدول التي تندمج جيداً في
السوق المالي تنجح أكثر من الدول التي لا تعتمد على توظيف الديون، قبل 40 سنة
سنغافورة وزمبابوي كانت متشابهتين، اليوم لا يمكن عقد المقارنة بين هاتين
الدولتين، أحد الأسباب لذلك هو تعلق سنغافورة بالأسواق الدولية"
مركز عكا للدراسات الإسرائيلية