• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
نتائج انتخابات التجديد النصفي الأمريكية.. دلالات وانعكاسات

تظهر نتيجة هذه الانتخابات أن الولايات المتحدة لا تزال منقسمة بالتساوي، فيما أصبحت الولاءات الحزبية متكلسة أكثر فأكثر، وهو ما يمهد الطريق لمزيد من عدم الاستقرار السياسي


مع تلاشي غبار الحملات الانتخابية، تأتي النتائج النهائية لانتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة بعد احتدام المنافسة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على مقاعد مجلسي الكونغرس، لتكشف عن صعوبة التنبؤ بشواغل واتجاهات الناخب الأمريكي، فالنتائج تشير إلى غياب الفوز الكاسح للجمهوريين مثلما كانت الاستطلاعات تشير إليه، حتى الآن بات من المؤكد أن الديمقراطيين لديهم السيطرة على مجلس الشيوخ، فيما لا يزال السباق على مجلس النواب بدون نتيجة حاسمة، وإن كانت التقديرات تشير إلى احتمالية وقوعه تحت سيطرة الحزب الجمهوري، فكيف يمكن قراءة هذه التطورات؟، وما هي دلالات وانعكاسات هذه النتائج داخليًا وخارجيًا؟، وماذا تأثيرها على المستقبل السياسي لبايدن وترامب؟

نتـائـج غير مُرضية للطرفين

تحدد نتائج انتخابات التجديد النصفي من ستكون له السيطرة على مجلسي الكونغرس خلال العامين المقبلين، إذ جرى التصويت على 35 مقعدًا من أصل 100 في مجلس الشيوخ، وجميع مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 435 مقعدًا، وتكتسب هذه الانتخابات أهميتها الكبيرة لأنها تُجرى بعد سنتين من انتخاب الرئيس، وهو ما يعني أنها تُعقَد بين اقتراعين رئاسيين، وإلى جانب انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب يجري أيضا انتخاب حكام 35 ولاية فضلاً عن انتخابات مناصب قيادية وتنفيذية على المستوى المحلي في معظم الولايات.

وفقًا للنتائج فإن الديمقراطيين يسيطرون الآن على 50 مقعدًا في مجلس الشيوخ، بينما يشغل الجمهوريون 49 مقعدًا، ويُنتَظر حسم المقعد المتبقي عن ولاية جورجيا بعد جولة إعادة خلال الشهر المقبل، وفي حال تقسيم مجلس الشيوخ بالتساوي بين الحزبين، فإن نائبة الرئيس كامالا هاريس سيكون لها الصوت المرجح، وبالتالي فإن ميزان القوى الآن بمجلس الشيوخ في صالح الديمقراطيين. أما في مجلس النواب، أشارت استطلاعات الرأي قبل الانتخابات إلى أنه من المرجح أن يتولى الجمهوريون زمام الأمور، وتم الإعلان (حتى لحظة كتابة هذا المقال) عن نتائج 415 من إجمالي 435 مقعد انتخابي، حصد الجمهوريون منها 212 مقعدًا فيما حصد الديمقراطيين 203 فقط، وبشكل عام فإن أداء الجمهوريين أفضل مما كان عليه في عام 2020، لكن يبقى أقل بكثير مما كان متوقعًا قبل بضعة أشهر.

عادةً ما تمثل هذه الانتخابات بالونة اختبار للأداء السياسي للحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، وتزداد أهميتها هذه المرة تحديدًا في ظل تزايد المخاوف حيال القضايا الداخلية ووضع الولايات المتحدة في الوقت الحالي، ويعتد بها كصورة مصغرة للانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024م والتي من المتوقع أن يكون السباق فيها محصورًا بين جو بايدن ودونالد ترامب، وتشير التقارير إلى أن كلا الطرفين يرى أن النتائج لم تكن مُرضية بالقدر الكافي الذي كان يطمح إليه، فأداء الديمقراطيين أشبه بنتيجة تصويت ضد التطرف الجمهوري أكثر من كونه تصويتًا بالثقة في حزب بايدن، وبالتالي فإن احتمالات فوز الرئيس الديمقراطي تعتمد على مزاجية الناخبين للتصويت ضد المنافس أكثر من كونها تصويتًا لصالح بايدن، أما بالنسبة لترامب فإن الانتخابات الأخيرة تُظهر حالة من اختلال حساباته، فإلى جانب خسارة كثيرين ممن دعمهم، هناك فوزان جمهوريان غير مرحب بهما بالنسبة له؛ لقد تمت إعادة انتخاب بريان كيمب، حاكم ولاية جورجيا، الذي تحدى ضغوط ترامب لإلغاء النتائج في الولاية في عام 2020م، وفاز رون ديسانتيس في فلوريدا، وهو الذي يُنظر إليه على أنه مرشح محتمل ومنافس قوي لترامب خلال الانتخابات التمهيدية المقبلة.

أداء مخيّب للآمال

تقليديًا، الحزب الذي يحتل البيت الأبيض يتعرض للخسارة في الانتخابات النصفية، هذا العام كان من المفترض أن يؤدي التضخم القياسي، ومعدلات الجريمة المرتفعة، وتدني شعبية الرئيس بايدن بسبب أدائه الاقتصادي الضعيف، إلى حدوث "موجة حمراء" ـ أو "تسونامي جمهوري" في أكثر التوقعات تفاؤلاً ـ من شأنها أن تمنح الجمهوريين السيطرة الكاملة على مجلسي الشيوخ والنواب، لكن الآمال العريضة سرعان ما تحولت إلى خيبة أمل كبيرة، فشل الجمهوريون في تحقيق موجتهم الحمراء رغم كونهم في طريقهم الآن للسيطرة على مجلس النواب بأغلبية ضئيلة، هذه الانتكاسة الجمهورية أشعلت الاتهامات المتبادلة داخل صفوف الحزب، حيث ألقى منتقدو الرئيس السابق دونالد ترامب باللوم عليه، معتبرين أنه كان سببًا في الأداء السيء لبعض المرشحين الجمهوريين، فبالرغم من أن ترامب أيّد أكثر من 300 مرشح في مختلف أنحاء البلاد وقام بحملة للعديد منهم، إلا أن الأحداث التي حضرها ركزت بشكل واضح على شخص ترامب بدلاً من المرشح ذاته، يرى بعض الجمهوريون أن وجود ترامب كان بمثابة دافع واستفزاز لكثير من الديمقراطيين والمستقلين للنزول إلى التصويت، ليس حبًا في المرشح الديمقراطي، وإنما عقابًا للمرشح الجمهوري الذي يحظى بتأييد الرئيس السابق.

كانت هوامش الجمهوريين للفوز ضيقة، وحتى عندما كانت جميع الظروف تساندهم كان أداء المرشحين ضعيفًا، وكانت الانتكاسة الكبرى هي خسارة عدد من المرشحين الجمهوريين التابعين لترامب وكذلك المعارضين لحقوق الإجهاض في الدوائر ذات الميول الجمهورية، لقد دعم ترامب المرشحين الجمهوريين الذين رددوا مزاعمه حول تزوير الانتخابات الرئاسية في 2020، وهاجم المرشحين الذين لم يفعلوا ذلك، وكانت النتيجة أن الناخبين لم يصوتوا لمعظم المرشحين المرددين لأكاذيب ترامب باعتبارهم متطرفين، هذه الخسارة دفعت العديد من المحافظين إلى انتقاد الرئيس السابق علنًا لأول مرة، إذ أن أداء الحزب بقيادة ترامب كان سيئًا في ثلاثة انتخابات متتالية بالرغم من أن المؤشرات والاستطلاعات كانت تشير في كل مرة إلى موجة حمراء كاسحة، لقد بات بإمكان الجمهوريين الآن أن يقولوا بصوت عالٍ ما كان يُهمَس به سرًا؛ ترامب شخصية سامة ويشكل تهديدًا لمستقبل الحزب الجمهوري، صحيح أن الوفاق الحزبي داخل الحزب الجمهوري صعب ومن المستحيل أن يتم إزالة ترامب من المشهد السياسي بين ليلة وضحاها، لكن على الأقل بات من الواضح الآن أن الرئيس الذي يصرّ على أنه الفائز الشرعي في انتخابات الرئاسة 2020 وأن الانتخابات تعرضت للغش والتزوير، ليس جديرًا بالثقة التامة وليس مضمون فوزه في انتخابات 2024.

وعملاً بمبدأ "ما لا يُدرك كله، لا يُترك كله"، سيبدأ الجمهوريون في مجلس النواب المقبل على تجميد قائمة الرغبات التشريعية والأولويات السياسية لإدارة الرئيس بايدن، إذ بات بإمكانهم الآن عرقلة المبادرات الديموقراطية والدفع من خلال مبادراتهم الخاصة، من غير المرجح أن يعملوا على إيجاد أرضية مشتركة لدعم المواقف، وبدلاً من ذلك سيتمترسون من أجل معارضة الديمقراطيين والبيت الأبيض، بعض أعضاء مجلس النواب الجمهوريين قالوا علنًا إنهم سيعملون على إضعاف إدارة بايدن، ووعدوا بالفعل بعزله انتقامًا من محاولة ديمقراطية سابقة لعزل ترامب، على الرغم من أنهم لم يفصحوا بعد عن الأسباب التي سيبنون عليها دوافع العزل، لكن أغلبية الديمقراطيين بمجلس الشيوخ وحق النقض للرئيس بايدن سيكونان الورقة الرابحة للحزب الديمقراطي في وجه الجمهوريين.

فـوز خجـول

بشكل عام، كانت النتائج حافزًا لمعنويات الديمقراطيين، وعلى الرغم من الظهور المنخفض نسبيًا لبايدن خلال هذه الانتخابات، إلا أنه نجح في تعزيز موقعه في حزبه، بالرغم من أن أحد استطلاعات الرأي أظهر مؤخرًا أن 30٪ فقط من الناخبين الديمقراطيين يؤيدون ترشح بايدن مرة أخرى، في حين يرفض ذلك 67٪، ربما تأتي دوافع بايدن لإعادة ترشيحه من كون هذه النتائج هي أفضل أداء في انتخابات التجديد النصفي للحزب الذي ينتمي إليه الرئيس منذ 20 عامًا، لكن لغة الأرقام والمقارنات وحدها لا تكفي، فالفوز الخجول للديمقراطيين في مجلس الشيوخ سيمكنهم من الاحتفاظ بالسيطرة على اللجان والأجندة التشريعية، بما في ذلك تغيير التعيينات التنفيذية والقضائية للرئيس جو بايدن، لكن أغلبيتهم ستظل أقل بكثير من تصويت الثلثين الذي تتطلبه أنواع كثيرة من مشاريع قوانين مجلس الشيوخ حتى يتم تمريرها.

أظهرت نتائج هذه الانتخابات أن الديمقراطيين أحسنوا استغلال خوف المواطن الأمريكي من قيام دونالد ترامب والمرشحين ذوي التفكير المماثل بتقويض الأنظمة الديمقراطية بشكل أكبر، وفي الغالب فإن ثمة العديد من الأصوات ما كانت لتُلقى في صناديق الاقتراع سوى لمنع منكري نزاهة الانتخابات والعنصريين والمتطرفين اليمينيين من الوصول إلى مناصب قيادية، لكن وجود الجمهوريين في مجلس النواب سيقلص سلطة جو بايدن وسيتم عرقلة جهوده في كل منعطف، وحتى في القضايا التي يوجد فيها تعاون من الحزبين على الصعيد الدولي قد يجد أصوات معارضة لسياسته لا لشيء سوى المعارضة، وقد يكون دعم أوكرانيا قضية رئيسية مرة أخرى في مثل هذا السيناريو.

مستقبل مرتقب

تظهر نتيجة هذه الانتخابات أن الولايات المتحدة لا تزال منقسمة بالتساوي، فيما أصبحت الولاءات الحزبية متكلسة أكثر فأكثر، ومع اقتراب النتائج بشكل لا يصدق لن يكون لدى أي من الجانبين تفويض واضح بالحكم، مما يمهد الطريق لمزيد من عدم الاستقرار والاضطرابات، يقول مراقبو السياسة الأمريكية إن المخاوف بشأن الديمقراطية الأمريكية وقدرة البلاد على حكم نفسها باتت قوية ولها تداعيات عالمية، هذه الانتخابات ترسم صلة أقوى بين عدم الرضا العام في الداخل الأمريكي وأهداف سياسة واشنطن في الخارج، التفاوتات الظاهرة بين الحزبين لن تنتهي أبدًا، صحيح أن هناك شبه اتفاق بين الحزبين تجاه عدد من القضايا الجيوسياسية الكبرى، مثل دعم أوكرانيا، ومواجهة الصين وروسيا، وتعزيز التصنيع المحلي للمنتجات عالية التقنية، لكن سيبقى الخلاف بينهما موجودًا حول كيفية القيام بذلك، يُضاف إلى ذلك المخاوف من قيام موسكو بالتأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية، فهذه المرة تباهت روسيا علانية بهذا التدخل.

شكلت الانتخابات الأخيرة أيضا يومًا سيئًا لمنظمي استطلاعات الرأي والمحللين السياسيين، حيث توقع معظمهم فوز الجمهوريون، معتمدين في ذلك على الظروف الاقتصادية السيئة والأداء المتذبذب للرئيس بايدن كأدلة على حدوث "موجة حمراء"، لكنهم قللوا من أهمية الدافع الرئيسي بين الديمقراطيين للوصول إلى صناديق الاقتراع وهي الشرارة التي أحدثها قرار المحكمة العليا في الصيف الماضي لإلغاء حقوق الإجهاض، المفارقة هنا هي أن المحكمة العليا التي يهيمن عليها المحافظون هي من أعطت للديمقراطيين قبلة حياة سياسية مكنتهم من البقاء في حلبة السباق، لذا على الديمقراطيين من الآن وحتى 2024 أن يحسنوا استغلال هذه الفرصة وأن يبدأوا في معالجة المخاوف الاقتصادية للشعب الأمريكي، لا سيما أزمة البطالة وارتفاع أسعار الوقود وتضخم أسعار سوق الإسكان، ليس هذا فحسب فالعديد من الأمريكيين أيضا قلقون بشأن حالة الديمقراطية في بلدهم، ولعل إقبال الناخبين المرتفع يأتي كرد فعل لقطع الطريق على فوز المرشحين المتعصبين، وهناك أيضا من صوّت للديمقراطيين من أجل اتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ وهي مسألة يسخر منه جميع الجمهوريين تقريبًا في هذا البلد الصناعي الكبير.

بشكل عام من المرجح أن يشهد العامان المقبلان في السياسة الأمريكية معارك طاحنة بين الهيئة التشريعية والتنفيذية، بالنسبة لبايدن قد يعني ذلك الانزواء في مساحة محدودة، ولن يكون لديه المساحة الكافية من المناورة بشأن القضايا الداخلية أو العالمية، ليس هناك شك في أن بايدن يستعد لانتخابات 2024 ومن الواضح أن النجاح النسبي الأخير للديمقراطيين سيدفع الرئيس المقبل على بلوغ الثمانين من عمره لترشيح نفسه لإعادة انتخابه، وإلى ان تأتي تلك الانتخابات هناك فرصة مناسبة للديمقراطيين لأخذ نفس عميق والاستعداد لمعركتهم المقبلة، فيما سيحلل الجمهوريون مآلات خيبتهم ويجهزون أنفسهم لـ "موجة حمراء جديدة" لعلها تكون كاسحة.

أعلى