• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مأزق بوتين

كتب موقع إذاعة دويتشلاندفونك الألمانية: اليوم يحارب الجيش الأوكراني بمنطق مختلف، فهو يستكشف نقاط الضعف في تشكيلات العدو ويستخدمها بشكل انتقائي وذكاء بمساعدة المدفعية المتفوقة تقنيًا من الغرب


هل يمكن وصف ما يحدث الآن في حرب أوكرانيا بأنه هزيمة روسية على وشك الحدوث؟ أم هو تراجع مؤقت وما يلبث أن يلم الدب الروسي شعثه، ويعود ويسترجع خسائره، فهو مجرد فصل من لعبة كر وفر لحرب ستكون طويلة الأمد، وسيكون بالتالي من السابق لأوانه التكهن اليوم بمآلاتها النهائية.

أم ان ما جرى تحوٌل استراتيجي سيُغير مجرى الحرب ويرسم بالتالي شبح الهزيمة أمام بوتين؟ أم أن الأمر لا يتعدى أن يكون مزاعم غربية في حرب شائعات أطلقت على روسيا بدوافع معروفة تتعلق بتحجيم الدب الروسي، وتهذيب أجنحته أثناء تحليقه في أجواء النظام الدولي؟ فما حقيقة الوضع العسكري على الجبهة الأوكرانية الروسية؟ وما تطورات المعارك هناك؟ لعل ما يحدث على الأرض، وقراءة البيانات الصادرة عن كل من طرفي القتال يوضح لنا ما جرى بالفعل.

 

 إعلان التعبئة العامة الإجبارية الجزئية، وهو قرار لا مثيل له في روسيا منذ الحرب العالمية الثانية، ففي خطاب متلفز ونادر للشعب الروسي، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية، واصفًا القرار بالضروري لحماية الشعب

فالمصادر الغربية تتحدث عن أن الهجوم الأوكراني المضاد قد تمكن من استعادة مساحة هائلة في ظرف أيام، وقد بدأت تلك المسيرة باستعادة بلدة بالاكليا الواقعة في منطقة خاركيف (شمال شرق)، وبالرغم من كونها مجرد بلدة صغيرة، ولكنها كانت أول بلدة استعادها الجيش الأوكراني منذ انسحاب القوات الروسية من وسط البلاد، وتم تسجيل اسمها كنقطة تحول في مجرى هذه الحرب، وما لبث أن توالت البلدات الأوكرانية والتي استعادتها تلك القوات.

وقد كتب موقع إذاعة دويتشلاندفونك الألمانية: اليوم يحارب الجيش الأوكراني بمنطق مختلف، فهو يستكشف نقاط الضعف في تشكيلات العدو ويستخدمها بشكل انتقائي وذكاء بمساعدة المدفعية المتفوقة تقنيًا من الغرب.

بينما يؤكد الرئيس الأوكراني زيلينسكي أن القوات الأوكرانية حققت تقدمًا جنوبي البلاد، واستعادت السيطرة على بلدات شمال شرق خيرسون، موجهًا الشكر لمقاتلي مسقط رأسه في مدينة كريفي ريه الذين أحرزوا تقدما بالمنطقة.

أما بالنسبة للشرق في إقليم دونباس، فأعلن زيلينسكي أن قوات بلاده قد سيطرت بالكامل على بلدة ليمان، وقال: إن مزيدًا من الأعلام الأوكرانية سترفرف في إقليم دونباس في غضون أسبوع.

أما الدلائل من قبل روسيا على التراجع العسكري، فهناك اعتراف مباشر، وهناك تصرفات غير مباشرة.

أما الاعتراف المباشر فهو يأتي أحيانًا على استحياء، ففي الثالث من أكتوبر الحالي أعلنت وزارة الدفاع الروسية في أحد بياناتها، أن القوات الأوكرانية قد اخترقت دفاعاتها على محوري زولوتايا بالكا وألكسندروفكا في الجنوب الأوكراني باتجاه خيرسون، الأمر الذي يهدد خطوط الإمداد لحوالي 25 ألف جندي من القوات الروسية على الضفة الغربية لنهر دنيبرو.

وأرجع بيان وزارة الدفاع الروسية تقدم الجيش الأوكراني إلى التفوق العددي في وحدات الدبابات لدى أوكرانيا.

وقد أقر فلاديمير سالدو حاكم منطقة خيرسون المعين من قبل موسكو، أن القوات الأوكرانية حققت بعض النجاحات في المنطقة وسيطرت على بعض التجمعات السكنية.

وأضاف سالدو في تصريحات للتلفزيون الروسي الرسمي قائلاً المعلومات التي نتلقاها تثير التوتر، دعونا نصفها على هذا النحو؛ لأن هناك نجاحات حدثت بالفعل.

وتابع قائلاً: حيث يقع خزان كاخوفكا، ويوجد تجمع سكني يسمى دودتشاني، في هذه المنطقة يوجد اختراق وهناك تجمعات سكنية استولت عليها القوات الأوكرانية.

أما في شرق أوكرانيا فقد اعترف أندريه ماروتشكو المتحدث باسم الانفصاليين التابعين لروسيا في مقاطعة لوغانسك، أن القوات الأوكرانية اجتازت الحدود الإدارية لمقاطعة لوغانسك في محور ليسيتشانسك.

 

فيقول فلاديمير سولوفيوف أحد أبرز مقدمي البرامج في التلفزيون الرسمي: لفترة محددة من الزمن، لن تكون الأمور سهلة بالنسبة لنا. لا ينبغي أن نتوقع أخبارًا جيدة في الوقت الحالي

وبالنسبة للإجراءات غير المباشرة الصادرة من الروس والتي يمكن الاستنتاج منها ما يجري على الأرض، نجد أن هناك مؤشرات ودلائل عديدة على التراجع العسكري الروسي منها:

إعلان التعبئة العامة الإجبارية الجزئية، وهو قرار لا مثيل له في روسيا منذ الحرب العالمية الثانية، ففي خطاب متلفز ونادر للشعب الروسي، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية، واصفًا القرار بالضروري لحماية الشعب من الحرب التي يشنها الغرب بشكل جماعي.

ولكن الخبراء العسكريين يؤكدون أن إعلان أي جيش التعبئة العامة، معناه أن هذا الجيش يتعرض لخسائر ضخمة.

ومما يعزز فرضية أن إعلان التعبئة يهدف إلى تقوية الجبهة الروسية بعد الهزائم أمام الجيش الاوكراني، هو سماح السلطات الروسية قبل إعلان التعبئة للشركات العسكرية الخاصة وأشهرها فاغنر، بتجنيد مقاتلين من صفوف المسجونين خصوصاً إذا علمنا أن التجنيد لا يستثني المحكومين بالأحكام المشددة من المجرمين القتلة والمغتصبين وغيرهم، بل يمتد إلى المحكوم عليهم بجرائم أخف، ومقابل مشاركتهم يحظى هؤلاء بفرصة للحصول على العفو في حال نجوا من الموت.

ولكن بحسب الصحافي الاستقصائي والمدير التنفيذي لمنصة بيلينغكات الروسية خريستو غروزيف، فإن من بين مجموعات المساجين التي تمكنت بيلينغكات من متابعة تجنيدها من السجون فإن الأغلبية الساحقة من تلك الأعداد أي أكثر من 90 في المئة يلقون حتفهم في المعارك.

وعند التأمل في سماح الحكومة الروسية لشركة عسكرية خاصة أن تجند المساجين وتعدهم بعفو في تخط كامل للإجراءات القضائية المتبعة، فإنه يمكننا عن طريق ذلك بسهولة استنتاج أن حجم الخسائر في الجيش الروسي يفوق بأضعاف ما أعلنه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قبل أيام قليلة من إعلان التعبئة، حيث ذكر أن خسائر الجيش الروسي بلغت ما يقارب 6000 عسكري، ويعزز ما تقوله الاستخبارات الغربية التي تذكر أن عدد قتلى الجنود الروس لا يقل عن 50 ألف عسكري، وإلا ما الداعي لكل هذا التجنيد، خاصة أن الكلام الآن عن تجنيد 300 ألف فرد إضافي.

وهناك مؤشر آخر على التراجع العسكري الروسي، وهو تكثيف الرد الروسي بضربات صاروخية بعيدة المدى، استهدفت بشكل خاص البنية التحتية في أوكرانيا، وكذلك ما تعرضت له العاصمة كييف من قصف عشوائي للمناطق المدنية، وهذا على ما يبدو محاولة من جانب الروس لإثبات أن مقدرتهم على الرد لازالت كبيرة، بالرغم من أن هذا الرد يتم توجيهه إلى المناطق غير العسكرية.

كذلك من الدلائل الغير مباشرة، الإقالات الأخيرة في الجيش الروسي والتي طالت قيادات كبيرة ميدانية في أوكرانيا، فقد أفادت شبكة آر بي سي الإخبارية الروسية بإقالة الجنرال رومان بردنيكوف والذي أقيل من قيادة المنطقة العسكرية الغربية المتاخمة لأوكرانيا، وحل محله العقيد ألكسندر زورافليوف.

ومن الإشارات غير المباشرة، نبرة وسائل الإعلام الروسية والتي بدأت توحي بالانتكاسات، فيقول فلاديمير سولوفيوف أحد أبرز مقدمي البرامج في التلفزيون الرسمي: لفترة محددة من الزمن، لن تكون الأمور سهلة بالنسبة لنا. لا ينبغي أن نتوقع أخبارًا جيدة في الوقت الحالي.

ومن الإشارات التي تدل على الإخفاق، هو سياسة الهروب إلى الإمام، وإعلان ضم مناطق أوكرانيا المحتلة إلى روسيا رسميًا، فقد صادق مجلس الدوما الروسي عقب التقدم الأوكراني جنوبًا في خيرسون وشرقا في دونباس، على اتفاقيات انضمام ما أطلق عليهما جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، ومقاطعتي خيرسون وزاباروجيا إلى الاتحاد الروسي.

وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن هذه المناطق ستكون الآن تحت الحماية الخاصة، فسكان المناطق الأربع قد حددوا مصيرهم بأيديهم وطلبوا الانضمام لروسيا على حد قوله.

تأثير التراجع الروسي

لا شك أن التراجع الروسي في الأسابيع الأخيرة، والذي ستتزايد وتيرته الأيام القادمة سيلقي بظلاله على التمدد الاستراتيجي الروسي في العالم.

وسنشهد إعادة تموضع وربما سحب لقوات، إن لم يكن بدأ بالفعل كما أشارت إلى ذلك بعض المصادر الصحفية غير المؤكدة، في مناطق التدخل الروسي العسكري المباشر سواء في سوريا وليبيا وأفريقيا، أو في مناطق هيمنتها في جنوب القوقاز كأذربيجان، أو على حدودها الجنوبية في قيرغزيا وباقي جمهوريات آسيا الوسطى.

وهذا يعني أن فصلاً جديدًا في هذه الدول سوف يتم كتابته، فإما يقوم أبناء المناطق السابقة مستغلين التراجع الروسي بأخذ زمام المبادرة واستعادة أوطانهم وقرارهم السياسي المستقل، أو سيكونون مطمعًا لقوى دولية أخرى تكون بمثابة إنتاج فصل آخر من التبعية.

أعلى