هل ستستطيع عرين الأسود الصمود، بعيدًا عن احتواء السلطة، وبالتالي تغيير معادلة الصراع في الضفة؟
وهل ستتطور مقاومتها إلى انتفاضة جديدة؟
"والله ما أردنا علوًا في الدنيا وما أردنا إلا أن نذود عن ديننا ودينكم وعن
كرامتنا وكرامتكم"
هذا جزء من بيان مجموعة عرين الأسود وهي تطلب من أهل الضفة نصرة مدينة نابلس كبرى
مدن الضفة الغربية.
وترتج مدن الضفة على أصوات التكبيرات تنطلق في السماء من شباب وشيوخ ونساء بعد
منتصف الليل بقليل ... كصيحات نذير ووعيد للصهاينة مبشرة لهم بأن دولتهم إلى زوال
طال الوقت أو قصر.
لقد استجابت مدن الضفة لبيان
عرين
الأسود الذي دعا الأهالي للتكبير، وحث من لديه سلاح أن يكون على أتم الجاهزية
لمواجهة الاحتلال.
وفي نفس الوقت تتعالى هتافات شباب نابلس: "يا مصعب يا بن اشتية.. كلنا رجالك يا
خيي".
فمصعب اشتية يعرف بأنه قائد مجموعة
عرين
الأسود وهو مختطف لدى أجهزة السلطة التابعة لعباس بأوامر صهيونية.
ولكن ما الذي دفع الفلسطينيين لهذا التصعيد؟
لليوم الثامن على التوالي تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي حصار مدينة نابلس شمال
الضفة الغربية وهي أكبر مدنها حيث يقطنها أكثر من 425 ألف فلسطيني، وسط تهديدات
متصاعدة لاقتحام المدينة للقضاء على مجموعة
عرين
الأسود، وهي مجموعة شبابية تشكلت من كل الفصائل الفلسطينية لمقاومة الاحتلال، بعد
يوم من تنفيذ المجموعة عملية إطلاق نار قتل فيها جندي إسرائيلي قرب مستوطنة شافي
شمرون المقامة على أراضي شمال غرب نابلس.
وبالتزامن مع حصار نابلس فرضت قوات الاحتلال حصارًا على مخيم شعفاط في القدس
المحتلة وأحياء وبلدات مقدسية أبرزها بلدة عناتا، بعد مقتل مجندة وإصابة عنصري أمن
بإطلاق نار استهدف حاجزًا عسكريًّا على مدخل المخيم.
ويعد شعفاط المخيم الوحيد للاجئين في القدس المحتلة ويعتبر واحدًا من التجمعات
الأكثر اكتظاظًا بالسكان في المدينة، وتقول الشرطة الإسرائيلية إن مطلق النار ما
زال في المخيم وإنها تقوم بعمليات بحث واسعة عنه.
|
بحسب مركز المعلومات الفلسطيني تشهد الضفة الغربية ارتفاعًا ملحوظًا في
أعمال المقاومة الفلسطينية بجميع أشكالها، فخلال شهر سبتمبر الماضي شهدت
الضفة المحتلة 833 عملاً مقاومًا |
ويؤكّد السكان المقدسيون أنّ حصار المنطقة التي يقطنها نحو 130 ألف فلسطيني، ومنعهم
من الدخول أو الخروج منها هو بمثابة عقاب جماعي.
ويبقى السؤال ما حقيقة تلك المجموعات المقاومة الفلسطينية الجديدة؟ وهل تستطيع حقًا
مواجهة الاحتلال وتغيير معادلة الصراع؟
المأزق الصهيوني في فلسطين
في عام 1948 كللت الحركة الصهيونية كفاح وحلم روادها الأوائل، بإقامة وطن قومي
لليهود في فلسطين.
استثمرت تلك الحركة ثلاثة متغيرات لصالحها:
1.
المفارقات الإقليمية والدولية (هزيمة النازية وتراجع بريطانيا وصعود الولايات
المتحدة وضعف الطرف العربي).
2.
بناء تفوق عسكري وسياسي وتكنولوجي واقتصادي على دول المنطقة.
3.
صناعة مراكز نفوذ سياسي واقتصادي مؤثرة داخل مختلف دوائر صنع القرار في الغرب.
ولكن مع بداية الألفية الجديدة ومع مرور نصف قرن على إنشاء الكيان الصهيوني بدا أن
هناك خطرًا يهدد وجود هذا الكيان.
وفي عام 2005، اختار الصحفي الامريكي بنجامين شفارتس، أحد كبار محرري مجلة أتلانتيك
الأمريكية عنوانًا لمقالته "هل ستبقى اسرائيل قائمة بعد مائة عام؟" والذي توقع فيها
نهاية المشروع الصهيوني.
لم يستند الكاتب الأمريكي دعم مقولته بأسانيد فارغة، بل حقائق على الأرض.
ولكن مائة عام هي أيضًا مدة طويلة، بل إن المسئولين والعسكريين والمفكرين الصهاينة
أنفسهم باتوا يتوقعون أن نهاية دولتهم لن تستغرق إلا بضع سنين.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو يصرح: سأجتهد لأن تبلغ إسرائيل
عيد ميلادها المائة، لكن هذا ليس بديهيًا، فالتاريخ يعلّمنا أنّه لم تعمّر دولة
للشعب اليهوديّ أكثر من 80 سنة، وهي دولة الحشمونائيم.
|
وتقول بعض المصادر إن تلك الكتيبة بدأت بأربعة شباب خلال معركة سيف القدس،
ثم توسّعت إلى ثمانية، وواصلت تطورها إلى حدّ إيقاع آليات الاحتلال بكمين
في مخيم جنين إثر اقتحام قوات الاحتلال المخيم |
ونشر الجنرال المُتقاعد شاؤول أرئيلي المُستشرق المُختص في الصّراع العربي
الإسرائيلي مقالًا في صحيفة هآرتس قال فيه: إن الحركة الصهيونيّة فشلت في تحقيق
حُلم إقامة دولة إسرائيليّة ديمقراطيّة، بأغلبيّة يهوديّة، وإن الوقت ليس في صالح
إسرائيل.
والمحلّل الإسرائيلي المُخضرم آري شافيط يؤكد أيضًا على هذا المعنى، فنشر مقالًا في
الصّحيفة نفسها كان أكثر تشاؤمًا، وقال فيه ما معناه اجتزنا نقطة اللّاعودة،
وإسرائيل تَلفُظ أنفاسها الأخيرة، ولا طعم للعيش فيها، واختتم مقاله بالقول حان وقت
الرّحيل إلى سان فرانسيسكو أو برلين.
ويحدد المؤرخ البروفيسور بيني موريس المسائل الثلاثة التي يتوقف عليها مصير الكيان
الصهيوني وهي، الديمغرافيا وحق العودة والاعتراف بحدود إسرائيل الإقليمية.
ولكن المشكلة الرابعة والتي لم يذكرها هذا الكاتب أو تجاهلها عمدًا، هي ظهور حركات
مقاومة فِلسطينية في قطاع غزة، وأخرى تتبلور في الضفة الغربية مستقلة كليًا عن
الحكومات والدول العربية، خاصة ما يطلق عليها بدول المواجهة (سابقًا) التي رفعت
راية الاستسلام واعترفت بالكيان، وانخرطت في التطبيع.
المقاومة تنبعث في الضفة
طيلة العقدين الماضيين، حملت غزة لواء المقاومة المسلحة، ودخلت مع الكيان الغاصب في
عدة حروب، بينما تعرضت المقاومة الفلسطينية في الضفة لقمع السلطة الفلسطينية
وأجهزتها الأمنية، والتي اعتبرها أهل فلسطين الذراع الأمني للعدو الصهيوني وأداته
لوأد أي تحرك من مدن الضفة لمؤازرة إخوانهم في غزة، وأصبح هذا الموقف رسميًا منذ
عام 2007، حين أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسومًا بحظر كافة المليشيات
المسلحة والتشكيلات العسكرية.
وعلى مدار سنوات شنت أجهزة الأمن التابعة للسلطة حملة اعتقالات واسعة طالت مئات
المقاومين الفلسطينيين التابعين لحركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد
الإسلامي، بل ان تلك الحملات طالت أفراد كتائب الأقصى، وهي الجناح العسكري لفتح
والمفترض أن رئيسها محمود عباس.
ولكن في العامين الماضيين وبالذات في الأشهر الأخيرة بدأت تتصاعد الدعوات لتنظيم
مقاومة مسلحة ضد الكيان الصهيوني ولتخفيف الضغط على مقاومة غزة.
وبحسب مركز المعلومات الفلسطيني تشهد الضفة الغربية ارتفاعًا ملحوظًا في أعمال
المقاومة الفلسطينية بجميع أشكالها، فخلال شهر سبتمبر الماضي شهدت الضفة المحتلة
833 عملاً مقاومًا؛
تنوعت بين إلقاء الحجارة والطعن أو محاولة الطعن والدعس بالسيارات وإطلاق النار
وزرع
أو إلقاء العبوات الناسفة، وأدت لمقتل ضابط إسرائيلي وإصابة 49 آخرين بعضهم بجراح
خطرة، بينما يشير صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إلى أرقام
أخرى، يذكر أنه في عام 2020 نفذت 29 عملية إطلاق نار، وفي عام 2021 نفذت 191 عملية،
ومنذ بداية عام 2022 حتى اللحظة نفذت 472 اشتباكًا وعملية إطلاق نار.
ما الذي حدث في الضفة الغربية؟
ما نشاهده ونلاحظه الآن هو تقارب واندماج بين مقاتلي حركتي حماس والجهاد الإسلامي
مع مقاتلين من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح في مجموعات مسلحة موحدة، ومن
أبرز تلك المجموعات كتيبة جنين في مخيم جنين، ومجموعة عرين الأسود وكتيبة مخيم
بلاطة في نابلس.
تم الإعلان عن كتيبة جنين في مخيم جنين شمال الضفة الغربية منذ عام تقريبًا،
وبالتحديد في سبتمبر 2021، وقد ساهم عاملين في ظهور تلك الكتيبة:
عملية نفق الحرية حينما هرب 6 أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع الصهيوني وإعادة
اعتقالهم، أما العامل الثاني فهو ما أطلق عليه فلسطينيًا اسم معركة سيف القدس.
وتقول بعض المصادر إن تلك الكتيبة بدأت بأربعة شباب خلال معركة سيف القدس، ثم
توسّعت إلى ثمانية، وواصلت تطورها إلى حدّ إيقاع آليات الاحتلال بكمين في مخيم جنين
إثر اقتحام قوات الاحتلال المخيم
لهدم منزل الشهيد منفذ عميلة شارع ديزيغوف رعد حازم واعتقال والده. وتمكنت الكتيبة
من إخراج الاحتلال دون تحقيق الهدف.
نشأت الكتيبة في بدايتها كفرع من سرايا القدس التابعة للجهاد، ثم ما لبث أن انضمت
إليها بقية الفصائل الفلسطينية كالقسام وشهداء الأقصى وبقية المجموعات الفلسطينية
المقاومة، حيث تم إنشاء غرفة عمليات مشتركة من تلك الفصائل.
أما مجموعة عرين الأسود، ففي تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية يحدد بدايات المجموعة
من شهر سبتمبر الماضي أي منذ أكثر من شهر، حين تجمع نشطاء كانوا في السابق أعضاء في
تنظيمات مختلفة، وتسلسل الأحداث جعلهم يصنفون أنفسهم من جديد باسم عرين الأسود.
وتنقل الصحيفة العبرية عن ناشط مخضرم من فتح في البلدة القديمة في نابلس، زعمت أنه
يعرف بصورة شخصية عددًا من أعضاء عرين الأسود، قوله بأن هذا التنظيم بعيد عن أن
يكون تنظيمًا هرميًا يتلقى التعليمات من قيادة أو من مستوى سياسي. وأضاف: إذا
قارناه مع كتائب شهداء الأقصى في الانتفاضة الثانية فقد كان هناك تنظيم هرمي وصل
حتى رئيس التنظيم ياسر عرفات وكبار شخصيات فتح، بما في ذلك البرغوثي، الآن هذا
مختلف كليًا. الحديث يدور عن تنظيم محلي لشباب، في معظمهم هم عاطلون عن العمل
وينتمون لعدة تنظيمات. معظمهم يتماهون مع فتح وبعضهم مع حماس والجهاد الإسلامي
والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وحسب قول الناشط فإن أعضاء المجموعة يعملون في نابلس، بالأساس في البلدة القديمة،
وفي مخيم بلاطة للاجئين، حيث هدفهم العلني هو مواجهة الجنود عندما يدخلون إلى
المدينة.
وتقول الصحيفة بعد استشهاد النابلسي فإن من تولى المسؤولية عن المسلحين في عرين
الأسود هو مصعب اشتية، الذي بدأ بتقوية علاقات التنظيم مع حماس من ناحية اقتصادية
ولوجستية. وبدرجة معينة حوّل عرين الأسود إلى مشكلة للسلطة الفلسطينية أكثر مما هي
لإسرائيل، على حد زعم الصحيفة العبرية.
وتكشف هآرتس في تقريرها أن السلطة تبذل جهودًا من أجل دمج عرين الأسود في الأجهزة
الأمنية الفلسطينية، بحيث يسلمون أنفسهم ويلقون سلاحهم مقابل فترة اعتقال محدودة أو
الإقامة الجبرية، بعد ذلك يتم دمجهم في الأجهزة الأمنية الفلسطينية إذا أثبتوا
التزامهم ووافقوا على ذلك.
هنا يكمن السؤال
هل ستستطيع عرين الأسود الصمود، بعيدًا عن احتواء السلطة، وبالتالي تغيير معادلة
الصراع في الضفة؟
وهل ستتطور مقاومتها إلى انتفاضة جديدة؟
وهل ستستطيع أن تتحول إلى حرب عصابات تلاقي سندًا ودعمًا من مقاومة غزة ومن أهالي
الضفة،
فتتحول
إلى حرب ضروس تجبر الاحتلال على التفكير في انسحاب صهيوني ثان من بعض أجزاء الضفة،
مماثل لما حدث في غزة قبل 15 عامًا، لتندمج مع غزة وتزيد رقعة الأراضي المحررة
الفلسطينية؟