• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الشتاء قادم وأوروبا في قبضة روسيا: إطلالة على قصة الغاز الروسي

يرى كثير من المحللين المختصين بشؤون الطاقة أن ألمانيا أخطأت الحساب، واعتمادها على الغاز الروسي كان رهانًا خاطئًا.


بداية قصة الغاز الروسي ترجع إلى وقت ذروة الحرب الباردة، عندما بدأ الاتحاد السوفييتي شراء الأنابيب من ألمانيا لبناء خطوط مخصصة لنقل النفط والغاز، تتيح له الاستفادة من احتياطاته الهائلة في مجال الطاقة.

لكن تدخل الإدارة الأميركية في عهد جون كينيدي، أدى إلى حظر صادرات الأنابيب الألمانية.

وبعد رفع العقوبات في العام 1966، وقّع البلدان اتفاقا تاريخيا لـ"الأنابيب مقابل الغاز"، حصل بموجبه الاتحاد السوفييتي على أنابيب من الفولاذ لقاء توفير الغاز لألمانيا.

في 1973، تلقت ألمانيا الغربية شحناتها الأولى من النفط الخام من سيبيريا. وعند سقوط جدار برلين (1989)، كان الاتحاد السوفييتي مصدرًا لنحو نصف واردات ألمانيا الغربية من الغاز.

وانتهى الأمر إلى أن روسيا تمتلك إمكانات هائلة لإنتاج الغاز، وسوقا عالمية ومحلية ضخمة، وقدرة على توفير أكثر من 300 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا.

ألمانيا في قبضة الغاز الروسي

تمكنت ألمانيا من شراء الغاز الروسي بأسعار أشبه ما تكون بالتشجيعية، ما شكّل دافعًا قويًا لقطاعها الصناعي، خاصة مع تحرير أسواق الغاز والكهرباء الأوروبية في مطلع أعوام الألفين، والتوجه ألمانيا في عهد شرودر ومن بعده ميركل، إلى تطوير العلاقات التجارية مع روسيا.

وتعززت شبكة اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي على مدى عقود. ففي 1994، بدأت أعمال بناء خط أنابيب يامال الذي يعبر بولندا وبيلاروسيا، وفي 2011 بدأ العمل بـ"نورد ستريم 1" الذي يمرّ أسفل بحر البلطيق.

عام دخول "نورد ستريم 1" الخدمة، قررت ألمانيا الاعتماد على الغاز كمصدر أصيل للطاقة آملة في أن يعوّض الغاز انخفاض موارد مصادر الطاقة الأخرى.

وفي هذا الإطار، قررت حكومة ميركل عام 2015 إطلاق مشروع "نورد ستريم 2" مع روسيا، وهو خط أنابيب موازٍ للأول يتيح مضاعفة واردات الغاز.

وهذا المشروع الذي أثار توترًا بين ألمانيا وشركائها الأوروبيين والولايات المتحدة الذين اعتبروا أنه يمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورقة ضغط محفوفة بالمخاطر.

بعد أعوام من أعمال البناء واستثمارات بمبالغ ضخمة، قررت ألمانيا تجميد المشروع، مع إعلان المستشار الحالي أولاف شولتز "تعليق" المصادقة على تشغيله قبل يومين من بدء روسيا غزوها لأوكرانيا.

وبالرغم من ذلك، بقي الاعتماد على واردات الطاقة الروسية قائمًا، ما جعل يدي ألمانيا مقيّدتين في النزاع في أوكرانيا، واحتفظت روسيا بمصدر لعائدات قد تستخدم لتمويل الحرب.

ويرى كثير من المحللين المختصين بشؤون الطاقة أن ألمانيا أخطأت الحساب، واعتمادها على الغاز الروسي كان رهانًا خاطئًا.

وبحسب تقديرات الحكومة الألمانية، فإنها لن تتمكن قبل منتصف 2024 من التحرّر من الاعتماد على الغاز الروسي الذي لا يزال يشكّل 35 بالمئة من الواردات.

أوروبا على خطى ألمانيا

تتربع روسيا على عرش احتياطات الغاز العالمية، وتمتلك أكبرها بما يقارب 1.7 تريليون قدم مكعب؛ أي ما يعادل ربع احتياطات الغاز الموجودة على مستوى العالم، ويعتمد الاقتصاد الروسي على صادرات الغاز، وكثاني أكبر منتج للنفط في العالم، ترسل روسيا 76% من صادراتها من الغاز إلى أوروبا التي تعتمد لشكل كبير على الغاز الروسي لتلبية ما يزيد على ثلث احتياجاتها من الغاز.

السياسة كل شيء

في عهد بوتين تحول الغاز إلى كل شيء بالنسبة للاقتصاد والسياسة الروسية، ولم يعد هذا السائل الأزرق مجرد بضاعة بل أصبح ورقة المفاوضة من أجل التعاون، ولغة جديدة للحوار، فمن يستهلك الغاز الروسي عليه أن يتحاور مع موسكو ويتفهمها ويتفق معها. وأصبح بوتين شخصيًا المبادر الأول في صياغة لغة الغاز في شؤون السياسة الدولية، وأداة حقيقية للتأثير على الموقف الدولي في العديد من دول أوربا وآسيا.

وقد استعملت روسيا سلاح الغاز مع أوروبا مرتين: الأولى- في عام 2006، بعد نهاية عقد الغاز مع كييف، ضغطت من أجل رفع الأسعار، وأمرت "غازبروم" بإيقاف دفق الغاز لعدة أيام مطولة، لحين استجابة كييف لشروطها.

الثانية- عام 2009 قررت شركة "غازبروم" قطع إمداداتها للغاز إلى أوكرانيا مجددًا، وفي هذه المرة فقدت أوروبا بأكملها بقرار واحد نصف إمدادات الغاز الروسي إليها، ما تسبب في قطع الكهرباء عن ملايين الأوروبيين ليعانوا من وطأة البرد في منتصف الشتاء الجليدي الأوروبي لمدة 20 يومًا متصلة.

وبعد أحداث 2014، واحتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، من أجل الحفاظ على احتكارها للغاز في أوروبا، عبر السيطرة على البحر الأسود، بواسطة القاعدة البحرية الروسية في سيفاستوبول.

ومنذ ذلك الحين والأزمة في حالة متوترة مستمرة متصاعدة.

تفاصيل عن خطوط أنابيب الغاز الروسية إلى أوروبا (مرتبة على أساس الكمية):

* نورد ستريم 1

أكبر خط أنابيب غاز روسي إلى أوروبا من ناحية الكمية التي تبلغ 55 مليار متر مكعب سنوياً. ويمتد هذا الخط المزدوج عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا. وفي العامين الماضيين فاق بالفعل طاقته المبينة على لوحة بياناته محققا 59.2 مليار متر مكعب في عام 2021.

* نورد ستريم 2

وهو خط أنابيب ثانٍ مزدوج بالحجم نفسه. تم استكماله في عام 2021، لكن ألمانيا رفضت اعتماد تشغيله بعد أن غزت موسكو أوكرانيا، وكان من المقرر أن ينقل 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي.

* يامال-أوروبا

هذا الخط تبلغ طاقته 33 مليار متر مكعب، ويمكن أن يعمل في الاتجاه المعاكس أيضاً، ويمتد من روسيا عبر روسيا البيضاء وبولندا إلى ألمانيا. وعمل في معظم الوقت في الاتجاه العكسي، أي في اتجاه الشرق، منذ ديسمبر/ كانون الأول 2021، مرسلاً الغاز من ألمانيا إلى بولندا.

* أوكرانيا

أنابيب تصل طاقتها إلى 32 مليار متر مكعب سنوياً، تشكل جزءاً من شبكة خطوط أنابيب الصداقة للغاز، التي تمتد من روسيا عبر أوكرانيا للشحن إلى أوروبا عبر سلوفاكيا.

* ترك ستريم

يعبر هذا الخط المزدوج الذي تبلغ طاقته 31.5 مليار متر مكعب البحر الأسود إلى تركيا، لإمداد السوق التركية وجنوبي أوروبا.

* بلو ستريم

يعبر هذا الخط أيضًا البحر الأسود إلى تركيا، وتبلغ طاقته 16 مليار متر مكعب.

اعتادت روسيا إرسال معظم صادراتها من الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا، ومع تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية، تراجعت بشكل حاد واستعاضت موسكو عن ذلك بزيادة صادراتها إلى ألمانيا وتركيا. وتوقفت أوكرانيا عن شراء الغاز مباشرة من "غازبروم" منذ 2015، بعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم.

صفر تدفق.. روسيا تغلق خط أنابيب الغاز عن أوروبا بالكامل: الآثار والمخاوف القادمة

توقفت التدفقات المادية لغاز خط أنابيب "نورد ستريم 1" إلى أوروبا ووصلت إلى الصفر، وقبل الإغلاق الكامل كان يعمل فقط بخمس طاقته العادية.

والذي حدث توقف عدد من محطات توليد الطاقة للإعلان عن العمل لعدم قدرتها على مسايرة تكاليف الإنتاج، وارتفاع صاروخي لأسعار الغاز، انعكس على ارتفاع فواتير الطاقة في عموم الدول الأوروبية، ما يعادل 10 أضعاف أسعارها قبل 5 سنوات فقط، وضع ذلك الملايين من الأوروبيين بين خيار إما الإنفاق على الطعام أو التدفئة،

وفي بريطانيا على سبيل المثال: ووفق المؤسسة البريطانية "العمل للطاقة الوطنية" (National Energy Action) فإن عدد الأسر التي ستدخل في خانة الفقر الطاقي (وهي الخانة التي توجد فيها الأسر التي تنفق 10% من مداخيلها على فاتورة الطاقة)، سيرتفع من 4.5 ملايين أسرة بريطانيا إلى 8.5 ملايين أسرة، مشيرة إلى أن بعض المدن الأوروبية سوف تعاني من انقطاع للكهرباء لمدة تتراوح بين الساعة و3 ساعات بشكل يومي.

وتشير توقعات صندوق النقد الدولي أن اقتصادات دول أوروبا الشرقية هي التي ستضرر بشكل كبير من قطع الغاز الروسي، حيث سيراجع الناتج الداخلي الخام بنسبة 6% في هذه الدول. كما إنه سيؤثر قرار وقف الغاز الروسي عن أوروبا على الاقتصاد العالمي، حيث تشير توقعات صندوق النقد أن الناتج الداخلي العالمي سوف يتراجع بنسبة 2.6% في سنة 2022 وبنسبة 2% خلال سنة 2023.

ذلك وغيره سيجبر أوروبا على اتخاذ خطة للمواجهة وإجراءات صعبة لترشيد استعمال الطاقة.

خطة للمواجهة:

فمنذ الغزو الروسي لأكرانيا والاتحاد الأوروبي يعمل على تخفيض اعتماديته على الغاز الأوروبي، والعمل على تعزيز أمن الطاقة الخاص به، خاصة لمواجهة فصل الشتاء القادم، عبر مجموعة من الخطط والإجراءات، منها: ملء منشآت تخزين الغاز في أوروبا قدر الإمكان

وتمكنت أوروبا إلى الآن إلى ملء خزاناتها بنسبة 80%، وهي أعلى بالمقارنة إلى نفس الوقت العام الماضي، وبعض البلدان مثل ألمانيا تجاوزت بالفعل هذه النسبة، وتجازوت عتبة 80% بنسبة 83.65%، وفرنسا 91.54%.

وعلى الرغم من كون هذه أخبارا جيدة، إلا أن المخاوف حقيقية وخطيرة، لأن أوروبا تحتاج إلى كمية من الغاز تفوق ما يمكنها تخزينه، ففي حالة الشتاء العادي تستهلك أوروبا من الطاقة ما يعادل 25-30%، والمخاوف تتعلق بحالة الشتاء القادم، فإذا لم تحصل أوروبا على ما يكفيها من الغاز البديل من مكان آخر، وحصلت على الغاز من النرويج ومن هولندا، وكذلك الولايات المتحدة وقطر، وكذلك يمكنها الحصول على طاقة بديلة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والفحم النووي. ومع ذلك فهي بحاجة إلى ترشيد وتقليل استهلاكها واستخدامها.

وضعت أوروبا لنفسها هدفا لتقليل استخدامها وخفض استهلاك الطاقة بنسبة 15% بين شري أغسطس هذا العام ومارس العام المقبل.

كل ذلك ليس مؤكدا:

يقول الخبراء قد يكون الصمود ممكنا في طقس الشتاء بدون طاقة روسية، ولكن هذا غير مؤكد. فلكي تتجاوز أوروبا أزمة الشتاء الصعب، سيكون عليها أن تتعامل مع "كارثة الغاز" (gastastrophe)، وهو التعبير الذي اختارته مجلة "إيكونومست" للتعبير عما ينتظر الأوروبيين خلال الأشهر القادمة.

فهي تحتاج إلى:

ملء خزاناتها الحالية، وتوفير البدائل المتعددة، وأن يكون الشتاء عاديا.

فإن حدث ذلك ستتجاوز الأزمة، ولكن هذا ليس مؤكدا.

أعلى