• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الغزو الروسي لأوكرانيا.. من عملية خاطفة إلى حرب ثابتة

على الرغم من استمرار الصراع، إلا أن الخطر بالنسبة لأوكرانيا يعدّ أكبر، نظرًا لاحتمالية تضاؤل الدعم الغربي مع آثار الحرب التي باتت معظم دول العالم تكتوي بنيرانها، كما أن تأثر إمدادات الطاقة في أوروبا المقبلة على شتاء قارس البرودة


بعد  مرور أكثر من 6 أشهر على بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، يبدو الوقوف على نهاية عاجلة لهذه الحرب أمرًا مستبعدًا، كانت البداية عنيفة ومليئة بالحماس الروسي لإنجاز عملية خاطفة من الشمال والشرق، تنتهي بسقوط كييف وإسقاط نظامها ومن ثمَّ البدء في إرساء السيطرة الروسية على البلاد، كانت المفاجأة أن القوات الروسية قوبلت بمقاومة أقوى مما كان متوقعًا من الأوكرانيين الذين يتخلفون عنهم كثيرًا في العدد والسلاح، نجحت أوكرانيا بشكل بارز في حرمان روسيا من التفوق الجوي من خلال دفاع جوي فعال للغاية، على الرغم من افتقارها إلى أنظمة الدفاع الجوي الأكثر تقدمًا، وعلى الرغم من أن القوات الروسية اليوم تسيطر على حوالي 20٪ من الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك مساحات شاسعة في الشرق والجنوب، إلا أن الصراع المتطور سرعان ما تحول إلى صراع بطيء وأشبه ما يكون بالحرب الثابتة التي لا تحمل نهاية وشيكة، لا سيما في ظل عدم وجود طرف منتصر أو آخر مهزوم، الثابت الآن أن كلا الطرفين يخسران، كما أن تجنب الهزيمة قد لا يعني بالضرورة الانتصار.

لطالما تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن اعتقاده بأن أوكرانيا دولة غير شرعية، زاعمًا في مقال تم نشره العام الماضي أن الروس والأوكرانيين والبيلاروسيين، هم شعب واحد، وأنهم ينتمون جميعًا إلى ما كان يُعرف تاريخيًا باسم "الأمة الروسية"، انطلاقًا من هذا المنطق أعلن بوتين أن "تشكيل دولة أوكرانية نقية عرقيًا، عدوانية تجاه روسيا، يعادل استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الروس"، وبهذا المنطق أيضًا برر بوتين ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، فضلاً عن الصراع الدائر الآن، والذي قَلبَ ثلاثة عقود من عقيدة ما بعد الحرب الباردة وإعادة تشكيل الخريطة الأمنية لأوروبا إلى الأبد. قد يكون من الصعب توقع المدة التي ستستغرقها الحرب، قد تستغرق شهورًا أكثر أو حتى سنوات، باتت المعارك طويلة وبطيئة، ولا يملك أي من الطرفين القدرة على القيام بعمليات هجومية كبيرة، فبالنسبة لروسيا يعدّ إرسال المزيد من القوات على الأرض للحفاظ على الأراضي التي استولت عليها هو أحد أهم أولوياتها، لهذا تم إقرار عملية تجنيد واسعة للمزيد من الشباب.

 لم يحدث غزو بوتين مثلما خطط له، مع ظهور تقارير عن انخفاض الروح المعنوية بين الجنود ونقص الإمدادات الأساسية مثل الغذاء والوقود بسبب تحديات الإمداد والاضطراب والانضباط داخل صفوف الجيش الروسي، بما في ذلك التخريب والاستسلام والعصيان، وهو ما أضعف من فعالية الجيش الروسي في المعركة، ففشل في السيطرة على العاصمة كييف لكنه احتل مساحات شاسعة من أوكرانيا وواصل قصف المواقع الرئيسة، الروح المعنوية تعدّ من بين العوامل الحاسمة، حيث تدعم أوكرانيا تفوقها الهجومي من خلال بث روح الحماسة بين مقاتليها الذين يدافعون عن أرضهم، بينما تتطلع روسيا إلى الصمود في منطقة معادية، قد يتململ جنودها في لحظة وتنهار معنوياتهم وهم يرون التوابيت العائدة بزملائهم إلى موسكو ملفوفة بالعلم الروسي، وهذا يعطي الأوكرانيين ميزة كبيرة بلا شك، لم يقدم الجيش الروسي تحديثًا رسميًا عن ضحاياه منذ أواخر مارس، عندما أبلغ عن حوالي 1350 قتيلاً بين صفوفه، بعض تقديرات الصحافة الغربية تشير إلى أن هناك ما لا يقل عن 70 ألف روسي قتلوا أو جرحوا منذ بدء الحرب، فيما أشارت أحدث تقديرات البنتاغون إلى أن الخسائر الروسية في أوكرانيا تصل إلى 80 ألفًا، مع ما يصل إلى 4 آلاف مركبة مدرعة وغيرها من المعدات العسكرية، على الجانب الآخر في أوكرانيا لم يتم الكشف عن عدد القتلى منذ بدء الحرب في 24 فبراير الماضي، بالتأكيد هناك آلاف الضحايا سواء من العسكريين أو المدنيين، وسبق وأن قدّر مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن أكثر من 5500 قتلوا وأصيب أكثر من 7600 في أوكرانيا منذ 24 فبراير.

على الرغم من استمرار الصراع، إلا أن الخطر بالنسبة لأوكرانيا يعدّ أكبر، نظرًا لاحتمالية تضاؤل الدعم الغربي مع آثار الحرب التي باتت معظم دول العالم تكتوي بنيرانها، كما أن تأثر إمدادات الطاقة في أوروبا المقبلة على شتاء قارس البرودة، حيث يُعتبر الغاز الروسي مصدر الطاقة الرئيسي في أوروبا بنسبة تصل إلى 41%، يتم نقل جزء كبير منه عبر أراضي أوكرانيا إلى باقي الدول الأوروبية، بموجب اتفاق مع كييف يمتد إلى نهاية عام 2025، تستفيد أوكرانيا من وراء ذلك بما يقدّر بـ 4.5 مليار دولار سنويًا، إذ أوقفت موسكو ضخ غازها إلى أوروبا فسيكون من الصعب تعويضه بغاز منخفض التكلفة من أي دولة أخرى، هنا تكمن المعضلة الأكبر أمام دول القارة العجوز؛ دعم أوكرانيا أم غاز روسيا؟!، ستعاني الحكومات مع الضغوط المحلية المتزايدة حول مقدار دعم أوكرانيا فيما ترتفع أسعار السلع والوقود أمام مواطنيها، يراهن الروس على ورقة الطاقة كسلاح استراتيجي تضغط به على الأوروبيين، خاصةً وأن التحول إلى مصادر بديلة للطاقة ـ سواء نظيفة أو تقليدية ـ  ليس بالأمر السهل حاليا، وفيما يستمر الأوروبيون في تقييم المخاطر والتكاليف لا يزال الرد الغربي في معظمه محصورًا في حزم عقوبات وخطابات، وعدم استعداد واضح للمخاطرة بالمواجهة، يخشى الغرب من الدعم الكامل وكذلك من المشاركة المباشرة في القتال، لأن ذلك قد يثير حفيظة بوتين بلا شك، لا تريد الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون مواجهة روسيا المسلحة نوويًا، يتضح ذلك من التصريحات المستمرة من بعض القادة الغربيين المنادين بعدم المخاطرة بحرب عالمية ثالثة، وإن كانت تلك التصريحات تشجع بوتين أيضًا على الاعتقاد بأن تهديداته الطائشة بشأن الأسلحة النووية تعمل بنجاح، كما أن أي تسوية تترك لروسيا السيطرة على الأراضي المحتلة مقابل وقف الأعمال العدائية، ستكون بمثابة مكافأة للروس وتشجيع لهم على المزيد من العدوان.

النتائج المحتملة للصراع عديدة:

·      قد تنتصر أوكرانيا، وهذا احتمال ضعيف نسبيًا في ظل عدم تحول قواتها إلى الوضع الهجومي الصريح.

·      يماثل هذا الحل في ضعف حدوثه، احتمال نجاح حل دبلوماسي لإنهاء هذه الحرب، فبعد لقاءات عديدة بين الطرفين برعاية أوروبية لم تتمخض اللقاءات عن شيء يُذكر يغيّر من مسار الصراع الدائر، يبدو أنه لا أحد على استعداد للقبول بطموحات الطرف الآخر، تخشى روسيا من انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، بل إنها ترفض ذلك تمامًا وتعد أن كل اقتراب للحلف من حدودها هي خطوة جديدة في محاصرتها، لا يمانع الروس من انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي وقد أعلن بوتين بنفسه ذلك صراحةً أمام المنتدى الاقتصادي الدولي في سان بطرسبرج، حين قال: "ليس لدينا مانع ضد ذلك، إنه قرار سيادي لكل دولة بأن تنضم أو لا تنضم إلى تحالفات اقتصادية، الاتحاد الأوروبي ـ على عكس حلف شمال الأطلسي (الناتو) ـ ليس منظمة عسكرية، وليس حلفًا سياسيًا"، في المقابل لا توافق روسيا على احترام حدود أوكرانيا ما قبل العام 2014.

·      من ضمن السيناريوهات أيضًا ما يراه بعض المتفائلين بأن الصراع قد يتجه نحو نهاية الحرب الكورية؛ أي هدنة ومنطقة عسكرية بين الجانبين وعداوة مستمرة وصراع مجمد إلى حين.

·      أما السيناريو الأكثر احتمالاً فهو الجمود، خاصةً مع عدم قدرة أي من الجانبين حاليًا على شن هجوم من شأنه أن يؤثر بشكل لافت على مسار الصراع، وهذا يعني أن كلا الجانبين أصبحا الآن أكثر وعيًا بأنهما يسيران في سباق ماراثون طويل وشاق.

·      قد يكون أفضل السيناريوهات الراهنة لنهاية هذه الحرب بالنسبة لروسيا هو أن تحتفظ بأراضي في دونباس، فيما تتخلى أوكرانيا عنها مؤقتًا، مثلما حدث فيما يخص شبه جزيرة القرم، إذ لا يمكن لقواتها تحقيق مكاسب متزايدة بسبب المقاومة التي تواجهها من القوات الأوكرانية، قد يقرر بوتين في مرحلة ما تقليص خسائره وإعلان النصر والاكتفاء بما استولى عليه من أراضي حتى الآن، الراهن الغربي في هذا السيناريو قائم على عدم دفع الإحراج السياسي لبوتين ـ بسبب فقدان الغزو لأهدافه بالسيطرة على أوكرانيا ـ إلى اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية في ميدان المعركة.

بعد أكثر من 6 أشهر من الحرب، هناك الآن دلائل متزايدة على أن الهجوم المضاد الأوكراني الذي طال انتظاره قيد الإعداد، وإن لم يكن بالطريقة التي قد يتوقعها البعض، قال مسؤولون أوكرانيون، وكذلك بعض المراقبين الغربيين، إن الانفجارات الأخيرة في المواقع الروسية في العمق والتي ألحقت أضرارًا بالأصول القتالية، كانت بداية لمحاولة استعادة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها، وتحديدًا الضفة الغربية لنهر دنيبر وجزء من خيرسون، المدينة الأولى التي سقطت في أيدي الروس، ولكن نظرًا لأن الهجوم يمثل عددًا من التحديات الجوهرية، فقد تحتاج أوكرانيا إلى الوقت لزيادة تآكل قدرات القتال الحربية الروسية في المواقع الرئيسية، وبناء قوتها القتالية اللازمة، والتي من غير المرجح أن تبنيها سريعًا دون دعم لا محدود من الغرب، وسبق وأن صرّح أوليكسي أريستوفيتش، مستشار الرئيس الأوكراني، بأن الهجوم المضاد الذي ستشنّه أوكرانيا لاستعادة السيطرة على خيرسون سيكون "عملية بطيئة لطحن العدو"، الروس في المقابل بادروا عبر وزارة دفاعهم للتأكيد على أن محاولات أوكرانيا لشن هجوم مضاد في جنوب البلاد ستنتهي بالفشل، وراحت تؤكد في إحاطاتها اليومية بأن القوات الأوكرانية تتكبد خسائر فادحة في المعدات والقوات، ليس من السهل التحقق بشكل مستقل من ادعاءات أي من الجانبين.

النجاح في الحروب لا يُقاس بمستوى الجهد، ولكن بالدرجة التي تحقق بها الجيوش أهدافها التي وضعها كبار قادتها، وتحقيق هذه الأهداف ليس مضمونًا بالضرورة، فالملاحظ الآن أن كلا الاقتصادين الروسي والأوكراني يتراجعان، كما أننا نرى كلا الجيشين يتضاءلان في خوض معارك على جبهات جديدة، لقد باتت الحرب بطيئة وثابتة، نهايتها مجرد مسألة وقت؛ من يمكنه البقاء متماسكًا لأطول مدة ممكنة، ومن ستهاوى خاسرًا قبل الآخر.

أعلى