تحاول الصين الترويج لهويتها الاقتصادية العالمية وتتجنب الخوض في أي دور عسكري يجلب لها ردود فعل سلبية أو يكشف نواياها الاستعمارية في إطار سعيها لتحجيم النفوذ الأمريكي
فورين آفيرز
أصبح الوجود العسكري الصيني في الخارج يزيد من المخاوف الأمريكية والغربية لبعدين
الأول يتعلق بالممرات والمنافذ البحرية والثاني يتعلق بمحاصرة المنظومة الرأسمالية
الغربية إقتصادياً، فالصين خلال العقد الأخير شيدت قاعدة لها في جيبوتي عام 2017 و
كشف النقاب عن وجود نوايا لها لبناء قاعدة عسكرية في الإمارات العربية، وفي الأشهر
القليلة الماضية كشفت عن وجود تسوية لبناء قاعدة عسكرية في كمبوديا. كل تلك
المؤشرات تؤكد أن الصين تمتلك مساراً عسكرياً توسعياً يدعم طموحاتها المستقبلية في
منافسة الوجود الأمريكي.
مجلة فورين آفيرز الأمريكية طرحت المخاوف الأمريكية أيضاً من سعي الصين إلى التمدد
بشكل مخيف في القارة السمراء ليس كما تفعل حالياً من حيث الغزو الاقتصادي بل أيضاً
تسعى لبناء قواعد عسكرية. فقد كشف الرئيس الصيني السابق( هو جينتاو) عام 2004 عن
النوايا الصينية بشأن النفوذ العالمي في تصريح كشف فيه عن ما أطلق عليه بــ" المهمة
التاريخية الجديدة" للصين وهي تتعلق بدور جيش التحرير الشعبي الصيني في هذه المهمة،
ففي عام 2011 استخدمت الصين جيشها لإجلاء 35000 مواطن صيني من ليبيا إثر الثورة
التي أطاحت بالمعمر القذافي، وكانت هذه الخطوة بمثابة جرس إنذار للمنظومة الغربية
تبعها إعلان الصين عام 2013 عن مبادرة "الحزام والطريق" لتعزيز طموحات بكين
التجارية.
تقول المجلة إن المصالح الاقتصادية الصينية أصبحت تكتسب طابعاً عالمياً، وقد زاد
تأثيرها التجربة التي مر بها العالم خلال أزمة كورونا التي شلت الإمدادات الصينية،
كما أكدت الحكومة الصينية ذلك من خلال ما نص عليه الكتاب الأبيض للدفاع عام 2015
حينما أوكل بصورة واضحة لجيش التحرير الشعبي مهمة "حماية المصالح الخارجية"، وفي
عام 2019 أكد الكتاب على أن جيش التحرير الشعبي يعمل على ما وصفه بــ" تطوير مرافق
لوجستية خارجية" من أجل "معالجة القصور في العمليات الخارجية" لحالات الطوارئ.
تطمح الصين إلى إنشاء قواعد عسكرية في 13 دولة منها أنغولا وكينيا وسيشل وتنزانيا
وكمبوديا والإمارات العربية المتحدة، وهذا الأمر قد أكد عليه مجموعة باحثين لديهم
تأثير على الرؤية العسكرية لجيش التحرير الشعبي، ويصنعون إستراتيجية الدولة في
التوسع العسكري الخارجي، كما أشارت لذلك تقارير لوزارة الدفاع الأمريكية.
تحاول الصين الترويج لهويتها الاقتصادية العالمية وتتجنب الخوض في أي دور عسكري
يجلب لها ردود فعل سلبية أو يكشف نواياها الاستعمارية في إطار سعيها لتحجيم النفوذ
الأمريكي، ففي رؤيتها للتعاون الصيني الأفريقي المستدام 2035 ركزت الصين على
الإستثمار والتنمية والدعم المالي المستدام وتجنبت الخوض في التوسع العسكري في
القارة السمراء.
في عام 2018 أطلقت الصين منتدى الدفاع والأمن الصيني الأفريقي واجتذبت خلاله
مشاركين عسكريين من 50 دولة ومنظمة إفريقية، وفي العام الذي تلاه غيرت الصين اسم
المنتدى ليصبح " منتدى السلام والأمن الصيني الأفريقي"، فبالنسبة للصين أصبح مصطلح
"السلام" شعاراً مرغوباً فيه أكثر من "الدفاع".
البنية العسكرية الصينية في افريقيا مهمة جداً بالنسبة لبكين لحماية مصالحها
الاقتصادية، فهي تمتلك الكثير من الشركات التي تستنزف الموارد الطبيعية في افريقيا
مثل المعاد والثروات البحرية، فوفقاً لأحد الأكاديميين الغربيين، فإن أكثر من 60 في
المئة من ممارسات الصيد غير القانوني تقوم بها الصين وتصل قيمتها إلى 5 مليار دولار
وتحدث في غرب إفريقيا.
تحظى غينيا الاستوائية بإهتمام كبير من الصين لسبب وجيه، فقد بلغت ديونها لصالح
الصين 49.7 في المائة من الناتج المحلي، وهو رقم ضخم يترجمه العديد من القروض
الحكومية، كذلك ترتبط الصين بمالابو بعلاقات دبلوماسية منذ 50 عاماً، لذلك يخشى أن
يتكرر النموذج السريلانكي في غينيا الاستوائية، إذ تمكنت الشركات الصينية من
السيطرة على ميناء هامبانتوتا بموجب عقد إيجار لمدة 99 عامًا بعد عجز الحكومة
السريلانكية عن تغطية ديونها للصين.
تحاول الصين تثبيت قدمها في مالابو لأنها تقدم لها شيء لاتستطيع جيبوتي تقديمه هو
وصولها للمحيط الأطلسي، وقد أشار إلى ذلك الجنرال الأمريكي ستيفن تاونسند في شهادته
أمام الكونغرس حينما قال إن وجود قاعدة صينية في المحيط الأطلسي سيضع الجيش الصيني
على مسافة أميال من "الوطن الأمريكي". كذلك فإن وجود موانئ المياه العميقة باتا
ومالابو يمكن الصين من إستعمالها بحرية للاستخدام العسكري، ففي عام 2006 قام بنك
التصدير والاستيراد الصيني بتمويل إنشاء أولي لميناء باتا، وبالإضافة على غينيا
الإستوائية وجيبوتي فإن الصين تتحرك تجارياً بصورة ضخمة في نيجيريا والسودان وجنوب
السودان ومالي وجنوب افريقيا
وبحلول مارس 2017 أرسلت الصين أكثر من 2000 عنصر أمني إلى 6 بعثات تابعة للأمم
المتحدة في إفريقيا، أربعة منها في دارفور ومالي والكنغو وجنوب السودان، ويمكن
تصنيف هذه المشاركة في سياق الجولات الإستكشافية التي يقوم بها جيش التحرير الشعبي
الصيني محاولة التستر بستار الأمم المتحدة.
ويبرر التغول العسكري الصيني في إفريقيا ما نشرته دراسة أعدتها "وكالة ماكنزي
الأمريكية" تؤكد أن الصين سوف تجني مكاسب من مشاريعها في افريقيا تصل إلى 440
مليار دولار بحلول عام 2025 وتعد اثيوبيا و جنوب افريقيا من الدول التي تتصدر
الطليعة في الاستثمارات الصينية في افريقيا.