حرب كوسوفو هي نتيجة نزاع عمره قرون جرى على الخط الفاصل بين الإمبراطوريتين النمساوية والعثمانية، بين الإسلام والمسيحية، بين القومية الألبانية والقومية الصربية، فتلك الجماعات الاثنية لم تتعايش بسلام إلا حين كان التعايش مفروضا عليها من الحكم الأجنبي أو من دي
"الرئيس الصربي هو المجرم الرئيسي في أعمال الشغب التي تحدث في البلاد"
بهذه الكلمات القوية حمّل رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي بداية هذا الأسبوع الرئيس
الصربي، ألكسندر فوتشيتش، مسؤولية تصاعد التوتر ونشوب صراع محتمل بين الجيش الصربي
وشرطة كوسوفو.
وقال كورتي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن إصدارنا لوثائق الخروج والدخول للبلاد
عند المعابر الحدودية مع صربيا بموجب قانون جديد لم يبدأ بعد، لكن الكيانات الصربية
غير الشرعية في الشمال بدأت بإقامة حواجز الطرق وإطلاق النار.
وقال رئيس الوزراء الكوسوفي إن هذه الأعمال العدوانية التي حدثت اليوم جرى التخطيط
لها والتحريض عليها، وختم رئيس وزراء كوسوفو كلامه: نواجه شوفينية قومية صربية
معروفة جيداً لنا.
وكانت وكالات الأنباء العالمية قد نشرت هذا الأسبوع أنباء وقوع إطلاق نار قرب
الحدود بين كوسوفو وصربيا، وهذا على خلفية قانون أصدرته حكومة كوسوفو يلزم الجميع،
بمن فيهم الصرب الذين يعيشون في كوسوفو، الحصول على بطاقة هوية من إصدار البلد
وتغيير لوحات السيارات القادمة من صربيا المجاورة بلوحات من إصدار كوسوفو، وهي
القرارات التي رفضتها الأقلية الصربية في مدينة ميروفيتشا شمال البلاد.
وعلى إثر ذلك قطع صرب محليون طرقا وأطلقوا النار على الشرطة احتجاجا على تلك
الإجراءات، وأوقف المتظاهرون شاحنات مليئة بالحصى وآليات ثقيلة أخرى على الطرق
المؤدية إلى معبري يارينجي وبرنجاك الحدوديين في منطقة يشكل الصرب أغلبية فيها، مما
أدى إلى إغلاق معبرين حدوديين بين صربيا وكوسوفو، ودوت صفارات الإنذار الخاصة
بالغارات الجوية لأكثر من ثلاث ساعات في بلدة ميتروفيتشا الشمالية الصغيرة التي
يشكل الصرب أغلب سكانها أيضا.
واعتدى المتظاهرون الصرب الغاضبون بالضرب على العديد من الألبان الذين كانوا يمرون
على الطرق التي أغلقت وتعرضت بعض السيارات للهجوم، ولا يعترف صرب كوسوفو بسلطة دولة
كوسوفو ولا باستقلال هذه الدولة، وحافظوا على ولائهم لصربيا التي يعتمدون عليها
مالياً.
وأصدرت وزارة الدفاع الصربية بيانا اتهمت فيه حكومة كوسوفو بنشر قدر كبير من
المعلومات المضللة، من خلال حسابات مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي وقال البيان
إن هناك مزاعم بوقوع بعض النزاعات بين الجيش الصربي وما يسمى بشرطة كوسوفو، وأضافت
أن الجيش الصربي لم يدخل بأي شكل من الأشكال أراضي كوسوفو.
ولكن البيان الصربي اعترف بإصدار رئيس صربيا ألكسندر فوتشيتش أمراً لاستنفار بعض
وحدات قوات الجيش والشرطة الصربية، كما حلقت مقاتلات صربية مجدداً فوق المنطقة
الحدودية.
وقالت البعثة التي يقودها حلف شمال الأطلسي في كوسوفو في بيان: إن الوضع الأمني
العام في بلديات كوسوفو الشمالية متوتر، بينما ألقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية
الروسية ماريا زاخاروفا باللوم في التوتر المتزايد على ما وصفته بالقواعد التمييزية
التي لا أساس لها التي تفرضها سلطات كوسوفو.
وهنا نتساءل هل هذا التوتر بين دولتي كوسوفو وصربيا عابر وانتهى وسيتم احتواؤه، وهو
توتر عادي قد يحدث بين دولتين متجاورتين وبينهما تداخل عرقي وديني؟
أم أن ما حدث هو بداية ومقدمة لحرب ستندلع في منطقة البلقان، يغذيها خلفيات صراع
ديني قومي قديم، ويلهبها التوتر الدولي الحالي والمتمثل في الغزو الروسي لأوكرانيا؟
للإجابة على هذه الأسئلة يلزمنا أمرين:
الأول استعراض تاريخي لجذور الصراع بين أهل كوسوفو المسلمين والصرب، والأمر الثاني
تحليل علاقة الحرب في أوكرانيا بما يحدث في هذه المنطقة.
كوسوفو ...تاريخ من الصراع
دولة كوسوفو، من دول البلقان، تقعُ جغرافيا جنوب شرق أوروبا ووسط منطقة البلقان
بعيدا عن السواحل، دولة ذات نزاع إقليمي مع جمهورية صربيا، مساحتها 10,887 كيلومتر
مربع، ويحيط بها من الجنوب الشرقي جمهورية مقدونيا الشمالية، والشمال الشرقي صربيا،
ومن الشمال الغربي الجبل الأسود، أما من الجنوب فتقع ألبانيا.
كانت كوسوفو من المناطق الواقعة تحت الحكم العثماني الذي امتد حتى 1912، وشكل
المسلمون الأغلبية فيها، وبين عامي 1912 و1913 تحديدا بعد حروب البلقان، انتقل
الحكم على كوسوفو إلى صربيا في دولة يوغوسلافيا، وأصبحت إحدى أقاليمها بعد الحرب
العالمية الثانية.
عندما تفككت يوغوسلافيا الى دول، طالب الألبان الذين كانوا في حدود كوسوفو
بالاستقلال، رفض الصرب وقامت معارك مسلحة بين الطرفين بين عامي 1997-1999 فيما يعرف
بحرب كوسوفو، وفي عام 2008 حصلت جمهورية كوسوفو على استقلالها الرسمي باعتراف 97
دولة من دول الأعضاء في الأمم المتحدة، بينما استخدمت روسيا حق الفيتو في مجلس
الأمن ضد استقلالها، لذلك تعتبر صربيا المعابر الحدودية بين صربيا وكوسوفو التي
يبلغ عدد سكانها 1.8 مليون نسمة ممرات إدارية، ولا تعترف بالاستقلال الذي أعلنته
كوسوفو عام 2008.
ويحلل السياسي المخضرم هنري كيسنجر في مجلة نيورويك أسباب النزاع في إقليم كوسوفو
حيث كتب: حرب كوسوفو هي نتيجة نزاع عمره قرون جرى على الخط الفاصل بين
الإمبراطوريتين النمساوية والعثمانية، بين الإسلام والمسيحية، بين القومية
الألبانية والقومية الصربية، فتلك الجماعات الاثنية لم تتعايش بسلام إلا حين كان
التعايش مفروضا عليها من الحكم الأجنبي أو من ديكتاتورية تيتو الذي كان يحكم
يوغوسلافيا.
أوكرانيا في خلفية الصراع
بيانات الاتحاد الأوروبي وبعض القوى الأوروبية الكبرى وما صدر عن تركيا وروسيا وحتى
أمريكا، تعليقا على التوتر الذي حدث في الأسبوع الماضي في كوسوفو، يوحي بأن هناك من
يترقب ومن يتوجس ومن يعيد حساباته.
فقد دعا المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية كوسوفو وصربيا إلى محادثات
لنزع فتيل الأزمة بينهما، مؤكدا أن الهدف من هذه الدعوة هو بحث سبل المضي قدما
للتوصل إلى حلول ومنع تجدد هذه التوترات مرة أخرى، وأضاف دعوني أكرر مجددا أن جميع
القضايا العالقة بين صربيا وكوسوفو لابد من معالجتها عبر حوار بوساطة من الاتحاد
الأوروبي، دون الكشف عن موعد لعقد المحادثات.
بينما عقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية في برلين مؤتمرا صحفيا وصف ما حدث
بأنه كان تصعيدا خطيرا للغاية للوضع، وأضاف إن المستشار الألماني أولاف شولتس يحاول
إجراء اتصالات مع رئيسي حكومتي البلدين لنزع فتيل النزاع الخلاف وتمكين التعاون
الجيد هناك.
بينما أشادت وزيرة الدفاع الألمانية من رد فعل حكومة كوسوفو التي وصفته بأنه يتسم
بالتعقل، وبالتالي فإنه يساهم في التهدئة، وألمحت أن بعثة الناتو "كفور" تراقب أيضا
الوضع عن كثب وعلى استعداد للتدخل في حالة تعرض الاستقرار للخطر.
أما الولايات المتحدة فقد ظهر دورها في الأزمة عند الإعلان عن قرار لحكومة كوسوفو
بتأجيل تطبيق القواعد الجديدة عند الحدود مع صربيا لمدة شهر، فقد أتى الإعلان عن
هذا التأجيل في بيان حكومي عقب اجتماع مع السفير الأمريكي في كوسوفو، وقد أكدت مجلة
فورين بوليسي هذه الحقيقة حين ذكرت أن تدخل السفير الأمريكي في كوسوفو جيف هوفينيه،
قد نجح في الضغط من أجل أن تقوم حكومة كوسوفو بتأجيل الإجراءات لمدة 30 يومًا
لتسوية أي سوء تفاهم في تهدئة الوضع.
وفي المقابل أصدرت وزارة الخارجية الروسية بياناً الأربعاء الماضي، أعربت فيه عن
قلقها البالغ إزاء منع السلطات الكوسوفية مرور وسائل النقل عبر حدودها مع أراضي وسط
صربيا، معتبرةً أن ذلك يتم تحت ذرائع واهية.
وصربيا كانت قد خالفت الموقف الأوروبي من العلاقات مع روسيا إثر غزوها لأوكرانيا،
فعلى الرغم من حظر الاتحاد الأوروبي للطائرات الروسية، فقد ضاعفت صربيا عدد الرحلات
الجوية المباشرة إلى روسيا، كما وقعت على ثلاثة أعوام أخرى من استيراد الغاز الروسي
في مايو مخالفة المقاطعة الأوروبية.
وترتبط صربيا بروسيا بروابط تاريخية ودينية، فكل من البلدين يتبعان المذهب
الأرثوذكسي المسيحي، وتعلم صربيا جيدا أن هيمنتها في البلقان مرتبطة بتحالفها مع
روسيا، ولكنها في الوقت نفسه فالدولة محاطة جغرافيا بدول الاتحاد الأوروبي فهي
تحاول الموازنة بينهما.
وربما أراد رئيس كوسوفا استغلال الانشغال الروسي بحرب أوكرانيا، لكي يفرض سيادة
كوسوفو على الصرب الذين يعيشون داخلها، لذلك رد الرئيس الصربي والذي ربط بين ما
يحدث في كوسوفو والحرب الدائرة في أوكرانيا، حينما لقت الانتباه بخطاب الأسبوع
الماضي أشار فيه إلى موقف صربيا من الحرب الروسية؛ حيث اتهم الزعيم الصربي كوسوفو
باستغلال محنة أوكرانيا لتلبية مصالحها، وجعل من نفسه نسخة مقلدة من الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين ومن زعيم كوسوفو نسخة مصغرة من رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي.
وهذا يعلل الموقف الأمريكي الذي يحاصر روسيا بالعقوبات فسارع الى الضغط على كوسوفو
لكي توقف إجراءاتها ضد الصرب، حتى لا تتخذها دولة صربيا مبررا لكسر العقوبات
الغربية على روسيا.