هل ستتحقق آمال الأكراد في سوريا هذه المرة، وينجحون في اقتطاع جزء من البلاد التي مزقتها الحرب التي شنها نظام الأسد على شعبه بمعاونة إيران وروسيا، ويتمكنون من ايجاد نواة لوطن مستقل للأكراد لأول مرة في التاريخ؟
هل سيكون مصير الأكراد في سوريا مختلفا عن مصير بني جنسهم من الأكراد الآخرين؟
لقد انتهت أحلام الأكراد منذ القرن الماضي بتكوين دولة مستقلة لهم سواء في العراق
أو إيران أو تركيا أدراج الريح....
فهل ستتحقق آمال الأكراد في سوريا هذه المرة، وينجحون في اقتطاع جزء من البلاد التي
مزقتها الحرب التي شنها نظام الأسد على شعبه بمعاونة إيران وروسيا، ويتمكنون من
ايجاد نواة لوطن مستقل للأكراد لأول مرة في التاريخ؟
للإجابة على هذا السؤال يلزمنا دراسة تجارب الأكراد السابقة وعوامل فشلها، ثم نعرج
لدراسة محاولة أكراد سوريا الحالية وهل ستتكرر فيها عوامل الفشل السابقة؟ أم أن
الأكراد استطاعوا تلافي أسباب انهيار تجارب الأكراد الآخرين، واستطاعوا تجيير
معطيات الداخل والخارج لصالح مشروعهم؟
الأكراد وحلم الدولة
من الغريب والمثير للريبة أن فكرة إقامة دولة كردية، لم تكن نابعة من الأكراد
أنفسهم بل أتت بداية من القوى الغربية والتي خرجت من الحرب العالمية الأولى منتصرة،
ومن ثم شرعت في تقسيم مناطق نفوذ الدولة العثمانية المهزومة.
أسهم الأكراد مثلهم مثل باقي قوميات وأعراق مكونات العالم الإسلامي في انشاء حضارة
امتدت عبر الزمان والمكان، لم تكن هناك هوية أو الشعور بهوية مختلفة عن الانتماء
للإسلام، يشعر بها الكردي تميزه عن بقية المسلمين، من ينسى من المسلمين البطل صلاح
الدين الأيوبي الكردي، والذي حرر القدس ودحر الصليبيين؟
ولكن مع الهزيمة النفسية والتي مني بها المسلمون، بدأت معاني الانتماء للإسلام
تضعف، فتسللت هوية قومية وعصبية عرقية نتنة، طالما حاربها الإسلام وسعى لإذابتها
ليجعل المرء متشبثا بعقيدته مدافعا عنها باذلا الرخيص والغالي في سبيلها.
في معاهدة سيفر عام 1920، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون لأول مرة تصورا لدولة
كردية، فبدأت النخب الكردية المتغربة في نسج الآمال بالانفصال وتكوين كيان مستقل في
مناطق يتواجد فيها الأكراد بكثافة سواء في تركيا أو العراق أو إيران أو سوريا.
إلا أن هذه الآمال تحطمت بعد ثلاث سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود
الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية.
وعلى مدار قرن من الزمان قامت حركات مسلحة انفصالية في إيران وتركيا والعراق، تم
قمعها وسحقها، وعلى إثرها عانى الأكراد في هذه الدول من الاضطهاد والتمييز بدلا من
إعادة دمجهم من قبل الحكومات التي سيطرت على تلك البلاد والتي يتواجد فيها مجموعات
كردية كبيرة.
هذا الظلم الواقع على الأكراد كانت له عوامل محلية ودولية:
فحكومات هذه الدول بدلا من رفع الإسلام كمنهج للحياة وفي داخله تذوب العرقيات
والانتماءات الأخرى، الا ان هذه النظم نحت الإسلام وشريعته واستبدلته بمناهج غربية
تعلي من شأن العرق والقومية فساهمت في شكل كبير في احياء العصبيات والقوميات.
وهناك أيضا القوى الخارجية والتي حاولت استخدام العرقيات كورقة ضغط على النظم
العربية لضمان التحرك في الإطار المرسوم لها وعدم تعدي الخطوط الحمر، وضمان بقاء
الشعوب في حالة تناحر داخلي بدلا من ان تتطلع إلى النهضة والرفعة، فكانت سياسة فرق
تسد.
أكراد سوريا...التاريخ والديموغرافيا
تم تسجيل تواجد الأكراد في حلب ودمشق ومنطقة حوض نهر العاصي وجبل الأكراد في الساحل
الشامي تاريخيا منذ عهد الدولة الأيوبية، ويذكر المؤرخ العراقي محمد أمين زكي أن
الأكراد في سوريا- ما قبل 1925- كانوا يعيشون على شكل قبائل رحالة، إلا أن منطقة
الجزيرة السورية شهدت هجرات كردية متلاحقة أدت لوجود كردي كبير فيها.
وعامة يقسم الباحثون في الديموغرافيا (علم السكان) الأكراد في سوريا الى جزءين:
أكراد الداخل وهم المنتشرون في مدن سوريا المختلفة، وأكراد الأطراف وهم الذين
يعيشون في مجموعات على الحدود السورية.
وحاليا يمكن تقسيم المناطق التي يقطنها أكراد الأطراف هؤلاء إلى ثلاث مناطق رئيسة،
أهم ما يميز تلك المناطق هي أنها تتجاور حدوديا مع مناطق الأكراد سواء في العراق أو
في تركيا:
المجموعة الكردية الأولى تقطن في جبل الأكراد في منطقة تعرف أيضا بكرد داغ أو عفرين
شمال حلب، أما المجموعة الكردية الثانية فتسكن في منطقة عين العرب وما حولها (منطقة
كوباني)، والمجموعة الثالثة فتتواجد في الجزيرة السورية في محافظة الحسكة حيث
تتجاور القبائل البدوية الرعوية العربية والكردية.
لا يوجد إحصاء علمي يمكن الركون اليه في تحديد عدد الذين ينتمون للعرق الكردي، سواء
قبل قيام الدولة السورية أو بعدها، والإحصائيات الرسمية الحكومية والتي تتناول
تعداد الشعب السوري تجنبت أي تقسيم للسوريين من حيث العرق الكردي والعربي.
ولكن في عام 1962، ولأسباب مجهولة وربما لدوافع قومية متأثرة بالمد القومي حينها،
أجرى الرئيس السوري حينها ناظم القدسي تعداد للسكان في منطقة الجزيرة وحدها دون
المناطق السورية، قسم الأكراد فيه الى أكراد أعطاهم الجنسية السورية، وأكراد جردهم
من الجنسية السورية ولكن سجلهم على أنهم أجانب، وأكراد جردهم من الجنسية السورية،
ولكن وصفهم بأنهم (مكتومو القيد) وهو مصطلح إداري سوري يشير إلى عدم وجود الشخص
المعني في السجلات الرسمية.
ويتهم الأكراد هذا الإحصاء بأنه تسبب حينها في حرمان أكثر من سبعين ألف كردي من
الحصول على الجنسية السورية، وأن هذا العدد تضاعف مع الوقت ليصل في الوقت الحالي
إلى نحو ثلاثمائة ألف شخص يفقدون كل الحقوق الأساسية من هوية وصحة وتعليم وعمل
وتملك، وغير ذلك من الخدمات.
وبعدها خضع تقدير أعدادهم دائما للميول السياسية وليس لتقديرات إحصائية علمية،
فالمصادر السورية والتي لا تريد التقسيم والدعاية لدولة كردية سورية تقول ان نسبتهم
في حدود 5% من السكان، بينما تتحدث المصادر الكردية عن 10 % من السكان، وطبعا غالبا
ما تأخذ المصادر الغربية بتلك المعلومة والتي لا تستند الى مصادر علمية صحيحة.
ولخطورة تلك الاحصائيات فإن الإدارة الكردية لمنطقة الحسكة بدأت قبل شهرين من هذا
العام، إحصاء شاملا للسكان والممتلكات في محافظة الحسكة، على أن يتم استكماله في
بقيّة المناطق الخاضعة لسيطرتها. وبينما تُدافع تلك الإدارة الكردية عن هذا
الإحصاء، الذي دأبت على الترويج له منذ أكثر من عام، بكونه يستهدف أغراض التنمية،
يسود اعتقاد واسع في أوساط معارضي الإدارة الكردية بأن الأخيرة إنما تريد من خلال
ذلك، تغيير هوية المنطقة، وإثبات كرديتها على حساب المكونات الأخرى، بما يخدم
مشروعها السياسي.
وتنتمي الغالبية الساحقة من الأكراد في سوريا الى أهل السنة، بينما يوجد بينهم
أعداد قليلة من النصيريين والايزديين.
وبعد قيام الدولة السورية منذ منتصف أربعينات القرن الماضي، حدثت عملية اندماج
للأكراد داخل نسيج المجتمع السوري واندمجوا في الفعاليات السياسية والاقتصادية
والاجتماعية للدولة، وكانت المجموعة والتي تسكن في الجزيرة أكثر المجموعات المندمجة
تلك، وتغلغلوا داخل أدوات الدولة التشريعية والتنفيذية الإدارية العليا والوسطى،
حتى وصل إلى قمة السلطة في مرحلة الانقلابات العسكرية عدد من كبار الضباط الأكراد،
وشغل بعضهم رئاسة الجمهورية مثل حسني الزعيم، أديب الشيشكلي، فوزي سلو، وآخرون
تولوا مناصب كبيرة في قيادة الجيش.
الأكراد في سوريا... الدور السياسي
بعد ثورة الشعب السوري ضد حكم بشا الأسد الطائفي، شكل الأكراد السوريون العديد من
الأحزاب والجمعيات والجماعات والمؤسسات سواء الاجتماعية أو السياسية أو العسكرية.
وفي بعض التقارير الغربية تحصي ما يقرب من أربع عشر جمعية أو جماعة أو تحالف وهي
مثل: التحالف الوطني الكُردي في سوريا
HNKS،
ومجلس سوريا الديمقراطية
SDC،
وحزب الاتحاد الديمقراطي السوري
PYD،
والحركة من أجل مجتمع ديمقراطي
TEV-DEM،
ووحدات حماية الشعب
YPG،
ووحدات حماية المرأة
YPJ،
وأسايش، والمجلس الوطني الكُردي
ENKS،
والحزب الديمقراطي الكُردستاني السوري
KDP-S،
واللجنة الكردية العليا، والاتحاد السياسي الديمقراطي الكردي، وبركان الفرات، وجبهة
الأكراد، وقوى الحرية المتحدة.
ولكن أخطر هذه المجموعات هما حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي
PYD،
ويعتبر الفرع السوري لحزب
PKK
الكردي التركي، ولديه تنظيم سياسي ويتبع الزعيم ذاته للفرع التركي، عبدالله أوجلان،
المسجون حاليا في تركيا، وهناك أيضا وحدات حماية الشعب الكردي
YPG
الذي يعتبر الجناح المسلح لPYD،
ويتألف من نحو 10 آلاف مقاتل، ويعتبر أيضا الحليف الأقوى بالنسبة للولايات المتحدة
الأمريكية على الأرض في سوريا ويتلقى دعما كبيرا منها الأمر الذي ساهم بسيطرته على
مساحات واسعة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. ولكن من ناحية
أخرى تمكن هذا التنظيم الكردي المسلح أيضا من السيطرة على مساحات من الأراضي التي
يسيطر عليها الثوار السوريون، وفي نفس الوقت منع حزب الاتحاد الديمقراطي أي وجود
كردي مسلح من خارج دائرة الموالين له في وحدات الحماية الشعبية، وقد تحدثت تقارير
في الآونة الأخيرة عن مناوشات مسلحة مع حزب الوحدة الكردي في سوريا (يكيتي) في
مدينتي الدرباسية والقامشلي.
وكما في تجارب المحاولات الكردية السابقة في الانفصال قد انتهت إما بالذوبان أو
بكيان حكم ذاتي في حالة حصار، فإن أكراد سوريا والذين يحتمون في التواجد الأمريكي
في سوريا، وينتهزون تفاقم الصراع الدولي والإقليمي والذي يتخذ من سوريا أرضا لتصفية
الحسابات، فإنه يبدو أنهم ينتظرهم نفس مصير التجارب الكردية السابقة عندما يتوارى
الصراع الدولي علا الأرض السورية وتنتهي فصوله، ويتبخر حلم الأكراد مرة أخرى.