مجريات الأمور في المشهد السياسي العربي الحالي، تشير إلى أنّنا بصدد منافسة مستقبلية بين ثلاثة مشاريع سياسية أساسية في المجتمع العربي مع القول أنه من غير المتوقع أن تُحسم في الانتخابات القادمة.
للمرة الخامسة في غضون أربع سنوات وللمرة الخامسة والعشرون في تاريخ
الدولة الصهيونية ستجري انتخابات الكنيست وذلك بعد أن أقرت الهيئة العامة، الشهر
المنصرم، حل الكنيست، وإجراء الانتخابات في الأول من تشرين ثاني/ نوفمبر من العام
الجاري.
تقديم الانتخابات وما واكبها من تطورات سياسية، تفرض نفسها على
المشهد السياسي والحزبي العربي في توقيت غير مريح، فالحالة السياسية لدى الأحزاب
العربية في الكنيست الصهيوني في أزمة، منذ الانتخابات الأخيرة، وتشهد تصدّعا سياسيا
خطيرًا، منذ المشاركة غير المسبوقة لقائمة عربية في التحالف الحكومي منذ إقامة دولة
الكيان، فضلًا عن تحالفها مع اليمين المتطرف وفشل مشاريع إسقاط نتنياهو.
هذا الواقع الملغوم وما صاحبه من قرار تقديم الانتخابات يضع الأحزاب
والقوائم العربية أمام تحديات ليست بسيطة، إذ قد يتحول عدم الاستقرار والتصدع على
الساحة السياسية العربية المحلية إلى حالة دائمة من التفكك والانقسام السياسي تعيق
العمل الجماعي في المجتمع العربي.
لم يستند تشكيل الأحزاب العربية في دولة الكيان إلى مشروع وبرنامج
سياسي جماعي متفق عليه من المركبات كافة، للمطالبة بحقوق أساسية جماعية موحدة تعكس
طموح ورغبات المجتمع الفلسطيني في الداخل، ولم تطرح مشاريع مناهضة وبديلة للمشروع
الصهيوني الاستعماري، بل ارتكزت على برنامج عمل برلماني خدماتي متفق عليه بالحد
الأدنى الجامع لجميع المركبات، وهو عبارة عن مجموعة أهداف وعناوين سياسية تتمحور
في:
- أهمية دور الأحزاب العربية في التصدي لليمين الصهيوني ومشاريعه العنصرية ضد
العرب.
- زيادة قوة المجتمع العربي السياسية وتأثيره السياسي من خلال زيادة عدد
ممثليهم في البرلمان.
- تعزيز وحدة المجتمع العربي داخل دولة الكيان لأهميتها في العمل الجماعي
للعرب في الداخل المحتل.
اشتغلت الأحزاب العربية فيما بينها بالخلافات والمشاريع السياسية
التنافسية إلى أن تم تشكيل القائمة العربية المشتركة عام 2015 لتعمل هذه الأحزاب
مؤقتا على ضبط الخلافات السياسية، أو تخفيفها وتأجيلها بغية إنجاحها والحفاظ عليها،
ولكنها لم تفلح في كبح جماحها فعادت وفتحت الخلافات الأيديولوجية السياسية فيما
بينها من جديد والتي أدت إلى تفكيك القائمة المشتركة، بل أُضيف إليها تصدع جديد وهو
مشاركة حزب (القائمة العربية الموحدة) في التحالف الحكومي، تحت سقف وشروط أحزاب
اليمين واليمين المتطرف.
مجريات الأمور في المشهد السياسي العربي الحالي، تشير إلى أنّنا بصدد
منافسة مستقبلية بين ثلاثة مشاريع سياسية أساسية في المجتمع العربي مع القول أنه من
غير المتوقع أن تُحسم في الانتخابات القادمة.
- القائمة العربيّة الموحّدة (الحركة الإسلامية الجنوبية)، والتي
ستسعى إلى تعميق مشروع التأثير والإنجازات، وإلى محاولة تحسين القضايا المعيشية
للمواطنين العرب، بالتوازي مع تغييب البعد القومي الجماعي للقضية الفلسطينية،
والقبول بطبيعة دولة الكيان كدولة يهودية، أي الخضوع لشروط اليمين المتطرف، وتعزيز
خطابها المحافظ اجتماعيا لضمان الشرعية الجماهيرية.
- تحالف الجبهة والعربية للتغيير، الذي يمثل مشروع الاندماج والتأثير
تحت سقف وشروط المركز واليسار الصهيونيين وسيعمل على إقناع المجتمع أن مشروعه يمكن
أن يحقق إنجازات أفضل ويكون له تأثير أقوى دون التنازل عن مطلب حل القضية
الفلسطينية وإنهاء الاحتلال وتحقيق المساواة للمجتمع الفلسطيني، لكن دون تحدي جوهر
الدولة الصهيونية.
- التجمع الوطني الديمقراطي، بعد أن تراجعت قوته وحضوره في السنوات
الأخيرة، ووافق على عدة قرارات للقائمة المشتركة لا تتوافق مع طرحه السياسي، وتراجع
خطابه في القائمة المشترَكة الهادف لمناهضة جوهر يهودية الدولة والمطالبة بالحقوق
القومية الجماعية للعرب وهو ما أضر به في نهاية المطاف، أوضح أنّه يسعى إلى تغيير
أو تصويب المسار السياسي للقائمة المشتركة، عن طريق طرح مشروع سياسي يتلاءم مع
الواقع الجديد، يطالب فيه بالمساواة الكاملة، الفردية والجماعية، والخروج من حالة
السيطرة والاستعمار الصهيوني لكل المواطنين، ويوضح فيه العلاقة بين الحقوق القومية
الجماعية والحقوق المدنية المعيشية، وكيف تُشتق الأخيرة من الأولى. وقد يسعى لإقامة
قائمة تحالفيه جديدة مع أحزاب عربية أخرى للمنافسة في الانتخابات البرلمانية
القادمة والسعي لتحقيق أهدافه ومبادئه.
المعطيات الحالية في المشهد السياسي الفلسطيني تشير إلى أنّ
الانتخابات القادمة ستحمل معها نقاشًا ومنافَسة سياسية جدية في المجتمع العربي
تختلف عما كان في الانتخابات السابقة، فخيارات الأحزاب العربية لخوض الانتخابات
ستكون أوسع من الانتخابات السابقة، نتيجة للحالة السياسية الصعبة، ونتيجة تراجع
مكانة وأداء القائمة المشتركة وتوقعات استطلاعات الرأي العام بشأن عدم زيادة
مقاعدها، الأمر الذي يزيد من المنافسة بين مركباتها، من جهة، واستقرار قوة القائمة
الموحدة والقناعة بعبورها وحدها لنسبة الحسم، من جهة أخرى، غير أنّه حتى الآن لا
يبدو أنّه سيكون هنالك حسم لصالح أي من المشاريع السياسية العربية المتنافسة، بسبب
تنوُّع مواقف المجتمع العربي تجاه المشاريع السياسية الصهيونية، وكذلك بسبب مستوى
السيولة العالي في المنظومة الحزبية والسياسية في دولة الكيان.
إن أي تغير جدي في المشهد السياسي الصهيوني ستكون له إسقاطات على
التيارات السياسية العربية وعلى مشاريعها ومدى قبولها لدى المجتمع العربي. كذلك
تتعلق فرص نجاح هذه القوائم باجتياز نسبة الحسم، بطبيعة الحال، وبالحراك السياسي في
فترة الانتخابات، وبنسبة المشارَكة في الانتخابات (التي لا تتعدى حتى الآن -وَفقًا
لاستطلاعات الرأي العام أكثر من 45%)، وبمقدرة الأحزاب رفع نسبة التصويت في حال
المشاركة الفعالة والتحشيد لصالحها.