• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل تراجع أردوغان؟

على مدار السنوات الماضية ازداد النقاش الداخلي في تركيا حول أزمة اللاجئين، التي يرى البعض أنها أحد الأسباب التي ساهمت في خسارة حزب العدالة والتنمية لمدن كبرى في الانتخابات المحلية الأخيرة، مثل مدينتي إسطنبول وأنقرة.


في شهر مايو الماضي أي قبل شهرين، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن خطة لشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا من اجل تخليص مناطق منبج وتل رفعت وكوباني من الارهابيين، وبعدها ظهر المتحدث باسم الجيش التركي ليفصل الأهداف من هذه العملية، حين تحدث وقتها عن ان العملية المفترضة تقتضي اقامة منطقة امنية بطول 30 كم على طول حدودنا الجنوبية على حد تعبير المتحدث باسم الجيش التركي.

ومضى شهران حتى الآن ولم نرى أي عمليات كبيرة يقوم بها الجيش التركي، على الرغم من أن المسئولين السياسيين والعسكريين لم يتوقفوا عن الحديث عن العملية المرتقبة وكأنها على وشك الحدوث، وأنها أمر سيقع غير قابل للنقاش أو الجدال.

وهذا يدفعنا للتساؤل: هل ستقدم تركيا على هذه العملية العسكرية كما تزعم ويصرح المسئولين فيها من أعلى المستويات بذلك؟

أم أن الأمر لا يخرج عن كونه تهديدا كلاميا ولن يتعدى الأمر الحديث؟

للإجابة عن هذه الأسئلة يلزمنا معرفة الأهداف التركية من الوضع في سوريا، واستراتيجيتها لتحقيق تلك الأهداف، ومن ثم يمكننا أن نفهم مغزى الإعلان عن هذه العملية المرتقبة.

أهداف تركيا في سوريا

الذي يتتبع أهداف أي دولة لها طموح لأن يكون لها تأثير إقليمي ودولي مثل تركيا، فعليه أن يلاحظ الأبعاد الداخلية والخارجية لأي سلوك سياسي تتحرك به خاصة إذا كان خارج حدودها.

وتركيا مثل القوى الصاعدة في النظام الدولي تأخذ سلم الصعود عبر الخطوات التالية:

أولا: حشد الشعب وراء الأهداف الكبرى، وتمتين النظام السياسي، وتجميع الموارد الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية.

ثانيا: تصفير المشاكل مع الجيران والتوافق مع قواعد اللعبة الدولية.

ثالثا: ثم تنتقل الدولة الى استغلال الفراغات ومن ثم ملأها في الصراع الدولي.

رابعا: وهي الخطوة الأخيرة وعندها تكسر الدولة قواعد اللعبة الدولية وتبدأ في ابراز نفسها كقوة عالمية يجب على العالم كله الاعتراف بها كذلك.

بالنسبة للخطوة الأولى فإن هدف أردوغان الداخلي الأكبر فهو يتمثل في إعادة انتخابه مجددا في انتخابات العام القادم لكي يستطيع استكمال مشروعه المتعلق بنهضة الدولة التركية واستمرارها في لعب أدوار إقليمية وعالمية.

استطاع أردوغان على المستوى الداخلي أن ينهض بالدولة التركية طوال ما يقرب من عشرين سنة وهي مدة حكمه سواء كرئيس وزراء أو رئيس جمهورية، وبدون الدخول في تفاصيل فقد استطاع أن يقفز بتركيا من دولة ترتيبها التسعين على مستوى اقتصاديات الدول الى المرتبة الحادية عشر الأكبر اقتصاديات عالمية لتدخل مجموعة 20 جي أي مجموعة العشرين دولة الأعلى اقتصادا في العالم، كما تقدمت الخدمات التي تقدمها الحكومة التركية للمواطنين والمقيمين من رعاية صحية وتعليم وغيرها لتضاهي هذه الخدمات أرقى الدول الأوروبية، كل هذه الأمور رفعت من شعبية أردوغان وحزبه لمستوى غير مسبوق، وجعل المعارضة في وضع لا تحسد عليه، ولكن أكبر انجاز حققه أردوغان داخليا كان هو تغيير قواعد لعبة التغيير داخل النظام التركي، فبدلا من الانقلابات العسكرية والتي كان يقوم بها الجيش على الحكومة التي يختارها الشعب اذا بدا أي هفوة أو أي انتقاص لعلمانية الدولة، فإن أردوغان استطاع لجم الجيش ودفعه خارج الحلبة السياسية ومعادلة التغيير داخل النظام السياسي التركي، وإبقاء الصناديق المبنية على الاختيار الشعبي هي فقط من تحدد وجهة أي حكومة تركي.

ولكن في الفترة الأخيرة استجد على الساحة التركية أمران استغلتهما المعارضة لتنال من شعبية أردوغان وتجربته:

الأمر الأول تراجع الاقتصاد وتدهور العملة وزيادة البطالة، وبالرغم من أن ذلك مرجعه جزئيا مثل بقية العالم، الى فعل أزمة وباء فيروس كورونا العالمي الذي أبطأ التجارة وأدى إلى تسريح العمال، ولكن فشل سياسات إدارة الاقتصاد وضغوط إقليمية ودولية على هذا الاقتصاد أسهما في هذا التدهور.

الأمر الآخر هو بروز معضلة اللاجئين، فيتواجد على الأراضي التركي حوالي 3.7 مليون مهاجر سوري من تركيا فروا من بلادهم، سواء من تنكيل النظام منهم أو تعمد تفريغ سوريا لإحداث تغيير ديموغرافي لصالح النصيريين والشيعة، هذا غير مئات آلاف اللاجئين من جنسيات أخرى والذين فروا لأسباب اقتصادية وسياسية. 

وبالرغم من أن قضية اللاجئين في تركيا لا تزعج نسبة كبيرة من الأتراك، فحسب استطلاع رأي أجرته مؤسسة سونار للأبحاث فإن 74.3 بالمئة من الأتراك يعتقدون أن الاقتصاد هو أهم مشكلة تواجه تركيا، في حين يأتي اللاجئون في المرتبة الثانية بنسبة 3.5 في المئة. تليها العدالة بنسبة 2.9 بالمئة، ولكن أحزاب المعارضة تحاول سكب الزيت على النار.

فحزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، ما يزال يكرر تعهداته بإعادة السوريين خلال عامين في حال فوزه بانتخابات 2023، وزعيم حزب ظفر اليميني المتطرف، الذي أسسه حديثًا أوميت أوزداغ والذي أعلن عبر تغريدة على تويتر أنه من كلف ومول الفيلم القصير بعنوان الاحتلال الصامت الذي أحدث ضجة كبيرة مؤخرا، ووصل عدد مشاهدته في موقع يوتيوب إلى نحو 4 ملايين في وقت قصير، والذي يزعم أن اللاجئين السوريين سوف يسيطرون على تركيا كاملا في المستقبل القريب.

وعلى مدار السنوات الماضية ازداد النقاش الداخلي في تركيا حول أزمة اللاجئين، التي يرى البعض أنها أحد الأسباب التي ساهمت في خسارة حزب العدالة والتنمية لمدن كبرى في الانتخابات المحلية الأخيرة، مثل مدينتي إسطنبول وأنقرة.

وبالرغم من دأب أردوغان على وصف اللاجئين السوريين بـمصطلح (المهاجرين) وتركيا المستضيفة لهم ب(الأنصار) الا أنه نتيجة ضغوط زعيم الحزب القومي التركي المتحالف مع حزب العدالة في اتجاه عودة اللاجئين، أعلن أردوغان في 3 مايو أن حكومته أطلقت الاستعدادات من أجل إعادة حوالي 1 مليون لاجئ سوري إلى بلادهم بناء على رغبتهم.

العملية العسكرية التركية

تسبب الخطأ التركي التاريخي بعدم التدخل عسكريا في سوريا بعد اعلان ثوار سوريا مناهضتهم للأسد والعمل على اسقاط نظامه الطائفي، تسبب التأخير هذا في خسارة استراتيجية تركية على عدة أصعدة أهمها: تزايد نفوذ المجموعات العسكرية الكردية والتي تسعى لإعلان دولة كردية في تركيا وسوريا والعراق، والمدعومة من أعداء تركيا والذين يحاولون لجم صعودها العالمي، كما تمثل الخطأ الاستراتيجي الثاني في تدفق اللاجئين الى الداخل التركي والذي استثمرته المعارضة جيدا.

أما الخطأ الاستراتيجي الثالث وهو أن التأخير التركي دفع بقوى إقليمية ودولية للتدخل وإيجاد موطئ قدم لها في سوريا لتنفيذ أهداف إقليمية ودولية، وأخطر تلك القوى روسيا وإيران والولايات المتحدة.

ولذلك عندما بدأ التدخل التركي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، اصطدم بهذه الدول وقواتها العسكرية، مما جعل الحسابات التركية خطيرة.

وبالرغم من أن التدخل العسكري التركي السابق قد نجح الى حد ما في مساعدة المقاومة السورية على الاحتفاظ بمحافظة أدلب وجزء من ريف حلب، ويتواجد في هذه المناطق المحررة حوالي ستة ملايين سوري يعيشون في المناطق الآمنة التي أنشأتها تركيا.

إلا أن تركيا كما أسلفنا ومنذ شهرين استمرت بالإعلان عن عملية عسكرية قادمة في الشمال السوري.

فلماذا تأخرت تلك العملية؟

هناك رأيان: الاول يقول بالفعل ان ورقة سوريا تهم اردوغان بالدرجة الاولى من أجل الانتخابات في العام القادم، والرأي الثاني يقول انها مجرد ورقة يلعب بها ليأخذ أرباحا في ملفات أخرى.

ولكن الإصرار التركي على العملية وتخوف إيران وروسيا وبدرجة أقل أمريكا من هذا الإعلان التركي، يجعل كفة الرأي الأول هي الأرجح.

وهناك حدثان وقعا في الأيام القليلة الماضية يكشفان حجم الضغوط والتهديد والذي تتعرض له تركيا لوقف هجومها المرتقب على الشمال السوري:

الأول هو القصف المجهول على مدنيين في العراق، واتهام تركيا بهذا القصف، ولعل المبالغة من قبل الاطراف الشيعية والكردية والتشهير بتركيا، هو بتحريض ايراني أمريكي على تركيا للضغط عليها بعدم الاقدام على العملية المرتقبة في سوريا.

والثاني هو قصف ميناء أوديسا لإفشال اتفاقية نقل الحبوب والتي رعتها تركيا بين روسيا وأوكرانيا لتقزيم الدور التركي والضغط عليه لوقف التفكير والتراجع عن عملية سوريا القادمة.

ويبدو ومن المرجح أن الضغوط التركية في النهاية ستؤدي الى موافقة أمريكية روسية ايرانية على قيام تركيا بتنفيذ عملية عبر الحدود نحو سورية، وتبقى اختيار تركيا للأهداف والمناطق التي ستدخلها سيعتمد على المصالح الأميركية والروسية والإيرانية، وهي التي تخضع حاليا للتفاوض بين الأربع دول.

 

 

 

 

 

 

أعلى