• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
يائير لابيد.. من برامج التلفاز إلى دهاليز قصر بلفور

من الغريب أن لابيد، البالغ من العمر 58 عامًا، يتم تعريفه في الصحافة ووسائل الإعلام الإسرائيلية على اعتبار أنه ذو مواقف سياسية وسطية ومعتدلة!


يائير لابيد، الصحفي ومقدم برامج التلفاز الذي تحول فجأة إلى سياسي، ثم جاءت به ظروف الاضطراب السياسي إلى منصب رئاسة حكومة الكيان الإسرائيلي، صحيح أن هذا المنصب مؤقت إلا أن كتب التاريخ قد أعطته لقب رئيس الوزراء الرابع عشر في تاريخ الكيان المغتصب لأرض فلسطين، فمن هو يائير لابيد، الساكن الجديد لقصر بلفور، مقر إقامة رئيس الحكومة الإسرائيلية؟

 وُلِدَ لابيد في تل أبيب، عام 1963، والده هو الكاتب والصحفي يوسف طومي لابيد، القادم إلى فلسطين من المجر، والذي دخل المعترك السياسي مبكرًا إلى أن تولى وزارة القضاء في حكومة أرييل شارون الثانية بين عامي 2003-2004، أمضى يائير لابيد شبابه ما بين إسرائيل وبريطانيا، الجزء الأكثر غموضًا في بداياته هي كيفية انتقاله للعمل كصحفي في المجلة العسكرية الرسمية لجيش الاحتلال، حيث حدث ذلك في السنة الثانية للغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية في الثمانينات، يُقال إن والده قد لعب دورًا كبيرًا من أجل نقل ابنه من خطوط الجبهة للخدمة في المجلة العسكرية، بما يضمن له مسار عمل مرموقًا في المستقبل، كثيرًا ما يتم وصف لابيد بأنه رجل متعدد المواهب، حيث جذب الانتباه إليه من خلال أنشطته المختلفة التي مارسها، والتي كثيرًا ما كانت بعيدة عن الجو السياسي، قام لابيد بتأليف الأغاني، كما قام بالتمثيل في بعض الأفلام قبل أن ينتقل إلى التلفزيون، حيث اشتهر وأضبح اسمه مألوفًا بعدما استضاف أحد أكثر البرامج الحوارية شعبية في التسعينيات، ويقال أيضًا أنه ملاكم هاوٍ، لكن لا تُعرف له إنجازات في المجال الرياضي، هذا إلى جانب كونه كاتبًا للسيناريو، حيث كتب المسلسل التلفزيوني الإسرائيلي الشهير "غرفة الحرب" في عام 2005، والذي كان يتناول قصة وحدة سرية من نخبة الجواسيس وضباط الجيش الصهيوني، حيث حاول تمجيد ما أسماه بـ "بطولات" هذه الوحدة، أما على صفحات الصحف؛ فقد ظهر لابيد كمحلل سياسي وأحيانا كناشط اجتماعي، واستطاع أن يؤلف 11 كتابًا، بعضها كان من بين الأكثر مبيعًا في إسرائيل.

دخل لابيد إلى معترك السياسة وحاول أن يبنى مكانة قوية فيها خلال عقد من الزمان، ظل يخطو ببطء إلى أن أسس حزب "يش عتيد"، المحسوب على يسار الوسط والذي لا يزال رئيسًا له، حصد لابيد جانبًا كبيرًا من شعبيته لأنه كان يمثّل أملا للشبان الإسرائيليين الذين سأموا من الأسماء التقليدية في الحياة السياسية الإسرائيلية، كما يحظى ببعض الشعبية لدى الطبقة المتوسطة التي كثيرًا ما يقدم لها الوعود بالدعم والإغاثة الاقتصادية إذا ما وصل حزبه بشكل مطلق إلى السلطة، لكنّ علاقته لم تكن جيدة مع الأحزاب الدينية اليهودية، خاض حزبه انتخابات الكنيست في عام 2013، وحقق مفاجأة لم تكن متوقعة عندما حصد أصوات أكثر من نصف مليون ناخب، ليصبح حزبه هو ثاني أكبر حزب في الكنيست بـ19 مقعدًا، وهو الامر الذي مكّنه أيضا من الانضمام إلى حكومة رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو، حيث أصبح وزيرًا للمالية في تلك الحكومة لم تدم طويلًا، إذ تم الإعلان عن حلّها في نهاية 2014، ليحصد حزبه مقاعد أقل في الانتخابات التالية، ومن ثمَّ ينضم للمعارضة التي صار زعيمًا لها في الكنيست في عام 2020، كان مايو 2021 هو الشهر الذي حمل نقطة التحول الكبرى في حياة لابيد، إذ تم تكليفه بتشكيل حكومة تناوب مع نفتالي بينيت، تولى لابيد حقيبة الخارجية إلى جانب منصب رئيس الوزراء البديل، حيث كان من المقرر أن يتولى رئاسة الحكومة رسميًا في نهاية العام المقبل.

من الغريب أن لابيد، البالغ من العمر 58 عامًا، يتم تعريفه في الصحافة ووسائل الإعلام الإسرائيلية على اعتبار أنه ذو مواقف سياسية وسطية ومعتدلة!، ربما تأتي هذه الفكرة من دعمه العلني لخيار حل الدولتين من أجل إنهاء الصراع مع الفلسطينيين، إلا أن جوهر فكر وعقيدة يائير لابيد التي تربى عليها في كنف والده لا يمكن أن تكون بهذا الاعتدال، لقد وضع والده، يوسف طومي لابيد، نفسه وسط المشهد السياسي الإسرائيلي معتمدًا على مزاعم المحرقة النازية لليهود في أوروبا (الهولوكوست)، والتي كثيرًا ما كان يتحدث عن هلاك عائلته فيها، لقد جعل لابيد الأب من ذلك مدخلًا للحياة السياسية في الكيان الإسرائيلي في سنواته الأولى، وحمل معه منذ يومه الأول في الأراضي المحتلة مواقف يمينية متطرفة في كل ما يتعلق بفلسطين، كان يرى أن حق الفلسطينيين في دولة مستقلة ضربًا من الجنون، وكثيرًا ما كان يؤكد في مقالاته على أن أراضي القدس والضفة الغربية هي أراضٍ يهودية في الأصل ولا يجب أن يكون هناك وجود للفلسطينيين فيها، كما كان يرى أن التوصل إلى التسوية يكون فقط بإقامة دولة فلسطينية على أراضي المملكة الأردنية الهاشمية، كان لابيد الأب معروفًا أيضا بكرهه الشديد لليهود الحريديم، إذ كان يعتقد أن رفضهم الاندماج في الدولة الصهيونية والجيش يؤكد أنهم يرفضون الصهيونية ككل، وأنهم يصرّون على العيش في عصر الظلمات ويرفضون التنوير الذي حملته الصهيونية لليهود، لا شك أن لابيد الابن قد ورث هذه الأيديولوجية عن والده.

يعارض لابيد أي تقسيم للقدس، لكنه أيضا يرفض طلب الفلسطينيين في جعل المدينة عاصمة مستقبلية لهم، وبالتالي فهو لا يرى في القدس سوى مدينة إسرائيلية تاريخية لليهود، هو أيضا من أشد المعارضين لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، حاول البعض تشبيه لابيد بدونالد ترامب، الذي أتى من عالم الترفيه ليتولي المنصب الأعلى في بلاده، وكذلك لأنهما من أشد الرافضين للاتفاق النووي الإيراني، إلا أن لبيد يعارض في الوقت نفسه توجيه ضربة عسكرية لإيران، فهو يريد دفع إيران إلى التخلي عن تطوير قدراتها النووية بشتى السبل المتاحة أولًا، مثل زيادة العقوبات أو إسقاط النظام الحاكم فيها، قبل التفكير في الحل العسكري، يُرجع البعض ذلك إلى افتقاره للخلفية العسكرية، لذلك فإن نجاحه في الوصول إلى رئاسة الحكومة سيجعله مضطرًا لتعيين بعض الوزراء المخضرمين من ذوي الخلفيات الأمنية والعسكرية لتعويضه عجز خبرته، على كل حال ومهما كانت خبرات لابيد فإن الإرهاب الذي يمارسه جيش الاحتلال سيستمر، وسيتواصل التطرف الموجود في السياسة الإسرائيلية، لن يختلف لابيد كثيرًا عن نتنياهو أو شارون أو بيريز أو مائير، أما حديثه المتكرر عن الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان، فليست إلا بقايا من ثوبه الإعلامي الذي لم يتمكن أن يتخلص منه تماما حين دخل عالم السياسة، ففي النهاية يظل لابيد ابنًا لكيان إرهابي يتباهى بأنشطته القذرة وعمليات الإغتيال الإجرامية التي ينفذها سواء داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها، من دون وازع من ضمير أو مانع من قانون، وليس مستغربًا من ذلك، إذ قام الكيان الصهيوني أساسًا على الإرهاب، ولا يزال يواصل ممارسته والبناء عليه.

 فيما تستعد إسرائيل الآن لإجراء انتخابات خامسة خلال 4 سنوات، بعد شهور من عدم الاستقرار السياسي الناجم عن خسارة الحكومة للأغلبية البرلمانية في أوائل أبريل الماضي، من المؤكد أن لابيد الآن يعدّ عدته من أجل الاحتفاظ بمنصبه، خاصةً وأنه كان أحد شخصين تمكنا من إنهاء الرقم القياسي لبنيامين نتنياهو الذي ظل 12 عامًا متتالية في رئاسة الحكومة، ستكون المهمة الأصعب أمامه هي منع نتنياهو من العودة لتشكيل الحكومة مرة أخرى، خاصةً وأنه سيخوض الانتخابات المقبلة دون رفيقه نفتالي بينيت، فيما يرى البعض ـ خاصة الأرثوذكس المتطرفين والقوميين اليمنيين ـ أن لابيد يساري للغاية ولا يستطيع قيادة حكومة في كيان باتت الأحزاب اليمينية المتطرفة فيه هي الفئة الغالبة، أما نتنياهو فقد وصف لبيد بأنه خفيف الوزن، لكن لابيد الذي ينتظر الانتخابات القادمة في نوفمبر وهو في منصب رئيس الوزراء، سيحظى بأشهر قليلة تحمل معها مخاطرة كبيرة وفرصة عظيمة؛ عليه أن يتحمل كل المصاعب التي تواجه الكيان الصهيوني الآن من تحديات أمنية ومشكلات اقتصادية، وفي المقابل لديه فرصة لتعزيز مكانته داخليًا ودوليًا، لا سيّما وأنه سيكون في استقبال الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال أيام، إلى جانب أنه ستُتَاح له الفرصة للتحدث في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، كرئيس وزراء مؤقت، من غير المرجح أن يطلق أي عمليات عسكرية كبيرة أو مبادرات سلام جريئة مع الفلسطينيين، فقط إذا تمكن لبيد من إبقاء الأمور هادئة وتجنب أي خلافات، فقد يكون في وضع جيد خلال الانتخابات المقبلة.

أعلى