تحدثت النائبة السابقة عن الزيادة الكبيرة في السرقات والعدد الكبير للسجناء في البلاد. وقد اشارت أيضاً إلى حالات الانتحار والقتل وجرائم الشرف باعتبارها أمراضًا اجتماعية واضحة في إيران
دأبت إيران والمتحزبين لها ووسائل دعايتها على تصوير نفسها بأنها المتصدي للأطماع
الصهيونية والأمريكية في بلاد المسلمين، وأنها تقود المقاومة لتلك المخططات.
ولكن أثبتت كثير من الأحداث فضلا على أنها نمر من ورق، أن هذه الدولة التي تتمذهب
بالمذهب المنحرف لا تتصدر المقاومة كما تدعي، بل هي بؤرة فساد في داخلها قائمة على
السرقات التي لا تطال فقط صغار رجال الدولة بل كبارها.
وليست هذه ادعاءات أو دعايات مبتورة السند أو مجرد حكايات لا أصل لها، بل مصدرها
الإيرانيون أنفسهم.
فمنذ عدة أيام صرحت فائزة هاشمي رفسنجاني البرلمانية الإيرانية السابقة وابنة رئيس
الجمهورية الأسبق أن 18 مليار دولار من رأس المال تغادر إيران سنويا.
وقالت رفسنجاني: عدونا ليس في الخارج بل عدونا هنا، لقد تم الإبلاغ عن خمسة آلاف
حالة اختلاس على الأقل في البلاد، وزاد حجم الاختلاس في إيران بنسبة 300 في المائة،
وبلغ عدد المهمشين في البلاد 13 مليون نسمة، أي سدس إجمالي سكان البلاد.
وألقت باللائمة على الأجهزة التنفيذية ومؤسسات النظام في إيران في الوضع الراهن،
كما أشارت إلى حالة الفوضى التي لا يمكن السيطرة عليها للفساد المنظم والمستمر في
إيران.
وبحسب ما قالته فائزة هاشمي، فإن 80 في المائة على الأقل من الإيرانيين غير قادرين
حاليًا على توفير الغذاء الكافي، مثل الفواكه والخضراوات، بسبب المشاكل الاقتصادية.
ووفقاً لما ذكرته هذه الناشطة السياسية، يوجد 40 مليون إيراني في وضع يحتاج إلى دعم
حكومي ومساعدة فورية من مؤسسات مثل لجنة الإغاثة.
وتحدثت النائبة السابقة عن الزيادة الكبيرة في السرقات والعدد الكبير للسجناء في
البلاد. وقد اشارت أيضاً إلى حالات الانتحار والقتل وجرائم الشرف باعتبارها أمراضًا
اجتماعية واضحة في إيران. بالإضافة إلى الاحتجاج على القمع السياسي والتعامل مع
الاحتجاجات الاجتماعية، وهي من القضايا الأخرى التي انعكست في حديث فائزة هاشمي
رفسنجاني.
ووصفت الناشطة السياسية في إيران السياسة الخارجية للنظام الإيراني بالضعف
والهشاشة، وقالت إن هذا الوضع أدى إلى اكتساب إسرائيل المزيد من القوة والنفوذ في
الشرق الأوسط.
وقد تم تسليط الضوء في حديث فائزة هاشمي رفسنجاني أيضا على الهجرة الواسعة للنخب
والخبراء والمتخصصين من البلاد. ووفقًا للعضوة السابقة في البرلمان الإيراني، يغادر
ما بين 150.000 و180.000 متخصص البلاد سنويًا.
ويبدو أن حديث فائزة رفسنجاني قد لمس وترا حساسا لدى النظام، فأول أمس أعلن القضاء
الإيراني إحالة الناشطة والبرلمانية السابقة فائزة هاشمي رفسنجاني، إلى المحاكمة،
بتهمة الدعاية ضد نظام الجمهورية الإسلامية وإهانة المقدسات.
وقال المدعي العام لمدينة طهران علي صالحي، وفق وكالة فارس الإيرانية المحسوبة على
التيار المحافظ الايراني، إنه وفق القانون، أُعدّت لائحة اتهام ضد رفسنجاني بتهمة
ممارسة النشاط الدعائي ضد الجمهورية الإسلامية وإهانة المقدسات، مشيرا إلى إحالتها
إلى المحاكمة.
وتتمثل خطورة تصريحات تلك المرأة في أمرين:
الأول أن والدها هاشمي رفسنجاني كان من أشد المقربين لزعيم الثورة الإيراني
الخميني، والذي كان يمثل الجناح الذي يستخدمه الخميني في التقارب مع الغرب
والولايات المتحدة.
والأمر الثاني أن فائزة هاشمي دأبت على أن تكون صوتا صريحا قويا، مما أدى إلى
اعتقالها في ثلاث مناسبات سابقة، وقد حُكم عليها في عام 2012، بالسجن ستة أشهر
بتهمة الدعاية والتحريض ضد الجمهورية الإسلامية.
الفساد في إيران
الفساد في إيران ليس ظاهرة عابرة في هامش النظام الإيراني، كما يدعي البعض ويتحجج
بأن كل النظم السياسية عرضة لوجود مسئول أو آخر تحوم حوله شبهة فساد أو تربح من
منصبه.
ولكن الفساد في إيران له جذوره داخل النظام الايراني بل يتشعب ويمتد في تربة أسست
ووضعت قواعدها على خداع الجماهير الغافلة.
وليس أدل على ذلك مما جرى في البرلمان الإيراني العام الماضي، حينما أصدرت اللجنة
القضائية بالبرلمان الإيراني بيانا قالت فيه، إنه تم التصويت سرا على منع الكشف عن
ثروات المسؤولين باعتبارها من أسرار النظام.
وأضافت اللجنة، وفق بيان لها نشرته وسائل إعلام إيرانية، أنه يجب عدم الكشف عن
ممتلكات كبار المسؤولين بأي شكل من الأشكال؛ لأنها من أسرار النظام، فيما عد خبراء
بأنها تظهر عمق الفساد في البلاد.
بل زاد الطين بلة ما قاله حسن نوروزي، نائب رئيس اللجنة القضائية في البرلمان
الإيراني عن التيار المتشدد، إنه وفقًا لمذكرة المادة 3 من قرار هذه اللجنة، فإن
المعلومات الخاصة بممتلكات المسؤولين في النظام سرية تمامًا، ولا ينبغي نشرها بأي
شكل من الأشكال ويجب الحرص على صيانتها!!!
ويبقى السؤال الى أي مدى وصل تغلغل الفساد في إيران؟
لكي يكون كلامنا علميا ودقيقا وبعيدا عن أي تحيزات مسبقة، فإننا سنستخدم مؤشرا
عالميا للفساد أطلقته منظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة غير حكومية وسياسية قامت
عام 1993 تحاول العمل على معالجة الفساد من خلال نشر هذا المؤشر السنوي الذي ترتب
فيه دول العالم المختلفة من حيث الفساد.
ولمعرفة خطورة هذا المؤشر، نلخص كيفية عمله، من خلال موقع الشفافية الدولية على
الانترنت.
فهو يقوم بجمع البيانات من عدد من المصادر المختلفة في أوساط الأعمال والخبراء في
الدول حول مستوى الفساد في القطاع العام، ويركِّز المؤشِّر على البيئة التشريعية
والإجراءات والبيئة السياسية والاقتصادية ومستويات الحوكمة، ويعتمد المؤشر على (13)
مصدراً مستقلاً، تُعدُّ بواسطة معاهد دراسات مستقلة أو جامعات، ويتولى تحليل هذه
المصادر خبراء خارجيين تعيِّنهم منظمة الشفافية الدولية، ولاعتماد زيادة أي دولة
على المؤشر يشترط توفُّر (3) من المصادر المعتمدة على الأقل، وتمنح الدرجة من صفر
إلى (100)، إذ إنَّ الصفر يعني الأكثر فساداً و(100) الأكثر نزاهة، ويغطي المؤشر
الجوانب الآتية:
الرشوة، اختلاس المال العام، انتشار ظاهرة المسؤولين الذين يستغلون المناصب العامة
لتحقيق مكاسب شخصية، قدرة الحكومات على الحد من الفساد وفرض آليات فعَّالة؛ لتكريس
مبدأ النزاهة في القطاع العام، عِبْءُ الإجراءات الروتينية والبيروقراطية المبالغ
فيها التي من شأنها زيادة فرص ظهور الفساد، التعيينات القائمة على الكفاءة
والتعيينات القائمة على المحاباة والواسطة في الوظيفة العمومية، ملاحقات قضائية
وجنائية حقيقية للمسؤولين الفاسدين، توفر قوانين كافية تتعلَّق بالتصريح بالممتلكات
الخاصة والذمة المالية ومنع تضارب المصالح في صفوف كبار الموظفين العموميين، مدى
توفر الحماية القانونية للمبلغين عن الفساد والصحفيين والمحققين حين تبليغهم عن
حالات الرشوة والفساد، السيطرة على الدولة من قبل أصحاب المصالح الشخصية الضيقة،
قدرة المجتمع المدني على النفاذ إلى المعلومة فيما يتعلَّق بالشؤون العامة.
الوصول إلى المعلومات بحرية وسهولة ومستوى الإفصاح والشفافية، احترام الدول لحقوق
الإنسان.
ووفق هذه المعايير يتم ترتيب الدول، حيث احتلت إيران في آخر تصنيف وهو الذي صدر عام
2021، المرتبة 146 عالميا من أصل 180 دولة شملهم التقرير.
وعلى مدار أكثر من أربعين عاما، أسس ما يعرف بالنظام الثوري الإيراني دولته على
سياسات الفساد والاختلاس والرشوة والنهب، فالفساد في إيران أصبح مؤسسيا، وكما ذكرنا
سابقا تصدر له القوانين، وذكرنا كيف أصدر البرلمان الإيراني تشريعا يجعل ممتلكات
المسئولين في الدولة سريا.
وكمثال قريب، في الشهر الماضي صرّح الرئيس السابق لغرفة التجارة الإيرانية، إن
ثلاثة من أعضاء مجلس إدارة غرفة التجارة الإيرانية دفعوا دفعة مقدمة قدرها 28 مليار
ريال، بالإضافة إلى إيجارات منازلهم الخاصة بقيمة 1.94 مليار ريال من ميزانية
الغرفة.
كما نشرت الصحف الإيرانية قصصا عن ضياع تسعة عشر مليون دولار في شراء طائرات من
إنتاج شركة إيرباص في عام 2019، وأن أحد المصدّرين يرفض إعادة 180 مليون دولار
للبنك المركزي.
وانتشرت ألمافيا المدعومة من النظام والتي تخزن القمح وتوزع الدقيق المليء بالسوس
بين المخابز.
وخلال الاحتجاجات الأخيرة، هتف المواطنون الذين فقدوا ممتلكاتهم وأصولهم نتيجة
للأفعال المروعة للنظام، "يجب معاقبة مرتكبي الجرائم المالية".
وقد امتد الفساد الى الحرس الثوري الإيراني، ففي فبراير الماضي أثار ملف صوتي مُسرب
لقادة الحرس الثوري الإيراني، يناقشون فيه فسادًا ماليًا تورط فيه رئيس البرلمان
محمد باقر قاليباف، رد فعل غاضبًا في طهران، ويتضمن الملف الصوتي الذي تبلغ مدته 50
دقيقة محادثة بين قائد الحرس الثوري السابق محمد علي جعفري ونائبه للشؤون
الاقتصادية صادق زولغدر في عام 2018 حول الفساد الذي تورط فيه فيلق القدس التابع
للحرس الثوري.
إيران بهذا الفساد تقدم أنموذجا حقيقيا لنظام الملالي الذي يدعي الثورية والطهورية،
وينخدع البعض فيه بدعوى المقاومة وكفاح الصهيونية والأمريكان، وهو في حقيقته بؤرة
من بؤر الفساد المالي فضلا عن فساده العقيدي.