• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ذكرى النكسة.. ذاكرة صاحب الحق لا تُمحَى

رغم مرور كل هذه الأعوام على النكسة، لا تزال الذكرى تحمل بين طياتها رؤى ومشاعر مختلفة، فهي توحد الفلسطينيين وتؤكد للأجيال الجديدة منهم أن ذاكرة صاحب الحق لا تُمحَى،


يصادف شهر يونيو (حزيران) من هذا العام، الذكرى الخامسة والخمسين لنكسة 67، أو كما تُعرَف أحيانا بنكسة حزيران، حيث دارت الحرب بين إسرائيل من جهة، وكل من سوريا ومصر والأردن والعراق من جهة أخرى، خلال الفترة ما بين الخامس من يونيو 1967م وحتى اليوم العاشر من نفس الشهر، لذا فإنها تُعرَف أيضا في إسرائيل باسم حرب الأيام الستة، وقد أسفرت تلك الحرب التي تعدّ الثالثة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي عن استكمال الكيان الصهيوني احتلال بقية الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس، وسيناء من مصر، والجولان من سوريا، فكيف بدأت الحرب؟، وكيف انتهت؟، وما الندوب التي تركتها في الذاكرة؟

 شرارة البدء

بعد الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، لم تحتل إسرائيل فقط الأراضي التي تم تخصيصها لها بموجب تفويض الأمم المتحدة، ولكنها احتلت أيضًا معظم الأراضي التي كانت ستذهب إلى فلسطين، ذهب قطاع غزة إلى مصر، وسيطر الأردن على الضفة الغربية، منذ ذلك الحين اندلعت عدة اشتباكات وتوغلات أدت إلى خسائر في الأرواح، كانت مصر على وجه التحديد تحمل ثأرًا ضد الكيان الإسرائيلي المغتصب لأرض فلسطين، لا سيّما بعد غزوه لشبه جزيرة سيناء المصرية خلال العدوان الثلاثي في عام 1956، والذي يعدّ بمثابة الحرب العربية الإسرائيلية الثانية في الصراع. كانت إسرائيل تصعّد من عملياتها الاستفزازية ضد سوريا من وقتٍ لآخر، إلى أن بلغ الأمر ذروته خلال الاشتباك الجوي مع القوات السورية في الرابع من أبريل 1967م، لاحقًا بدأت إسرائيل في الترويج لتدابير عسكرية اتخذتها على الحدود السورية، كان حشد قواتها على الحدود مع سوريا بمثابة الشرارة التي دفعت مصر إلى التحرك التزامًا بمعاهدة الدفاع المشترك المصرية ـ السورية، التي تم التوقيع عليها للتو قبل شهور قليلة، أوفدت القاهرة رئيس أركان قواتها المسلحة إلى دمشق لتقدير الموقف على أرض الواقع وتنسيق الرد الذي يمكن القيام به لاحتواء ما يحدث، بعودته إلى مصر تم إعلان حالة التعبئة القصوى، وأخذت القوات المصرية تتحرك على شكل تظاهرة كبرى اخترقت شوارع القاهرة متجهة صوب سيناء في يوم الخامس من مايو 1967م، كانت القيادة المصرية جادة في تحركها فطلبت من قائد قوات الطوارئ الدولية في سيناء، سحب قوات الأمم المتحدة، ومن ثمَّ تم إغلاق مضائق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهو ما اعتبرته إسرائيل إعلان حرب.

 كانت إسرائيل تحظى بتأييد من الولايات المتحدة في كل خطواتها، فأخذت تسرع الخطى وتحضر نفسها عسكريًا وسياسيًا للمعركة، كانت نية القتال مبيّتة لدى القادة الصهاينة وما كان ينقصهم سوى سبب وجيه لبدء الحرب، ومع توجه القوات السورية والمصرية نحو جبهات القتال، كان المجتمع الدولي يراقب ما يحدث بحذر، وقد نجح النشاط الدبلوماسي الفرنسي آنذاك في إقناع الأطراف العربية بعدم اللجوء إلى القوة، التي تعهدت بدورها بعدم شن الحرب وإيقاف الاستعدادات العسكرية، لكن إسرائيل في تلك الأثناء قامت بتعديل وزاري جاء بالجنرال موشيه دايان إلى وزارة الحرب، ولم تمض سوى ساعات قليلة على تعيينه، حتى بدأت قوات إسرائيل بشن عدوانها المباغت صبيحة 5 يونيو 1967م، نفذت إسرائيل خطتها بتوجيه ضربات جوية مكثفة وخاطفة للمطارات العسكرية وللطيران الحربي المصري والسوري والأردني، ثم انتقلت قواتها البرية للهجوم على الجبهات الثلاث، كان الطيران الإسرائيلي يوفر سيطرة جوية كاملة على أرض المعركة.

 نكسة ثقيلة

رغم صدور قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار؛ كانت القيادة الإسرائيلية تغذي المعركة بقوات جديدة من الاحتياط، بحلول نهاية الحرب، كانت إسرائيل قد ضمت قطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء من مصر، والضفة الغربية والقدس الشرقية من الأردن، ومرتفعات الجولان من سوريا، كما استولت إسرائيل أيضًا على قواعد جوية تابعة للأردن وسوريا، مما أدى إلى شل الجبهة العربية، كانت الهزيمة كارثية، فإلى جانب حجم الخسائر البشرية والخسائر الفادحة في الأسلحة والمعدات، كان إحباط معنويات الشعوب العربية يفوق كل ذلك، في حين سادت حالة من النشوة في إسرائيل التي أثبتت للتو وبدون أدنى شك أنها قوة عسكرية بارزة في المنطقة، بل ربما كانت الأبرز، وكانت المناطق التي احتلتها إسرائيل تمثل مكسبًا استراتيجيًا مهمًا لإسرائيل حيث كانت بمثابة حواجز طبيعية لحماية عمقها الأمني ضد أي هجوم عربي محتمل في المستقبل، أما احتلال القدس الشرقية بصفة خاصة، فقد مثّل حدثًا دينيًا وتاريخيًا فريدًا لإسرائيل، حيث ساعدها ذلك على بسط نفوذها على ما يسمّيه اليهود بـ "القدس الكبرى"، أيّ التي تضم القدس الغربية والشرقية، وذلك للمرة الأولى منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي، ومن ثمَّ باشرت عمليات تهويد للقدس بطريقة مخططة ممنهجة، وهو عمل لا يزال مستمرًا حتى اليوم على قدم وساق.

 لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد بدأت إسرائيل في نهب ثروات الضفة الغربية، لا سيما الموارد المائية، وهو ما ساهم في دعم اقتصاد الكيان المغتصب، كما تم تهجير نحو 300 ألف فلسطينيّ من الضفة وغزة، حيث دشّنت مشروعها الاستيطاني فيهما، ورسّخت مبدأ القوة الغاشمة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية ونهب مواردها، وهذه أيضا سياسة لا تزال مستمرة ومتّبعة حتى الآن في نهب الأراضي وبناء المستوطنات الجديدة، فيما لم يتبق للفلسطينيين سوى 15% فقط من أراضيهم، وهي تخضع بشكل أو بآخر لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، كما حققت هذه الحرب لإسرائيل الكثير من المكاسب، لذا لم تقبل بمنطق السلام الذي كان سينتقص من مكاسبها، فرفضت كل قرارات الأمم المتحدة وتحدت ميثاقها وانتهكت مبادئها، واستمرت في نهب الأراضي لصالح الاستيطان.

 انعكاسات خطيرة

بعد مرور 55 عامًا، لا تزال الحرب لها تداعيات جيوسياسية كبيرة على المنطقة، فبالرغم من انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء المصرية، بموجب اتفاقية سلام مع القاهرة التي تم التوصل إليها في عام 1979م، ثم توصلها لمعاهدة سلام مع الأردن في عام 1994م، تم بموجبها إعادة منطقة الغمر للأردنيين، إلا أنها تزال تحتل باقي الأراضي العربية في الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان السورية، منذ ذلك الحين يرفض الإسرائيليون فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967، وبالرغم من تعدد مؤتمرات السلام الداعية لمبدأ "حل الدولتين"، إلا أن إسرائيل ظلت تتهرب من كل دعوة أو مبادرة تنتهي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، كما تتنصل من إيجاد أي حل عادل لقضية اللاجئين، كما ترفض إسرائيل الانسحاب من أراضي الضفة الغربية التي يتواجد بها الآن أكثر من نصف مليون مستوطن يهودي، أما قطاع غزة الذي انسحبت من داخله، فإنها لا تزال تحاصره وتتحكم في حدوده البرية والبحرية والجوية، واستغل الكيان الصهيوني بخبث شديد البعد الجغرافي بين الضفة والقطاع، ليخلق بعدًا سياسيًا وانقسامًا بين الفلسطينيين لا يزال يشكل نقطة ضعفهم الكبرى.

 ذاكرة تأبى النسيان

رغم مرور كل هذه الأعوام على النكسة، لا تزال الذكرى تحمل بين طياتها رؤى ومشاعر مختلفة، فهي توحد الفلسطينيين وتؤكد للأجيال الجديدة منهم أن ذاكرة صاحب الحق لا تُمحَى، لا سيّما وأن الانتفاضات الأخيرة قد ضمّت أطفالًا وشبابًا ليسوا من جيل النكسة، إذ لم يُولد معظمهم إلا بعدها بسنوات عدة، كما تؤكد لهم أن الشتات الجغرافي لن يمنع أصحاب القضية العادلة من التلاقي في مظاهرات وفعاليات واسعة في مناطقهم المتفرقة، معيدةً لهم روح الوحدة والتضامن، خاصةً بعد أن ظن الاحتلال أنه استطاع تشتيت شملهم، إضافة إلى ذلك فإن المقاومة الفلسطينية قد فطنت من خلال جولات المواجهة مع إسرائيل، أن الأمل في التخلص من الاحتلال هو تجاوز أخطاء النكسة، وتبني بعض مقومات الانتصار التي تبنتها إسرائيل نفسها يوم باغتت القوات العربية على الجبهات المختلفة، ولعل من الملاحظ مؤخرًا أن الفلسطينيين لم يعودوا دائما هم الطرف الذي يتلقى الضربات، وإنما باتت لديهم إمكانية الوصول إلى العمق الإسرائيلي، إلى جانب القدرة على الرد والردع.

 على مدى 55 عامًا، سجلت هيئة شؤون الأسرى التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية أكثر من مليون حالة اعتقال نفذها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، بينهم آلاف لا زالوا رهن الاعتقال، ناهيك عن غيرها من الممارسات غير الأخلاقية التي يمارسها الاحتلال وهو ما حفّز مساعي العديد من الجهات الدولية على مدار عقود لتوسيع حالة التضامن مع القضية الفلسطينية وفضح العنف الإسرائيلي، لكن كل ذلك ظلَّ باقيًا في إطار العلاقات العامة والاستهلاك الإعلامي والشكلي، دون تأثير حقيقي على أرض الواقع، لقد تبخرّت فكرة "حل الدولتين" كحل مقترح للصراع، كما تراجعت المفاوضات بشأن إقامة دولة فلسطينية من الأساس، على الفلسطينيين الآن إعادة بلورة مواقفهم على أساس فهم الحقائق كما هي، حاملين معهم ذاكرة قوية بأن هذه الأرض لهم، ولهم دون سواهم.

أعلى