تتهم إيران الموساد الإسرائيلي بارتكاب تلك الاغتيالات، حيث اتهم قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي الاثنين الماضي صهاينة بالوقوف خلف اغتيال صياد خدائي وذلك بعد أيام من نشر صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تقريرا تشير فيه إلى أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحد
أعلنت إيران يوم الجمعة الماضي، مقتل عقيد آخر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري
الإيراني.
ووفقا لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية إرنا، فقد توفي العقيد علي إسماعيل زاده
صباح الجمعة، في حادث وقع بمقر إقامته في مدينة كرج، التي تقع على بعد حوالي 35
كيلومترا شمال غرب العاصمة طهران، بحسب ما نقلت أسوشيتد برس.
وقالت قنوات إخبارية مقربة من الحرس الثوري، إن إسماعيل زاده سقط من على سطح منزله
أو من شرفته، بينما تتحدث مصادر أخرى على أن بعض مسؤولي الحرس الثوري، في محادثة مع
أسرة العقيد إسماعيل زاده، قالوا بأن سبب وفاته هو الانتحار بسبب مشاكل نفسية ناجمة
عن انفصاله عن زوجته، وترك رسالة بهذا الصدد، والعقيد علي إسماعيل زاده، أحد قادة
الوحدة 840 في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، والمقرب للعقيد حسن صياد خدائي الذي
قتل قبلها.
فمنذ أسبوعين وفي مايو الماضي، أطلق مسلحان مجهولان على دراجة نارية، النار على
العقيد في الحرس الثوري حسن صياد خدائي، خمس مرات في سيارة أمام مقر إقامته في
طهران، واعترف التلفزيون الرسمي الإيراني وقتها بأن صياد خدائي كان من كوادر فيلق
القدس ومعروفا في سوريا حيث تؤكد طهران تواجد مستشارين عسكريين في مهام دعم لقوات
الرئيس بشار الأسد، وذكرت المعارضة الإيرانية أن خدائي كان مسؤولًا عن التخطيط
لهجمات خارج البلاد، واغتيالات متعددة في الهند وتايلاند وقبرص وجورجيا.
وفقدت إيران خلال العقد الأخير عددا من كبار العلماء والعسكريين والسياسيين في
عمليات اغتيال، وهي عمليات نسبتها السلطات الإيرانية لإسرائيل.
وبينما تتهم إيران الموساد الإسرائيلي بارتكاب تلك الاغتيالات، حيث اتهم قائد الحرس
الثوري اللواء حسين سلامي الاثنين الماضي صهاينة بالوقوف خلف اغتيال صياد خدائي
وذلك بعد أيام من نشر صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تقريرا تشير فيه إلى أن
إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأنها هي من نفّذت العملية. وأكد الإعلام الرسمي في
حينه أن تحقيقا فتح لتحديد ظروف الاغتيال.
ولكن المعارضة الإيرانية لها رأي آخر حيث تقول إن علي اسماعيل زادة تم تصفيته من
قبل مخابرات الحرس الثوري للاشتباه في قيامه بالتجسس، وبعد الاشتباه بضلوعه في
اغتيال زميله المقرب وهو العقيد صياد خُدائي، قررت تصفيته ومن ثم فبركة سيناريو
الانتحار.
وهنا يطرح التساؤل، كيف نستطيع تبين الحقيقة وسط هذا التضارب في الروايات من
الأطراف الإيرانية المتنازعة؟
لكشف حقيقة ما حدث أو الاقتراب من الحقيقة بقدر الإمكان يجب علينا تحليل شيئين:
الأول تتبع الروايات الرسمية أو وسائل الاعلام داخل إيران بدقة لعلنا نكتشف
الحقيقة.
والأمر الثاني تتبع الدور الذي يقوم به الحرس الثوري منذ نشأته وتأثيره على القرار
الإيراني.
مقتل العقيد
نسلط الضوء على حادثة الاغتيال الأخيرة لأنها تختلف عن حوادث الأخرى ولذلك فالتدقيق
في الروايات سيعطينا الى حد كبير ما يجري في هذا الملف.
في البداية قالت قناة عماريون وهي قناة تابعة للحرس الثوري الإيراني، إن العقيد
إسماعيل زاده تعرض لعملية اغتيال، وبعدها بدقائق قليلة قامت القناة بسحب الخبر من
قناتها عبر تطبيق تلغرام، ثم ما لبثت القناة التابعة للحرس الثوري أن تعدل الخبر
للمرة الثانية، لتتبنى رواية مختلفة تشير إلى انتحار إسماعيل زاده.
ثم ظهرت رواية ثالثة على موقع إنصاف نيوز وهو موقع على الشبكة العنكبوتية مقرب من
معسكر الإصلاحيين في إيران والذين دائما ينتقدون تصرفات الحرس الثوري، حيث أكد أن
الرواية مرجحة أن يكون العقيد إسماعيل زاده تعرض لعملية تصفية داخلية.
وأشارت هذه الرواية إلى أن تصفية الضابط الإيراني جاءت على خلفية صلة مفترضة بينه
وبين مقتل القائد في فيلق القدس العقيد حسن صياد خدايي الذي قتل قرب منزله شرق
طهران في قبل نحو أسبوعين في هجوم مسلح، وأكد الموقع على ما اعتبره صمت المؤسسة
العسكرية الرسمية عن وفاة قائد برتبة عقيد في فيلق القدس، معتبرة أن هذا الصمت يثير
شكوكا.
ولكن ما لا يذكره موقع الإصلاحيين هذا أن الفساد قد وصل الى النخاع لدرجة أن أحد
قيادات الجهاز قتل رفيقه.
ولكن المسألة الأهم والمسكوت عنها لماذا يخون قائد كبير في الحرس الثوري صاحبه
وقائد مثله؟ لماذا باع نفسه لأعداء دولة الآيات، أو حتى لحسابات شخصية قتل رفيقه؟
أكان الدافع المال؟ أم شيء آخر؟
أين هي الحماسة الثورية؟ أين هي يا لثارات الحسين؟ لماذا تبخرت الدوافع العقيدية
لدى ما يظن به أنه أحد أهم الأجهزة العسكرية لدى نظام إيران والمنوط به حماية
الثورة والنظام؟ وهذا يجرنا الى تتبع تركيبة الحرس الثوري وطبيعة نشأته.
الحرس الثوري الدور والمهام
تعود نشأة الحرس الثوري في إيران إلى شهور قليلة قبل وصول الخميني من باريس حيث
عملت مجموعات مسلحة من الشباب على الصدام مع قوات الأمن والجيش الموالية للشاه،
وبعد رحيل الشاه كان لابد من تجميع القوات العسكرية المختلفة التي نشأت بعد الثورة
في بنية واحدة موالية للنظام فصدر قرار في مايو 1979 بإنشاء حرس الثورة
"الإسلامية".
وتفصّل المادة 150 من الدستور مهام الحرس كالتالي: يحافظ حرس الثورة الإسلامية
الإيرانية على منجزات ودور الثورة، وفي نطاق واجبات هذه الهيئة ومجالات مسؤوليتها
يوازي الواجبات التي تقع على القوات المسلحة الأخرى التي يحددها القانون، مع
التركيز على التعاون الأخوي والانسجام فيما بينها.
ويتبع الحرس الثوري وبشكل مباشر مرشد الثورة الإيرانية، ولا يتبع الحرس مؤسسات
الدولة الأخرى حتى مؤسسة الرئاسة، ويتم تعيين جنرالات الحرس الثوري الإيراني من
جانب المرشد الأعلى وليس من جانب الحكومة المدنية.
حاول النظام الإيراني تحقيق عدة أهداف من انشاء تلك القوات بعيدة عن القوت
النظامية، يقول خامنئي مرشد الثورة وخليفة خميني: إن قرار "الامام" الخميني تشكيل
القوى الثلاثية للحرس الثوري ثمرة رؤية ذلك الرجل العظيم النافذة والمتبصرة والقلب
النوراني، منوها الى ان عبارة "الامام" الخميني "لو لم يكن حرس الثورة ما كانت
الدولة" وذلك لأن الحرس الثوري هو الشجرة الطيبة التي يترشح من هويتها الايمان
والحركة الثورية والجهادية وان الحفاظ على البلاد والثورة الاسلامية مرتبط باستمرار
هذه العناصر الهامة.
فخامنئي يحدد بشكل مباشر لا مواربة فيه أن دور الحرس الأساسي هو حماية النظام حتى
لا يتكرر انقلاب عام 1953 والذي أجهض ثورة مصدق آنذاك وإيجاد جيش ثوري مواز للجيش
الإيراني الذي كان يُعتقد أن الكثير من ضباطه لم يتخلوا عن ولائهم للشاه.
لذلك ساعدت قوات الحرس الثوري جبهة الخميني في صراعه ضد حلفائه الثوريين كجماعة
مجاهدي خلق...كما كان لها دورا في قمع المعارضة في المظاهرات التي قامت ضد النظام
خاصة في عام 2009.
ويتجلى دور الحرس الثوري الدفاعي عن النظام في مشاركته الفعالة في الحرب العراقية
وبواسطة أساليبه الانتحارية استطاع أن يطرد القوات العراقية من الأراضي التي
احتلتها في الحرب ثم احتلال أراضي جديدة داخل العراق بل تهديد بغداد نفسها.
ولم تقتصر مهامه على حماية النظام بل تتعداه إلى تصدير الثورة والقيام بمهمات
خارجية لصالح النظام ومشروعه في المنطقة.
وعن دوريه المزدوج أي الداخلي والخارجي يتحدث رفسنجاني أحد رموز النظام الإيراني
قبل وفاته فيقول في صحيفة كيهان الإيرانية عام 1984: " إن حرس الثورة الإسلامية
الذي تشكل من أكثر الأشخاص تجربة ونضجاً عليه مسؤولية المحافظة على منجزات الثورة
ودستورها لقد كان دور الحرس مؤثراً في إحباط كل مؤامرات القوى الاستكبارية ضد
الثورة سواء في أعمال التخريب أو التضليل أو جبهات القتال كما قاموا بدور كبير في
رفع الروح المعنوية للجماهير وكان دورهم الفني أهم من دورهم العسكري وقد غطى جهازهم
الإعلامي الاحتياجات الإعلامية كذلك كان لهم دور كبير خارج البلاد في تصدير الثورة
الإسلامية فأثبتوا أنهم جهاز يمكن الاعتماد عليه"
وتختلف التقديرات في تعداد أفراد ذلك الحرس فوفق تقديرات المعهد الدولي للدراسات
الإستراتيجية في لندن يضم 350 ألف عنصر في حين يرى معهد الدراسات الاستراتيجية
والدولية في واشنطن أن عدد أفراده لا يتجاوز 120 ألفا.
ويتكون الحرس من خمسة فيالق رئيسة ثلاثة من هذه الفيالق تعتبر تقليدية وقريبة من
دور الجيش الإيراني وهي الفيالق البرية والبحرية والجوية فمهامها تتداخل مع مهام
قوات الجيش الإيراني الذي يتكون أيضاً من هذه الأنواع الثلاثة الرئيسية بالإضافة
إلى وجود فيلقين مهمين:
قوات التعبئة (الباسيج) وتتركز مهامه في الداخل الإيراني وفيلق القدس وهو منوط
بالدور الخارجي ومن أشهر قواده قاسم السليماني الذي قتل في غارة أمريكية في العراق.
والعقيدان اللذان قتلا مؤخرا ينتميان لهذا الفيلق، وإذا صحت الأنباء في أن أحد
العقيدين قد خان الآخر، فإن مستقبل الحرس الثوري الإيراني بات مظلما، وبالتالي يسري
ذلك المستقبل على الدولة التي كان يقول عليها الخميني "لو لم يكن حرس الثورة ما
كانت الدولة".