• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
عملية إلعاد.. بين هلع الكيان والعجز الاستراتيجي

العملية الأخيرة أتت في ذروة الاقتحامات للمسجد الأقصى، والتي خططت لها الجماعات التلمودية والتوراتية، وحرصت تلك المجموعات بأن تكون تلك الاقتحامات غير مسبوقة سواء بالنسبة لعدد المقتحمين، أو من جهة ممارسة الطقوس والصلوات التلمودية والتوراتية بشكل علني في ساح


"خرجوا في حملة لقتلنا، وهدفهم كسر روحنا"

هكذا عبر رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت عن حقيقة الشعور الإسرائيلي بالخوف من كسر الروح الإسرائيلية، إثر العملية الفلسطينية التي حصلت في منطقة إلعاد شرقي تل أبيب، والتي أدّت إلى مقتل 3 مستوطنين إسرائيليين وإصابة آخرين بجروح خطرة، والتي جاءت ردا على اقتحام أكثر من 700 مستوطن، على شكل مجموعات متتالية بلغت نحو 22 مجموعة، باحات المسجد الأقصى في حراسة شرطة الاحتلال الإسرائيلي صباح يوم الخميس الماضي، بمناسبة ما زعم أنه يوم استقلال إسرائيل، وترافق الاقتحام مع اعتداءات نفذتها شرطة الاحتلال على المصلين والمعتكفين الفلسطينيين بقصد تفريقهم وإبعادهم، إلا انه لم تمر سوى ساعات، حتى رد الشباب الفلسطيني، على الاعتداءات الإسرائيلية، بتنفيذ عملية بطولية قرب مستوطنة إلعاد شرقي تل أبيب، أسفرت عن مقتل ثلاثة مستوطنين وإصابة اخرين بجروح خطيرة.

وقد وقعت العملية في ساحتين منفصلتين في وقت واحد؛ الأولى في شارع ابن غفير، حيث تعرض مستوطن لضربة فأس، فيما كانت حديقة البلدية ساحة لهجوم إضافي، بحسب ما نقله موقع i24  الإسرائيلي.

وأضاف بينيت: أعداؤنا شنوا حملة إجرامية ضد اليهود أينما كانوا، هدفهم تحطيم أرواحنا وسيفشلون، سنضع أيدينا على الإرهابيين وبيئتهم الداعمة وسيدفعون الثمن، وفق ما أوردت صحيفة معاريف الإسرائيلية، كما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مدير عام جمعية "بيتٌ دافئ" الحاخام آريِه مونك، قوله إنّ الذعر كان كبيرا جدا، معتبرا أنّ إلعاد دخلت إلى دائرة عدم أمان وخوف كبير.

ونقل المراسل العسكري لموقع والاه الصهيوني أمير بوحبوط الخشية في المؤسسة الأمنية والعسكرية من أن ينفذ الفلسطينيون عمليات إضافية، داعيا الإسرائيليين إلى زيادة اليقظة والتبليغ عن أي حادث مشبوه.

وقد اعتبر وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد أنّ فرحة عيد الاستقلال في إسرائيل اختفت في لحظة، واصفاً الهجوم الذي حصل بالمرعب والمقلق.

وفي تعليقه، قال رئيس كتلة "يمينا" وعضو الكنيست نير أورباخ: يوم فخرنا ينتهي بألم شديد.

هذا نذر يسير من حالات الفزع التي انتشرت في الأوساط الرسمية الإسرائيلية، فما بالكم بما يدور في نفسية الشعب اليهودي وفي البؤرة منه المستوطنين المتعصبين.

ومما يزيد من حالة الخوف والهلع التي يشعر بها الصهاينة في فلسطين، أن عملية إلعاد أتت بعد عدة عمليات أخرى حدثت خلال ما لا يزيد على شهر ونصف:

ففي 22 مارس الماضي، قُتل أربعة إسرائيليين في مدينة بئر السبع في عملية دهس وطعن، حيث استشهد منفذ العملية وهو من داخل الخط الأخضر، على يد مدنيين.

وفي 27 مارس في الخضيرة شمالاً، قتل فلسطينيان شرطيين إسرائيليين فيما استشهد المنفذان على يد الشرطة الإسرائيلية.

وبعد يومين، حمل الفلسطيني ضياء حمارشة سلاحه وأطلق الرصاص بمدينتي بني براك ورمات غان ليسقط 5 إسرائيليين، قبل أن يُعلَن عن استشهاده.

وفي السابع من أبريل الماضي، سُمع صوت الرصاص في قلب تل أبيب، حيث قتل شاب فلسطيني إسرائيليين وأصاب 9 آخرين، قبل أن يتمكن الاحتلال من قتله، بعد ساعات طويلة من الملاحقة.

وقبل أيام، وتحديدًا في 28 أبريل، قُتل حارس أمن إسرائيلي في مستوطنة أرئيل شمالي الضفة الغربية، وقد أعلن الاحتلال اعتقال فلسطينيين اثنين بزعم تنفيذهما العملية.

ولكن هذه العملية الأخيرة أتت في ذروة الاقتحامات للمسجد الأقصى، والتي خططت لها الجماعات التلمودية والتوراتية، وحرصت تلك المجموعات بأن تكون تلك الاقتحامات غير مسبوقة سواء بالنسبة لعدد المقتحمين، أو من جهة ممارسة الطقوس والصلوات التلمودية والتوراتية بشكل علني في ساحات الأقصى ورفع اعلام دولة الاحتلال في ساحاته وعلى قبة صخرته، وكذلك غناء ما يعرف بالنشيد الوطني للدولة الصهيونية، ولكن تصدي المرابطين والمعتكفين والمصلين لتلك الجماعات التي لم تستطع ان تحشد الأعداد الكبيرة التي تحدثت عنها، وعدم تمكنها من رفع اعلام دولة الاحتلال، جاء كنتيجة لحالة القلق والخوف التي يشعرون بها، وامتد هذا الخوف للحكومة الصهيونية وأجهزة أمنها، التي أصبحت عاجزة استراتيجيا، وباتت تدرك بأن قوى وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لن تترك القدس ولا الأقصى.

ولكن كيف وصل الكيان الصهيوني لهذه الدرجة من الخوف والعجز الاستراتيجي؟

ما هي الأسباب التي أدت الى هذا التراجع؟

للإجابة على هذه الأسئلة يجب علينا تتبع تطور الاستراتيجية الصهيونية منذ قيام دولتهم المزعومة حتى الآن.

فالاستراتيجية الصهيونية والتي استهدفت قيام تلك الدولة، كانت تقوم على أساس دولة بلا حدود تسيطر على أكبر مصدري للمياه العذبة في المنطقة وهما النيل والفرات، فكانت الحدود كما عرفها ارئيل شارون حيث تقف الدبابة الإسرائيلية ليخفي تلك الطموحات، ونجحت تلك الاستراتيجية عندما هزمت العصابات الصهيونية جيوش العرب مجتمعة في حرب 48، وأثبتت جدارتها في حرب 67، عندما هزم الكيان الصهيوني أكبر جيشين عربيين في ذلك التوقيت وهما الجيش المصري والسوري ونجح الجيش الصهيوني في اسقاط القدس.

ولكن تلك الاستراتيجية اهتزت قليلا عندما باغت الجيش المصري نظيره الصهيوني في حرب 73، وبالرغم من أن الجيش الصهيوني نجح في صد الهجمة واختراق الجبهة، ولكن بات عازما على اخراج أكبر قوة عربية من معادلة الصراع بأن يرجع لها شبه جزيرة سيناء منقوصة السيادة نظير إخراجها من التحالف العربي، وأيضا نظير رهن الجيش المصري عند أمريكا بالتدريبات والتسليح وعمولات السلاح.     

لقد بات الحلم الصهيوني مستقرا ويشعر بأنه بات أقرب لتحقيق طموحه وهدفه الأكبر بهدم الأقصى وإقامة ما يطلقون عليه هيكل سليمان على أنقاضه، ولكن حدث أمران غير متوقعين لم يدر في خلد بني صهيون قلبتا الاستراتيجية الصهيونية رأسا على عقب وأصابتها في مقتل:

الأولى اندلاع انتفاضات الشعب الفلسطيني بدء من عام 87 حتى يومنا هذا وأخذت أشكالا متعددة، والأمر الثاني هو انهيار التفوق الديموغرافي اليهودي لصالح الفلسطينيين.

المقاومة الفلسطينية

عندما قامت منظمة التحرير الفلسطينية في الستينات من القرن الماضي وبالرغم من الزخم الإعلامي الكبير المصاحب لها، الا أن سيطرة الحكومات العربية عليها والاختراق الصهيوني لأجهزتها أفقد عملياتها مع الوقت فعاليتها، خاصة مع تبنيها النهج العلماني ومنع أصحاب الاتجاهات الإسلامية من العمل من خلالها، ولذلك فعندما اندلعت انتفاضة عام 87 كان العامل الأبرز فيها هو سيطرة الروح الإسلامية على الشباب الفلسطيني، وتأكد ذلك مع انتفاضة الأقصى عام 2000، وفشلت القوات العسكرية الصهيونية في ايقافها، وهي التي اعتادت على حروب الجيوش وليست الحروب الشعبية.

التغيير الديموغرافي

قبل عامين أجملت دراسة صادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي مترتبات هذا الخطر، حين أشارت إلى أن اختلال الميزان الديموغرافي في الجليل والنقب (وهي المناطق التي يتركز فيها العرب) ينطوي على خطر جيوسياسي يتهدد إسرائيل.

وبالفعل منذ نهاية 2020، أصبح فلسطينيو 48 بالإضافة الى فلسطيني الضفة ومع نظراءهم في غزة يشكلون غالبية سكان فلسطين التاريخية.

لقد نجحت تلك الانتفاضات المتوالية ثم التغير الديموغرافي في خلخلة الاستراتيجية الصهيونية، من دولة بلا حدود الى دولة متقوقعة على نفسها تسيطر على حدود تبعدها عن الكثافة الفلسطينية في غزة، وهذه الدولة لها ذراع قوي وهو جيشها يستطيع احباط كل من تسول له نفسه تهديد الحلم الصهيوني.

ولكن بسيطرة حماس على قطاع غزة نجحت في تطبيق استراتيجية من ثلاثة أذرع:

1.    تطوير قدراتها العسكرية من سلاح وأنفاق.

2.    تجميع الفصائل المسلحة في مظلة واحدة متناسقة.

3.    إيجاد استراتيجية متناغمة بين فلسطيني 48 وفلسطيني الضفة الغربية مع فلسطيني غزة.

كل هذا أربك الحسابات والاستراتيجية الإسرائيلية والتي باتت في خوف وقلق، وتحسب حساب أي خطوة تصعيدية سواء تجاه الأقصى أو الفلسطينيين.    

يخطئ بنو صهيون عندما يظنون أن العمليات الفلسطينية الأخيرة عابرة، أو لا يمكن ان تصبح مستمرة وتدخل فقط في ردة الفعل، وظاهرة تنتهي مع الوقت مع تصاعد العقوبات الجماعية على الشعب الفلسطيني وعائلات منفذي العلميات كالاعتقال وهدم المنازل.

بل هناك إصرار من الأجيال الصاعدة والشباب الفلسطيني أن يحافظوا على المسجد الأقصى من تدنيس الصهاينة، بل يحرروه من الاحتلال الغاصب ووراءهم دعوات شعوب حتى لو بدت مقهورة عاجزة عن الانتصار لهم ولو حتى برفع الصوت.

 

أعلى