تراقب (إسرائيل) عن كثب ما يدور في محيطها
الجغرافي لعلمها يقيناً بأن كل ما يدور حول مركزها من أحدث له صلة كبيرة بالواقع
الإحتلالي الذي تعيشه الدولة المصطنعة على أنقاض فلسطين التاريخية، وبحسب مراكز
الدراسات الإسرائيلية فإن أي تغير في الواقع السياسي للأنظمة المحيطة بالحدود
التاريخية لفلسطين سيؤثر بشكل كبير على استقرار (إسرائيل) ، فهي بذلك ستفقد حليفاً
أو محايداً كان يتجنب العداء معها، لذلك فكافة التوقعات تشير إلى أن الأوضاع الذي
تجري في الشرق الأوسط لا تبشر بخير بالنسبة لاستقرار (إسرائيل) وبقاءها.
وكشفت مصادر سياسيّة إسرائيليّة، وُصفت بأنّها
رفيعة المستوى،بأنه في الوقت التي تحاول واشنطن إقناع الفلسطينيين بالتوجه إلى
الأمم المتحدة للحصول على عضوية في الأمم المتحدة، بات صنّاع القرار في تل أبيب يخشون
من جبهة أخرى، وهي المملكة الأردنيّة الهاشميّة، وبحسب المصادر عينها، كما قال موقع
صحيفة يديعوت
أحرونوت على الإنترنت فإنّ الحكم في الأردن بات ضعيفًا، لا بل أكثر من ذلك آيلاً
للسقوط.
ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين كبار، فضّلوا
عدم الكشف عن اسمهم، قولهم إنّ المملكة تمر في مرحلة صعبة. و أضافت المصادر أنْ الأردن
ستمر بهزّة كبيرة، وبالتالي يتحتّم على صنّاع القرار في تل أبيب أنْ يتعاملوا مع هذا
الأمر بمنتهى الجديّة.
وأوضح
المسؤولون أيضًا أنّ الوضع في منطقة الشرق الأوسط ليس مستقرًا بالمرّة، وبالتالي فإنّه
يجب على الفلسطينيين العدول عن التوجه أحادي الجانب إلى الأمم المتحدّة للإعلان عن
الدولة الفلسطينيّة، لأنّ هذه الخطوة، برأي المصادر عينها، لن تجلب دولة فلسطينيّة،
ولن تُحقق السلام، ولن تقود المنطقة إلى الأمان، بل إنّ هذه الخطوة ستزيد من حالة عدم
الاستقرار في الشرق الأوسط، على حد قولهم.
ولفت الموقع الإسرائيليّ في سياق تقريره إلى أنّ
حكومة بنيامين نتنياهو قررت عدم الرد بشكلٍ رسميّ على تصريحات العاهل الأردنيّ، الملك
"عبد الله الثاني"، الذي قال إنّ (إسرائيل) تواجه وضعاً أكثر صعوبة بعد اندلاع
الانتفاضات العربية، مضيفًا أنّ الأردن ومستقبل فلسطين أقوى من (إسرائيل)، والإسرائيلي
هو الذي يخاف اليوم.
وأضاف
بحسب ما نقلته وكالة أرض كنعان الإخبارية: عندما كنت في الولايات المتحدة تحدث معي أحد
المثقفين الإسرائيليين وقال إن ما يجري في الدول العربية اليوم سيصب في مصلحة (إسرائيل)،
وأجبته بأنني أرى العكس، فوضعكم اليوم أصعب من ذي قبل.
يشار إلى أنه منذ صيف عام 2008 ظهرت سيناريوهات
عدة أثارت قلق الأردن، وفي مقدمتها إمكان ضم جزء من أراضي الضفة الغربية إلى المملكة.
وأكد الملك الأردني مراراً رفض بلاده طروحات الوطن البديل التي تدعو إلى جعل المملكة
-التي يشكل الأردنيون من أصول فلسطينية نحو نصف عدد سكانها البالغ ستة ملايين نسمة
- وطناً بديلاً للفلسطينيين، ويخشى المسؤولون الأردنيون أن يؤدي انضمام نحو 2.4 مليون
فلسطيني من سكان الضفة الغربية إلى تغيير التوازنات في المملكة.
وزاد الموقع الإسرائيليّ، نقلاً عن مصادر رسميّة
في تل أبيب، إنّه من الواجب أنْ تتعقب (إسرائيل) وراء تصريحات العاهل الأردنيّ، بسبب
الحساسيّة الداخليّة في الأردن، ذلك أنّ الوضع في المملكة حساس للغاية، على حد وصفها.
ورأت المصادر عينها أنّ الملك "عبد الله الثاني"
اضطر إلى إطلاق هذه التصريحات بسبب الوضع في الأردن وعدم الاستقرار في منطقة الشرق
الأوسط، ولكنّ المصادر أضافت أنّه لا يجب أنْ نأخذ على محمل الجد هذه التصريحات، لأنّ
الملك الأردني مرتبط جدًا بالولايات المتحدّة الأمريكيّة، وعلى (إسرائيل) أنْ تحافظ
على الهدوء في الجبهة الشرقيّة، وبموازاة ذلك، ترقب التطورات في المملكة عن كثب، على
حد قولها.
على صلة، رأت دراسة إسرائيليّة أعدّها مركز بيغن ـ السادات
في تل أبيب أنّه من المُبكّر في الوقت الراهن التنبؤ إلى أين تتجه المملكة الأردنيّة
الهاشميّة، فمن غير المستبعد أنْ يتمكن الملك من استيعاب الاحتجاجات كما حدث في المغرب،
وإرضاء الشباب الذين يطالبون بالإصلاح، ولكن بالمقابل، قال معّد الدراسة، بروفيسور
"إيال زيسر"، إنّ القرب الجغرافيّ للمملكة الهاشميّة من بؤر الاحتجاج، أيْ
سوريّة ومصر، فإنّ اندلاع الربيع العربيّ في الأردن هو أمر من الصعب منعه، كما أنّه
في الفئات التي تعتبرها الدراسة هامشيّة هناك مطالب بتحويل المملكة إلى مملكة دستوريّة،
ولكنّ البروفيسور "زيسر" يرى أنّه من المستحيل تطبيق النموذج المذكور في
منطقة الشرق الأوسط، لأنّه سيؤدي في نهاية المطاف إلى إلغاء المملكة، وشدد على أنّ
تهديد استقرار المملكة الهاشميّة هو أيضًا تهديد على الهدوء الذي يُميّز الحدود الشرقيّة
للدولة العبريّة، لافتًا إلى أنّ هذا السيناريو بات مرعبًا للغاية، ولكن من ناحية أخرى،
من الصعب بقاء المملكة تتابع الأمور في المنطقة، ذلك أنّها ليست محصنة من الثورات والانتفاضات
العربيّة التي عمّت وتعم الدول المجاورة، على حد قوله.
وتابعت الدراسة أنّه على وقع هذه الأمور يجب الالتفات
إلى الجارة من الشرق، الأردن، التي لم يصلها بعد المد الثوريّ، ولكن هناك رزمة من الأسباب
لاندلاع الاحتجاجات، منها الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه المواطنون في الأردن،
واتساع الفجوات بين مركز الدولة وبين الضواحي، بالإضافة إلى الفساد الذي طال أركان
المملكة السياسيين، والسبب الرابع يكمن في رغبة الشباب في المملكة بتغيير شكل الحكم
القائم في الأردن، ذلك أنّ الشاب الأردنيّ لا يمكنه بعد تقبل النظام الحالي، حيث أنّ
الملك يتمتع بصلاحيات غير محدودة، في الوقت الذي تمكن فيه الشباب المصريّ من هزيمة
مبارك وفي سوريّة الوضع ما زال مجهولاً، وبالتالي قال البروفيسور "زيسر"
إنّه يجب الافتراض بأنّ الطريق المسدود الذي وصلت إليه الثورات العربيّة ردع الكثيرين
في الأردن من تصعيد الاحتجاجات ضدّ النظام الحاكم بسبب الخشية من إدخال المملكة في
حالة من الفوضى العارمة.
وتابعت أنّ حركة الإخوان المسلمين تحترم العائلة
المالكة وتحافظ على علاقات معينة معها، ولكنّ هذا الوضع لن يستمر إلى ما لا نهاية،
فالحركة تستعد للمشاركة المكثّفة في حال وصول المد الثوريّ ضدّ النظام الحاكم إلى الأردن،
وخلص البروفيسور "زيسر" إلى القول إنّه منذ بداية السنة كانت المظاهرات في
المملكة الهاشميّة قليلة وشاركت فيها أعداد قليلة من المواطنين، ولكن المظاهرات التي
اندلعت في منتصف شهر تموز (يوليو) الماضي في العاصمة عمّان وفي عددٍ من المحافظات كانت
واسعة النطاق وأكدت على القدرة الكامنة لدى الشعب الأردنيّ في إنجاح الاحتجاجات، ومن
الواضح جدًا أنّه في حال اندلاع موجة الاحتجاج في الأردن، فإنّ هذه الموجة ستطال الملك
الأردنيّ والعائلة المالكة، على حد قول البروفيسور "زيسر".