• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أهل الشيشان وفقدان البوصلة!

فوجئنا بأن القتال لا يقتصر على الشيشان الذين يقاتلون بجوار الروس، بل انضم للحرب مقاتلون شيشان ولكن هذه المرة يقاتلون بجوار الجيش الأوكراني، ويخوضون حرب ثأرية ضد الروس الذين اغتصبوا أرضهم.


"عليكم أن تفتخروا أنكم مسلمون، وتحملوا اسم الإسلام عالياً بكل فخر وكرامة؛ فهي مرتبة عالية"

تلك كانت آخر كلمات زعيم مجاهدي الشيشان شامل باسييف الذي استشهد في عام 2006، في عملية عسكرية قامت بها القوات الروسية ضده.

ففي أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي حاولت الشيشان إعلان استقلالها عن روسيا حالها كحال دول الاتحاد السوفييتي السابقة الأخرى، فقاد الضابط السابق في الاستخبارات السوفييتية جوهر دوداييف انقلابا ضد الحكومة الشيوعية المحلية، معلنا من جانب واحد استقلال الشيشان عن الاتحاد الروسي في عام 1991، لتغزو القوات الروسية على أثر ذلك العاصمة غروزني عام 1994 وسط مقاومة شيشانية شرسة مدعومة من المجاهدين القادمين من أفغانستان.

وتذعن روسيا، فيختار الشيشان أصلان مسخادوف رئيسا لهم، الذي وقع مع الرئيس الروسي حينها بوريس يلتسين معاهدة سلام مؤقتة.

ولكن الروس بمجرد انتخاب الروسي الجديد وقتذاك فلاديمير بوتين، سارع إلى إرسال جنوده في نهاية 1999 إلى غروزني تحت شعار محاربة الإرهاب في القوقاز لكسب الدعم الغربي.

واستعادت روسيا السيطرة على الإقليم بعد ارتكابها للمجازر التي سجلتها المنظمات الدولية وراح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين وسط صمت غربي مشجع، ووُضعَت الشيشان تحت وصاية الكرملين بعد تعيين المفتي المقرب من روسيا أحمد حاج قاديروف، على رأس إدارة تتبع الكرملين.

مع العلم أن أحمد قديروف كان من بين الذين يقاتلون القوات الروسية في حرب شيشان الأولى، لكنه خان أهل الشيشان وانضم الى بوتين في بداية حرب الشيشان الثانية، وساعد في تسليم مدينة جوديرمس ثانية كبرى المدن الشيشانية للقوات الروسية دون طلقة رصاص واحدة بعد أن كان مسئولا عن حمايتها، هو وطائفته الصوفية.

لقد نجح بوتين في تحويل الشيشان من الصراع مع روسيا إلى صراع بين أهل الشيشان أنفسهم، حيث انتهى صراع الشيشانيين باغتيال أحمد قاديروف في عام 2004 على يد المجاهدين الشيشان، فسارع بوتين إلى تعيين ابنه رمضان قاديروف رئيساً للبلاد منذ عام 2007.

ولكم ما الذي جدد أمر ذكرى مأساة الشيشان مرة أخرى؟

ما جعل قضية الشيشان تعود إلى الواجهة مرة أخرى هو الغزو الروسي لأوكرانيا، وما فعله بوتين من تصدير رمضان قديروف وفرقته العسكرية وادخاله إلى أوكرانيا، للمشاركة في الحرب واضفاء عليها زورا أنها حرب يشارك فيها المسلمون.

فقد فوجئ العالم بإعلان الشيشاني رمضان قديروف في الخامس والعشرين من فبراير أي بعد القرار الروسي بغزو أوكرانيا بيوم واحد، أن المقاتلين الشيشان الموالين له يقاتلون إلى جانب جيش الروسي في أوكرانيا، وقال قديروف في خطاب له إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد اتخذ القرار الصائب وسننفذ أوامره مهما كانت الظروف في إشارة إلى قرار بوتين غزو أوكرانيا.

وقد بثت قناة روسيا اليوم المقربة من الحكومة الروسية قبل يوم من اندلاع المعارك في أوكرانيا لقطات مصورة لحشود من المقاتلين الشيشان الذين تجمعوا في إحدى الساحات في العاصمة الشيشانية غروزني، وقالت إن هؤلاء ينتظرون أوامر الرئيس بوتين للتوجه إلى أوكرانيا.

ودعا قديروف في رسالة صوتية له في 27 فبراير القيادة الروسية إلى تغيير تكتيك المعركة واستخدام المزيد من القوة في معارك أوكرانيا. وقال: "إن القوميين الأوكرانيين لا يفهون سوى لغة القوة وقد حان الوقت للتوقف عن مهادنة العدو ويجب البدء بعملية عسكرية واسعة ومن كافة الجهات في أوكرانيا. يجب أن نغير التكتيك الذي نتبعه معهم. يجب أن يعطي بوتين الأوامر المناسبة لكن نقضي على هؤلاء النازيين".

وبعدها تداولت مواقع السوشيال ميديا صوراً تقول إنها لقوات شيشانية في مدينة ماريوبول الساحلية المحاصرة وهي تخوض معارك بالأسلحة النارية.

وبعد أيام نشرت قناة غروزني التلفزيونية الشيشانية مقطعا مصورا على قناتها بموقع التواصل الاجتماعي تلغرام، يظهر فيه قديروف نفسه في غرفة مظلمة وهو يناقش مع القوات الشيشانية عملية عسكرية قالوا إنها جرت على بعد سبعة كيلومترات من العاصمة الأوكرانية.

وسخر قديروف من منشور آخر يشكك في سفره إلى منطقة كييف. وكتب على حسابه على تلغرام ألم تشاهدوا الفيديو؟

وفي الثالث من مارس أعلن قديروف، أن القوات الشيشانية سيطرت على قاعدة عسكرية كبيرة في أوكرانيا، وقامت بدحر كتيبة تابعة للقوميين المتطرفين الأوكرانيين.

ولكن هذا الموقف دفع آخرين إلى قلب المشهد وخلط الأوراق.

فإذا بنا وعندما استعرت الحرب الأوكرانية فوجئنا بأن القتال لا يقتصر على الشيشان الذين يقاتلون بجوار الروس، بل انضم للحرب مقاتلون شيشان ولكن هذه المرة يقاتلون بجوار الجيش الأوكراني، ويخوضون حرب ثأرية ضد الروس الذين اغتصبوا أرضهم.

فمن هؤلاء؟

ينتمي هؤلاء المقاتلون الشيشان الذين انضموا للجيش الأوكراني الى عدة مجموعات:

الأولى مجموعة آدم عثماييف، وهو قيادي شيشاني يعيش في المنفى، الذي نشر تسجيلا مصورا على منصات التواصل الاجتماعي قال فيه "أريد أن أؤكد للأوكرانيين أن هؤلاء يقصد قوات قديروف ليسوا شيشانيين. إنهم خونة ودمى أتباع روسيا".

وشدد عثماييف في التسجيل المصور وهو يحمل بندقية بجوار مسلحين يرتدون أقنعة، "أريد أن أؤكد أيضا للأوكرانيين أن الشيشان الحقيقيين هم الذين يقفون معكم ويدافعون عن أوكرانيا اليوم كما فعلوا في السنوات الثماني الماضية".

ويقود عثماييف كتيبة يطلق عليها كتيبة جوهر دوداييف الذي يعود اسمها إلى اسم أول رئيس للشيشان في تسعينيات القرن الماضي وتعد واحدة من مجموعتين تضم متطوعين شيشانيين نشطين يجهرون علنا في قتال الانفصاليين المدعومين من روسيا والقوات الروسية في أوكرانيا منذ عام 2014، وكانت الحكومة في أوكرانيا والتي كانت حليفة للكرملين في ذاك الوقت، قد قامت في عام 2013، باعتقال وسجن عثماييف بتهمة التآمر لاغتيال بوتين وهو ما ينفيه بشدة، لكن بمجرد خروجه من السجن بعد ذلك بعام، شرع في محاربة الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونباس.

أما المجموعة الشيشانية الثانية والتي تقاتل الروس في أوكرانيا، فهي كتيبة الشيخ منصور والتي تنشط في جنوب شرق أوكرانيا تحت قيادة مسلم تشبيرلوفسكي.

والشيخ منصور والذي تتخذه هذه المجموعة اسما لها، يعتبر بطلا قوميا أسطوريا لدى الشعب الشيشاني ورمزا للتحرر والاستقلالية عن الهيمنة الروسية، حيث قاد في القرن الثامن عشر المقاومة الشيشانية ضد حملة الإمبراطورة الروسية كاثرين التوسعية في القوقاز، والذي استطاع أن يلحق بالروس هزائم متكررة في شمالي القوقاز لسنوات طويلة، قبل يتم أسره وقتله في عام 1794.

ويقول مسلم تشبيرلوفسكي في حوار نشر له مؤخرا إن كتيبته تقاتل منذ عام 2015 جنبا إلى جنب مع الجماعات الأوكرانية المسلحة مثل القطاع الأيمن وكتيبة آزوف، مضيفا: لدينا علاقة جيدة للغاية مع كتائب المتطوعين الأوكرانية، بما في ذلك آزوف، نحن نقاتل معا على الجبهة، ونتشارك في العديد من الصداقات، ولا نجادل أبدا حول العرق أو الدين، مشيرا إلى أن كتيبة الشيخ منصور "يقاتلون فقط من أجل أرضهم وليس من أجل المال".. "نحن نشارك الأوكرانيين في هذه القضية، يمكن لمقاتلي القطاع الأيمن وكتيبة آزوف أن يفعلوا ما يحلو لهم، ليس هناك ما يثير الدهشة في تحالفنا، نحن هنا فقط لمحاربة روسيا".

وفي 22 مارس الماضي، نشر حساب تابع للجيش الأوكراني على تويتر، مقطع فيديو يظهر أفراداً من كتيبة الشيخ منصور وهم يقاتلون بشراسة ضد القوات الروسية بالقرب من بوتشا وهوستوميل، بالقرب من العاصمة الأوكرانية كييف.

أما المجموعة الثالثة فهي تنتمي إلى القائد الشيشاني أحمد زكاييف الذي يرأس حكومة الشيشان في المنفى، والذي دعا جميع الشيشانيين في الشتات على القتال إلى جانب كييف وذلك في مقطع مصور بُث على منصات التواصل الاجتماعي منذ عدة أيام.

هذه الفسيفساء الشيشانية من المقاتلين المتضادين والذين ربما يقاتلون بعضهم البعض، تدل على أن المخطط الغربي الروسي قد نجح إلى حد كبير في تقسيم الشيشانيين، بعد أن وقعوا في فخ ضياع الاستراتيجية التي تدلهم على طريق استعادة حريتهم واستقلالهم.

ولكن هذا لم يقع فيه أهل الشيشان لوحدهم، بل وقع فيه عموم المسلمين عند غياب البوصلة، أو بتعبير أدق تغيب عنهم أهدافهم ورسالتهم التي وجهها القرآن لهم كخير أمة أخرجت للناس، تقود الأمم نحو الغاية التي حددها الله للخلق وهي عبادته وحده، يتحولون بعدها إلى مجرد ألعاب تتقاذفها أمم الأرض، أو أدوات في يد دول متصارعة، كل يحاول أن ينفذ أجندته، ولا حول ولا قوة الا بالله.

 

أعلى