رغم كل هذه المحاولات التي تمت لإختراق حاجز المناعة المصري ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني لاتزال مراكز صناعة القرار الصهيونية ترى أنها فشلت أمام الشعبوية المصرية الرافضة للإعتراف بالكيان الصهيوني
بادرت الحكومة المصرية إلى الإنفتاح أكثر خلال الفترة الماضية على التطبيع مع
الحكومة الصهيونية وفق إستراتيجية قائمة على التربح الاقتصادي، لاسيما في مجال
الطاقة والتجارة والسياحة. هذا الأمر جاء إنعكاساً واضحاً للضغوط التي مارستها
إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ضمن مسار إتفاقية "أبراهام"، التي استهدفت
بالدرجة الأولى توسيع دائرة العلاقات الصهيونية العربية.
في مارس 2021 زار وفد إقتصادي صهيوني يضم 20 رجل أعمال بقيادة وزير الموساد إيلي
كوهين، شرم الشيخ المصرية، واستقبله وفد موسع من أصحاب الشركات المصرية ومسؤولين من
الحكومة من قطاعات عدة تشمل الزراعة وتحلية المياه والكهرباء والمنسوجات ومواد
البناء والأغذية وتربية الأسماك والسياحة. عقب ذلك في 13 سبتمبر عقدت قمة
استثنائية بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الصهيوني نفتالي بنيت
هي الزيارة العلنية الأولى لمسؤول صهيوني إلى مصر منذ عهد مبارك. ركزت القمة وفق
إعلان الرئاسة المصرية آنذاك على التعاون الاقتصادي والرؤية التي طرحها السفير
الصهيوني في القاهرة وتضمنت التبادل التجاري وفتح المسارات الجوية بين البلدين.
ووفقاً لمركز دراسات الأمن القومي الصهيوني فإن وزير المخابرات المصرية، عباس كامل،
كان قد نقل لوزيرة الاقتصاد والصناعة لصهيونية، أورنا باربيفاي، اهتمام الجانب
المصري بتوسيع النشاط التجاري عبر معبر نيتسانا الحدودي الذي يعد ممر عبور رئيسي
للبضائع بين البلدين.
تعطي مصر الإحتياجات الاقتصادية أولوية في سياساتها الخارجية لذلك تحاول الإستفادة
من علاقاتها بدول الجوار لتعزيز مكاسبها الاقتصادية وقد مارست دورها على صعيد الملف
الفلسطيني من منطلقات مشابهة، وهذا الأمر بحسب المركز تضمن ثلاثة مجالات:
مجال الطاقة: ساهم التطبيع الرسمي مع الاحتلال الصهيوني إلى توقيع القاهرة مجموعة
إتفاقات حول بيع الغاز الطبيعي من الكيان الصهيوني إلى مصر لمدة عشر سنوات مقابل 15
مليار دولار، وبالتعاون بين الطرفين تم إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط وهو تحالف
للطاقة استهدف بالدرجة الأولى التوسع التركي للبحث عن الغاز في شرق البحر المتوسط
ويضم قبرص واليونان. وفي فبراير من 2021 زار وزير الطاقة المصري طارق الملا الكيان
الصهيوني ووقع إتفاق على مد خط أنابيب بحري وآخر بري لنقل الغاز إلى شمال سيناء.
مجال التجارة: تقول وزارة الاقتصاد والصناعة الصهيونية إن 80 في المائة من الصادرات
الصهيونية إلى مصر عام 2020 تمت في إطار الإتفاقية التي وقعت في ديسمبر 2004 بين
مصر والكيان الصهيوني والولايات المتحدة، واستفادة من الاتفاق أكثر من 1104 شركة
مصرية معظمها في قطاع النسيج والأغذية والزراعة والجلود والمعادن، إلى جانب 25 شركة
صهيونية. وبموجب إتفاقية الشركات بين الجانبين فإن صادرات مصري إلى الولايات
المتحدة 553 مليون دولار، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2021 إلى
162 مليون دولار.
مجال السياحة: تعتبر شواطئ سيناء ملاذاً آمناً للسياح الصهاينة في كل عام، وهذا
الأمر يوفر الكثير من فرص العمل للعمالة المصرية، لذلك قامت السلطات المصرية في
سبتمبر الماضي بإعادة فتح معبر طابا الذي يعبر منه الصهاينة إلى سيناء، وإثر هذه
الخطوة بدأت الخطوط المصرية بتسيير رحلات مباشرة بين القاهرة وتل أبيب.
لن رغم كل هذه المحاولات التي تمت لإختراق حاجز المناعة المصري ضد التطبيع مع
الكيان الصهيوني لاتزال مراكز صناعة القرار الصهيونية ترى أنها فشلت أمام الشعبوية
المصرية الرافضة للإعتراف بالكيان الصهيوني، ولا تزال النقابات المهنية المصرية
التي تمثل الملايين من الطبقة العاملة ترفض التطبيع وتعاقب كل من يتجاوز خطوطها
الحمراء. وهذا الأمر كان رادعاً في وجه الشركات المصرية التي تنوي تطوير علاقاتها
الاقتصادية مع الكيان الصهيوني. ورغم أن مراكز الفكر الصهيوني تعزوا هذه الظاهرة
إلى الحاضنة الدينية الكبيرة لبعض الجماعات الإسلامية مثل الإخوان والسلفيين إلا أن
إنطلاق حملات المقاطعة من داخل نقابات المهندسين والأطباء والمحامين والزراعيين
تفسر وجود حالة وطنية مصرية عامة ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني وتشكل عقبة أمام
أي جهود حكومية لتحقيق إختراق في هذا الملف. فالخطاب الوطني المصري المناهض للتطبيع
يركز دائماً على التصدي لأي تدفق للنفوذ الصهيوني السام إلى مصر. لذلك عقب سقوط حكم
الإخوان في مصر وتولي إدارة النقابات عناصر موالية للنظام الحالي وسياسته إلا أنها
لا تزال تردد عبارات متشددة معادية للكيان الصهيوني.
لذلك حينما إلتقى المطرب المصري محمد رمضان مع أحد المغنيين الصهاينة في دبي تعرض
إلى وابل من الإنتقادات وكذلك المسائلة من نقابة الفنانين المصريين، لذلك يرى صانع
القرار الصهيوني بإستمرار أن الإتفاقات الحكومية إنما هي في إطار سياسة تحفيز وجود
بيئة السلام بين الطرفين وإبعاد حالة الجود من خلال تقديم منافع إقتصادية للطرف
الآخر ولا شك أن تلك الإستراتيجية هي حالة مؤقتة في ضل غياب حاضنة شعبية لمثل هذه
الإتفاقيات التي تنتفع منها نخبة إقتصادية مقربة من الدولة، لذلك تبقى مقاطع
التطبيع مع الكيان الصهيوني أكبر تهديد وجودي لإستقراره، فهي حالة عدم إعتراف شعبي
بشرعية هذا الكيان.