• - الموافق2024/11/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الصراع الروسي التركي إلى أين؟

لعل من أبرز المؤشرات على التصعيد الروسي التركي الأخير، هي الزيارة التي قام بها بشار الأسد لموسكو مؤخرا، التي رأى فيها الكثيرون إرهاصة لعملية عسكرية محتملة للنظام في إدلب، وردت تركيا بتعزيز تواجدها العسكري في الشمال السوري بعد هذه الزيارة.


" تعلمنا إيجاد حلول وسط"

هذا ما صرح به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مستهل محادثاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مدينة سوتشي الروسية منذ عدة أيام.

وذكر بوتين أنهما كانا على تواصل مستمر منذ آخر لقاء بينهما عقد في مارس 2020، مضيفا: يسرنا أن نشير إلى أن علاقاتنا تتطور على نحو إيجابي، والمؤسسات المختصة تعمل دائما مع بعضها البعض في جميع الاتجاهات، وتابع: المحادثات بيننا تواجه صعوبات أحيانا، لكنها تفضي إلى نتائج نهائية إيجابية، وتعلمت مؤسساتنا المختصة إيجاد حلول وسط تصب في مصلحة كلا الجانبين.

وتناول بوتين في حديثه أبرز الملفات العالقة بين الطرفين فقال: نتعاون بشكل ناجح إلى حد كبير على الصعيد الدولي، وأقصد بذلك سوريا واتصالاتنا الرامية إلى تنسيق المواقف بشأن ليبيا، كما يعمل بشكل نشط المركز الروسي-التركي الخاص بالرقابة على وقف إطلاق النار عند الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، كما أشاد بوتين بالتعاون في المجال الاقتصادي بين روسيا وتركيا، لافتا إلى الديناميكية الإيجابية في التبادل التجاري والاستثمارات، بالإضافة إلى مشروع خط الأنابيب السيل التركي.

وختم بوتين حديثه بجملة مهمة: هناك العديد من المسائل المتراكمة، ويسرني جدا أن أرحب بكم في روسيا لأنه لا يمكن مناقشة كل شيء هاتفيا.

وإذا كانت هناك قضايا يمكن مناقشتها هاتفيا فما الذي يستدعي زيارة أدروغان شخصيا إلى روسيا؟

ومنطقي أن تكون الإجابة أنه كانت هناك تفاهمات روسية تركية سابقة في العديد من الملفات، سواء في ليبيا أو سوريا أو أذربيجان أو حتى صواريخ إس 400، ولكن جدت أمور دفعت بنهاية هذه التفاهمات أو أنها على وشك الانهيار، كما تشير إلى أن الصراع بين البلدين يحتاج إلى صياغة قواعد جديدة للعبة بينهما وتفاهمات أخرى، في خضم مؤشرات عديدة على توتر غير معلن بين البلدين مؤخرا.

فهناك الهجوم الذي حدث في الشمال السوري والذي أدى إلى مقتل جنود أتراك، كما قصفت الطائرات الروسية مناطق السيطرة التركية في إدلب وعفرين وغيرهما مما أدى إلى مقتل 11 من مسلحي المعارضة السورية في منطقة مشمولة باتفاق وقف إطلاق النار تم برعاية تركية روسية.

ولعل من أبرز المؤشرات على التصعيد الروسي التركي الأخير، هي الزيارة التي قام بها بشار الأسد لموسكو مؤخرا، التي رأى فيها الكثيرون إرهاصة لعملية عسكرية محتملة للنظام في إدلب، وردت تركيا بتعزيز تواجدها العسكري في الشمال السوري بعد هذه الزيارة.

ولكن ما يحدث في إدلب لعله يكون السبب الأبرز لهذه الزيارة، فقد كان الطرفان الروسي والتركي قد توصلا إلى اتفاق موسكو في مارس 2020، ونص على وقف إطلاق النار وإنشاء ممر آمن، وتسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي (إم 4)، تبدأ من بلدة الترنبة شرق إدلب حتى عين الحور غرب آخر منطقة تحت سيطرة فصائل المعارضة.

لكن هذا الاتفاق يتعرض لخروق متواصلة، وقصف من قبل النظام السوري وروسيا يتركز على مناطق جبل الزاوية (جنوب إم 4).

وحسب صحيفة حرييت التركية، فإن قضية ملف إدلب والمشاكل التي تعترض المنطقة ستناقش في قمة أردوغان بوتين، مشيرة إلى أن الشروط المنصوص عليها في اتفاق إدلب لم تُنفذ بالكامل، بينما تحدثت وسائل إعلام تركية أخرى عن نية بوتين طرح خريطة طريق جديدة بخصوص إدلب على أردوغان في القمة.

ولكن السؤال الأهم هو ما هي أهمية إدلب بالنسبة للطرفين؟

تقع إدلب، في شمال غربي سوريا مقابل ولاية هطاي جنوبي تركيا التي تحدها من الشمال الغربي، فإدلب تبعد مسافة 45 كيلو مترا فقط عن مدينة الريحانية التابعة لولاية هاطاي التركية، ومن الشرق محافظة حلب السورية، ومن الشمال الشرقي مدينة عفرين (تتبع ريف حلب)، ومن الجنوب محافظة حماة، ومن الجنوب الغربي محافظة اللاذقية.

تشكل الجغرافيا السياسية لإدلب مطمعا ضخما للقوى الخارجية التي تريد أن تتحكم في سوريا، فهي تقع على الطريق الدولي الواصل بين تركيا وسوريا والأردن والخليج والذي يطلق عليه إم 5، كما تمتلك أهمية أيضا بالنسبة للقوى العسكرية المحلية، سواء كانت قوات الثورة السورية أو قوات نظام الأسد، حيث تعتبر بمثابة بوابة المرور إلى البحر الأبيض المتوسط.

بالنسبة لروسيا ونظام الأسد فموقعها مجاور لمحافظة اللاذقية، التي تعد من أهم معاقل النظام وخزانه البشري فهي معقل الطائفة النصيرية التي ينتمي اليها الأسد، واللاذقية في نفس الوقت يتواجد فيها القاعدة العسكرية الروسية في حميميم.

أما أهميتها لتركيا فتنبع من أنها وبسبب موقعها المحاذي لتركيا حيث تشترك مع تركيا بـ 130 كم من الحدود البرية، وهي بذلك تعد من أهم بوابات دخول المساعدات الإنسانية الى سوريا، عبر معبر باب الهوى الحدودي، إذ يدخل منه شهريا حوالي ألف و500 شاحنة من المواد الإغاثية، إلى جانب نحو 4 آلاف و500 شاحنة تجارية شهريا.

وإدلب مدينة ذات تعداد سكاني كبير، يبلغ ما يقارب مليونين و400 ألف، بالإضافة إلى احتوائها على 1.3 مليون نزحوا إليها من مدن سورية مختلفة وعلى رأسها حلب، فالمدينة باتت مركز نزوح للآلاف الذين قدموا إليها من ولايات سورية مختلفة وعلى نحو خاص حلب، وتفاقم الأوضاع فيها سيؤدي إلى كارثة إنسانية حقيقة نظرا إلى أنّها صارت مدينة ذات تجمّع سكاني كبير، وقد يفتح تدهور الأحداث فيها المجال أمام موجة لجوء جديدة، لذلك يخشى الأتراك من أن تسفر حملات النظام المستمرة على إدلب، عن موجة جديدة من نزوح مئات الآلاف من المدنيين، تجاه تركيا وأوروبا، وبما أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا يبلغ أربعة ملايين لاجئ في الوقت الراهن، فقدوم موجة جديدة من الهجرة يعد سيناريو غير مقبول تماما بالنسبة لتركيا.

كما أن حماية إدلب والدفاع عنها، يعني بالنسبة إلى تركيا قطع ممر تنظيمي PYD وYPGk الكرديبن اللذين تصنفهما تركيا كتنظيمات إرهابية، وبذلك تقطع تركيا على التنظيمات الكردية من وصل الممر الذي يسعى الأكراد إلى إنشائه من حدود العراق وصولا إلى البحر الأبيض.

فمسائل الأمن القومي الكبرى حاليا بالنسبة لتركيا: هي الحد من تدفق اللاجئين من سوريا، والوقوف كحائط صد أمام الطموحات التركية بالانفصال وإقامة كيان كردي مستقل، وهذه الأهداف تحققها تركيا بنفوذها على إدلب.

لذلك يمكن تسمية ما يحدث في إدلب بصراع الاستراتيجيات: استراتيجية روسية تقوم على ممارسة الضغط الميداني العسكري إلى أقصى حد، وإبقاء باب الدبلوماسية مفتوحاً، وتراهن في الوقت نفسه على ضعف موقف تركيا نتيجة عدم حماس شركاءها في حلف الناتو مساعدتها في هذه الحرب.

أما تركيا فقد اتبعت استراتيجية تقوم على شقين عسكري ودبلوماسي: فمن الناحية العسكرية تكثف حشودها في إدلب، مستخدمة أحدث أسلحتها من طائرات بيرقدار المسيّرة، والمدرعات والصواريخ، وحتى طائرات F 16 من داخل الحدود التركية، كما قامت بحملة دبلوماسية واسعة، مستخدمة ورقة اللاجئين للضغط على أوروبا، ومساعدتها في الضغط على روسيا لوقف الحرب في إدلب.

وجاءت زيارة أردوغان الأخيرة كحلقة في سلسلة حلقات محاولة إيجاد صيغة لتوافق الاستراتيجيات بدلا من صدامها.

ولكن تصريحات الطرفين بعد الزيارة غامضة وعمومية، وقد تعني احتمالين بالنسبة لمنطقة إدلب:

الاحتمال الأول: هو أنه تم التوصل لاتفاق بانتظار ترتيب تفاصيله بين المؤسستين العسكريتين لكلا البلدين، ومما يدعم هذا القول هو وصف اللقاء من قبل الرئيسين بأنه مثمر، ولكن إذا كان اللقاء سيؤدي إلى ذلك لماذا لم تذهب اللجان العسكرية فورا في أعقاب لقاء الرئيسين كما حدث في السابق؟

أما الاحتمال الثاني: هو أنه لم يعقد اتفاق أصلا، فهناك على ما يبدو فشلا في التوصل إلى تفاهمات واستمرار الخلافات دون ايجاد حلول وسط، وهذا ما يدل عليه مخرجات اجتماع الرئيسين حيث لم يجر أي مؤتمر صحافي.

ومحور الخلاف التركي الروسي أن روسيا تريد انهاء الوضع في إدلب لصالح النظام السوري لتعلن عن اكمال الاستيلاء على سوريا، خاصة أن الوضع الإقليمي يميل لصالح النظام بعد تأمين الجانب الجنوبي لسوريا في درعا، بعد عقد اتفاقية الغاز بين سوريا ومصر والأردن، والتي بموجبها تخلت الأردن عن حماية درعا نظير حصولها على الغاز المصري، وربما حاول بوتين في هذا اللقاء كما ذكرت وسائل إعلام تركية إقناع تركيا للقبول بالجلوس مع نظام بشار الأسد، وذلك بغية استكمال المخطط الرامي إلى تعويم ذلك النظام مجددا.

بينما يبدو أن تركيا ترفض أي عملية عسكرية في إدلب كما تسعى إلى ذلك روسيا نظراً لتأثيراتها الكبيرة على تركيا وملف اللجوء، بينما موقفها المعلن هو رفض التصالح مع نظام بشار وتغيير النظام بتوافق شعبي حقيقي.

ولكن من المستبعد حدوث تصادم بين البلدين، فطبيعة الصراع بين النظامين الروسي والتركي هو صراع سياسي وليس صفري، حيث يميل الطرفان إلى تجميع الأوراق ضد الطرف الآخر ثم تبادل هذه الأوراق عند مائدة التفاوض.

 

 

 

 

أعلى