• - الموافق2024/11/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
كيف تستغل روسيا صعود طالبان لتعزيز تواجدها في آسيا الوسطى؟

بعد سيطرة طالبان على كابول، أبدت روسيا استعداد للحوار مع الحركة، ونية للاعتراف بها كقوة حاكمة، وهو ما عبر عنه المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أفغانستان، «زامير كابولوف»، حين لمح بأن روسيا قد تعترف بطالبان كقوة حاكمة اعتمادًا على تحركاتها ال


على مدار قرون، احتلت أفغانستان مكانًا مهمًا ضمن أولويات السياسة الخارجية الروسية، وكانت محورًا للصراعات مع قوى عالمية وإقليمية باعتبارها أقصر معبر بري إلى أسواق جنوب آسيا نظرًا لموقعها الاستراتيجي في قلب آسيا الوسطى، بما يفسر أهمية التحولات والأحداث شديدة الأهمية والخطورة في أفغانستان بالنسبة لدول الجوار الأفغاني، وعلى رأسهم روسيا.

فبالتزامن مع وصعود حركة طالبان في أفغانستان واقتراب الانسحاب الأمريكي من الأراضي الأفغانية، بدت التحركات الروسية جلية في وسط آسيا، بين تواجد أمني ومشاركة دبلوماسية، بصورة تنذر بدور روسي محتمل في أفغانستان بعد رحيل القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو.

ولطالما كانت روسيا متناقضة بخصوص وجود القوات الأمريكية في أفغانستان، فمن ناحية كان في ذلك التواجد حماية للأمن الروسي وكبح لجماح الجماعات المتطرفة التي طالما خشيت من خطر تدفقها إلى أراضيها، ومن ناحية أخرى بدى الوجود العسكري الأمريكي مقلق بالنسبة لموسكو، خاصة وأن ذلك التواجد بالقرب من مجال نفوذها في آسيا الوسطى.

ولربما تستغل روسيا الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، لترسيخ وجودها كلاعب في رقعة الشطرنج الأوراسية، عبر تحقيق مزيد من التقارب مع حركة طالبان، ولذلك الأمر مؤشراته، التي تنعكس بكل تأكيد على تحركات روسيا الأمنية والدبلوماسية.

.أولاً مؤشرات التقارب بين روسيا وطالبان

بدى التقارب بين روسيا وطالبان محتملاً من خلال عدة مؤشرات:

1. احتفاء روسي بوفد طالبان  

 بالرغم من تصنيف روسيا في فبراير لعام 2003م، حركة طالبان على كونها تنظيمًا إرهابيًا، إلا أنه تم الاحتفاء بوفد حركة طالبان من قبل الخارجية الروسية حين زار العاصمة الروسية- موسكو في السابع من يوليو الماضي.

 ومن خلال مؤتمر صحفي مطول في موسكو، قدمت روسيا الفرصة لطالبان للترويج لأفكارها المستقبلية، وذلك حين شارك وفد طالبان على نحو مستفيض باستراتيجية الحركة في المرحلة المقبلة، بل وحرص الكرملين على التأكيد على كون زيارة وفد طالبان لموسكو كانت بعلم وموافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

2. مراعاة طالبان للمصالح الروسية

تتفق أجندة طالبان مع التوقعات الروسية في آسيا الوسطى إلى حد كبير؛ وقد سبق أن أعلنت طالبان أكثر من مرة نيتها بمراعاة المصالح الروسية في دول الجوار الأفغاني، وأنها لا يمكن أن تهاجم أصدقاء وحلفاء روسيا في المنطقة، خاصة دولة طاجيكستان التي ترتبط بحدود طويلة مع أفغانستان تصل إلى 1206 كم، وهو ما يمكن ترجمته كمؤشر مهم على نية الطرفين للتقارب والتنسيق الأمني خلال المرحلة المقبلة.

3. الاستعداد الروسي للحوار

بعد سيطرة طالبان على كابول، أبدت روسيا استعداد للحوار مع الحركة، ونية للاعتراف بها كقوة حاكمة، وهو ما عبر عنه المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أفغانستان، «زامير كابولوف»، حين لمح بأن روسيا قد تعترف بطالبان كقوة حاكمة اعتمادًا على تحركاتها التالية.

كذلك صرح السفير «دميتري جيرنوف»، بأن طالبان قدمت تعهدات مشجعة، وأبدى رفضه لجهود المقاومة باعتبارها محكوم عليها بالفشل، كما أشاد بسلوك طالبان في الأيام التي تلت استيلائها على السلطة، مؤكدًا أنه لا بديل لجماعة طالبان وأي محاولات لمقاومتها ستفشل.

ولعل تلك التعليقات تعكس رغبة قوية لدى روسيا لتعميق العلاقات الراسخة بالفعل مع طالبان، والاعتراف بهم كحكام شرعيين لدولة أفغانستان.

ثانيًا الدوافع والأهداف

تقف وراء رغبة روسيا في توثيق العلاقات مع طالبان، عدة أولويات وأهداف، يمكن تناولها كالآتي

1. التركيز على الأمن الإقليمي

تميل روسيا رغم علاقتها الوثيقة بطالبان، إلى التعامل ببراجماتية شديدة، إذ رغم سيطرة طالبان على كابول، وترحيب روسيا بالتعاون مع طالبان، إلا أنها لم تزيل الحركة إلى الآن من قائمة الإرهاب، ربما يمكن تفسير ذلك بأن روسيا تنتظر اللحظة التي ترى فيها وفاء طالبان بتعهداتها أولاً بعدم الإضرار بالأمن الإقليمي والروسي وعدم السماح للإرهابيين بالتسلل إلى دول الجوار الأفغاني التي لروسيا مصالح فيها.

ولعل أحد أهم العوامل الرئيسية التي تحرك الدافع لدى روسيا للتعاون مع طالبان والرهان عليها خلال الفترة المقبلة هو الاستقرار الإقليمي وتاريخها المؤلم في أفغانستان، لذا فروسيا بالأساس تبحث عن حدود آمنة لحلفائها في آسيا الوسطى في سبيل منع انتشار الإرهاب وتهريب المخدرات.

2. محاربة الإرهاب

لعل أكبر الدوافع التي تحرك روسيا نحو التقارب مع طالبان هو التعاون مع الحركة من أجل محاربة الإرهاب وعلى وجه التحديد تنظيم «داعش» الناشط في أفغانستان ومنطقة آسيا الوسطى تحت مسمى ولاية خراسان، التي أسستها داعش في يناير عام 2015، لتضم عناصر من طالبان باكستان، وبعض المنشقين عن طالبان أفغانستان، بالإضافة إلى إرهابيين من دول آسيا الوسطى، وبعض العائدين من ساحة القتال السورية والعراقية.

إذ منذ فترة طويلة، يحاول تنظيم داعش الانتقال من الداخل الأفغاني والتوسع في دول الجوار، وبالتحديد تلك الدول التي بها قوات عسكرية روسيا مثل طاجيكستان.

 كما أنه استنادًا إلى تقديرات روسية، فإن منطقة شمال أفغانستان تشهد زخمًا وتواجدًا قويًا للجماعات الإرهابية، وما يزيد من خطر وجود تنظيم داعش في أفغانستان، اعتقاد روسيا اعتقادًا جازمًا أن الولايات المتحدة تقوم بدعم داعش لضرب روسيا.

3. تعزيز نفوذها الإقليمي

تسعى روسيا لتعزيز نفوذها في منطقة وسط آسيا بشكل كبير حتى قبل سيطرة طالبان على كابول، ففي وقت سابق من شهر أغسطس الماضي، أجرت موسكو استعراضًا للقوى إلى جوار طالبان، عبر تدريبات عسكرية مشتركة مع طاجيكستان وأوزبكستان، في توقيت كانت فيه طالبان في طريقها للاستيلاء على المقاطعات المتاخمة لتلك الدول الواقعة في آسيا الوسطى.

كذلك، ترغب روسيا في استغلال الانسحاب الأمريكي للترويج لروايتها وإثارة غضب حلفاء واشنطن في دول كأوكرانيا وكذلك غضب المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة في فنزويلا.

إضافة إلى ذلك، فإنه تبدو لدى روسيا في الفترة الحالية أولوية ملء الفراغ بالتأثير ومحاولة الاستفادة من تلك العلاقة التي كانت تربطها بطالبان منذ سنوات، إذ أظهر انتصار طالبان مدى ضعف القوة العالمية والفشل الاستخباراتي للولايات المتحدة، الأمر الذي من الممكن التسويق إليها بما يسهم في تقويض المصالح الأمريكية ليس فقط في أفغانستان أو وسط آسيا بل في جميع أنحاء العالم، مقابل المزيد من تعزيز التواجد الروسي في أفغانستان ووسط آسيا.

ثالثًا فرص روسيا من صعود طالبان

يمكن لروسيا تعزيز نفوذها ومكاسبها من سيطرة طالبان على كابول وانسحاب القوات الأمريكية، عبر استغلالها عددًا من الفرص التي تمكنها من التواجد الإقليمي في منطقة وسط آسيا بشكل أكبر مما سبق، في ظل غياب القوات الأمريكية عن المشهد.

1-   تعزيز التواجد الأمني في منطقة وسط أسيا:

 وذلك عبر التركيز على تعزيز أمن شركائها المعرضين للخطر في آسيا الوسطى على طول الحدود الشمالية لأفغانستان - وخاصة طاجيكستان. إذ يوفر الصراع في أفغانستان الفرصة لموسكو لإظهار وتعزيز دورها الضمني كمزود أمني أساسي للجمهوريات السوفيتية السابقة على طول محيطها الجنوبي، ما قد يساعدها في ذلك احتفاظ روسيا بقاعدة عسكرية كبيرة بالقرب من العاصمة الطاجيكية دوشانبي، من أجل تأمين الحدود.

وفي ذلك الإطار، أعلن وزير الدفاع الروسي «سيرجي شويغو» مؤخرًا عن خططٍ لتوسيع الاستعداد القتالي للقواعد الروسية في طاجيكستان وقيرغيزستان، وبيع معدات عسكرية إلى طاجيكستان، وكذلك توفير المساعدة الأمنية لشركائها في آسيا الوسطى في وقت الحاجة.

لذا، قد تستغل روسيا انعدام الأمن في أفغانستان لتعزيز هيمنتها على آسيا الوسطى، إذ لم يتوسع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) خارج كازاخستان وقيرغيزستان، على الرغم من المفاوضات المكثفة مع طاجيكستان وأوزبكستان، كما تعثرت خطط روسيا لإنشاء قاعدة ثانية في جنوب قيرغيزستان. وعليه، فمن الممكن أن تساهم الأزمة الحالية في أفغانستان في تنشيط الدور الأمني ​​لروسيا في آسيا الوسطى.

2-  تعزيز مكانتها في أفغانستان كقوة عظمى:

من المحتمل أن تعزز الأنشطة الدبلوماسية لروسيا في أفغانستان مكانتها كقوة عظمى، وتبني على جهود التحكيم التي تبذلها روسيا في سوريا وليبيا وجنوب القوقاز. وقد سبق في عام 2017، أن افتتحت روسيا محادثات كآلية سداسية لتعزيز التعاون بين روسيا والصين وأفغانستان وباكستان وإيران والهند، من أجل تسهيل المصالحة الوطنية في أفغانستان.

ما قد يؤهل روسيا لقيادة هذا الدور هو احتفاظ روسيا بمجموعة متنوعة من الشراكات المحلية في أفغانستان، والتي من الممكن الاستفادة منها للتخفيف من التهديدات الأمنية وتسهيل الحوار بين الأفغان.

إجمالاً، من غير المتوقع أن تشارك روسيا في حرب عسكرية في أفغانستان، بل من المرجح أن تقتصر روسيا في دورها العسكري على التدريبات في آسيا الوسطى والضربات الدورية عبر الحدود، وكذلك الاستفادة من المشهد المضطرب في أفغانستان لتعزيز تواجدها الأمني والدبلوماسي في المنطقة.

وفي حال، استمر الوضع في أفغانستان في التدهور كأن تتحول أفغانستان إلى منصة لشن هجمات في آسيا الوسطى، فقد تبدأ حينها بكين وموسكو في استكشاف المزيد من الإجراءات الصارمة، التي قد تصل لأن تطلق الصين وروسيا حملة للتدخل العسكري المشترك للقضاء على هذا التهديد.

 

أعلى