بدأت المخططات الإيرانية تجاه لبنان منذ عصر الشاه على يد موسى الصدر في الخمسينات منذ القرن الماضي، وقد توجه الصدر إلى لبنان سنة 1958م بناء على أوامر من شاه إيران وأقام فيها وحصل على الجنسية اللبنانية
أهم ما يميز حيوان الأخطبوط هو أطرافه أو أذرعه الثماني التي توصف بأنها الأكثر
مرونة بين أطراف كل الكائنات، فهي ناعمة وقوية، يمكن لكل منها أن ينحني ويلتوي
ويطول ويقصر في العديد من التشكيلات لإنتاج حركات متنوعة، وفي اتجاهات عديدة،
وبزوايا مختلفة تصل إلى 360 درجة، وهو يزحف بها على القاع، ويسبح بها إن لزمته
السباحة، بها يصطاد ويهرب من مطارديه، ويأكل بها ما يسرقه من قوارب الصيادين في
غفلة منهم، ويستكشف محيطه، ويغير شكلها لخداع فرائسه ومفترسيه.
إذا كانت هذه خصائص الأخطبوط كما يذكرها علم الأحياء البحرية، فإنه عند التأمل
القليل على أحوال منطقتنا، فإننا نجد أن هذه الخصائص تنطبق إلى حد كبير على المشروع
الإيراني في الشرق الأوسط.
ولعل أبرز أوجه التشابه بين حيوان الأخطبوط والمشروع الإيراني هي الأذرع التي تلتهم
بها الدول من حولها، فإيران منذ اندلاع ثورتها بزعامة الخميني وهي تحاول ابتلاع
وفرض هيمنها على العالم الإسلامي، فتحاول مد أذرعها الأخطبوطية إلى محيطها
الإقليمي، والتي بواسطة هذه الأذرع تمكنت من التهام العراق وسوريا ولبنان واليمن،
أو على الأقل نجحت في السيطرة على القرار السياسي في هذه الدول.
ولكن إلى أي حد نستطيع نطلق على مجموعة أو جماعة أو حزب أنه ذراع من أذرع إيران في
المنطقة؟
فهناك من يتساءل مثلا هل أصبحت حماس ذراعا لإيران؟
وهو سؤال بات يتردد في بعض وسائل الاعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، وايحاءات صارت
تصدر من طرف هنا وجهات هناك مرة تلميحا وأخرى تصريحا، ومما ساعد على انتشار تلك
المقولة ما قامت قيادات حماس من زيارات لطهران أو تصريحات تشيد بالمساعدات
الإيرانية لفلسطين وقضيتها.
فهل بالفعل صارت حماس ذراعا وجزء من المشروع الإيراني في المنطقة؟
للإجابة على هذا السؤال ينبغي أولا معرفة خصائص وسمات أذرع إيران في المنطقة، والتي
من أجل هذه الصفات تسمت الأذرع بتلك التسمية، ثم في الخطوة الثانية تحليل تصرفات
حماس وسلوكها السياسي ومدى انطباق تلك الخصائص عليها.
ولمعرفة خصائص الأذرع الإيرانية، سنتناول أشهر ذراعين لإيران في المنطقة وهما جماعة
الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان.
الحوثي والصوت الإيراني في جنوب الجزيرة
كيف بدأت العلاقة بين الحوثيين وإيران؟ هل الحوثية تتبع مذهب إيران الشيعي الاثنى
عشرية كما تصفها كبريات وكالات الأنباء العالمية كـرويترز؟ هل هم أهل سنة؟ أم طائفة
أخرى؟
يطلق ضيف الله الشامي، عضو المجلس السياسي للحوثيين في حوار مع صحيفة النهار
اللبنانية على الحوثية اسم حركة أنصار الله، وقد عرفوا بهذه التسمية بشكل رسمي في
الحرب اليمنية السادسة بين عامي 2009 و2010، وأضاف نحن من عمق الطائفة الزيدية التي
تنتمي الى الامام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب، بالإضافة الى ذلك تضم
الحركة كما يزعم شيعة وسنة، وفيها اعداد من الشافعيين وحتى الصوفيين، فالحركة في
النهاية ليست مذهبًا محصورًا.
لكن أخطر ما قاله ضيف الله هو اعترافه "نحن نتشيع لأهل البيت بشكل عام، نعتقد
بإمامتهم لكن لا نحصرها في أعداد معينة، فحتى الامام الخميني نعترف به انه إمام،
بينما يعتبرونه الآخرون وليا فقيها فقط"
فهذا يعتبر اعتراف حوثي رسمي بأنهم يعتبرون الخميني اماما لهم.
وإذا رجعنا إلى الوراء نجد أن بداية العلاقة الجدية بين الحوثيين بإيران كانت في
عام 1994م، عندما سافر عدد قليل منهم إلى إيران للدراسة في مدينة قم التي اشتهرت
بنشر الفكر الشيعي، كان بين هؤلاء بدر الدين الحوثي، الذي أمضى ثلاث سنوات تقريبا،
مع ولديه حسين وعبد الملك الحوثي يدرسون ويتلقون كل ما يقدم لهم.
تأثَّر حسين الحوثي بالخميني وانبهر به، ولم تخلُ محاضراته وخطبه من ذكره، فكان يرى
فيه القدوة التي يجب اتباعها، فنقل هذه التجربة إلى اليمن، وحشد أتباعا من حوله،
وكسب ولاءهم، من خلال تبني خطاب مماثل للخطاب الإيراني العلني المعادي لأميركا
والغرب ورفع الشعار الإيراني: الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل، ورفع شعار القضية
الفلسطينية والقدس الهدف المنشود في جميع خطبه، وأحيا المناسبات الدينية الشيعية
الجعفرية، وبعد مقتله اتبع أخوه عبد الملك الحوثي نفس الأسلوب المسرحي الاستعراضي.
كان الدعم الإيراني بالسلاح للحوثيين دعما محدودا حتى عام 2014، ومنذ عام 2015 عمل
الدعم الإيراني على توفير أسلحة أكثر تعقيدا مثل الصواريخ الباليستية والصواريخ
المضادة للسفن.
وبعد اندلاع الحرب في اليمن تطور الدعم الإيراني إلى مجالات أخرى مثل التدريب
والإمداد بتكنولوجيا الطائرات المسيرة والمعلومات الاستخبارية، وتقول صحيفة
الجارديان البريطانية أن طبيعة الهجمات الحوثية، تشير إلى أن إيران بدأت في استخدام
قدرات الحوثيين المتزايدة لشن هجمات أوسع خارج حدود اليمن الإقليمي.
حزب الله في لبنان
بدأت المخططات الإيرانية تجاه لبنان منذ عصر الشاه على يد موسى الصدر في الخمسينات
منذ القرن الماضي، وقد توجه الصدر إلى لبنان سنة 1958م بناء على أوامر من شاه إيران
وأقام فيها وحصل على الجنسية اللبنانية، ونجح الصدر بمساعدة إيرانية في تأسيس ما
يعرف بحركة أمل التي تعتبر أول تنظيم شيعي مسلح في لبنان، والتي انقلبت على
المقاومة الفلسطينية في لبنان، وفعلت بالفلسطينيين في لبنان الأفاعيل وأقامت لهم
المجازر في مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة.
وإبان الاجتياح الإسرائيلي إلى لبنان مع مطلع الثمانينات في القرن الماضي، أرسلت
إيران إلى حليفها الأسد 1800 متطوع يعملون تحت قيادة الحرس الثوري ونقلتهم سوريا
إلى لبنان. ولا شك إن وجود الحرس الثوري الإيراني كان جزء من مخطط ظهور حزب الله
ليمثل الواجهة الإيرانية الأبرز الرسمية على الساحة اللبنانية.
وبمرور الوقت ارتأى زعماء إيران تأسيس حزب شيعي آخر في لبنان، بعد أن احترق كارت
حركة أمل فقام حسين الموسوي نائب رئيس حركة أمل بالانشقاق على حركة أمل وتأسيس أمل
الإسلامية، التي تحولت لاحقا إلى حزب الله وبرئاسة الشيخ صبحي الطفيلي أول أمين
لحزب الله، والذي تم فصله من الحزب بعد ذلك لمجرد أنه فكر في إيجاد شيء من
الاستقلال عن إيران.
ومما يؤكد هيمنة إيران على حزب الله قول إبراهيم الأمين أحد قادة الحزب: نحن لا
نقول إننا جزء من إيران بل نحن إيران في لبنان، وما جاء أيضا في البيان التأسيسي
لحزب الله المؤرخ بشهر فبراير من عام 1985م، أنه يلتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة
تتجسد في ولاية الفقيه وفي آية الله الخميني، كما أن حسن نصر الله الأمين الحالي
لحزب الله يعد الوكيل الشرعي لخامنئي في لبنان كما هو مبين في موقع حسن نصر الله
على الشبكة العنكبوتية.
لقد تطور الأمر بحزب الله حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم من كونه أصبح دولة داخل
الدولة، فهو الذي يقرر الحرب وهو الذي يستقبل مسئولين من دول أخرى دون أن يمروا على
المسئولين اللبنانيين، وهو الذي تتجه إليه أنظار شيعة لبنان أو غالبيتهم ويعتبروه
حكومتهم والقائم بأمرهم.
حماس وإيران...العلاقة اللغز
من استعرضنا السابق لذراعي إيران في المنطقة الحوثي وحزب الله، نجد أن السمة الأبرز
هي البعد العقائدي للمجموعتين: سواء الزيدية التي تتحول تدريجيا للاثنى عشرية في
حالة الحوثي، أو المذهب الاثني عشري الصريح في لبنان، فالارتباط في تلك الحالتين هو
ارتباط عقائدي في المقام الأول قبل الاستخدام السياسي، وان كان يظهر بصورة واضحة في
لبنان عن اليمن,
أما حماس فهي مجموعة سنية تلقى كثير من قيادتها تعليمهم الشرعي في الأزهر أو في
الجامعات الإسلامية في السعودية، وينتصرون للسنة وأهلها ويحرصون على التصدي للتشيع
في معاقلهم في غزة، حيث تعلق في مساجد الحركة مواعيد دروس المشايخ السلفيين، وخاصة
الشيوخ المصريين في الفضائيات، كما ان هناك مراقبة صارمة للمطبوعات الشيعية داخل
قطاع غزة وتم منع انشاء أي حسينية هناك.
ولكن يتبقى البعد السياسي للحركة والتي تتعدد فيه اجتهادات قيادات الحركة، فمنهم من
يريد ارتباطا قويا بإيران خاصة أنها هي التي تقدم لهم الدعم الوحيد للحركة في
مواجهتها للدولة الصهيونية، بينما تتعرض حماس للحصار الاقتصادي والعسكري من جيرانها
وحلفاءها الطبيعيين من أهل السنة، وفي نفس الوقت تمارس إيران ضغوطا كبيرة على حماس
لكي تكون خاضعة كليا للمواقف السياسية الإيرانية، وترتهن بها بحيث تكون حماس أحد
أوراقها السياسية في المفاوضات الإيرانية الجارية حاليا مع الغرب.
وكثير من قيادات حماس يشكرون إيران، وعلى مساعدتها ووقوفها إلى جانب الحق وقضية
الشعب الفلسطيني، ويعتبرون أن هذا هو الحد الأقصى الذي ينبغي عليهم دفعه...أو بعض
صواريخ تطلق من غزة في وقت توتر بين إيران وإسرائيل، كخدمة مقابل المساعدة
الإيرانية بالمال وتكنولوجيا الصواريخ، والتي بالتدريج بدأت حماس تمتلك خبرات
وتقنيات عالية متزايدة.
ولذلك فإنه من المتوقع في المستقبل القريب أن يقل التقارب بين قادة حماس وإيران،
كلما تمكنت حماس من تقليل اعتمادها على المساعدة الايرانية المادية والعسكرية،
وكلما اقترب العرب منها بيد المساعدة.