يجب على أهالي الشهيد الاهتمام بهذه المسألة المهمة جدًا فالكرامة والمنزلة العظيمة التي أكرم الله تعالى بها الشهيد لا يعني مطلقًا سقوط الديون التي عليه، وهذا من عدل وعظمة الشريعة الإسلامية التي حرصت على الحفاظ على حقوق العباد
لقد كرم الرحمن الرحيم الشهداء بكرامات كثيرة ما نعلمها وما لانعلمها لعظم الشهادة
في سبيله حيث يقول في كتابه العزيز:
}وَلَا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ
عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ
وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ
اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ...{[آل
عمران]،
هذه الآيات الكريمة تُبشر بمكانة الشهيد والكرامات العظيمة التي يُكرم بها.
وهذه المكانة والكرامة تجعل بعض أهالي الشهداء يظنون أن الديون العالقة في ذمة
نجلهم الشهيد تسقط بسقوط أول قطرة من دمائه.
وهذا يجعل البعض لا يفتح أوراق الديون، وبالتالي تبقى ذمة الشهيد مشغولة بالحقوق
المالية المتعلقة بالعباد، وهذه من المسائل الفقهية المهمة التي قد يغفل عنه البعض.
والتي من بينها كذلك حق زوجة الشهيد في استيفاء ما تبقى لها من مهر فهذا يعد من
الحقوق المالية التي تُعلق بذمة الشهيد خاصة أن المتعارف لدى الكثير من المسلمين في
العديد من الدول، هو العمل على تقسيم المهر إلى مؤخر ومعجل وأثاث البيت، وغالبًا
التي تحصل عليه الزوجة عند عقد الزواج هو المُعجل فقط، وبالتالي يكون لها حق مالي
في استكمال حقها من المهر، واستشهد زوجها لا يعني سقوط حقها المالي إلا في حال أنها
سامحته.
وحال النظر إلى القواعد الفقهية وخاصة الشهيرة منها في الشريعة الإسلامية أن
"حقوق الله تعالى مبنيّة على المسامحة".
وعند التأمل بذلك سيكون بالأمر رحمة وفضلًا من الله تعالى على عباده حيث إن المراد
بهذه القاعدة أن ما يلزم المكلف من حقوق الله سبحانه وتعالى فإن مبناها على
المسامحة بحيث إذا شق على المكلف أداء ذلك الحق مشقّة مُعتبرة سقط عنه من الحق بقدر
تلك المشقة؛ لأن الله تعالى لا يلحقه ضرر بنقصان تلك الحقوق، أو عدم أدائها.
وفي النظر لحقوق العباد فإن الأمر مُختلف كليًا، فمن القواعد الفقهية المشهورة في
ذلك أن (حقوق العباد مبنية على المشاحة والمطالبة)، ويرجع ذلك إلى حاجة الناس
إليها، وبالتالي فإنها لا تسقط إلا بإسقاط أصحابها لها، وهذا الأمر ينطبق على
الجميع أي أنه لا يختلف مع الإنسان بكونه شهيد أو غير شهيد نظرًا؛ لأن الحقوق تعلقت
في حق العباد، وبذلك فإن الديون التي تكون على الشهيد حالها مثل الديون التي تكون
على أي إنسان أخر.
والسؤال الذي يتبادر في الذهن والذي يتعلق بالآلية التي من خلالها يمكن سداد هذا
الدين حتى يتم إبراء ذمة الشهيد؟
الجواب يتطلب أولًا النظر فيما ترك الشهيد من مال، بحيث يقضى من التركة ديونه التي
عليه، ويتم كذلك تنفيذ وصاياه إن وجدت.
وفي حال أن الشهيد لم يترك مال في هذه الحالة ينظر إن كان له راتب يجري بعد وفاته
فإنه يجب السداد من هذا الراتب.
وقد يراود البعض السؤال في حال عدم وجود مال أو راتب يجري بعد استشهاده فما الأمر
المنقذ في هذه الحالة؟
بالتأكيد هذا سؤال في غاية الأهمية نظرًا للحاجة له حيث إنه في هذه الحالة يستحب أن
يتبرع أحد من أقاربه أو أصدقائه ومعارفه بسدادها، وإن تعذر كل ما سبق فإنه يتم
الطلب من أصحاب هذه الديون إما مسامحة الشهيد من أجل أن يتم إبراء ذمته، أو
الانتظار لحين القدرة على سدادها.
وبذلك يجب على أهالي الشهيد الاهتمام بهذه المسألة المهمة جدًا فالكرامة والمنزلة
العظيمة التي أكرم الله تعالى بها الشهيد لا يعني مطلقًا سقوط الديون التي عليه،
وهذا من عدل وعظمة الشريعة الإسلامية التي حرصت على الحفاظ على حقوق العباد.
وبالوقت ذاته أهمس في قلوب أصحاب الديون أن ينظروا للأمر بالرحمة لأهالي الشهداء
خاصة أن ما أصابهم كبير فإن كان هنالك مقدور للمسامحة بهذه الديون فبادروا بذلك
فلكم الأجر العظيم عند الله تعالى خاصة إن كان أهالي الشهداء من الفقراء الذين لا
يملكون سداد هذه الديون فكونوا أنتم أصحاب القلوب الكبيرة التي تحتضنهم بالمسامحة
حتى لا تشغل ذمة الشهيد وتذكروا قوله تعالى:
}وَإِن
كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ
لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{.[البقرة:280].
وفي ذلك اقتداء بقول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ
أَحَبَّ أَنْ يُظِلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ فَلْيُنْظِرْ مُعْسِرًا، أَوْ لِيَضَعْ
لَهُ" فما بالك إن كان الأمر يتعلق بالشهيد فمن باب أولى إما الانتظار حتى يتم أهله
السداد عنه أو المسامحة وهي خير.