• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
نتنياهو على خطى ترامب.. الطيور على أشكالها تقع!

من يبحث في شخصية وتاريخ الرجلين؛ سيجد الكثير من القواسم المشتركة بينهما، فكلاهما نرجسي، وانتهازي، وسلطوي، وحريص على استغلال القومية العرقية لتأمين ميزة سياسية ضد خصومه


بعد 12 عامًا في السلطة، ترك بنيامين نتنياهو منصب رئاسة حكومة الكيان الصهيوني، لينتقل داخل الكنيست إلى الجلوس على مقاعد المعارضة، كما ينتقل أيضا من مقر رئيس الوزراء في شارع بلفور بالقدس الغربية المحتلة إلى مكان إقامة آخر لم يحدده بعد، لكن في هذا الانتقال ثمة الكثير من التغيّرات المصاحبة، ولكن أكثرها إثارة هي أن نتنياهو طوال 
كفاحه مؤخرًا للبقاء رئيسًا للوزراء في إسرائيل، كان يتبع إلى حد كبير نفس السياسات والأفعال التي تبناها صديقه وحليفه، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي كان يسعى أيضا لاستعادة الرئاسة في الولايات المتحدة من الرئيس الحالي جو بايدن والديمقراطيين، لقد كانت حملة نتنياهو يائسة ـ على غرار حملة ترامب ـ لنزع الشرعية عن السلطة الحالية، فشرع إلى اتهام خصومه بارتكاب "احتيال القرن"، وهي نفس النبرة التي لا يزال ترامب يرددها حتى الآن وبعد مضي أكثر من 5 أشهر على تنصيب بايدن؛ فهل يسير نتنياهو على خطى ترامب؟

من يبحث في شخصية وتاريخ الرجلين؛ سيجد الكثير من القواسم المشتركة بينهما، فكلاهما نرجسي، وانتهازي، وسلطوي، وحريص على استغلال القومية العرقية لتأمين ميزة سياسية ضد خصومه، يفضلون سياسة "فرّق .. تَسد" من أجل تثبيت أرجاء حكمهم، فهم يزيدون من حدة الانقسامات داخل بلدانهم ويشيطنون المنافسين ويخوّنون المعارضين، حتى حاشيتهم المقربة لا تسلم من التغيير الدائم والتخوين أحيانا، كلاهما أيضا يجيد التحكم في أنصاره وتوجيههم لاتخاذ إجراءات ضد المعارضين، شيطن ترامب السود والمهاجرين، فيما ضخ نتنياهو التهديد من الفلسطينيين في عيون الناخبين الإسرائيليين، لا يزال نتنياهو ـ مثل ترامب تماما ـ يحظى بلهفة وسائل الإعلام لتغطية تصريحات وأرائه، وحتى هواجسه وأفكاره، لا يزال أيضا يحظى بدعم واسع من مجموعة كبيرة من الناخبين والأتباع المخلصين، ويكفي أن نعرف الآن أن الوضع قد أصبح متوترًا للغاية، لدرجة أن بعض أعضاء الكنيست يواجهون تهديدات بالقتل ومظاهرات من أنصار نتنياهو الغاضبين خارج منازلهم، حتى أن مدير جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) أصدر تحذيرًا من احتمال وقوع عنف سياسي، ولا شك أن نتنياهو يدرك أهمية وثقل هذه المكونات، ومن المؤكد أنه سيسعى للضغط على أعضاء اليمين في الحكومة الجديدة وبالتوازي سيعمل على تأمين انهيارها، وإذا حدث ذلك، فإن نتنياهو سيكون لا يزال هو السياسي الأكثر هيمنة ومهارة من أجل رئاسة حكومة جديدة، خاصةً في مجتمع صوّت فيه 72% لأحزاب اليمين في الانتخابات الأخيرة.

عملًا بالمثل القائل "الطيور على أشكالها .. تقع"؛ يواجه ترامب ونتنياهو محاكمات قانونية أثناء تواجدهما خارج المنصب، إذ يخضع ترامب وشركاته للتحقيق في الولايات المتحدة لتحريف قيمة الممتلكات ترامب ورفع القيم للمستثمرين وخفضها بشكل غير قانوني، بالإضافة إلى المعاملات التجارية المشبوهة الأخرى، هذا بخلاف مقاضاته شخصيًا بتهمة الإساءة إلى النساء والتعامل الاحتيالي مع الميراث والتحريض على أعمال الشغب في 6 يناير في مبنى الكابيتول، وربما تظهر قضايا أخرى ضده عمّا قريب، وإذا أدين بأية تهمة، فقد يكون أول رئيس أمريكي يدخل السجن، مثله تماما يُحَاكم نتنياهو حاليًا بتهم خيانة الأمانة والرشوة والاحتيال، وإذا أدين فقد يكون ثاني رئيس وزراء إسرائيلي يقضي عقوبة بالسجن.

على عكس ترامب، لن يختفي نتنياهو ببساطة في منتجع خاص مثلما فعل صديقه الأمريكي، ليس فقط لأنه لا يملك منتجعًا بالأساس، وإنما لأنه لن يغيب عن المسرح السياسي أو يصبح محظورًا على معظم منصات التواصل الاجتماعي الشهيرة، فهو فقط سوف ينتقل إلى صفوف المعارضة في الكنيست، وسيبقى على رأس الحزب السياسي الأكبر والأكثر تماسكًا في إسرائيل، فحزب الليكود الآن، أو حزب نتنياهو ـ لكونه قد بات أكثر شهرةً من حزبه ـ يجلس أعضاؤه على مقاعد المعارضة داخل الكنيست حاليا، وهم لازالوا يشكلون رقمًا ملموسًا داخل تشكيلة الكنيست الهشّة، وليس من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة أفول نجم نتنياهو من الحياة السياسية، حتى وإن أصبح الطريق حاليا ممهدًا لمحاكمته في قضايا فساد متهمًا فيها، فتأثير نتنياهو على السياسة الإسرائيلية لن ينتهي بسهولة، إذ أن معظم الوزراء الذين يخدمون في الحكومة الجديدة هم من أتباع ووزراء نتنياهو السابقين، نفتالي بينيت نفسه كان يعمل لدى نتنياهو، وبشكل عام هناك عدد قليل جدًا من الشخصيات السياسية البارزة في إسرائيل اليوم الذين لم يعملوا مع نتنياهو أو إلى جانبه، وهو ما يعني أن تأثيره على مؤسسات الكيان الإسرائيلي سيبقى لفترة طويلة.

في ظل تزايد انقسام الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة حول العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، مع الضغط التقدمي باتجاه نهج يُظهر مزيدًا من الاهتمام بالفلسطينيين، يمكن لنتنياهو أن يستغل الوضع، فالأشخاص في أقصى اليمين في أمريكا يبحثون عن حلفاء ضد إدارة بايدن يمكن أن يروا في نتنياهو سياسي كبير في صالح تيارهم، وفي المقابل يريد نتنياهو دعمًا من الأمريكيين، وهذا الدعم لن يجده يسهولة سوى لدى ترامب وأنصاره من الجمهوريين والإنجيليين، ولا يخفى على أحد أن نتنياهو قد ربط نفسه بشدة بالسياسة الجمهورية وحتى بترامب شخصيًا، على الرغم من أن نتنياهو يومًا قد وصف هجوم أنصار ترامب على مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة على أنه "مشين وغريب عن القيم الإسرائيلية والأمريكية"، فقد حث المستوطنين اليهود على تنظيم احتجاجات خارج منازل أعضاء الحكومة الجديدة، وخاصة الأعضاء اليمينيين، بهدف إجبارهم على التصويت ضد بينيت، ومثلما رفض ترامب إدانة أعمال الشغب في مبنى الكابيتول يوم إعلان هزيمته وتثبيت فوز بايدن، وأشاد بالمتظاهرين وكرر ادعاءه الكاذب بأنه انتصر في فوز ساحق بالانتخابات التي كثيرًا ما وصفها بـ"المزورة"؛ رفض نتنياهو أيضا إدانة التحريض ضد بينيت وحلفائه، زاعمًا أن وسائل الإعلام رفضت تغطية تحريض مماثل ضد عائلته، وانبرى ـ مثل ترامب ـ في انتقاد وسائل الإعلام التي وصفها بالانحياز لإسكات اليمين، واشتكى من قيام بعض منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر، بتعليق حسابات ابنه وعدد من أنصاره، كما وصف تقاسم السلطة بين بينيت ويائير لابيد بأنها "أكبر عملية تزوير في الانتخابات في التاريخ".

على مدى أكثر من عقد من الزمان، أقنع نتنياهو نفسه بأن أي شخص آخر يحكم إسرائيل سيشكل تهديدًا وجوديًا على الدولة اليهودية، وقد كان خطابه الأخير قبل تصويت الكنيست لصالح حكومة بينيت، ترامبيًا للغاية، حيث أفاض من الثناء على نفسه والإشادة بسياساته، ومثلما كان ترامب يزعم أنه يقاتل من أجل الأمريكيين المنسيين؛ أصرَّ نتنياهو على أنه لم يستسلم لأنه كان يعمل "باسم جمهور كبير من ملايين المواطنين، وكخادم لشعب يرغب في العيش في سلام وأمن"، لكن في الواقع فقد كان نتنياهو يفعل كل ذلك من أجل مصلحته الشخصية، لقد كان متمسكًا بشدة بالسلطة على أمل جعل الكنيست يقر قانونًا من شأنه أن يجعل رئيس الوزراء محصنًا من الملاحقة القضائية، وأصبح البقاء خارج السجن له أهمية قصوى بالنسبة له، لدرجة أنه كان مستعدًا لتقويض الأدوات الأساسية لسيادة القانون ومراقبته، مثل المحكمة العليا والقضاء والصحافة، لكن الضوابط والتوازنات حرمته من مبتغاه، فالناخبون الإسرائيليون خيّبوا آماله في الحصول على الأغلبية في 4 انتخابات متتالية وموزعة على عامين، بالرغم من أن 70% منهم صوتوا لأحزاب اليمين، وهو ما يعني بعبارة أخرى أن شعبية نتنياهو أقل من شعبية سياساته.

على الجانب الآخر، ظهر بينيت للمرة الأولى متحدثًا كرئيس للوزراء، مستخدمًا تفس لغة الخطاب الذي استخدمه الرئيس الديمقراطي جو بايدن في 6 يناير، حيث دعا نتنياهو إلى الالتزام بانتقال سلمي للسلطة، وخاطبه بالقول: "السيد نتنياهو، لا تترك وراءك أرضًا محروقة "، وفي تزامن غريب يشبه إلى حد كبير حالة التراشق بين ترامب وبايدن، ظهر نتنياهو على الهواء مباشرة على قناة إسرائيلية يمينية تعادل القنوات التي كان ترامب يظهر عليها، ليصف بينيت بأنه "كاذب ومحتال"، مؤكدًا أن "بينيت ولبيد سيحولان إسرائيل إلى دكتاتورية مظلمة شبيهة بكوريا الشمالية". بأيّ حال فقد وصل بنيامين نتنياهو إلى نقطة منخفضة للغاية في حياته المهنية، صحيح أنه سيظل قوة لا يستهان بها وأن زواله السياسي لا يلوح في الأفق حاليا، لكن لا شئ مضمون في السياسة، على الأقل الآن سيحظى منصب زعيم المعارضة بمزيد من الزخم والبروز الإعلامي في النظام السياسي الإسرائيلي.

أعلى