• - الموافق2024/11/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل للكيان الصهيوني مستقبل؟

في حديث لرئيس جهاز الموساد (وكالة الاستخبارات الإسرائيلية) الأسبق أفراييم هليفي في الذكرى السبعين للنكبة يقول فيه: نحن على أبواب كارثة! إنه ظلام ما قبل الهاوية


"مستقبل إسرائيل سيكون إما سيئا أو سيئا للغاية"

هذا ليس تصريحا ألقاه عربيا او مسلما من باب التمنيات أو حتى استقراء المستقبل أو مرددا نبوءة متداولة، ولكنه تصريح رئيس أحد أخطر أجهزة الأمن الإسرائيلية وهو رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق (شين بيت) كارمي غيلون، في مقابلة أجرتها معه ونشرتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية، والرجل يعبر عن هواجس مقلقة تتعلق بوجود ومصير الكيان الصهيوني، حيث يزداد الجدل داخل المؤسسات الأمنية الفكرية والسياسية، واستتبعتها أبحاث ومقالات ومؤتمرات في مراكز البحث الإسرائيلية بحثا في مستقبل هذا الكيان.

ولقد تصاعد سؤال المستقبل على الساحة الداخلية الصهيونية، سواء على ساحة الأجهزة التنفيذية أو الفكرية هذه الايام ...خاصة بعد المأزق الذي وجد الكيان الصهيوني نفسه فيه، وهو يرى أن السلاح الذي يمتلكه والذي يتفوق به على جيوش المنطقة غير قادر على حسم معركته مع المقاومة الفلسطينية، هذه الفصائل المسلحة والتي تدافع عن شعب محاصر في قطعة أرض صغيرة، ولكن تلك المقاومة بأسلحتها التي طورتها بنفسها استطاعت أن تحاصر مطاراته، وتجبر اليهود على المكوث في بيوتهم بصواريخها المصنعة محليا وليست المصنوعة في كبرى مصانع السلاح العالمية.

وفكرة سقوط الكيان ليست جديدة، فعدد من المفكرين الصهيونيين توقعوا هذا السقوط، وكان أولهم البروفيسور اليهودي يشعياهو ليبوفيتش حين أعلنها صراحة مباشرة بعد حرب 1967 والتي يطلقون عليها حرب الأيام الستة، فيقول الرجل: في اليوم السابع، ستبدأ نهاية إسرائيل إذا لم تستيقظ.

ولكن أقوى هذه التصريحات ما قاله رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو في احتفال عيد العرش عند اليهود عام 2017 عندما قال: سأجتهد لتبلغ إسرائيل عيد ميلادها المائة، لكن هذا ليس بديهيا، فالتاريخ يعلمنا أنه لم تعمر دولة للشعب اليهودي أكثر من ثمانين سنة وهي دولة الحشمونائيم.

وفي حديث لرئيس جهاز الموساد (وكالة الاستخبارات الإسرائيلية) الأسبق أفراييم هليفي في الذكرى السبعين للنكبة يقول فيه: نحن على أبواب كارثة! إنه ظلام ما قبل الهاوية.

كل هؤلاء الذي يتوقعون السقوط ليس عن طريق نبوءات موجودة في كتب أو نقلا عن مدعين للغيب ولكن نتيجة استقراء عميق للواقع الصهيوني واكتشاف حجم الأزمة التي يمر بها الكيان.

ولكن ما هي الكارثة التي يستشعرها هؤلاء الساسة والمفكرين؟

كانت الدولة في فكر مؤسس الصهيونية العالمية تيودور هرتزل خاصة ما ورد في كتابه الدولة اليهودية وما جاء في بروتوكول المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا عام 1898 بالنص "تهدف الصهيونية إلى وطن للشعب اليهودي في فلسطين مكفولًا بشكل علني وقانوني" كانت الجهود اليهودية منصبة على تأسيس الدولة وتذليل جميع الصعوبات التي يمكن أن تواجهها، ولم يكن يخطر ببال المؤسسين الصعوبات التي ظهرت بعد التأسيس، فالفكرة هو أن تقوم دولة خالصة لليهود ولا هناك أي اعتبار للسكان الأصليين بل رفض وإلغاء لوجودهم، في البداية قامت المؤسسات الصهيونية باستقدام اليهود من جميع أنحاء العالم وتجميعهم في أرض فلسطين، ثم شرعت العصابات الصهيونية بطرد الفلسطينيين من أراضيهم وتوطين اليهود مكانهم.

ويفرق علماء الاجتماع والسياسة بين نوعين من الاستعمار: الأول ويطلق عليه الاستعمار المتروبولي وهو الذي يرتبط بالمركز الاستعماري في البلد الأم، ولا يتضمن انتقال عدد كبير من السكان للإقامة الدائمة في المستعمرة ويتميز بالسيطرة عبر سلطة استعمارية بغرض إقامة إمبراطورية، كما كانت حال الاستعمار الإنجليزي في الهند.

أما النوع الثاني فيطلق عليه الاستعمار الاستيطاني، وهو عبارة عن انتقال المستعمرين بأعداد كبيرة للسكن الدائم في المستعمرة وتأسيس وطن على طراز الوطن الأم.

وفي هذه الحالة يتم الاستيطان عبر ثلاثة طرق: استيطان مختلط أو استيطان زراعي أو استيطان نقي.

في حالة النوعين الأولين يتركز على استيطان الأرض فقط، وبعدها إما استغلال اليد العاملة المحلية (في حالة المستوطنة المختلطة) أو استيراد اليد العاملة (في حالة المستوطنة الزراعية).  أما الحالة الثالثة وهي التي يمثلها الكيان الصهيوني فهو ما يعرف بالاستعمار النقي، وهو الذي يقوم على استيطان الأرض والعمل معا، ويترتب على ذلك رفض وإلغاء لوجود السكان الأصليين، لذلك رفع الكيان الصهيوني شعار (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) ليبرر لنفسه حملات التطهير العرقي التي قامت بها العصابات الصهيونية مثل عصابة شتيرن والهاجاناه.

كانت الحالة الصهيونية أشبه بالاستعمار البريطاني لأمريكا وتفريغ أرضها من سكانها الأصليين الذين أطلق عليهم مسمى الهنود الحمر.

وظل هذا هدف الصهيونيين في فلسطين أي الحفاظ على دولة يسيطر عليها اليهود حتى ولو تبقى بها القليل من الفلسطينيين، ولكن يظل الفلسطينيون فيها مواطنون من الدرجة الثانية.

ولكن حدث تطوران أثرا على التفكير الصهيوني:

التطور الأول/ هو الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987.

التطور الثاني/ هو انقلاب النمو السكاني لصالح الفلسطينيين، حتى باتت أعداد الفلسطينيين على أراضي فلسطين التاريخية أكبر من عدد اليهود في آخر إحصاء صهيوني صدر في ديسمبر عام 2020، هذا غير ملايين الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين خارج فلسطين.

هنا تبلورت مدرستان في الفكر السياسي الصهيوني:

اليمين الصهيوني الذي يرى في مشروع الدولة الفلسطينية خطراً عليه ويعمل على نسف هذه الفكرة من أساسها، ويرتكز فكر اليمين الصهيوني على مفهوم إسرائيل الكبرى بحدود لا نهائية، تمتد وتتسع مع الوقت لتشمل أرض الميعاد في النبوءة التوراتية من النيل للفرات، كما يقوم هذا الفكر على مشروع الترانسفير؛ وهو ترحيل الفلسطينيين للأردن. ويقول شارون في هذا السياق وفي ذلك الوقت: وإلا فلماذا أنشئت مملكة الأردن إذن؟!

أما اليسار الصهيوني فيرى ضرورة وجود نوع من الكيان الفلسطيني له شروط ومواصفات معينة، وهو ما عبر عنه إسحاق رابين، رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق الهالك في الثمانينيات بقوله: أحسن شيء للخلاص من الانتفاضة أن نسلم القمع إلى فئة فلسطينية تقتلهم، هذه هي الفلسفة الصهيونية من قيام دولة فلسطينية. وأردف هذا الكلام بمؤتمر صحفي قائلاً: خير وسيلة هو صنع سلطة فلسطينية تقوم بعمل الشرطي وتحمي أراضينا، ونضع الفلسطيني بوجه الفلسطيني.

ويقوم الفكر اليساري الصهيوني على مفهوم إسرائيل العظمى، أي نواة عسكرية قوية لها حدود تشمل فلسطين قبل 1967م، بالإضافة لمعظم أراضي الضفة الغربية، وتهيمن على منطقة الشرق الأوسط كلها هيمنة: اقتصادية، عسكرية، سياسية إعلامية، وثقافية.

ولكن بمرور الوقت وبعد ظهور فشل حل أوسلو وقيام الانتفاضة الثانية في عام 2000م، وفي هذا السياق تقول صحيفة يديعوت آحرنوت: من اعتقد قبل أوسلو أن مثل هذه الدولة ممكنة ولا تشكل خطراً على وجود إسرائيل يجب أن يشطب هذه الإمكانية إلى الأبد في أعقاب كارثة أوسلو.

وبدأ في المقابل يتبلور طريق ثالث أخذ شكل حزب جديد أسسه شارون يعرف باسم كاديما.

تركزت فكرة كاديما على المزج بين الحلين السابقين بحيث يتم الاحتفاظ بالنواة القوية، أي: دولة يهودية لها حدود معروفة مفصولة عن الفلسطينيين، وهذا جزء من الحل اليساري الصهيوني. وفي المقابل لا دولة فلسطينية بأي مفهوم وإنما كيان غير محدد.

وأطلقت كاديما على هذه الخطة اسم خطة الانطواء والتي عبر عنها أولمرت في السابق بعد فوز حماس في الانتخابات، وهي خطة البدء بترسيم حدود الدولة العبرية بالانسحاب الأحادي من غزة، وهذا ما تم، ثم الانسحاب من الضفة.

ولكن ما مفهوم الكيان الفلسطيني في الخيار الصهيوني الثالث، ونعني به خطة الانطواء؟

نحن نعتقد أن مفهوم هذا الكيان وشكله ودرجة التعاون معه متوقفة على نمو هذا الكيان واستجابته للمطالب الأمنية الصهيونية، وعلى رأسها تفكيك المنظمات المسلحة، أو ضمان عدم إطلاق صواريخ أو أعمال فدائية منه ضد الدولة الصهيونية، فإنْ استجاب فلا إشكالية، وإن لم يستطع الاستجابة لتلك الشروط فيُترك للفوضى، ويتم اصطياد المقاومين وتوسيع نطاق العمليات ضدهم، والعمل على تحميل الشعب الفلسطيني دفع فاتورة عدم الاستجابة للشروط الصهيونية، ولذلك فإنه من غير المرجح أن تقوم الدولة الصهيونية باجتياح غزة، ويؤكد هذا المعنى قناة روسيا اليوم ؛ حيث تقول : أنه في الماضي القريب رفض رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق أولمرت طلبا لمحمود عباس باجتياح قطاع غزة.

ومن أجل تنفيذ هذه الخطة أيضاً يطالب المستشرق متان شتينبرغ، الذي شغل منصب كبير المستشارين للشؤون الفلسطينية في جهاز المخابرات الصهيونية الداخلية الشاباك، بدق إسفين بين حماس وفتح، وبين حماس والشعب الفلسطيني. ويضيف: إن مثل هذه الخطة ستدفع أزمة انتصار حماس إلى السطح.

والواضح أن خطة الإيقاع بين الفلسطينيين لا تشمل الضفة وغزة فقط بل أيضا الفلسطينيون داخل الخط الأخضر والذين ظهروا في الحرب الأخيرة كرقم صعب في المعادلة الفلسطينية حيث شددوا في فعاليتهم على وحدة الشعب الفلسطيني وهتفوا لقيادات حماس العسكرية والتي أمطرت إسرائيل بوابل من الصواريخ ردا على تدنيس المستوطنين الأقصى فاعتبروا المقاومة الفلسطينية بمثابة المدافع عنهم كشعب واحد.

 

أعلى