اعتمد التنظيم في الآونة الأخيرة على بث دعاية إعلامية مكثفة ضد حركة طالبان، باعتبارها حركة قومية وليست إسلامية بالمعنى الجامع لا تمانع بالتعامل مع الأمريكان
الأسبوع الماضي تبنى تنظيم داعش مسؤولية قتل أحد أكبر القيادات في حركة طالبان
أفغانستان في مدينة بشاور شمال غرب باكستان، ويدعى المولوي نيك محمد، الملقب بـرهبر
وهو المسؤول العسكري للحركة في إقليم ننجرهار الأفغاني.
وقالت مصادر في طالبان لوكالات الأنباء، إن من بين الجرحى قيادياً آخر في الحركة
يدعى مصطفى، وهو قائد العمليات والتجنيد داخل مدينة جلال أباد مركز إقليم ننجرهار،
وقد تم نقله إلى مستشفى بمدينة بشاور.
هذا القيادي المقتول كان من بين القادة الميدانيين الكبار للحركة، وكان له نفوذ في
الأوساط القبلية، تحديداً في منطقة خوجياني والجبل الأبيض الفاصل بين باكستان
وأفغانستان في شرق أفغانستان، وخاض القيادي معارك ضارية مع تنظيم داعش في منطقة
خوجياني وتوره الجبلية بإقليم ننجرهار وكان أخوه الأكبر، ويدعى المولوي نور محمد،
من القادة البارزين للحركة إبان ظهورها في قندهار.
هذه الحادثة تدل على تحول جديد وغير مسبوق لتنظيم داعش في أفغانستان منذ أن بدأ في
الظهور على المستوى الإعلامي والعملياتي، ليوسع من دائرة استهدافه لكل من الحكومة
الأفغانية الموالية والمدعومة من الولايات المتحدة، لتشمل أيضا حركة طالبان.
فهل تؤثر هذه العمليات التي تقوم بها داعش في أفغانستان على مستقبل الحكم عقب
الانسحاب الأمريكي من هذا البلد؟
لا شك أن جماعة طالبان، هي الطرف الذي يحق له أن يجني ثمار ما يقرب من عشرين عاما
من القتال والجهاد والصمود ضد القوات الأمريكية والحليفة لها.
فمقاييس الانتصار تنطبق على ما حققته الحركة، وأكثر دلالة على هذا الانتصار هو أن
الولايات المتحدة قد أجبرت على سحب قواتها، ولم تستجب الحركة لشروط أمريكا الكثيرة
التي تراوحت من تفكيك الحركة وتسليم سلاحها، إلى الاندماج في حكومة كابول الموالية
للأمريكان، أو حتى القبول بخدعة الانتخابات، ولم تعطي إلا ضمانات شفوية بعدم عودة
القاعدة مرة أخرى إلى أفغانستان، أي أن أمريكا قد أجبرت في النهاية على التسليم
بشروط الحركة.
أي أن الولايات المتحدة بعد عشرين عاما من القتال استسلمت لما كانت تقوله طالبان
منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، والتي أعلن حينها قائد الحركة الملا عمر
أنه على استعداد لإخراج القاعدة من أفغانستان نظير وقف أمريكا حربها المزمعة ضد
أفغانستان.
ولكن بعد ماذا أوقفت أمريكا ورجعت لشرط الملا عمر؟
بعد أن أنفقت وفقا لوزارة الدفاع الأمريكية من أكتوبر من عام 2001 وحتى سبتمبر من
عام 2019 778 مليار دولار، بالإضافة إلى نحو 44 مليار دولار على مشاريع إعادة
الإعمار وفق وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو إس
إيد) ووكالات حكومية أخرى، وبذلك يصل إجمالي التكلفة استنادا إلى البيانات الرسمية
إلى 822 مليار دولار بين عامي 2001 و2019، أما الخسائر البشرية فمنذ بدء الحرب ضد
طالبان في عام 2001، تكبدت القوات الأمريكية أكثر من 2300 قتيل كما أصيب نحو 20660
جنديا بجراح أثناء القتال.
ولكن عندما أوشكت طالبان على أن تجني ثمار انتصارها ظهرت داعش...
تنظيم الدولة ولاية خراسان
في يناير 2015، أعلن تنظيم داعش عن إنشاء فرع ولاية خراسان وحمل البيان عنوان (قل
موتوا بغيظكم!)، وخراسان عرفت في التاريخ الإسلامي بأنها الأراضي الواقعة حدودها
مما يلي العراق، وآخر حدودها مما يلي الهند، وبالرغم من أن هذه المنطقة تضم إيران
وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان بالإضافة إلى أفغانستان، إلا أن داعش تركت كل
تلك الدول واتجهت إلى أفغانستان لتعلن فرع دولتها الجديد، ربما لأنها الحلقة الأضعف
أو الدولة المنهارة والمفككة بفعل التدخل الأجنبي فيها.
لقد تزامن ظهور داعش خرسان مع بدء تراجع التنظيم في كل من سوريا والعراق الذي امتدت
عملياته في هذين البلدين من منتصف عام 2014 إلى بداية عام 2018، في قتال مرير وشرس
أسفر عن مقتل حوالي ستين ألفًا من أنصار تنظيم الدولة وقادته وعدة آلاف من
المدنيين، وربما جاء انتقاله إلى أفغانستان كعملية انتقامية لما حدث له في البلدين.
وتزامن إعلان التنظيم عن نفسه مع التسجيل الصوتي الذي ألقاه المتحدث باسم داعش أبو
محمد العدناني بشأن التوسع الجغرافي للتنظيم في مناطق في أفغانستان وباكستان، وذكر
العدناني أن فرع داعش الجديد سيكون برئاسة القائد السابق في حركة طالبان
الباكستانية حافظ سعيد خان، ليصبح أميرًا لما يسمى بولاية خراسان، وذكرت مجلة دابق
التابعة للتنظيم أن مسلحين من أقاليم نورستان وكونار وقندهار وخوست وغزني وورداك
وهلمند وقندوز ولوجار وبالطبع نانجارهار التي عاصمتها جلال أباد، انضموا إلى
التنظيم في أفغانستان.
ونجح تنظيم داعش في التواجد داخل باكستان التي تمثل دائما حاضنة الجهاد الأفغاني،
حيث استطاع كسب دعم بعض الفصائل العسكرية الباكستانية مثل عسكر جنجوي العلمي وجند
الله وعسكر الإسلام.
دشن تنظيم داعش-ولاية خرسان هجماته الأولى في جلال أباد، العاصمة الإقليمية لمقاطعة
نانجارهار في أفغانستان في أبريل 2015 وذلك بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر بعد اشهار
التنظيم، وأسفر هذا الهجوم عن مقتل أكثر من 33 شخصًا وإصابة أكثر من 100 آخرين خارج
أحد المصارف عندما كان العاملون الحكوميون يستلمون رواتبهم، وبعدها توالت هجماته
وامتدت في حيز جغرافي كبير تستهدف إيقاع أعداد كبيرة من القتلى والمصابين في كابول
وكويتا في أفغانستان وبيشاور في باكستان، كما أعلن مسؤوليته عن بعض الهجمات في جامو
وكشمير الخاضع للإدارة الهندية، مثل الهجمات على ضباط الشرطة.
ومثلما فعل التنظيم في العراق فإن عمليات التنظيم شملت أيضا الشيعة الأفغان من
طائفة الهزارة.
وبالرغم من أن التنظيم تعرض لضربات من الحكومة الأفغانية مدعومة من القوات الغربية
المتواجدة في أفغانستان كما تعرض لضربات حركة طالبان، فإنه رغم الضعف الذي تأثر به
إلا أنه لم تلحق به هزيمة ساحقة مثلما جرى في العراق وسوريا، حيث استغل التضاريس في
منطقة الحدود الباكستانية الأفغانية ودعم بعض الجماعات العسكرية الباكستانية ليستمر
في عملياته وإن خفت حدتها.
واعتمد التنظيم في الآونة الأخيرة على بث دعاية إعلامية مكثفة ضد حركة طالبان،
باعتبارها حركة قومية وليست إسلامية بالمعنى الجامع لا تمانع بالتعامل مع
الأمريكان، وقد تقبل الدخول في لعبة الديمقراطية، وبحسب موقع "sofrep"
الأمريكي العسكري فإن تنظيم الدولة وفي إطار مساعيه لإعادة إحياء ولاية خراسان،
أرسل قائدا عراقيا يدعى الدكتور شهاب\، وجعله واليا على الجماعة، وبحسب الموقع، فإن
تنظيم داعش سيقوم في الفترة المقبلة بالعمل على تجنيد أعداد كبيرة من المقاتلين في
صفوفه، ونقل الموقع عن مصادر لم يسمها، قولها إن شهاب المهاجر يريد استغلال الثغرات
في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان لتهريب المقاتلين منها.
وفي بحث نشر بمنصة
ResearchGate
للدراسات، فإن التنظيم يحاول زرع أفكاره في عقول الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم
الخمس سنوات، وربما يحاول استغلال هذه النقطة في حال تمكن من فرض سيطرته على
ننجرهار مجددا، وترى الدراسة أن تنظيم الدولة ربما يلجأ في حال التضييق عليه
مناطقيا إلى حرب العصابات، أو خيار أسهل من ذلك وهو استهداف تجمعات الشيعة.
ونستطيع أن نقول إنه وفق لما سبق فإن استراتيجية داعش خراسان قد ارتكزت على عدة
عناصر وهي شبيهة بما قامت به في سوريا والعراق:
·
اللعب على الوتر القبائلي والطائفي.
·
التمايز عن التنظيمات الجهادية الحقيقية كطالبان وشق صفوفهم.
·
تصعيد الخطاب التكفيري والأساليب الوحشية.
·
استقطاب وتجنيد الأفراد من خلال رواتب عالية والدعم المالي.
الخاتمة
طالبان حركة حيوية قادرة على تجديد قيادتها وتجنيد أعضاء ومقاتلين جدد، وبالرغم من
الضغوط الضخمة التي مارستها عليها الولايات المتحدة بجيشها الجبار ومخابراتها
العتيدة ولكنها نجحت
في الاستمرار، وقد أثبتت أيضا أنها حركة مجتمعية وليست تنظيما معزولا، تتفاعل
الحركة مع الجماهير وتدرك جيدا الاختلافات القبائلية والعرقية والطائفية في
أفغانستان، وتعرف كيفية التعامل وإدارة هذا التنوع حتى أن قنوات معبرة عن حركة
طالبان الأفغانية قد نشرت مؤخرا لقاء مصورا مع مولوي مهدي، أحد الحكام الإداريين
الشيعة المرتبطين بالحركة السنية، وهو حاكم منطقة بلخاب شمال مقاطعة سربل.
خبرات السنوات الماضية استوعبتها طالبان فطورت من نفسها وأصبحت تتسم بسمات الدولة
المنضبطة لا الحركة العشوائية، بانتهاجها أساليب دبلوماسية والدخول ضمن تكتلات
وتحالفات، وليست القوة العسكرية وحدها في حسم صراعاتها وحروبها، بل انها تفرض نفسها
لاعبا إقليميا يستطيع التعامل مع الدول، حتى أن مندوبين من الحركة زاروا الصين
وإيران وروسيا وتركيا وقطر، وبالطبع فهم يلاقوا دعما غير محدود من باكستان.